كتب : أحمد السماحي
منذ أيام قليلة وثق جهاز التنسيق الحضارى منزل الفنان الكبير (سامي العدل) من خلال وضع لافتة على باب الشقة التى كان يقطنها الراحل فى شارع (الزهراء) بالمهندسين، محافظة الجيزة، توضح تاريخ الميلاد 2 نوفمبر 1946، وتاريخ الوفاة 10 يوليو 2015، ويأتى ذلك في إطار مواصلة مشروع (عاش هنا)، أحد أهم المشروعات التي يشرف عليها جهاز التنسيق الحضاري التابع لوزارة الثقافة والذي يصب جهوده في توثيق المباني والأماكن التي عاش فيها الفنانون، والسينمائيون، وأشهر الكتاب، والموسيقيين، والشعراء، وأهم الفنانين التشكيليين، والشخصيات التاريخية، التي ساهمت في إثراء الحركة الثقافية والفنية في مصر عبر تاريخ مصر الحديث.
المنتج الكبير (جمال العدل) أعرب لـ (شهريار النجوم) عن سعادته البالغة بما فعله جهاز التنسيق الحضاري، خاصة أننا نحيي هذه الأيام الذكرى السادسة لرحيل هذا الأب والأخ الكبير، الذي كان ربان سفينة عائلة العدل، والخيمة التى تظللنا بظلها المليئ بالطيبة والشهامة والجدعنة والحنية.
جدير بالذكر أن حياة (سامي العدل) كانت عريضة الأحداث والوقائع بغزارة إنتاجه الفني والإنساني الذي لم يتوقف على امتداد حوالي 45 عاما، منذ قدم أول أعماله الفنية من خلال دور بسيط في فيلم (كلمة شرف) عام 1973 حيث جسد دور أحد أصدقاء (كامل / نور الشريف)، بعد هذا الدور وقع في غرام الفن الذي تخرج من أحد معاهده، حيث اكتشف في الفن أفكاره وأحلامه، فقرر أن يحول هذا الحب إلى أعمال درامية وسينمائية وإنتاجية.
ولقد اقتربت من نجمنا الراحل فى بداية عملي الصحفي عندما كنت أتردد على المسارح حيث قابلته أثناء عمله في مسرحية (ما أجملنا) تأليف محفوظ عبدالرحمن، وإخراج محمد الخولي، وبطولته مع (ماجدة الخطيب، وسمير حسني)، وكنت أتعامل معه بحذر وخوف أثناء ترددي يوميا على مسرح الطليعة التى تعرض المسرحية على خشبته، لكن بمرور الأيام اكتشفت إنسانية وطيبة هذا الفنان، فملامحه الجادة لا تعكس طبيعة أعماقه، وقلبه يسيطر على معظم قراراته، لدرجة أنني فوجئت بأن دموع هذا العملاق الذي كنت أخشى الاقتراب منه قريبة جدا.
طلبت منه حوار لجريدة (الشرق) القطرية التى كنت أعمل فيها فى هذا الوقت قبل بدء عملي في (الأهرام)، واستجاب وكان حوارا من القلب، حوار مليئ بالصدق، حيث فاجئني يومها بعدة آراء صريحة وجريئة منها عدم رضائه عن مجموعة أفلام قليلة التكلفة قدمها مع (ناصر حسين، وإسماعيل حسن، وإبراهيم عرايس)، وعدم رضائه أيضا عن فيلم (إشارة مرور) الذي قام بإنتاجه، وتولى إخراجه (خيري بشارة)، الذي صنعه وعينه على المهرجانات، ولم يصنع الفيلم لجمهور شارع عماد الدين، رغم أن (العدل) كتب له مجموعة من الملحوظات بعد مشاهدته الفيلم، لكن (خيري بشارة) لم ينفذ منها سوى 3 ملحوظات من أصل 14 ملحوظة.
وكلمني يومها بكل وفاء وحب عن أستاذه المخرج الكبير (نور الدمرداش) الذي يدين له بالفضل، والذي قدمه فى العديد من المسلسلات الدرامية التى يعتز بها جميعا، لكن يظل أول عمل جمعه بملك الفيديو، وأول عمل درامي قدمه فى التليفزيون هو أحب هذه الأدوار، وهو دور (الدكتور خالد) فى مسلسل (السمان والخريف)، حيث جسد شخصية هذا الطبيب الرومانسي الحالم، وحقق من خلاله نجاحا كبيرا، ومن شدة حبه لهذا الدور أطلق على ابنه اسم (خالد).
ورغم نجاحه الكبير في هذا الدور لكنه كان سببا في بقائه لمدة 18 شهرا بدون عمل!، إلى أن قدمه (نور الدمرداش) فى ثاني أعماله الدرامية من خلال شخصية (طه ابن الشيخ محمود)، هذا الشاب الطيب الوديع فى مسلسل (البركان) المأخوذ عن قصة (ثروت أباظة) والتى قدمتها السينما في فيلم (شيئ من الخوف).
وأكد لي (سامي العدل) فى هذا الحوار: اعتزازه بأدواره التليفزيونية التى قدمها مع الكاتبة (منى نور الدين) وهى (جواري بلا قيود، والحرملك، وبلاغ إلى النائب العام).
وكان يرى أن الإنتاج مثل الإدمان إذا انتجت مرة من الصعب أن تتوقف عن الإنتاج، لأنك تريد تعويض خسارتك، أو تزيد من أرباحك إذا كسبت.!، وصرح أن أول أفلامه التى أنتجها كان (حقد إمرأة) الذي قام ببطولته (بوسي، وممدوح عبدالعليم، تهاني راشد، عبدالسلام محمد)، إخراج (نادية حمزة) التى قدم معها أيضا فيلمي (المرأة والقانون، وامرأة للأسف).
ورغم خسارته في معظم الأفلام التى قدمها فقد كرر تجربة الإنتاج فى أفلام عديدة منها ( الدكتورة منال ترقص، مجانينو، أمريكا شيكا بيكا، حرب الفراولة) وغيرها، ومع كل فيلم يكتشف أنه لا يريد تقديم تنازلات وأنه يسعى لفن محترم، ولغة جديدة، وسينما مختلفة.
كما تحدث معي عن موهبة شقيقه الدكتور (مدحت العدل) وثقافته، ودخوله الفن وكتابة السيناريو بالمصادفة من خلال كتابته لأغنيات فيلم (آيس كريم في جليم) حيث أصر مخرج الفيلم (خيري بشارة) أن يكتب (مدحت) الحوار بجوار الأغاني.
من المعروف أن سامي العدل قدم بعد لقائي معه أدوارا هامة فى مسلسلات مثل (تاهت بعد العمر الطويل، حديث الصباح والمساء، محمود المصري، لقاء على الهواء، قضية رأي عام، ريا وسكينة، بين السرايات، سيرة حب، حارة اليهود، تفاحة آدم، الداعية، شارع عبدالعزيز، سيدنا السيد، الشوارع الخلفية، سر علني، الخفافيش، دوران شبرا، سماره، قانون المراغي، بالشمع الأحمر، ملك روحي) وغيرها.
وفى السينما قدم أدوار لا تنسى فى أفلام مثل (إشارة مرور، هيستيريا، فيلم ثقافي، رشة جريئة، شورت وفانلة وكاب، سهر الليالي، أصحاب ولا بيزنس، العاصفة، الديلر، الكبار، ولد وبنت، السفاح، التوربيني، شارع 18، غرفة 707، أحلى الأوقات، حالة حب، خالتي فرنسا، أزمة شرف، راندفو، خلي الدماغ صاحي، امرأة تحت المراقبة، جالا جالا، حمادة يلعب،عنتر زمانة، مطاردة فى الممنوع) وغيرها.
رحم الله (سامي العدل) العمود الفقري لعائلة العدل التى تسير على خطى هذا الراحل الذي لم يقبل التنازلات فى فنه، وأصر على تقديم كل ما هو جميل وراقي ومختلف فى الفن، خاصة فى مجال الإنتاج.