كتب : محمد حبوشة
دون أدني شك حقق مسلسل (ليه لا الجزء الثاني) للنجمين الشابين (منة شلبى، وأحمد حاتم) ردود أفعال مميزة بعد اقتراب حلقاته من الانتهاء على منصة (شاهد) الرقمية عبر الانترنت، ولاسيما أن سبب نجاح هذا العمل يعود لذلك الأداء الناعم من جانب كل من (منة وأحمد) في ذهابهما بدفء المشاعر نحو آفاق رومانسية حالمة، ربما نفتقدها في مسلسلات هذه الأيام، خاصة أن (ليه لأ ؟!) يتناول قضية اجتماعية شائكة ألا وهى تمرد الفتاة على الرضوخ لفكرة الزواج في سن معين، من أجل إنجاب الأطفال الذين تحلم بهم، ولتحقق رغبتها الفطرية بالإحساس بالأمومة.
مسلسل (ليه لأ ؟!) في جزئه الثاني يرصد حكاية (ندى)، التي ترغب في احتضان طفل لكنها تواجه صعوبات كثيرة في هذا الأمر، مسلطاً الضوء على علاقتها بالطفل، حيث أن العمل يتطرق إلى موضوع التمرد على المسلمات، وهو مناسبة لنسأل: لماذا علينا الالتزام بما اعتدنا عليه، وألا نتمرد على ما يفرض علينا بحكم المجتمع والتقاليد، ويكشف العمل عن طرق أخرى لتحقيق حلم الأمومة بحسب فكرة (دينا نجم) التي كتبت السيناريو والحوار بالتعاون مع (مجدي أمين، رانيا حسن وسلمى عبد الوهاب)، من خلال ورشة سرد تحت إشراف (مريم نعوم)، وإخراج (مريم أبو عوف)، وبطولة (منة شلبى أحمد حاتم، مراد مكرم، مها أبو عوف، سارة عبد الرحمن، سليم مصطفى، منى أحمد زاهر، دنيا ماهر، فراس سعيد، يارا جبران، تامر نبيل، ريم حجاب وآخرين.
وبالطبع هنالك أسباب أخرى تجعل هذا المسلسل على قدر كبير من النجاح، أولها: أن أغلب الجمهور المصري ربما يكون قد واجه حالة من التشتت بعد انتهاء شهر رمضان نظرًا لوجود نظام معين يستمر عليه طول الشهر، ويتابع قدر من المسلسلات حسب مواعيده، وبنهاية شهر رمضان تبدأ حالة التشتت والتوهان ويفتقد المشاهد عملا دراميا جذابا يتابعه ويهتم لأمره؛ لذلك جاء توقيت عرض (ليه لأ ؟! ) توقيتا مثاليا للغاية بل يمكن القول بأنه لا يقل أهمية عن موسم رمضان.
ثانيا: أن المسلسل في جوهره يتناول قضية مهمة وهي قضية (التبني) وذلك من خلال (ندى طبيبة العيون) التي تسعى لتبني طفلًا مما يجعلها في مواجهة كل من حولها بما فيهم أهلها والمقربين منها خوفًا من كلام الناس عليها كونها تعيش وحيدة وتملك طفلًا مسئولة عنه، الأمر الذي يجعلنا ننتظر قصة مثيرة وأحداثًا مشوقة.
ثالثا: حالة الجدل الذي أثاره الجزء الأول من المسلسل جعلته بلا شك محل انتظار لرؤية كيف سيقدم المسلسل في جزئه الثاني بطلة العمل، هل ستكون مثل (عاليا) التي تركت زفافها وسببت الإحراج لأهلها والعريس وأهله وفيما بعد تركت منزلها لتبحث عن نفسها؟، أم أنه نوع من التمرد المختلف هذه المرة، وللأمانة فقد تدارك صناع المسلسل أخطاء الجزء الأول والتي جعلت المسلسل مادة دسمة للنقد في وقت عرضه قبل أشهر.
رابعا: حرص المسلسل على تقديم نماذج مختلفة من المجتمع المصري قد نتفق أو نختلف عليها ، لكن لا يمكننا إنكار وجودها بيننا، ولا أستطيع أن أخفي إعجابي الشخصي باهتمام المبدعة (مريم نعوم) بقضايا المرأة في كتاباتها التي دائمًا ما تنجح في توفير مناخ يسمح بنجاح العمل واندماج المشاهد فيه، ولنا في مسلسل (خلي بالك من زيزي) نموذج مثالي في ذلك ، كما أنني أرقب وأرى عن كثب أن ذلك التعاون بين الكاتبة مريم نعوم والمخرجة مريم أو عوف أصبح مثمرًا جدا، فكان هناك تناغم واضح بين (المريمين) في الجزء الأول والثاني على حد سواء.
خامسا: عودة البطولة النسائية للتوهج في الدراما المصرية من جديد بعد تحول الممثلة المصرية – غالبًا – لأحد المحركات الفرعية للأحداث في الأعمال الفنية بجانب البطل الأمر الذي حرمنا من مناقشة العديد من القضايا والتطرق إليها بشكل كافي، ولكن في الفترة الأخيرة لاحظت اهتماما كبيرا بالبطولات النسائية خصوصًا في الدراما الرمضانية، مما يعطي المسلسل طابعا مختلفا، خاصة أن وجود منة شلبي كبطلة للمسلسل كان أهم أسباب مشاهدتي للمسلسل خاصة وأن آخر أعمالها في (كل أسبوع يوم جمعة) قدمت فيه أداء مميزا، على قسوة أحداثه وسوداوية مشاهده الغارقة في الدماء.
ولقد صنع الثنائي (منة شلبي، وأحمد حاتم) دويتو رائع جدا بأداء شفاف وناعم يؤكد قدرتهما على تقمص الشخصيتين باحترافية كبيرة ونضج لافت للغاية، فقد تألق بطلي المسلسل في أدائهما الذي يدور ضمن إيقاع يجمع بين الكلاسيكية والعصرية في قالب واحد، وقد ساهم في براعة الأداء على نحو مختلف هذه المرة بين (منة وأحمد) أن التصوير والإضاءة، وحركة الكاميرا بقيادة ضابط إيقاعها المبدعة (مها أبو عوف) .. كلها عناصر كانت غاية في الانضباط الذي اكسب العمل بريقا أخاذا ورونقا جاذبا، فـ (منة شلبي) قدمت أحد أجمل وأرق أدوارها الدرامية في الوقت الراهن، على جناح همس حديثها الجذاب، وحركة جسدها المحسوبة بدقة متناهية، حتى بدت تشع ضوءا مشبعا بألوان قوس قزح، ومن ثم فرضت نجوميتها على المشاهد بأسلوبها السهل الممتنع، ويبدو أنها تعي جيدا أنه يجب على الممثل أن يفهم تمثيل الإحساسات أو الانفعالات تتولد من تلقاء نفسها عن الطريق الذي يحدث الحدث و لا يحتاج إلى تصنعها و التكلف بتمثيلها كما انعكس على تطور أدائها.
في حين أن (أحمد حاتم) الذي يتعرف عليه المشاهد عن قرب هذه المرة بأداء رومانسي مختلف، بعدما تعلق به رومانسيا بطرقة مغايرة في مسلسل (طاقة حب) يناير 2020، ولقد لاحظت أن هذا النجم الشاب الواعد زاد تألقا في السنوات القليلة الماضية، وتحول بفضل ما يحمله من ملامح رجولية ووسامة إلى رجل أحلام نساء كثيرات في زمن قل وفاء الحبيب لحبيبته، وربما هذا يعيدنا إلى أجواء فن الزمن الجميل (أيام رشدي أباظة وكمال الشناوي وعمر الشريف) وغيرهم من نجوم قدموا لنا نماذج رومانسية لاتزال خالدة في شريط السينما العربية، من خلال أداء عذب يعتمد فن تقمص الشخصية المطلوب تمثيلها على الشاشة، بعد لبس جلدها والظهور في صفاتها بقدر المستطاع وتبعا لما رسمته من معالم الشخصية وهو أداء مقيد بأصل أو بنص مكتوب، لكن حاتم أصبح يعرف جيدا الصفات التي يجب أن تتوفر بالممثل المحترف والتي يجب عليه من خلالها أن يخلص للدور الذي يؤديه، بحيث يعيش في مجتمع الدور و بإحساس صادق.
وقد توقفت عند المشهد الأخير في الحلقة (التاسعة) لأراه (ماستر سين) الحلقات الـ 15 من عمر المسلسل، والذي جاء على النحو التالي:
بعد تصفية أجواء خلاف حدث بينهما قبلها بيومين جراء اعتداء يونس (الابن بالتبني) لـ (ندى/ منة شلبي) على أحد زملائه بالمدرسة، والمهندس (صلاح / أحمد حاتم) والد (سلمي) التقي الصديقان في مكان ساحر على ضفة نيل القاهرة في حديث يتسم بالدف والعاطفة التي بدأت تنمو في قلبيهما بعد فترة من الشد والجذب التي طالت قبل البوح بنمو حب جديد بينهما، فبعد الانتهاء من رياضة صباحية روحية يتجه (صلاح وندى) إلى ركن قصي بعيدا عن الناس ويبدأ خفقان قلبيهما في النبض سريعا رغم حديثهما الذي بدأ متواريا وانتهي رومانسيا حالما.
ندى معلقة على المكان : حلو قوي .. ثم في سخرية تسأل صلاح : أخبار القمل عندكم ايه؟
صلاح في محاولة لتغيير دفة الحوار : بس بقي.
ندى : هههه انت فليت دقنك من القمل العام ؟
صلاح : متفكرنيش باليوم ده .. ولا على اللي عملته رانيا (طليقته) .. الله يرحم أنا كنت بافليها هى شخصيا!.
ندى : هى لحقت تعرف؟
صلاح : ما هى كانت معانا وقت الجريمة دي.
ندي : أوووه !!
صلاح : اوووه ايه؟
ندى : أبدا بس مش فاهمة العلاقة دي شويه!!
صلاح : عارف والله .. بس كل ده علشان خاطر سلمى .. أنا والله ماعيزها تكون زي البنات التانين يعني .. مش عايز أبقى سايب مجال انها تتعرض لأي حاجة تديقها .. فاهمة ؟.
ندى تهز رأسها : فاهمة ما هو كان باين قوي من يوم المدرسة !!.
صلاح : أوووه .. والله أنا عمال أضرب نفسي 100 جزمة على الطريقة اللي كلمتك بيها في اليوم ده.
ندى : لا أنا مش بأقولك كده علشان تعتذر والله .. انته اعتذرت كتير أصلا.
صلاح : طب وحياة سلمى الموضوع مافيه سوء تفاهيم.
ندى : وحياة يونس أنا عارفة.
…………………………………
يدخل عليهم أحد العاملين بالمطعم قائلا : الفطار جاهز يا فندم.
…………………………………
تعلق ندى : الله .. وفطار كمان.
يرد صلاح : هو انت لسه شوفتي حاجة.
ندى تجلس أمام المائدة وتقول : ايه اللذاذة دي؟
صلاح : اتفضل ياباشا.
ندى تفاجئ صلاح بسؤال : هى رانيا عارفة اننا ….!!
صلاح : آه طبعا .. هو أنا أول مرة أصاحب يعني؟
ندى : ايه مالك؟
صلاح : مالك انتي؟
ندي : ايه أول مرة أصاحب دي أنا لسه موفقتش.
صلاح : طب ومستنيه ايه؟
ندى : مش لاحقة أفكر.
صلاح : متفكريش.
ندى : إزاي مفكرش يعني؟
صلاح : عادي .. انتي بقالك 37 سنة بتفكري .. استفدتي ايه ؟
ندى : لبست في حاجات.
صلاح : شوفتي بقى .. يعني أنا مثلا من ساعة ما اتطلقت عمال أفكر لحد ما جالي (بانك مجتمعي) من اللي أنا فيه وبقيت باحس بتأنيب ضمير ناحية سلمى لو فكرت أبقى مع حد.
ندى : أنا كمان باحس الإحساس ده بسبب يونس.
صلاح : أيوه أهو أنا جاي من هناك وباقولك أوعي تقعي في الفخ ده .. احنا ساعات بنعمل حاجات عشان نحافظ على عيالنا .. بس احنا بنضرهم.
ندى : إزاي ؟!!
صلاح : يعني مثلا : انتي حاتحتاجي حاجات مش حتلاقيها في يونس، وأنا باحتاج حاجات مش حلاقيها في سلمى، فمش حابقى مبسوط ولا حنبسطهم.
ندى : أكيد بس انت لما تبقى مع حد غصب عنك حتيجي على سلمى في الوقت .. وده إحساس وحش قوى .. يعني أنا بعلاقة زي دي مقدرش أجي على يوسف.
صلاح : ما يمكن بالعكس يبقى وشه حلو عليك.
ندى : ازاي يعني؟ .. متواضع قوي انت بابتسامة رقيقة.
يرد صلاح بابتسامة أكبر : أنا مش بس باتكلم عن نفسي يعني .. أنا باتكلم في المطلق .. هو مش بيقولك العيل بيجي برزقه؟!.
ندى : وانت بقى رزقه ؟ ثم تضحكة ضحكة قوية من القلب !!.
صلاح : طب استني .. ثم يذهب يحضر موبايله ويقول لها : تتصوري معايا؟!
ترد ندي بفرحة : يلا .. وينتهي المشهد باتفاق ضمني على ولادة حب جديد بين قلبين تعلقا منذ أول لقاء بينهما رغم تحديات القدر والظروف.