الطريق الى 30 – (3) .. مسخرة ثقافية
بقلم المخرج المسرحي الكبير : عصام السيد
بعد ثلاث أسابيع من تولى الإخوان حكم مصر تم تكليف الدكتور هشام قنديل وزير الرى فى حكومة الدكتور كمال الجنزورى بتشكيل أول وزارة ، و التى جاءت أغلبيتها من كوادر الإخوان و العاطفين عليهم أو خلاياهم النائمة ، و أدت هذه الوزارة اليمين الدستورية في 2 أغسطس ، ثم جرى تعديل الوزارة فى يناير 2013 و فى الحالين احتل الدكتور صابر عرب مقعد وزير الثقافة ، ثم فى مايو من نفس العام جرى التعديل الثانى ليأتى ضمنه الدكتور علاء عبد العزيز مدرس المونتاج بالمعهد العالى للسينما خلفا للدكتور صابر عرب .
و عقب حلف اليمين اجتمع مجلس وزراء حكومة هشام قنديل الثالثة – أو بمعنى أدق المعدلة – بتشكيله الجديد ، و برغم انتهاء الاجتماع فى المساء ، توجه وزير الثقافة الجديد إلى مقر الوزارة دون حتى أن يتأكد أن أحدا فى انتظاره ، و بالصدفة كان المهندس محمد أبو سعدة القائم بأعمال رئيس قطاع الوزير مازال بمكتبه !! ، و خلال الساعات القليلة منذ حلف اليمين و حتى مغادرة الوزير لمكتبه كان قد أطلق سيل تصرحاته التى أثارت ردود أفعال غاضبة و رافضة ليس للتصريحات فقط بل لاختياره من الأساس ، و على صفحات التواصل و على فضاءات المواقع الصحفية جرت الأمور فى سرعة ، و كأنها كرة ثلج تنحدر بقوة رهيبة لتمضى فى التضخم مع كل حركة و مع كل دقيقة ، حتى أصبح من الصعب ترتيب ردود الأفعال زمنيا و تحديد من الأسبق و من التالى ، و لكن من المؤكد أن من أوائل ردود الأفعال ذلك الاجتماع الذى ضم كبار مسئولى وزارة الثقافة فى أحد الأماكن الشهيرة بحى الشيخ زايد.
ففى أحد أركان مول يضم مجموعة كافيهات كانت هناك جلسة لأركان وزارة الثقافة بناء على دعوة من الدكتور سامح مهران رئيس أكاديمية الفنون ، ضمت الدكتورة إيناس عبد الدايم رئيس دار الأوبرا ، و الدكتور أحمد مجاهد رئيس هيئة الكتاب ، و المهندس محمد أبو سعدة ، لكى يتدارسوا الموقف بعد تصريحات الوزير ( حضر الجلسة من غير مسئولى الوزارة المخرج السينمائى حامد سعيد و المخرج المسرحى عصام السيد ) و انصب حديث الدكتور سامح حول عدة نقاط : الأولى أن موقف وزير الثقافة من الأكاديمية و منه شخصيا ليس خلافا مبنى على أساس موضوعى ، و لكنه خطوة فى سلسلة أخونة مفاصل الدولة ، ثانيا أنه يتوقع أن يتم إزاحة كل من يعرقل خطوات الأخونة و إحلال قيادات بديلة تسارع فى تنفيذ المخطط ، ثالثا أن وزارة الثقافة الحصن الأخير للحفاظ على الهوية المصرية و إذا سقطت فى يد الإخوان فسوف يتم محو تلك الهوية ، و اتفق الجميع على أن من واجبهم مقاومة أى محاولات لأخونة الوزارة برغم تحذير الدكتور سامح لهم بأنه صاحب المنصب الوحيد المعين بقرار جمهورى و بالتالى يصعب تنحيته أما الباقين فهم منتدبون لمناصبهم بقرارات وزارية و من السهل تغييرهم ، و لكن الكل أصر على الوقوف فى وجه الأخونة أيًا ما كانت النتائج ، فالحفاظ على الهوية أحد مهام الوزارة التى يديرون أهم مؤسساتها ، و هو فرض عين على كل مسئول ثقافى ، بل على كل مثقف ينتمى لهذا البلد . و كان السؤال المطروح فى تلك اللحظة : هل ينتظرون خطوات الوزير أولا ، أم يبادروا بالهجوم ؟
لم يترك لهم الوزير خيارا ، فتصريحاته المليئة بالألغام ، و إعادة نشر مقالته السابقة بجريدة الحرية و العدالة كانت كافية لحسم الموقف ، فلقد توالت ردود أفعال صاخبة لكثير من المثقفين ، و كان موقعى جريدة الوطن و اليوم السابع الأكثر متابعة لردود الأفعال تلك ، فلقد كتبت سارة عبد المحسن بجريدة الوطن :
وقع خبر اختيار الدكتور علاء عبد العزيز كوزير للثقافة خلفا للدكتور محمد صابر عرب بالتعجب والاندهاش على مجموعة من المثقفين ، الذين أكدوا أن اسمه نادر الترديد داخل الوسط الثقافى، كما أن خبرته الإدارية غير معروفة ، لافتين إلى أن هذا الاختيار أثار حفيظتهم نظرا لاطلاعهم على كتاباته المستمرة بجريدة الحرية والعدالة وهذا سبب كاف لرفض المثقفين توليه حقيبة الوزارة ، ومعرفتهم بأنه كان بحملة الرئيس مرسى وقت الانتخابات الرئاسية ، وكتابته أيضا ببعض الصحف الأخرى التى يؤيد فيها مشروع النهضة ومطالبته بإزالة التماثيل من الميادين والشوارع ، فضلا عن تفاصيل أخرى رفضوا الإفصاح عنها.
يقول الشاعر شعبان يوسف ، أنه يرفض الهجوم المسبق على علاء عبد العزيز – برغم أنه اختيار جماعة الإخوان المسلمين – إلى أن يثبت أنه لا يستطيع استيعاب ملف الثقافة ، مشيرا إلى أنه ملف ليس باليسير كما تتصور الجماعة ، كما ننتظر منه – حسبما قال – كيف سيتعامل مع ملف الحريات وهذا الملف هو الحاكم الرئيس للثقافة والمثقفين المصريين ، مضيفا إلى أنه لم يسمع اسمه يتردد كثيرا فى الوسط الثقافى ولا يعلم كيف سيتعامل مع ملف الثقافة ، قائلا هو ملف (أكبر من خبرته المحدودة كأستاذ بمعهد السينما، رغم علمى أنه غير فاسد).
وأضاف يوسف أن علاء عبد العزيز هو سليل حزب العمل الإسلامى ( هكذا ورد بالجريدة و لكن الصحيح هو حزب التوحيد العربى ) كما كان فى حملة دكتور مرسى رئيسا ، وله مقالات فى جريدة الحرية والعدالة ، لافتا إلى أن اختياره جسرا لتمرير الأهداف الإخوانية داخل وزارة الثقافة وهناك محاولات أخرى داخل الوزارة ، متمثلة فى مجموعة (موظفين) يعرفون أنفسهم بجماعة ألتراس وزارة الثقافة .
وقال الكاتب قاسم مسعد عليوة أن التشكيل الوزارى الجديد بشكل عام محبط جدا ولكن لم نتوقع غير هذا من حكومة كحكومة قنديل ، فكل من تم اختيارهم مثار حولهم الكثير من الأقاويل . و أن اختيار علاء عبد العزيز أثار حفيظة المثقفين ، وخاصة بعد ما علم البعض بمقاله الشهير الذى كتبه بموقع حزب الحرية والعدالة فى يناير 2013 ، و تساءل هل لديه الدراية والخلفية التى تتيح له إدارة الشأن الثقافى بالكامل ؟
وقال الدكتور شوكت المصرى أنه يرفض حكومة هشام قنديل بالكامل بتعديلاتها الثلاثة، مطالبا الحكومة بالإعلان عن الشخصيات التى عرضوا عليها الحقائب الوزارية ورفضوها ، مشككا فى هذا الأمر . وأضاف أنه من المفترض أن هذه الوزارة وزارة تسيير أعمال و يجب أن يتولى حقيبة وزارة الثقافة أحد رؤساء قطاعاتها ، لافتا إلى أن عبد العزيز مدرس فى المعهد العالى للسينما وليس له علاقة من قريب أو بعيد بالوسط الثقافى ، مشيرا أيضا إلى مقال له ، رفض فيه وجود التماثيل بالشوارع والميادين ، فضلا عن أن هناك خلل أكاديمى ، لأنه حصل على الماجستير والدكتوراه فى 27 عاما ، وتم فصله بسبب تقصيره فى العمل وعدم التزامه وعاد بحكم قضائى عن طريق والده محامى جماعة الإخوان ، مؤكدا أن هذا طريق لأخونه وزارة الثقافة .
كذلك نشرت بعض الصحف أن عددا من المثقفين قد وقعوا على بيان أعربوا من خلاله عن رفضهم لاستمرار الدكتور هشام قنديل فى منصبه رئيساً للوزراء . وقال المثقفون فى بيانهم : إن قنديل فشل فشلا فاضحا فى إدارة مؤسسات الدولة ، وتخبطه وعجزه عن اختيار وزراء مناسبين لتولى المسئولية لثلاث مرات متوالية ، جزء لا يتجزأ من رفضنا لاستمرار هذا النظام الفاسد الذى أجهض مطالب الثورة ووأد أحلامها وطموحاتها ، ومارَسَ سياسات الاقتراض والتجويع والتخوين والعبث بمقدرات الشعب المصرى بعد ثورة 25 يناير التى بذل فيها جموع المصريين كل غالٍ ونفيس . وأكد المثقفون فى بيانهم رفضهم القاطع لتولى الدكتور علاء عبد العزيز لحقيبة وزارة الثقافة المصرية ، وقال البيان إنه ( اختيار إن دل على شىء فإنما يدل على قصور رؤية النظام الحاكم للثقافة والإبداع بهذا الاختيار الفاضح ، كما يؤكد ما تحدثنا عنه من محاولات لأخونة الدولة فى كافة المواقع ) .
ووقع على هذا البيان عدد من المثقفين منهم يوسف القعيد وفريد أبو سعدة و شوكت المصرى وحاتم حافظ وباسم شرف و سامح محجوب وزين العابدين خيرى وبسمه عبد العزيز وحازم حسين وعبد الله حسن وحسين جعفر. بل زاد الأمر بالدعوة إلى وقفة احتجاجية فى اليوم التالى أمام مقر وزارة الثقافة تنديدا بتعيين الوزير و قرر أصحاب البيان المشاركة فى الوقفة مع الروائى سعد القرش و زين العابدين فؤاد إلى جانب بعض العاملين بوزارة الثقافة ([1]).
و فى أول رد فعل عملى على تعيين الدكتور علاء عبد العزيز، أعلن الشاعر الكبير فريد أبو سعدة عبر صفحته الشخصية على الفيس بوك ، عن استقالته من لجنة الشعر بالمجلس الأعلى للثقافة، اعتراضا على تعيين عبد العزيز. وفى تصريح لـ”اليوم السابع” قال الشاعر الكبير : إن تعيين هذا الشخص وزيرا يعد (مسخرة ثقافية) وإنى بعدما سمعت عن خبر تعيينه وزيرا تأكدت من أننا نعيش فى حالة عامة من الابتذال الثقافى والسياسى والمجتمعى.
و استنكر الدكتور سامح مهران، رئيس أكاديمية الفنون المصرية، تصريحات وزير الثقافة الجديد علاء عبد العزيز، التى قال فيها، إنه سيطهر وزارة الثقافة وأكاديمية الفنون من الفساد، وقال فى تصريح خاص لـ ( اليوم السابع ) تعليقا على تصريحات الوزير: ليس لدى إلا كلمة واحدة ولن أزيد عليها : اللى خدته القرعة تاخده أم دقن )فى إشارة إلى أنه سينجح فى معركته ضد الدكتور علاء كما نجح فى معركته مع الدكتور شاكر عبد الحميد وزير الثقافة السابق و الذى فى عهده اعتصم عبد العزيز فى الوزارة ) .
و تكمل الجريدة بأن هناك خلافات حادة بين رئيس الأكاديمية والوزير الجديد، وصلت إلى الاشتباك العنيف فى الاحتجاجات التى شهدتها أكاديمية الفنون منذ ما يقرب من سنة ، حيث اتهم الدكتور سامح مهران الدكتور علاء عبد العزيز – أمام النيابة الإدارية – بأنه هشم سيارته ، ومازالت النيابة تنظر هذا الاتهام حتى الآن .
و على صفحته على مواقع التواصل سجل الدكتور أحمد مجاهد موقفه من تصريحات الوزير …
و لهذا حديث آخر ..
[1] الوطن و اليوم السابع