عابد عناني .. أخطر شرير في دراما رمضان 2021
بقلم : محمد حبوشة
لطالما باتت أدوار الشر تحديا كبيرا أمام الممثل، فمنهم من حاول نقل الصورة التي يجسدها العقل عن الشر؛ تلك الصورة التي تحمل قدرا كبيرا من الوحشة، والخوف، والفزع، والألم، ومنهم من اتجه إلى مدرسة أقرب إلى الواقعية؛ فالشر جزء من تركيبنا جميعا كبشر، والفارق الوحيد هو إرادة الإنسان والتي تتحكم في جزء الخير عن الشر فتنمي ما تريد منهما، وتكبح جماح الآخر، و لقد نجح العديد من الممثلين المصريين في تجسيد أدوار الشر، وذلك ما ظهر من خلال العديد من القصص والأفلام التي استخدم فيه الممثل أدواته في تجسيد صور مختلفة من الشر، أو صورة واحدة ناجحة، وعندما نبحث في ذاكرة السينما المصرية، سنجد الكثير من الشخصيات التي تمتعت بالموهبة الفنية الفذة خاصة في أدوار الشر، الأمر الذي ترك صورة سيئة لدي أذهان الجمهور فالجميع أصبح يري كل مجسدي الشر شخصا سيئا وغير آدمي، والحقيقة أن السينما عالم افتراضي ليس له علاقة بالواقع فأمام الكاميرات أشرار ومن خلفه الأصل طيب!.
وإذا كان جمهور السينما يعد قليلا جدا مقارنة بالدراما التليفزيونية فإن ممثل أدوار الشر في المسلسلات التليفزيونية حتما سيواجه تحديات جسام، ويحظى بنصيب أكبر من الكراهية من مشاهدي البيوت الذين يتأثرون بما يقدمه من أدوار ترسخ في الذاكرة بوضعه في خانة الأشرار، ومنهم بالتأكيد الفنان الشاب (عابد عناني) الذي كان يمثل أخطر شرير في الدراما الرمضانية 2021، بعد ظهوره بدور الشرير في مسلسلي (الطاووس، والاختيار 2) خلال شهر رمضان الماضي، وعلى الرغم من تمتعه بقدر كبير من الوسامة إلا أنه يشعر أن نجاحه مع الجمهور أصبح مرتبطًا بأدوار الشر على عكس طبيعته كإنسان طيب بفطرته، فلم يضع في حسابه مدى تقبل الجمهور للممثل بعد تقديم أدوار الشر، لكنه اكتشف ذلك عقب مشاركته في الجزء الأول من مسلسل (الاختيار) الذي تم عرضه في رمضان 2020، حيث جسد شخصية الإرهابي (عماد عبد الحميد).
(عابد) رغم براعته كممثل في تجسيد دروي الشر في مسلسلي (الطاووس والاختيار) إلا أنه شعر بأن ردود الفعل على مواقع التواصل الاجتماعي بها قسوة مبالغة مقارنة برد فعل الجمهور في الشارع، حيث كان يقابله بعض الأشخاص ويصابوا بالتوتر للحظات قبل أن يتحدثوا معه ويلتقطوا الصور، في حين أن مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي يعتقدوا أنهم يحق لهم كتابة رأيهم بقسوة سواء كان بالدعاء على الممثل أو وصفه بعبارات سلبية.
رغم مشوار (عابد عناني) الفنى القصير فإنه استطاع أن يخطو بخطوات ثابتة ساهمت بشكل كبير فى توثيق نجاحه؛ خصوصا أنه يختار أدوارا مثيرة للجدل.. والتى من خلالها أصبح الفنان الشاب حديث الشارع المصرى سواء فى العام الماضى بعد أن جسد شخصية الإرهابى (عماد عبدالحميد) فى مسلسل (الاختيار) أو هذا العام باستكماله تجسيد نفس شخصية الإرهابي في (الاختيار 2) أو بدور الشرير الأكبر (زين) فى مسلسل (الطاووس) الذي عزف من خلاله على أوتار أخرى من ألوان الشر تتمثل في التخطيط للاغتصاب بأعصاب باردة، ما يؤكد قدرته كممثل يستطيع تقمص الشخصية مهما كانت صعوبتها على المستوى الداخلي والخارجي، وهو هنا يستخدم مفهوم الانتباه المسرحي لدى الممثل الذي يجسد دورا على الشاشة، وتأثير ذلك في تحديد شخصيته وعلاقته بالجمهور.
ومن هنا كان ثراء الشخصية الفني الذي يتكامل إذا أضيف إليه واحدا من أخطر العناصر في تحقيق أداء فني وتقمص عالي القيمة في تشكيل العناصر الأساسية في التجسيد الدرامي وذلك باستخدام فن الخيال، وفي حالة (عابد عناني) علينا أن نعرف أن نشاط خياله كممثل مرتبط مع انتباهه، وينسب الممثل إلى كل ما يراه من خلال النص من أشياء حقيقية وإلى كل ما يسمع ويشم ويتحسس صفات مختلفة، ويقيم علاقات متباينة مع هذه المواضيع القابلة للإدراك بصورة واقعية، إنّ نشاط خيال الممثل الإبداعي يكمن في ذلك، فقد رأى (عابد) حبلا (مرميا) على الأرض، تمثل في شخصيتي الإرهابي (عماد عبدالحميد) والمغتصب (زين).
لكنه ينسب إليه ذهنياً صفات من صنع خياله، لا يمتلكها الحبل في حدّ ذاته، وعندما يضفي على الحبل صفات الحيّة، فإنه يجد في داخله علاقة نفسية مناسبة لها، تجد لنفسها مباشرة تعبيرا ظاهرا في سلوكه، وفي أفعاله، وفي تصرفاته، وفي تعامله مع الحبل كما لو كان حية تتحرك وتؤذي وتقتل، تماما كما فعل في شخصيتي (عماد وزين)، ولكن مستوى الأذى النفسي الذي يحرك المشاعر الإنسانية كان أكبر في لعبه لدور (زين) المغتصب بأعصاب باردة، وهو ما تفاعل معه الجمهور ووصل إى حد كراهيته لأنه أبرز الشخصية الشريرة على شخصيته الحقيقية، وهذا يمثل قمة البراعة في التمثيل.
لقد بدا لي من خلال مشاهدتي لكلا الشخصيتين إن انتباه الممثل المسرحي بالأساس (عابد عناني) يتميز بصفة جوهرية هي أن الإنسان هنا لا يهدف إلى التمعن الموضوعي في الشيء كما هو الحال في التفكير العلمي أو الحياتي، بل يهدف إلى تغييره وإلى تحويله إلى شيء يختلف عما هو في الواقع، لهذا فإن عملية الانتباه المسرحي تلك تلد لدى (عابد) توسّع المحتوى البصري للإدراك الحسّي في وعيه كممثل، أكثر بكثير مما هو عليه الحال عند النظر إلى الشيء بطريقة علمية أو بالطريقة الحياتية، باعتبار أن نشاط خيال الممثل، شكل خاص للتفكير، ويتميز بميزة ثانية واضحة، ذلك أن الممثل ينسب من تلقاء نفسه صفات ومزايا للموضوع، لا يمتلكها الموضوع في حد ذاته كما حدث مع شخصية (زين)، وهكذا نرى في الدراما المعاصرة أهمية استخدام الخيال الخلاق الجميل في بلورة وتطوير المضمون الفكري للنص الدرامي، ومن ثم الشخصية التي يلعبها الممثل في كل أحوالها على جناح الصدق.
ولد عابد عناني في القاهرة، ودرس التمثيل والإخراج بالعهد العالي للفنون المسرحية، ومنذ طفولته أصبح ممثلا له مذاق فني مختلف، شارك في أعمال كثيرة من بدايته الفنية منذ عام 2009، فبعد تخرجه تم تعينه عضو بالمسرح القومي وعمل كوجه جديد في مسلسل (ما تخافوش) بطولة نور الشريف الذي عمل معه فور تخرجه وتتلمذ على يديه، وتعلم منه الكثير واستفاد من خبراته، لذا يعتز كثيرا بمشاركته في آخر مشهد مثله قبل وفاته، وكان مشهد مواجهة الأبن مع والده في فيلم (بتوقيت القاهرة)، ومن أهم أعماله الدرامية مسلسلات: (الاختيار بدور (عماد عبدالحميد)، خط ساخن بدور (أسامة مراد)، أفراح إبليس الجزء الثاني بدور (رامز)، الأب الروحي الجزء الثاني بدور (رضوان)، ليالي أوجيني بدور (حسن فكري)، الحرباية بدور (هانى مراد)، عشم إبليس بدور (دكتور عادل)، غرابيب سود بدور (هشام )، الطبال بدور (أدهم)، فوق مستوى الشبهات بدور (أدهم محمود)، المطلقات بدور (سامي)، من الجاني؟ (ضيف شرف)، موجة حارة بدور (جار القتيلة)، عرفة البحر بدور (عبد الله)، ومن مسلسلاته أيضا : (بين الشوطين، ما تخافوش، آيات وحكايات، بابا، امرأة من الصعيد الجواني، بنت من شبرا، غزوة بدر الكبرى بدور (خباب بن الأرت)، وأيضا قام بدور ضباط يبحث عن مجرم في مسلسل (في يوم وليلة).
أما على مستوى المسرح الذي يحبه ويعشقه حتى الآن فقدم: (مسرحية ليلة من ألف ليلة بدور (عبد الغفار)، وبحلم يا مصر، روميو وجوليت بدور (كابيوليت)، برهومة وكلاه البارومة، تاجر البندقية بدور (بسانيو)، وفي السينما قدم أفلام: (بتوقيت القاهرة بدور (مراد يحيى)، تسعة بدور (شريف الهلالي)، وشارك ببرنامج خطوات الشيطان دور (عادل عنانى)، خطوات الشيطان الجزء الأول بدور (كمال)، بين الناس، وشارك بأعمال فنية دراميا خاصة بالرسوم المتحركة مثل: (متحركة الأزهر الجزء الرابع بدور (محمد بك أبو الذهب)، قصص الأنبياء في القرآن بدور (النبي صالح)، الأزهر الجزء الأول، قصص الآيات في القرآن بدور (بلال بن رباح)، فولترون (أداء صوتى).
وجدير بالذكر أنه من المفارقات التي حدثت لعابد عناني في أثناء تجسيد لشخصية (عماد عبد الحميد) في مسلسل الاختيار، رُغم كراهية الجمهور لشخصية (عماد) فى مسلسل (الاختيار) فإن ردود الأفعال على مسلسل (الطاووس) كانت مفاجأة بالنسبة له؛ حيث وجدت ما يقرب من الـ 200 رسالة تنص جميعها بجملة (حسبى الله ونعم الوكيل فيك) ما جعله يرتبك بعض الشىء لمدى كراهية الناس لشخصية (زين) المدبر لواقعة الاغتصاب، إلا أنه كان سعيدا بأن أدائه به قدر من المصداقية ما جعل الجمهور يعامله على أنه هذا الشخص، أيضا النظرة فى عيون جمهور الشارع وحديثهم معه جعله يشعر ببعض الارتباك، فهم يدركون طبعًا أنه ممثل، ولكن فى أذهانهم بعض الكراهية لتجسيده لأدوار شريرة.
وفي النهاية لابد لي من تحية تقدير واحترام للفنان الشاب (عابد عناني) الذي أمتعنا بشخصيتين شريرتين فأصبح أخطر شرير في الدراما المصرية رمضان 2021، وعلى الرغم من ذلك فإنه تلقى ردود أفعال تشيد بأدائه الجيد رغم أن دوره في (الطاووس) كان صعبا للغاية وسبب مشاعر غضب وسخط لدى الجمهور، بسبب إتقانه لدور المغتصب، إلا أن الدور مختلف ويحمل رسائل مجتعية مهمة، خاصة أنه تم تصوير مشهد الاغتصاب دون ابتذال بشكل جعله يتصدر مواقع التواصل الاجتماعى، والوصول لجميع المتابعين بصدق، ولعل أهم الرسائل التى قدمها المسلسل، هى: أن تتجرأ الفتيات ولا تخشى مواجهة المتحرش أو المغتصب، لأنه هو المذنب وليست هى كما يراها بعض الجهلاء، وما سيلقاه المغتصبون هو انتصار لأية فتاة تعرضت لهذا النوع من الوحشية.