إياد نصار .. فنان يجيد كل أنواع الخداع في التمثيل
بقلم : محمد حبوشة
التمثيل هو فن تقمص الشخصية المطلوب تمثيلها على خشبة المسرح أو على شاشتي السينما والتليفزيون، وذلك بعد لبس جلدها والظهور في صفاتها بقدر المستطاع وتبعا لما رسمته من معالم الشخصية وهو أداء مقيد بأصل أو بنص مكتوب، وحتى يتحقق ذلك لابد من وجود صفات ينبغي أن تتوفر في الممثل المحترف، وعلى رأسها يجب أن يتوافر فيه الإحساس و قوة التركيز للأفكار وقوة التذكر للحركة الجسمانية، حتى يعيش في الدور ويتسلل تحت جلد الشخصية، وأن تكون له المقدرة على إيجاد العلاقات الذهنية ومنطقية الإحساس و القدرة على التحليل النفسي، فإذا لم يكن هناك معين في داخله ليخرج منه هذه الأشياء عند قيامه بأحد الأدوار فهو ليس ممثلا.
وظني أن كل تلك الصفات وغيرها من وسائل حرفية أخرى تتوفر بشكل كبير لدى النجم المتألق (إياد نصار) ضيفنا هذا الأسبوع في باب (في دائرة الضوء) الذي يعرف جيدا كيف يتغير تغييرا كاملا في الشكل الخارجي لهيئته و يتقمص الشخصية التي يمثلها ، وهو عادة ما ينجح في ذلك نظرا لأنه يمتاز بعقل وجسم نشيط، ففي هذا العقل والجسم النشيط تكمن القوة الديناميكية لتكوين الشخصية، فضلا عن أنه واحد من الممثلين الذين يخلصون للدور الذي يؤديه، حيث يعيش في مجتمع الدور و بإحساس صادق، و أن يحاول الوصول إلى أكبر درجة من الإتقان، و على هذا الأساس يمكن تحديد قوة الممثل أو ضعفه أو ما يسمونه بالموهبة الفنية التي نرى أن (نصار) يتمتع بقدر كبير منها من خلال أدواره المختلفة التي تؤكد صفاء تلك الموهبة.
ويبدو لي (إياد نصار) من خلال ما أدركته في ملامحه النحيلة عندما التقيته في بداياتات الألفية الجديدة على مقهى شعبي بجوار جريدة (الأهرام)، أنه يعرف جيدا أن الثقافة مهمة بالنسبة له كممثل ولذلك فهو دؤوب في جمع الكتب التي تبحث في شئون المسرح و فن الممثل ويهتم بقراءة الشعر وزيارة المسارح والمتاحف (طبعاً الهادفة و ليست الهابطة!)،ومن ثم فهو فنان ملم إلى حد كبير بأغلب المشاعر و الأحاسيس ، فالممثل لا يستطيع أن يؤدي الدور بإحساساته الشخصية وحده، ويتمتع في الوقت ذاته بقوة التخيل و الإعداد اللتين تساعدانه على أن يصب كل أفكاره في دوره بعد أن يتلقى التوجيهات من المخرج .
الممثل الموهوب (إياد نصار) هو الذي نفسه الذي يدرك الحياة حق الإدراك ويضعها في خدمة الدور عن طريق الشعور و الإحساس، والتعمق في كل لحظة من اللحظات أثناء تأدية الشخصية بملامحها وحركاتها وحواراتها و إيماءاتها و نظراتها، بل إنه يفهم أن تمثيل الإحساسات أو الانفعالات تتولد من تلقاء نفسها عن الطريق الذي يحدث الحدث ولا يحتاج إلى تصنعها والتكلف بتمثيلها .
ومن أجل ما مضى فإن (نصار) دائما ما يحب دوره و يخلص لذا تظهر له على الفور الشخصية وهدفها الأساسي بنقل أفكار المؤلف وأحاسيسه للمشاهد، وربما نلحظ ذلك من خلال الشخصيات التي يمثلها، فالشخصية الشريرة عنده تختلف عن الشخصية الطيبة، إذ لابد من الكشف عن ظروف الشخصية وأحوال معيشتها، كما أن للعاطفة والانفعال جانبين مؤثرين على بقية الجوانب الأخرى لديه كممثل برع في مختلف الشخصيات، ليثبت أن الممثل إنسان من لحم، ودم، وفكر، وعاطفة، وانفعال، ومن خلال كل ذلك يجسد هو الآخر الشخصية في عواطفها وانفعالاتها، فهو يوظف كل أجهزة جسده التي تجسد العواطف والانفعالات لكي تظهر من خلال صوته وحركته وإيماءاته وانفعالاته الشخصية.
وبملاحظة أداء (إياد نصار) سوف تلحظ أن لا يوجد موقف متخيل عنده لا يحتوي على قدر معين من فعل الفكرة المجسدة (جسديا) إيمانا منه بأنه لن تكون هناك أفعال جسدية مخلوقة دون توافر الإيمان الكامل بحقيقة وصدق وجودها، فليس هناك فعل جسدي مجرد من الرغبات والطموحات والأهداف والمشاعر التي تبرز الفعل، ويظهر لنا بوضوح أن (نصار) من أولئك الممثلين الذين ينخرطون في التدريب بصفة مستمرة كي يربي في نفسه كممثل القدرة على استخدام أي أداة بلاغية من أدوات جسده، والوجه يعتبر من عناصر البلاغة والتعبير الأكثر دقة في ملامحه المنحوتة بطريقة تفضي إلى التحكم وبحرية بملامح الوجه، لذا تراه يملك قدرة هائلة على أن يجسد المشاعر الداخلية والأفكار فقط من خلال ملامح الوجه، وذلك دونما أي إخلال بالإحساس الصادق الداخلي الحياتي لديه، فكل تعبير يجب أن يكون مبرراً ومنسجماً، والأهم من ذلك الحرص على أنه لا يغير في ملامح وجهه الحياتية بملامح مبتذلة لا تخصه.
يستطيع إياد نصار أن يعي ما هو جسماني وصوتي معا بعناية وبعد درس دقيق يقوم نتيجة لذلك بإبراز أدق المشاعر بمنتهى الحساسية والاخلاص، ولعل شيئا من هذا القبيل لاحظناه جميعا في تجسيده لشخصية المقدم (محمد مبروك) في مسلسل (الاختيار 2) ، فعلى الرغم من أنه كان لا يعرف كثيرا عن شخصية محمد مبروك، وعن قضية التخابر التي كان يباشرها، إلا كان يعيش في دوره أو لتدريب جسده على نقل التأثيرات الناتجة عن تطور الأحداث بمنتهى الدقة، إنطلاقا من إدراكه بأن ليس هناك أفعال جسدية منفصلة عن رغبة الممثل أوعن الجهد الذي يبذله أوعن الهدف الذي يسعى الي تحقيقه من غير أن يشعر داخليا بمبرر مقنع لكل فعل كما انه لا يوجد عمل للخيال من غير فعل متصور.
والأمر المؤكد عند (نصار) أن هناك وجود لرابطة حميمة بين الفعل الجسدي وجميع العناصر الداخلية للحالة الإبداعية لديه، كما ظهر ذلك في تجسيده لشخصية الضابط الإسرائيلي غريب الأطوار في فيلم (الممر)، فقد نجح (إياد) فى خطف الأنظار كقائد لمعسكر إسرائيلي أمعن في التلذذ بإذلال الأسرى المصريين وهدم روحهم المعنوية وقتل بعضهم، وحتى عندما وقع فى الأسر أظهر الشخصية البراجماتية النفعية التى تجيد كل أنواع الخداع، وفى الوقت نفسه يعرف تاريخ اليهود جيدا، وصراعهم مع المصريين والعرب والمسلمين، كما ظهر من انفعالاته المبالغ فيها وتعصبه الشديد لدولة إسرائيل بعنصريتها وتماديها في سلب الحقوق وتدنيس المقدسات.
ولد إياد نصار في عمان في الأردن، لوالدين من أصل فلسطيني، ودرس في كلية الفنون الجميلة في جامعة اليرموك في الأردن وتخرج منها عام 1994، وبدأ مسيرته الفنية كمساعد مخرج قبل أن ينطلق في عالم التمثيل، وانطلق كنجم في سماء القاهرة منذ عمله الأول فيها، مسلسل (صرخة أنثى) الذي قام فيه بدور الدكتور نبيل، الطبيب الوسيم الذي يتعاطف مع حالة بطلة المسلسل داليا البحيري، ويساعدها على أن تصل لحقيقتها، وحقيقته، وخلال سنوات قليلة صنع إياد نصار حالة من الإعجاب الجارف بموهبته التي لم يستطع أحد تجاهلها، والواقع أن هذا العمل ليس هو أول عمل يشاهده المصريون فيه، فقد سبق له أن دخل إلى بيوت المصريين عبر عشرات الأدوار المميزة في الدراما السورية والتاريخية.
قبل صرخة أنثى، تألق إياد نصار في دور شديد التميز، جذب إليه انتباه كل المهتمين بالفن في مصر والعالم العربي، هو دور الخليفة المأمون، في مسلسل (أبناء الرشيد)، ووصف بأنه العمل التاريخي الأكثر اكتمالا، بينما قيل أن إياد نصار صنع طريقة جديدة في الأداء، وأسلوبا خاصا في التمثيل، جعل شخصية الخليفة المأمون تخرج بشكل لم يره أحد من قبل، ورشح إياد نصار لجائزة أحسن ممثل في مهرجان القاهرة للإذاعة والتليفزيون عن هذا الدور، وفاز المسلسل نفسه بذهبية أفضل مسلسل في نفس المهرجان.
بعد مسلسل الأمين والمأمون، قدم إياد نصار دورا لا يقل تميزا في مسلسل (الاجتياح)، وهو مسلسل قدمه من منطلق إيمانه بالقضية الفلسطينية، لأنه يناقش الاجتياح الإسرائيلي لمدينة جنين الفلسطينية، وكشف المسلسل بشاعة الممارسات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، وقدم فيه إياد دور خالد، الشاعر والمناضل الفلسطيني الثائر، الذي يدرك الأبعاد التاريخية والسياسية للصراع العربي الإسرائيلي، فاز المسلسل بجائزة إيمي العالمية لعام 2008.
قدّم إياد أيضًا مسلسلات أخرى مثل امرؤ القيس عام 2002 الذي يتناول حياة الشاعر الجاهلي الشهير، ومسلسلات أخرى: (أيام اليمامة، والفرداوي، والطريق الوعر) وغيرها، وكان له مسلسل كوميدي ساخر بعنوان (شو هالحكي)، وهو مسلسل يسخر من سلبيات المجتمع، وقدم إياد أدوارا مختلفة في هذا المسلسل وبطريقة كوميدية ساخرة راقية، لكن جاء مسلسل الحجاج عام 2003 ليمثل نقلة فنية لإياد نصار، عندما قام فيه بدور طارق بن عمر، أحد قادة الحجاج بن يوسف الثقفي، تلك الشخصية الأسطورية في التاريخ الإسلامي التي اشتهرت بقسوتها وجبروتها ودهائها، ولم يتردد إياد في دوره هذا في الظهور بمظهر يختلف كثيرًا عن مظهره من أجل إضفاء مزيد من الواقعية على دوره.
استقبلت مصر إياد نصار ليبدأ فيها مرحلة جديدة من مشواره الفني، بدأت بمسلسل صرخة أنثى عام 2007، وقدم في رمضان 2008 مسلسل (طريق الخوف)، مع الفنانة غادة عبد الرازق، لعب فيه دور مهندس معماري يحيط به كثير من الغموض، ويحيا عشرات المشاعر والحالات المتناقضة، قبل أن ينكشف الستار أخيراً عن سره، كما قدم مسلسل (أيام الرعب والحب) وهو مسلسل يتحدث عن مشاكل الشباب وقدم فيه دور صلاح طالب الطب ورئيس اتحاد الطلبة الذي يساعد زملاءه على التغلب على مشكلاتهم مع الإدمان أو مشاكلهم الاجتماعية.
وقد أبدع إياد في دور الخليفة (عمر بن عبد العزيز) في مسلسل أبو جعفر المنصور الذي عرض في رمضان 2008 أيضا، كما تألق بشكل واضح في قلب الدراما المصرية من خلال دور (حسن البنا) مؤسس جماعة الاخوان المسلمين في مسلسل الجماعة، وتم عرضه في رمضان 2010. وفي رمضان 2011، عرض له مسلسل (المواطن X) وقام فيه بدور ضابط بمباحث المخدرات يحقق في جريمة قتل شاب يشتبه أنه تاجر مخدرات، وفي رمضان 2015، مثل دور ضابط مصري في مسلسل (حارة اليهود) الذي تدور أحداثه حول الفترة التي أعقبت ثورة 23 يوليو في مصر وكيف كان شكل الحياة في حارة اليهود في مصر والأنشطة التي كانوا يمارسونها وتأثرهم بالأوضاع السياسية في البلاد.
شارك إياد نصار بتصوير فيلم بصرة عام 2010، وهو فيلم من بطولته، يقدم فيه دور جديد عليه تماما من الناحية الفنية، وهو دور حمادة، مخرج إعلانات شاب من شبرا، تعلم اقتناص الفرص والقفز إلى الثروة من أقصر الطرق، وتدور أحداث الفيلم في فترة سقوط بغداد، وما صاحبها من تغيرات اجتماعية واقتصادية في العالم العربي، أما الدور الأهم، والذي يعتبر بداية حقيقية لدخول إياد نصار إلى تاريخ السينما في مصر، فهو دوره في أول فيلم سينمائي له، وهو فيلم (أدرينالين) عام 2009، الذي إياد ببطولته مع عدد من كبار نجوم السينما في مصر، ويقدم فيه دور ضابط شرطة من طراز خاص.
وشارك الفنان (إياد نصار) في عدد من الأعمال والتي نالت إعجابا وشهرة كبيرة جدا مثل دوره في (هذا المساء 2017، وحواديت الشانزليزيه 2019)، ومسلسل النهاية رمضان 2020 (صديق – زعيم الواحة) وشبهه الكثيرين بالمسيخ الدجال، لكنه أكد أن شخصيته بعيدة كل البعد عنه، في دور الرائد إبراهيم، وكان بطلا للمسلسل الرمضاني (ليالينا 80)، والذي لعب فيه دور هشام في مسلسل يرصد أحداث العالم في عام 80 ، وشارك في بطولة مسلسل (نمرة اتنين) الذي عرض على منصة شاهد، ثم كان تألقه الأكثر لفتا للأنظار في رمضان 2021 من خلال تجسيده لدور ضابط الأمن الوطني المقدم (محمد مبروك) وعلى قبة مساحة الدور إلا أنه خطف قلوب المشاهدين خلال عدة حلقات استطاع من خلالها أن يعيش في مجتمع الدور ويبرع في التعبير عن مشاعره الإنسانية وحبه الجارف لوطنه مصر.
ولهذا يعتبر (إياد نصار) أن دور الشهيد محمد مبروك من أهم الأدوار التى قدمها فى مسيرتىه الفنية، فقد بذل جهدا كبيرا في العمل على الشخصية ومعرفة أبعادها التي تطلب الكثير من البحث، فهى ليست مجرد شخصية درامية من خيال المؤلف ولكنها شخصية بطولية حقيقية من لحم ودم، وكان لا بد من التركيز فى أصغر وأدق التفاصيل الخاصة بالشخصية سواء المتعلقة بالجانب الإنسانى أو الشكل الخارجى، حيث يقول: كنت أحرص على حلاقة جوانب شعرى يوميا أثناء التصوير حتى أقترب قدر الإمكان من شكله، لأنه بالنظر إلى صوره نجد أن جوانب شعره كانت فارغة، وكانت أبرز الصعوبات عدم توافر مواد مصورة كافية، حيث إن طبيعة عمله كانت تفرض عليه الابتعاد عن الظهور المكثف.
ويضيف نصار: لقد أهتممت بالجزء الملقى على عاتقى وهو الشق الإنسانى، من هو هذا الشخص والوطنية التى به من أين أتت، فالوطنية ليس شيئا يأتى من فراغ فهى تبنى بداخل الشخصية، وألتقيت بأسرة الشهيد وكنت مرتبك حينها، وكانت عندى الرغبة فى رؤية رد الفعل فى أعينهم عندما أخبرهم أننى سأقدم شخصية الشهيد، وعندما رأيت فى عيون زوجته وأولاده القوة والفخر والاعتزاز به وبما قدمه، سهل على المهمة أكثر، وشعرت حينها بأن مسئوليتى ومسئولية المسلسل تجاه الشخصية التى أقدمها، إننى أجعل أسرة الشهيد تشعر أننا نراه بطل كما يروه وأن واجبى أن أجعل المشاهد يشعر ويتأكد من ذلك ويرى بطولته وتضحيته.
تحية تقدير واحترام للنجم المتألق (إياد نصار) الذي لم تؤثر لهجته وأصوله الأردنية الفلسطينية في أن تشعر أنه مصري حتى النخاع، فقد أتقن اللهجة المصرية، وأصبح واحدا من أبرز نجوم الدراما المصرية مثلما تربع على عرش الدراما الأردنية والسورية بمجموعة مميزة من الأدوار الصعبة والمركبة التي برع في تجسديها خلال سنوات قصيرة، لدرجة جعلت جمهوره يصدق أنه تلك الشخصية، وظهر بها لتبدو من لحم ودم، فتصدق إنه الإعلامي الانتهازي مغتصب النساء في (تراب الماس)، وتفاعل الجمهور معه بشخصية (ديفيد) في فيلم (الممر) بغيظ مصدقين أنه الضابط الإسرائيلي، والمرواغ رياض في (حواديت الشانزليزيه) وغيرها من شخصيات أخرى أمتعت الجمهور المصري والعربي.