فى ذكراه الـ (26) نكشف سر قص (محمد الموجي) شعر بليغ حمدي!
كتب : أحمد السماحي
نحيي اليوم الأول من يوليو الذكرى الـ (26) لعملاق النغم الموسيقار المبدع (محمد الموجي) الذي صاغ لنا مجموعة من الألحان سكنت الذاكرة المصرية والعربية ولم تبرحها حتى اليوم، ولا يقتصر إبداعه على التلحين فقط، ولكنه وقف وساند كثير من المطربيين والمطربات في بداية مشوارهم، حيث كانت ألحانه بوابة عبور هذه الأصوات إلى قلب الجمهور، وأخذتهم إلى السماء، من منا ينسى ألحانه الأولى لفايزة أحمد (أنا قلبي إليك ميال، ويامه القمر على الباب)، ولمحرم فؤاد (رمش عينه، والحلوة داير شباكها)، ولكمال حسني (غالي علي)، ولماهر العطار (بلغوه شوقي وسلامي)، ولمها صبري (قد ايه حبيتك أنت)، وعبداللطيف التلباني (برج الجزيرة)، ولأحمد سامي (يا حب إيه الظلم ده)، ولهاني شاكر (حلوة يا دنيا) ولأصالة (هات قلبي وروح) وغيرهم.
فى عام 1972 أصابت نوبة غرور الموسيقارالعبقري (بليغ حمدي)، فأحيانا يحولنا النجاح إلى بالونات، يضاعف من حجمنا، يقلل من ثبات خطواتنا على أرض الواقع، يعرضنا لأن نطير، و(بليغ حمدي) طار فترة، وساعده فى هذا أن أكثر من صديق كان يساهم فى نفخ البالون حتى كاد البالون أن ينفجر، لكن لأنه يحمل الأصالة والموهبة فسرعان ما رجع لقواعده سالما.
والحكاية ببساطة كما جاءت فى مجلة (الشبكة) اللبنانية عام 1972 أنه بعد أن سحبت السيدة (أم كلثوم) قصيدة (من أجل عينيك عشقت الهوى) من (بليغ حمدي)، نظرا لعدم التزامه، وأعطتها للموسيقار (رياض السنباطي)، فتح (بليغ) النار فى مجلة (الشبكة) وهاجم جميع الملحنيين في مصر منهم (رياض السنباطي، ومحمد عبدالوهاب، ومحمد الموجي) ولم يستثني أحدا إلا (زكريا أحمد، ومحمد فوزي)، وبعد أسبوعين من نشر حواره، رد عليه الموسيقار (رياض السنباطي) تحت عنوان (بليغ حمدي.. برعم قد يكون له مستقبل).
وفى الأسبوع التالي وتحت عنوان (محمد الموجي يقص شعر شمشوم الصغير) رد عليه الموسيقار (محمد الموجي) حيث قال (بليغ) للصحفي الذي أجرى معه الحوار عندما سأله عن رأيه فى الملحن (محمد الموجي) قائلا: (ماذا عمل الموجي لتقولوا عنه أنه ملحن؟!).
ورد الموجي قائلا : لا يملك (بليغ حمدي) ولا غيره أن يضعني في ميزان، أعمالي هى التى تضعني وتحدد مكاني بين الملحنيين!، ويا صديقي (بليغ حمدي)، لقد علمت بهجومك على (السنباطي، وعبدالوهاب، وأنا)، فالحملة التى بدأتها ملأت القاهرة، وأنا أقول لك أن الذي تفعله هذا يسئ إليك، ولا يسئ إليهم، فهم عمالقة لهم رصيدهم الذي لا تستطيع إنكاره، يا (بليغ) يا زميلي أن الذي ينكر استاذية الموسيقار (محمد عبدالوهاب) ينكر الشمس، والذي ينهش (السنباطي) يتنكر لكل جملة موسيقية رائعة قالها، ولمئات من الألحان صاغها.
أنني حبوت على ألحان (عبدالوهاب) وتدربت على ألحان (السنباطي وزكريا أحمد) وكثيرون يقولون لي مجاملة، يا (موجي) أنت مدرسة فاقول لهم: (حاشا لله أنا مجرد تلميذ في مدارس العمالقة السابقين على)، هل تعرف يا (بليغ) انني إذا كنت أغني لنفسي، أو في شلة أصدقاء، فإنني أدندن (الجندول، الصبا والجمال، كليوباترا) لعبدالوهاب، و(فجر، وأشواق، وصلح الحبيب) للسنباطي، و(هو صحيح الهوى غلاب) للشيخ زكريا أحمد.
ويستكمل (الموجي) كلامه قائلا: يا (بليغ) يجب أن تعلم أن لكل جيل لمعته وبريقه، ولكل فنان زمانه وأوانه، ولن يستطيع واحد أن يأخذ زمنه وزمن غيره، لكنه يستطيع أن يستمر منتجا ومثريا للحياة الموسيقية، (عبدالوهاب، والسنباطي، وزكريا أحمد، وفريد الأطرش) قبلنا، وهؤلاء جيل لا يعوض، ولكن هذا الجيل لم يمنعنا (أنا وكمال الطويل) أن نأخذ حقنا وحظنا من الشهرة، وجيلي لن نمنعك ولن نمنع (محمد سلطان وحلمي بكر) من أن تأخذوا حظكم من الشهرة.
لا تنسى يا (بليغ) أن الفن عندنا أنجب كثيرين لم يأخذوا شهرة توازي انتاجهم، لأنهم لا يجيدون فن العلاقات العامة الذي تجيده، أناس بسطاء المظهر مثل (أحمد صدقي، ومحمود الشريف، وعبدالعظيم عبدالحق) لا يمشون مثلما تمشي وحولهم فرقة من المرافقين هذا يحمل عودك، والثاني يحمل نوتك، والثالث يحمل ساندوتشاتك!، أن الذي تفعله يا (بليغ) يثير سخرية الناس وضحكهم، إنني لا يمكن أن أترك مخلوقا يحمل عني عودي (فهذه عصاتي التى أهش بها على غنمي، ولي فيها مآرب أخرى) هكذا قال موسى عليه السلام.
ويضيف الموجي قائلا: يا (بليغ) إذا أخذت بريقك في زمنك فهذا حقك لا ينكره عليك أحد، ولكن لا تنكر بريق من سبقوك ومجدهم، لا تكن (تتريا) يهدم كل الحضارات فى طريقه، لن يحترمك أحد إلا إذا احترمت قدر كل الفنانيين من حولك، قبلك ومعك وبعدك.
يا (بليغ) أنت تحتاج لمن ينصحك فلا أحد ينكر موهبتك العظيمة، ولا اجتهادك، لكنك تعاني من رغبة في (التكويش) على كل شيئ، ولعل الذي أتاح لك هذا هو أنني أصبت بنوبة كسل، استغرقت ما يقرب من عامين، واختفى (كمال الطويل) إختفاءا طويلا، وأنت اختليت بالميدان.
يا (بليغ) انت زميل مجتهد، بل أفضل أن اقول أنك ابني، فأنا لا أنسى أنك غنيت لي (صافيني مرة، وظالم) في ركن الهواة، وأولادي يحبونك، ولكن الذي يحيرهم فى ألحانك أنهم لا يعرفون الأغنية من مقدمتها، لابد أن ينتظروا حتى يقول المطرب كلامها، فأنت فى حمى السرعة تكرر نفسك، وأنت تسابق لتأخذ كل الأضواء، وتحتكر كل المجد، وهذا سوف يضرك.!
ولا أكتمك أن لحن أغنية (مداح القمر) فشل لأنه لم ينضج، قد يكون نجاح لحن (موعود) هو الذي دفعك إلى العجلة فى اللحن الثاني، وقد صارحتك بهذا بيني وبينك، فقلت لي: (أن عبدالحليم حافظ هو المسؤول لأنه أخذ اللحن قبل أن أنتهي منه) فقلت لك أن (حليم) فنان حساس ولا يمكن أن يفعل هذا فبررت فشل اللحن بعدم ذهابك إلى البروفات إلا في البروفة الأخيرة.
فوق يا (بليغ) وارجع كما كنت بليغ الطيب الخلوق المهذب الخجول.
جدير بالذكر أن الموسيقار (بليغ حمدي) بعد رد (السنباطي والموجي) اعتذر فى مجلة (الشبكة) بعد أسبوعين من نشر كلام (محمد الموجي) عما بدر منه فى حق زملائه، وبرر ما ذكره أنه كان فى لحظة غضب، والصحفي الذي أجرى الحوار كان يستفزه بأسئلته، خاصة أن الحوار تم مباشرة بعد غناء (أم كلثوم) لقصيدة (من أجل عينيك عشقت الهوى).!