تعرف على الكلمات الأولى لأغنية (يا ورد مين يشتريك) لمحمد عبدالوهاب
كتب : أحمد السماحي
ما زالنا مع رسول الغزل والكلمة الأنيقة شاعر لبنان الكبير (بشارة الخوري) الملقب بـ (الأخطل الصغير)، الذي يعتبر تراثا لبنانيا له حرمة الأرز، وروعة هياكل بعلبك، تحدثنا فى الأسابيع الماضية عن قصيدته (أترى يذكرونه أم نسوه) التى قام بغنائها ست مطربين بألحان محتلفة، كما تحدثنا عن قصيدته (اسقينها بأبي أنت وأمي) التى غنتها (أسمهان) وتمنى الموسيقار (محمد عبدالوهاب) أن يغنيها، كما تحدثنا عن قصيدته (وردة من دمنا) التى غنتها المطربة (لوردكاش) عام 1948، ثم أعاد (فريد الأطرش) تلحينها عام 1968 وعرضها على كوكب الشرق (أم كلثوم) لكنها طلبت بعض التعديلات على اللحن، مما جعل (الأطرش) يحبس القصيدة في درج مكتبه، ولم يغنيها إلا عام 1973.
هذا الأسبوع فى باب (محذوفات الأغاني) سنتحدث عن تجربة وحيدة لم يكررها (الأخطل الصغير)، وهى كتابته لأغنية بالعامية المصرية، سنترك عملاق لبنان يحدثنا عن تفاصيل هذه التجربة كما تحدث هو عنها فى أحد حوارته الصحافية في مجلة (آخر ساعة) فى خمسينات القرن الماضي، حيث قال شاعر الصبا والجمال: سامح الله (محمد عبدالوهاب) فقد أجبرني أن أصبح زجالاً مصرياً، فبعد أن أعطيته قصيدة (الصبا والجمال) لفيلمه الجديد الذي كان يستعد له وهو (يوم سعيد)، كنتُ أنا وهو ذات صباح نجلس في حديقة الورد قرب منزلي في لبنان، وبينما نحن نرشف القهوة، نظرتُ إلى وردة وشَّاها الندى بأعراق ونقطها باللؤلؤ، فقلت وهو بجواري :
يا ورد عاش الورد
طاب الذي شمّك
يا برعماً في نهر
شقّ الهوى كمّك
وأعجب عبدالوهاب بما ذكرته أمامه، وطلب مني أن أحول هذا الكلام الرائع إلى لهجة عامية مصرية، لأن الفيلم لا يتحمل قصائد أخرى، حيث سيغني فيه أكثر من قصيدة منها (مجنون ليلى) و(الصبا والجمال)، فتحديت نفسي وحولت الكلمات التى كتبتها إلى شعراً شعبياً، فكانت (يا ورد مين يشتريك)، وهي تجربة فريدة لأن القصيدة مزيج من الفصحى والعامية المصرية، ولم تتكرر التجربة فيما بعد.
جدير بالذكر أن (محمد كريم) مخرج فيلم (يوم سعيد) كتب فى مذكراته : أنه أثناء تصوير هذه الأغنية التى كان (عبدالوهاب) يغنيها فى حفل خيري ضمن سياق الفيلم، وبعد قضائه ساعات طويلة فى تنظيم المشهد، وترتيب أماكن جلوس (الأرتست) وقبل بدء التصوير بدقائق دخل البلاتوه شخص يحمل خبرا موجزا مثيرا، لقد نشبت الحرب فجأة واكتسحت الجيوش الألمانية بولندا، وإنجلترا وفرنسا ستعلنان الحرب فورا.
وفى لمح البصر ساد الهرج والمرج وترك الممثلون أماكنهم، وأسرعوا نحو الراديو يسمعون الاذاعات العالمية، وكنت لا تسمع إلا صراخ السيدات الأجانب وبكاءهن، وأصبحت ملابس السهرة التى كن يرتدينها نشازا وسط هذا النواح.
وتصادف أن كان (نجيب الريحاني) فى الاستوديو فى ذلك الوقت، وتصادف أن دخل البلاتوه في تلك اللحظة التى امتزجت فيها دموع البشر من كل أمم الأرض، فأخذ يرفه عن الباكيات، ويلقي بنكاته ذات اليمين وذات اليسار، ولكن كيف السبيل إلى تجاهل خطر الحرب المروع الذي كان يحمل في طياته بداية متاعب لا حد لها للبشرية.
وأدار (الريحاني) وجهه الضاحك وانحدرت دمعة على وجهه الفيلسوف مسحها بمنديله، ثم عاد يطوف بين الباكيات، كان منظرا لا ينسى الفرنسية تواسي الألمانية، والألمانية تسعف البولندية، والمصري يواسي الجميع، وهذا ما فعلته فأجلت تصوير أغنية (يا ورد مين يشتريك) يوم آخر حتى تعود الكومبارسات الأجنبيات إلى طبيعتهن المرحة التى تناسب جو الحفل الضخم وتعبر عن كلمات الأغنية.