ذكرى راهبة الغناء (نور الهدى) التى تنبأت بما حدث في لبنان فى آخر أغنياتها
كتب : أحمد السماحي
مرت في حياتنا الفنية كالنسمة الرقيقة في نهار صيف قائظ الحرارة، فقدمت لنا كل ما هو جميل وراقي وأصيل، ولما لا فـ (نور الهدى) صاحبة موهبة أصيلة تمتلك صوتا جميلا أخاذا يعرف كيف يبحر في مقامات الغناء العربي السليم؟ وكيف يرسو على جماليات وحلى هذا الغناء الشجي البديع، ولم يكن في مقدور (نور الهدى) أن تعرف فنون الغوص في أعماق بحار الغناء العربي دون صقل أو تدريب يساهم فى إبراز مواهبها وتقوية قدراتها.
اليوم الجمعة نحيي الذكرى الـ 23 لراهبة الغناء التى عاشت وماتت عذراء لم تتزوج، والتى رحلت عن حياتنا فى مثل هذا اليوم التاسع من يوليو عام 1998، ولقد أبدعت (نور الهدى) فى غناء كافة الألوان الغنائية، وكتبت السينما المصرية بطاقة خلودها من خلال 24 فيلما غنائيا قدمتهم منذ أحضرها فنان الشعب (يوسف وهبي) من لبنان إلى مصر عام 1943، واستمرت تغني وتمثل في السينما المصرية حتى عام 1953.
غنت المطربة اللبنانية فى العشر سنوات التى قضتها في مصر لأساطين الكلمة واللحن، فغنت من ألحان ( محمد القصبجي، زكريا أحمد، محمد عبدالوهاب، رياض السنباطي، فريد غصن، أحمد صدقي، فريد الأطرش، محمد فوزي، بليغ حمدي)، وفى مجال الكلمة تغنت بأشعار(أحمد رامي، بيرم التونسي، بديع خيري، كامل ومأمون الشناوي، مصطفى السيد، حسين السيد، الأخطل الصغير) وغيرهم.
بعد ابتعادها عن مصر ورجوعها إلى لبنان غنت لكثير من نجوم التلحين اللبناني والسوري مثل (رياض البندك، توفيق الباشا، جورج ثابت، شفيق أبوشقرا، ناصيف عرموني، محمد محسن) وغيرهم، ومن الصدف الغريبة أن أخر أغنياتها كانت بعنوان (ردولي لبنان أحسن مما كان) لإذاعة صوت لبنان، وكأنت كالنبوءة التى توقعت فيها ما حدث في لبنان مؤخرا، وحلمها بعودة لبنان كما كانت في الأربعينات والخمسينات والستينات، وحتى منتصف السبعينات.
اليوم نتوقف بمناسبة ذكرى رحيلها مع مجموعة من الصور النادرة لفيلمها الجميل (شباك حبيبي) تأليف وحوار وإخراج (عباس كامل)، وإنتاج وبطولة (أنور وجدي) وشاركهما البطولة نجم الغناء (عبدالعزيز محمود، محمود شكوكو، فريد شوقي، عزيز عثمان، ماري منيب، هاجر حمدي، عبدالفتاح القصري، محمد كامل، زينات علوي).
وفى هذا الفيلم جاءت دعايته مختلفة ومبتكرة وجديدة على السينما المصرية فى هذا الوقت، حيث قام منتج الفيلم المجدد (أنور وجدي) بتصميم شباك في (البرس بوك) الخاص بالفيلم يطل منه كلا من (نور الهدى وعبدالعزيز محمود وأنور وجدي)، كما كتب كلمة طريفة فى الكتيب الخاص للفيلم قال فيها : (إن قصة وسيناريو (شباك حبيبي) قصة رائعة، وما عليك إلا أن تختار الممثلين والممثلات)، هذه هي الجملة التى صحت بها لصديقي المخرج (عباس كامل) عند قراءتي لقصته الخالدة (شباك حبيبي).
وأجابني عباس باسما : لقد اسندت جميع الأدوار إلى أصحابها ولم يتبق إلا دور واحد فقط، فأنا حائر فيمن اسنده إليه، وقد جئتك لتشاركني الرأي وتقول لي من يصلح لهذا الدور، وبعد أن أمعنت الفكر جيدا فى هذا الدور، وقلبت أوجه النظر، أقتنعت تماما بأن هذا الدور لا يناسبني فقط، بل عو دوري الذي خلق لي، ولا يصلح لأحد غيري.!
إذن لقد كانت حيلة ظريفة من (عباس كامل) كي أقوم بهذا الدور، وسرعان ما قبلت، وكل ما استطيع أن أقوله عن فيلم (شباك حبيبي) أنه فيلم ممتاز من كافة الوجوه، وإن (عباس كامل) جدير بما وصل اليه من نجاح، فهو مخرج واقعي يحب فنه، فكان موضع ثقتي التامة، وسيرى الجمهور الكريم إنه جدير بثقته وإقباله عليه.
وكتب المخرج (عباس كامل) كلمة جاء فيها: أقول صادقا أن الأستاذ أنور وجدي المخرج والمنتج والفنان قد هيأ لي كل الوسائل لأتمكن من إخراج فيلم (شباك حبيبي) بالصورة التى أرضى عنها ويرضى عنها الفن، لقد وضع (أنور وجدي) تحت تصرفي المال انفقه على الإنتاج بسخاء تام كي يظهر فيلم (شباك حبيبي) كاملا من كافة الوجوه.
ووضع (أنور وجدي) نفسه تحت تصرفي أيضا، فأسندت إليه الدور الذي خلق له فضرب بذلك مثلا حيا لحب الفنان لفنه، وعمله وأشهد أن (أنور وجدي) جدير بما يلقاه من تقدير تام من جانب زملائه السينمائيين، ومن جانب الجماهير في كافة الأقطار.
رحم الله المطربة اللبنانية الكبيرة التى غنت فأجادت، ولم يعن لها المال شيئا، ولا النجومية شيئا، كلن كل ما يهمها رسالة الفن.
…………………………………………..
صور الفيلم من أرشيف الأستاذ مكرم سلامة