رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

المكتويات بنار سعاد

بقلم : محمود حسونة

قليل من النجوم يحتفظون بتوهجهم بعد الوفاة، وحسب ما توارثناه من الآباء والأجداد فإن (الحي أبقى من الميت)، وحسب قانون الطبيعة وحقائق الحياة، فإن لكل زمن نجومه وفنونه، بل وطعامه وملابسه، ولكن لكل قاعدة استثناء، والفنانة الراحلة سعاد حسني هى الاستثناء الكبير، حيث ازدادت توهجاً بعد وفاتها، وازدادت نجومية في غير زمانها، ووصل الأمر إلى حد أن نجوميتها أحرقت كل من حاول الاقتراب منها بعد الرحيل، سواء بتجسيد شخصيتها في عمل فني أو إعادة أداء دور سبق أن أدته أو محاولة تقمص شخصيتها أو تقليدها، أو مساعي الترويج للذات من وحي الفنانة الراحلة، ولو نظرنا حولنا سنجد الكثيرات اللائي حاولن ركوب تاريخ سعاد حسني أملاً في توصيلهن للقمة.

سعاد حسني حيّرت بموهبتها اللامسبوقة واللاملحوقة الكثيرين في زمانها، وحيّرت الكثيرين في هذا الزمن، وكأنها لغز غير قابل للحل، وجاءت الطريقة المفاجئة التي غادرت بها حياتنا في 21 يونيو 2001 لتزيد اللغز تعقيداً، وبدلاً من أن تحل اللغز وتكشف المستور وتعلن عن كلمة السر من خلال مذكراتها، جاء الإعلان عن هذه المذكرات ليستند إليه من يتبنون فكرة القتل لا الانتحار، من منطلق أن الخوف من فضح شخصيات سياسية ارتكبت موبقات وخطايا في حقها وحق غيرها من الفنانات خلال حقبة الحكم الناصري كان هو الدافع وراء إلقائها من الشقة التي كانت تقطنها بالدور السادس في عمارة شهيرة بلندن، لتموت معها الأسرار والفضائح التي كانت تنتوي أن تكشفها وتضمها مذكراتها.

المواهب اللامحدودة عند سعاد حسني، هى كلمة السر والحل للغز السندريلا، فموهبتها كانت سبب سعدها وشقائها، نجوميتها وانزوائها، ملاحقتهم لها وهروبها منهم، شهرتها المبكرة ووفاتها المبكرة؛ هى التي أبهرت الناس بأدائها ورقتها وجمالها وبساطتها منذ أول أفلامها (حسن ونعيمة) لتكتب شهادة نجوميتها منذ لحظة وقوفها أمام الكاميرا لأول مرة، وهى التي ظلت تزيدنا انبهاراً بأدائها مع كل دور جسدته على مدار تاريخها الفني لتتنقل بين مختلف أنماط الشخصيات بخفة ودلع أحياناً، وبوجع ودموع أحياناً أخرى.

سحرتنا وهى تغني بجمال صوت وأداء يفوق الكثيرين ممن امتهنوا الغناء بعدها و”أهانوه”، وهي التي لم تقل يوماً أنها مطربة، واكتفت بالاعتزاز بأنها ممثلة، أبهجتنا باستعراضاتها التي مزجت بين قدرات أستاذة باليه وأسطى عوالم محمد علي، وأمتعتنا بذوقها في اختيار ملابسها، ألواناً وتفصيلاً وشياكة، وأسعدتنا باختياراتها السينمائية التي لامست همومنا وعبرت عن طموحات وأحلام فتيات عصرها ولا زالت تعبر عن مشاعر وأحاسيس فتيات عصرنا.

ألا يكفي السابق ذكره ليجعل من سعاد حسني لغز الأمس واليوم والغد وبعد الغد حتى يأتي اليوم الذي نجد بيننا موهبة تعبر عن بناتنا وتجسد طموحاتهن؟ ليس بالضرورة أن تكون تشبهها، بل لا بد أن تكون مختلفة عنها شكلاً ومضموناً إنما وبلا شك تمتلك الموهبة وخفة الدم والبراءة والشقاوة والروح الجميلة والذوق الرفيع والقدرات الصوتية والاستعراضية والبساطة وعدم الادعاء والثقة بالنفس والثقة بالفن، ما يؤهلها لأن تكون نجمة شاملة جديدة، وأن تعتلي عرش القلوب.

من تجد أن لديها موهبة سعاد حسني، وأنها مؤهلة لأن تنازعها في مكانتها في قلوب عشاقها، عليها قبل أن تعلن ذلك، وقبل أن تلقي بنفسها إلى جحيم يمكن أن يحرقها، أن تشاهد أفلام السندريلا وتكون لديها القدرة على التفوق عليها، وتتأمل مراراً فيلم ك “خلي بالك من زوزو” وتبحث عن ما قدمته السندريلا خلاله، فإذا وجدت أن لديها القدرة على تجسيد هذه الحالة المعقدة وانتقالاتها ما بين البهجة والحزن، وما بين فخر واعتزاز الفتاة المثالية بنفسها وخجل بنت العالمة بموروثها، وما بين الخوف والتحدي الذي أظهرته عندما كشفت الخبيثات حقيقة أمها أمام حبيبها الأرستقراطي وعائلته ورد فعلها على سخريتهم منها، لتتحول إلى شخص آخر يعتز بأصله ويحارب دفاعاً عن جذوره وعن البيئة التي نشأ فيها وفُرضت عليه.. هذا الفيلم البسيط في حكايته، سيظل النموذج الذي نجحت فيه سعاد حسني في تقديم الانتقال السلس بين تناقضات المشاعر وطموحات النفس ورغبات البشر وصراع الطبقات، لتجسد بشكل رائع أسطورة السندريلا التي أبهرت الأمير، وأجبرته على ملاحقتها وبذل الكثير لنيل رضاها.

ما أكثر المكتويات بنار سعاد حسني، وما أكثر من ستكتوين بهذه النار مستقبلاً ممن يردن ركوب مونوريل النجومية من دون جهد ولا موهبة؛ فاتخاذ سعاد حسني مثالاً وقدوة أو محاولات التشبه بها لا تكون بالكلام المرسل ولا بالادعاء الأجوف، بل يستلزم الأمر الجهد والتعب، وقبلهما الموهبة والقبول وهما النعمتان اللتان ينعم بهما رب العالمين على من يشاء من عباده. وعندما يجدهما الجمهور في أحد يهرول إليه ليمنحه الأوسمة التي منحها طواعية لمن أسعدوه وامتلكوا مشاعره من دون ادعاءات ولا طموحات وهمية.

mahmoudhassouna2020@gmail.com

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.