بقلم : محمد حبوشة
أحسن فعلا (خيري رمضان) باستضافته للإعلامي اللبناني (نديم قطيش) المحب لمصر بقيادتها الرشيدة وشعبها الطيب، كما ترجم ذلك من خلال برنامجه (الليلة مع نديم) على قناة (سكاي نيوز عربية)، ومعروف أنه لفت نظر الجمهور المصري في زحمة البرامج والقنوات المصرية التي تعج بالجهل والتخلف وعدم المهنية، وأعجبتني جدا شجاعة (خيري) في بداية الحلقة بقوله في تلقائية غير مصطنعة: (أنا باغير منك مهنيا)، ما يعكس ثقة كبيرة في النفس من جانب إعلامي مصري معروف ومشهود له بالكفاءة حين يشهد بكفاءة زميله الإعلامي اللبناني الذي تفوق على كل إعلامي مصر في الفترة الأخيرة، عندما دافع عن الرئيس السيسي والشعب المصري بجسارة في أكثر من حلقة من حلقات برنامجه الذي أصبح وجبة أسبوعية دسمة على مائدة المصريين.
ومن جانبة دون نفاق أو تملق أو رياء كعادة إعلامينا الجهابذة أوضح (نديم) أن الشعب المصري من حقه أن يفرح بعد 10 وأكثر، بعد حرب ضروس ودفاع ومحاولة بناء ونجاح ونهوض وغيره من محاولات أخرى لذا طالب الشعب المصري بالاسترخاء، مستندا إلي القول المأثور (مصر محروسة).
حكى نديم عن تجربته في الفضائيات العربية وقال أن أصعب جمهور يمكن اختراقه هو الجمهور المصري وكان هذا ردا على سؤال لـ (كريمة عوض) زميلة خيري في البرنامح عن: هل نديم يقصد استمالة الجمهور المصري من خلال برنامجه (الليلة مع نديم)، لكنه أرجع انحياز لمصر لأسباب عديدة، منها أن الإعلام المصري عنده مساحة واسعة ونجوم كبار، كما إن الإعلام المصرى يتمتع بالاكتفاء الذاتى من ناحية القضايا المصرية، وحجم الإنتاج الجبار الذى تنتجه البرامج اليومية والأسبوعية، لذلك فهو أصعب سوق إعلامى تخترقه لتقديم مادة.
وأضاف قطيش: (مصر حكاية تانية فى الإعلام، فلا يمكن أن تعطى أربعة أو خمس ساعات لمناقشة فيديو أو تصريحات، فهناك مذيعين يخاطبون جمهورهم بالسبع ساعات يوميا عن موضوع واحد، فذلك لا يحدث إلا فى السوق المصرى)، وتابع قائلا : بخلاف السوشيال ميديا وحجم الإنتاج الجبار الذى ينتج يوميا، فالسوق المصرى يمتلك مواهب لا حدود لها، كما أن المواطن المصرى لا وقت لديه لرؤية إعلام آخر، (ماعندوش وقت لغير المصرى، دول 103 ملايين بني أدم، أنت لما تشيلهم من المعادلة هيبقى فى مشكلة، أنا لما باغطى مواضيع مصر بلاقى فى feedback دا بيبقى يوم السعد، كما حصل فى حلقة أردوغان ومصر، أصدقائى المصريين أرسلوا أن الحلقة بتتوزع على الواتس آب، فكان هذا الأمر بالنسبة لى أشبه بنوبل .. المصريين ماعندهمش وقت لإعلام غير مصرى.
لفت نديم نظرا إلى حقيقة قد لا نلحظها نحن كثيرا قائلا: عندما يقبلك الجمهور المصري وأنت تتحدث عن قضاياه في قناة عربية فهذا يعد إنجازا كبيرا، حتى أنه من المفارقات المذهلة بالنسبة لي أن قال أحد رواد السوشيال ميديا (ما نمنحه جنسية وعقد احتراف)، ولفت نظري في التعليق – يقول نديم – أن مصر تتعامل مع المواهب بأنها مبتدئة أو هاوية حتى تعترف بها القاهرة على مستوى الإعلام والغناء والتمثيل والرياضة وغيرها، لإنك تظل هاويا خارج مصر وعندما تعترف بك القاهرة فأنت محترف.
ولأنه السياسة هى من أدخلته في قلب ووجدان المصريين فتم سؤاله عن هويته السياسية؟، فقال إنه لست سياسي بل أنا صحفي رأي، ومسئوليتي عندما أبني الرأي على معلومة لابد أن تكون هذه المعلومة صحيحة، بعيدا عن الاقتطاع والتزوير والنسب .. باختصار مسئوليتي النزاهة.
ولكن لماذا اخترت مصر لدعمها سياسيا في هذا الفترة الفاصلة من عمر الوطن العربي سأله خيري؟، فأجاب على الفور: كلمة أدعم مصر هذه كبيرة جدا، مصر 103 مليون، مصر جغرافيا كبيرة، لكن أنا متعاطف مع نفسي أولا، فمصر جزء من ذاكرتنا، جزء من مستقبلنا، ولو تخلينا أن مصر ضاعت مثل أي دولة ضاعت في المنطقة بسبب الإسلام السياسي (السني أو الشيعي) لضاع الوطن بكامله ، ومن عندما تقف مع مصر فإنك تقف مع نفسك، وما يشجع على ذلك أن هناك مشروع سياسي كبير تقوده مصر حاليا، وهناك ثلاثة عوامل كي تتهيئ مصر للمكانة التي تصنعها، أولا رغبة في دور مصر خارج مصر، ثانيا هناك مساحة لدور إقليمي لمصر، ثالثا هناك القبول للدور المصري، وليس هناك استفزاز جراء هذا الدور المصري في كل الدول العربية (لبنان، السودان، العراق، سوريا، ليبيا) ، وهو دور ليس مغلفا بغلاف أيدولوجي.
ويوضح نديم أساس انحيازه لمصر، بأن الرئيس عبد الفتاح السيسي يتحدث دائما عن الدولة الوطنية، وهذه هى الجزئية المهمة في أن مصر كدولة وطنية مصرية تبحث عن تعاون مع دول وطنية أخرى، فعلى سبيل المثال ليس هناك مشروع مصري للبنانين للبنان بل هناك مشروع تجسير بين مصلحة مصر الوطنية ومصلحة لبنان الوطنية، وكذلك مع العراق والأردن وغيرهما، ليس هنالك مشروعا مصريا مفصلا على دولة بعينها، واستكمالا للثلاث نقاط التي ذكرتها هناك نقطة رابعة تتمثل في أنه لدى مصر القدرات التي تدعم دورها الإقليمي.
أشار نديم إلى أن الملف الأساسي الذي يعمل عليه بخصوص مصر هو (ملف الإخوان) وهو قضية لم تنتهي ولن تنتهي، لن تهدأ ولن تهدأ، فعلي الرغم من شبهة تحسن في العلاقات مع قطر وتركيا فلايزال المشروع الحقيقي للإخوان هو نفسه، وواحدة من ملامح هذا المشروع كما لاحظتها من خلال لقاءاتي بسياسيين ودبلوماسيين وصحفيين في القاهرة خلال الأربعة أيام الماضية حيث كان هناك سؤالا واحدا يوجه لي : ما هى حكاية الإمارات مع سد النهضة؟، لاتوجد علاقة بين الإمارت وسد النهضة، عندئذ تدخل خيري قائلا : هنالك كلام حول مشروعات إمارتية في أثيوبيا؟، فيجيب نديم : الاسثمارات الإمارتية في أثيوبيا تبلغ 1.4 مليار دولار بينما في مصر 37 مليار دولار، إذن لديك مصلحة 29 مرة إماراتية عن أثيوبيا، وهناك علاقات بين رئيس الإمارت وأثيوبيا لكنها مسيرة لخدمة مصر والسودان، كما أنه ليس هناك دولار واحد كاستثمار في سد النهضة.
ربما دافع نديم قطيش عن الإمارات كثيرا من خلال البرنامج وهو المتهم بانحيازه لها، لكني على قناعة خاصة بشفافيته وحسن نواياه في إحداث تقارب بين مصر والإمارات في هذه اللحظة الفاصلة التي يعكر فيها (الإخوان) صفو تلك العلاقات التاريخية كما أوضح ذلك في برنامجه عن علاقة الإخوان بما يحدث في مصر بعد 30 يونيو 2013، انطلاقا من فهمه العميق لهذا الملف كما كتب عن الإسلام السياسي في مقال له بجريدة الشرق الأوسط قائلا: عمل ويعمل الإسلام السياسي في المنطقة العربية كقنبلة فراغية، جعل؛ السُني منه والشيعي، دولاً وكيانات وقضايا عربية مجرد شماعات فارغة يستثمر فيها الفاعلون من خارج العالم العربي، واقع الأمر أن الإسلام السياسي لم يفرغ مدناً ودولاً من معطيات الصحة والسيادة، بل أوصل إلى امتهان القضايا الكبرى للعرب.
صحيح أن نديم اختتم حديثه عن مصر قائلا: (مصر غالية وعزيزة على القلب، وعزيزة عربيا عموما وعلى المستوى اللبنانى العلاقة مع مصر علاقة تاريخية، لكنه يظل الإعلامي الذي أحب مصر ودافع عنها في برنامجه (الليلة مع نديم) على قناة (سكاي نيوزعربية) في وقت يفتح فيه إعلاميونا أفواههم دهشة وحيرة لأمر اختراق هذا الإعلامي اللبناني قلوب وعقول المصريين الذين تحدث عنهم نديم نفسه باحترام شديد، لكنه نسي أن الجمهور المصري مل كل تلك الوجوه الإعلامية ويمقتها ليال نهار.
تحية كبيرة لخيرى رمضان الذي تمتع بشفافية مطلقة ، وعلى الرغم من تلعثم مرافقته كريمة عوض ، فقد نجح في إدارة هذا الحوار الكاشف لكيفية أن ينحاز الجمهور المصري لإعلامي غيرى مصري، ويفضله على أبناء وطنه، وربما جاء ذلك جراء فهمه ومهنيتة – كما أشار خيري – ومن فوق كل ذلك حب جارف لتراب مصر وشعبها وقيادتها السياسية الحكيمة .. مرة أخرى : أحسنت ياخيري، وتحية مشفوعة بالاحترام والتقدير لك على هذا الحوار الذي كشف للمصريين عن هوية أحد محبيها من إعلامي وطننا العربي الكبير، كما لابد لي من توجيه الشكر إلى قناة (القاهرة والناس) على هذا السبق الذي لم تفكر فيه قنواتنا الوطنية تجاه من يخدم مصر وشعبها وقيادتها، هم فقط لاهون في قضايا عقيمة مثل (الاغتصاب الزوجي)، وتلميع غرفتي البرلمان (نواب وشورى) عبر حوارت الثرثرة التي لا تجدي!!.