كتب : محمد حبوشة
في الوقت الذي تعيش فيه الفضائيات المصرية حالة من الغيبوبة رغم أنها مكدسة بالبرامج والإعلاميين والمعدات وكافة الإمكانات التي تساعدها على السبق، انفردت قناة (النيل للأخبار) بإمكاناتها المتواضعة بإجراء مقابلة مهمة للغاية مع الجنرال كينيث ماكنزي (قائد القيادة المركزية العسكرية الأمريكية) أدارته الإعلامية (أمل رشدى) في 12 دقيقة فقط، وتكمن الأهمية في هذا الحوار الكاشف – على قصر مدته الزمنية – فيما صرح به (ماكنزى) في هذا المقابلة التي لم تنتبه لها باقي القنوات قائلا: إن مصر شريك استراتيجي للولايات المتحدة الأمريكية ويجب أن تبقى العلاقات العسكرية المشتركة قوية بعيدا عن العلاقات السياسية، وبخصوص سد النهضة قال (ماكنزى) أن السد أمر مقلق للولايات المتحدة الأمريكية و نتفهم و نقدر حق مصر التاريخي في مياه نهر النيل، و أضاف أن مصر تبذل أقصى جهد سياسي في هذا الشأن وأن بلاده تعمل على إيجاد حل مرضي لمصر بشأن الأزمة.
التصريحات التي نقلتها عن قناة (النيل للأخبار) العديد من المواقع الإخبارية العربية والعالمية لم تلفت إليها كل برامج التوك شو فى كل قنواتنا الخاصة، ولا حتى واحد من إعلامينا السمان أشار لهذا اللقاء ولا لهذه التصريحات الفارقة فى هذه اللحظة التاريخية، وظني أن هذا التقاعس عن تناول تصريحات الجنرال الأمريكي ينم عن جهل إعلامنا المصري بأهمية مضمون الرسائل التي جاءت عبر قناة تابعة لماسبيرو، مع أنه كان ينبغي الإشادة بها وأن تعكف برامج التوك شوز على تحليل مضمون الحوار الكاشف لعمق العلاقات الاستراتيجية بين مصر وأمريكا في هذه المرحلة الحساسة من تاريخ هذا الوطن، وهو ما طرح في رأسي أكثر من علامة استفهام حول هذا التجاهل المتعمد، ومن ثم أصبح لدي يقين يزيد يوميا بأن تلك الفضائيات ومن وراءها يمثلون طابورا خامسا يتآمرون على ماسبيرو من ناحية ومن ناحية أخرى لايفهمون دورهم في الحوار والتعليق والتحليل لأهم قضايانا المصرية في لحظة فاصلة من عمر الزمن.
لقد شاهدت اللقاء المهم للجنرال (ماكنزي) الذي أثنى فيه على دور مصر في المنطقة، حيث سألته المذيعة عن أسباب زيارته لمصر في هذا الوقت تحديدا، والنقاط الرئيسية في محادثاته مع الجانب المصري؟
وأجاب ماكينزي قائلا : حضوري إلى مصر مصدر سروري دائما وتسني لي لقاء وزير الدفاع عصر اليوم، وتحدثنا عن العلاقات الاستراتيجية التي تربط البلدين والأنشطة العديدة التي تمت مؤخرا ومن بينها كشف الجنرال عن برنامج شراكة مع بعض الولايات الأمريكية ومن بينها ولاية تكساس تلك الولاية الأمريكية العظيمة، وسيكون رائعا لتكساس ومصر تلك الشراكة، كما تطرق إلى محادثاته مع وزير الدفاع المصري لأعمال مصر في مشكلة غزة مع إسرائيل، وهم ليسوا أصدقاءنا فحسب بل إن مصر تعرب عن قيادتها وريادتها للمنطقة ككل .. ألا يفهم إعلاميونا الأفذاذ قيمة هذا الكلام عندما يأتي على لسان أعلى قيادة عسكرية أمريكية في هذه التوقيت تحديدا، وخاصة أن هنالك مؤشرات إيجابية من خلال لغة الخطاب الإمريكي الجديدة مع مصر وقيادتها الحكيمة؟!
أعتقد أنه لا أحد من إعلامينا للأسف يدرك المتغيرات التي تحدث على خارطة العالم السياسية الآن، خاصة عندما أجاب الجنرال ماكنزي عن سؤال حول تطور العلاقات الاستراتيجية بين مصر وأمريكا الآن، قائلا : من المهم للموقف السياسي أن نبقي على روابطنا الاستراتيجية والعسكرية لذا أتحدث بصفة مستمرة مع قادة الأركان في مصر هنا ونتحدث عن أمور الأمن القومي، لأن هذا من الأسس المتينة التي نبني عليها العلاقات، ولدينا علاقات قديمة وطويلة مع مصر وهى شراكة رائعة ونريد الحفاظ عليها والبناء عليها أيضا، ما يعني هذا أن التوترات التي مرت بالعلاقات المصرية الأمريكية منذ تولي (بايدن) قد ذهبت إدراج الرياح الآن وهنالك تطورات في ضوء الدور المصري في المنطقة الذي بدأ في النشاط في ماية الماضي.
من بين السطور التي تحدث بها قائد القيادة المركزية الأمريكية يمكن أن نفهم الكثير فمن بين تصريحاته المهمة قال: إن مصر من البلاد المهمة لاستقرار وأمان المنطقة، وفي سؤال له عن مدى قلقله وقلق بلاده عن حدوث قلاقل في المنطقة إذا ظلت مشكلة سد أثيوبيا بلا حل؟ ، أكد (ماكنزي) أن سلوك أثيوبيا نحو المشكلة الآن يقلق الولايات المتحدة، فنحن ندرك الأهمية الفريدة للنيل بالنسبة لمصر، ليس فقط من الناحية الثقافية والموارد المائية والاقتصاد عموما، وأعتقد أن مصر تمارس قدرا هائلا من ضبط النفس وهى تحاول التوصل لحل سياسي ودبلوماسي للمشكلة .. إنها مشكلة حقيقية وسنستمر في إيجاد حل لها يكون مناسبا لأطراف النزاع ، وأشار الجنرال الأمريكي أن مصر أظهرت قيادة حقيقية في هذا المجال، وهذا كلام جديد ومبشر حسب الفهم الأمريكي لطبيعة المشكلة ينبغي أن نعيه في وسائل إعلامنا ونبني عليه في لغة الخطاب المصري مع أثيوبيا.
ولقد أعجبني مهنية الإعلامية (أمل رشدى) في توجيه أسئلة احترافية لجنرال يقف على رأس العسكرية الأمريكية عندما وجهت دفة الحوار نحو قضايا الإرهاب في العالم والمنطقة العربية الأكثر توترا، وسألته عن أوضاع مكافحة الإرهاب في ظل جدول للانسحاب من أفغانستان وسورية، وانه سيقتصر دور أمريكا على دعم قوات سورية الديمقراطية، وفي العراق على تقديم المساعدة والتدريب، كيف ستستمرون في عمليات مكافحة الإرهاب بعد انسحابكم من تلك المناطق، فأجابها (ماكنزي): في الواقع لا نخطط للانسحاب من العراق وسوريا حاليا، نحن في العراق بدعوة من الحومة العراقية ونجري حوارا استراتيجيا معهم، لكن أعتقد أنهم سيرغبون ببقائنا، ونحن لسنا من نقوم بالقتال في العراق وسوريا، فالبنسبة للعراق نمكن القوات العراقية الحرة من القيام بهذا القتال، وبالنسبة لسوريا فنحن شركاء، كما ذكرت، وفي الواقع هذا مانريده.. نريد أن يتمكن شركاؤنا من القتال.
وفي هذا الصدد أشار الجنرال الأمريكي إلى نقطة مهمة وهى أن الولايات المتحدة تدرك أن نهاية الحرب ضد داعش لن تكون بلا إراقة دماء لأن عنفهم سيستمر فتلك هى عقيدتهم، وهذه العقيدة لن تنتهي ببساطة لأنههم لا يسيطرون على أرض ما، لكن الحل هو أن تتمكن سلطات الأمن المحلية من السيطرة على تلك الانتفاضات وهذا ما نفعله في العراق والقوات العراقية تتقدم خطوات كبيرة للأمام، وهم الآن متقدمون وقمنا بتخفيض قواتنا، ونريد الاستمرار في التفاوض مع العراق لنرى كيف سيكون الوضع في المستقبل، نفس الوضع في سوريا يقوم شركاؤنا السوريون بالقتال ونحن ندعمهم، وطالما داعش متواجدة هناك فسنبقى هناك، لكنه قرار سياسي وليس عسكريا.
ونظرا لأن المذيعة تتمتع بقدر كبير من الفهم السياسي وتعى وتدرك أساليب اللف والدروان من جانب مسئول لايريد الإفصاح عما في جعبته فقد التفت حول ذات السؤال بسؤال معاكس قائلة: لكن هل يمكن أن تزيدوا من حجم قواتكم لدعم قوات سوريا الديمقراطية لمواجهة التحديات في المنطقة؟
يجيب (مكنزي) بأسلوب الالتفاف حول المشكلة قائلا : حاليا يتعامل السوريون جيدا مع المشكلة بالمساعدة التي نمدهم بها لا أعرف ما يخبئه المستقبل لكننا مرتاحون الآن، ويهرب من استكمال الإجابة بالقفز إلى أفغانستان، قائلا : في الواقع ستغادر أفغانستان بحلول 11 سبتمبر، لكننا سنتمر في البحث عن داعش والقاعدة في أفغانستان.
وداهمته أمل رشدى بسؤال مفاجيء: ولكن ما رأيك في التقارير التي تقول أن داهش وأنصارهم ينتقلون لبلاد أخرى مثل الدول الأفريقية مثلا؟
ليقول (ماكنزي) ردا على ذلك: مشكلة داعش والقاعدة وغيرهم لا تنحصر في تلك المنطقة فحسب بل هى عالمية وطريقة معالجتنا للمشكلة العالمية هى قطع الأنسجة المتصلة بحيث لايتصل هؤلاء بحلفائهم في أفريقيا، ولدينا طرقنا الخاصة التي لاتقتصر على الواقع الافتراضي فقط بل والعمليات المباشرة .. إنها مشكلة صعبة سواء هنا أو في القارة الأفريقية، كنا نظن أنه من المهم تقليل قدراتهم على الاتصال عالميا.
وفي إطار استخلاص النتائج المرجوة حول (داعش) سألته المذيعة سؤالا مقتضبا: ماذا سيكون مستقبل العالم في مكافحة داعش؟
ليجيب باقتضاب أكبر: أعتقد أنه سيستمر وغالبا ما سيخذا شكلا مختلفا بينما نمضي قدما، لكنه سيستمر وقد حققنا نجاحا كبير في الحرب على داعش أصبحت العقيدة المضادة لهم منتشرة وأصبحوا شرزمة معزولة من المجرمين يحاولوا البقاء خلال الليل، ويكون من الصعب احتمال بقائهم للصباح، لكننا نبقى على اتحاد دولي في مواجهة تلك المشكلة، وعرج على حل الأزمة الإنسانية التي تلحق باللاجئين السوريين جراء جرائم داعش وغيرها باعتبارها قضية إنسانية بالمقام الأول والأخير.
الحوار الاحترافي بمستوى مهني تعجز عنه الغالبية العظمي لقنواتنا الفضائية بجيشها الجرار من المذيعين تطرق إلى باقي قضايا المنطفة في اليمن، ودور الولايات المتحدة في تهدئة الأوضاع هناك والوقوف بجانب السعودية في ظل الوجود الإيراني في هذه البقعة من الوطن العربي ، كما تطرق الجنرال ماكنزي إلى كيفية وصول الأسلحة الإيرانية للحوثيين، ثم اختتمت المذيعة بسؤال عن قمة (بيدن – بوتن) في قمة السبعة ومدى قلق أمريكا من توسع الدور الروسي في المنطقة وأجاب بشكل قاطع مصحوبا بابتسامة كبيرة على وجهه: ليس بمقدور روسيا أن تقدم بديلا عمليا سوى بيع الأسلحة التي يصنعونها، لأنهم ليس لديهم البديل الاقتصادي ليكونوا لاعبين مؤثرين في المنطقة.
انتهت الدقائق القليلة والتي حملت في طياتها إجابات تعكس فهم مذيعي قناة النيل للأخبار لطبيعة المشكلات التي تحيط بمصر، ومن ثم أتساءل من جانبي: لماذا لايتم تطوير هذه القناة لتصبح بديلا للقناة التي تم الإعلان عن إنشائها قبل أسابيع قليلة، بدلا من صرف مئات الملايين على قناة جديدة، طالما أن لدينا قناة بها كوادر قادرة على دفع دفة الإعلام المصري نحو المزيد من التطور والمهنية التي يمكن أن تحسن الصورة عوضا عن ركام القنوات والإعلاميين الذين فشلوا في تحقيق هدف ورسالة الدولة المصرية الحالية التي تبذل جهودا مضنية في سبيل التطور والنمو الذي نشهده يوميا.؟