الطريق إلى 30 ( 2 ) .. ألغام
بقلم المخرج المسرحي الكبير: عصام السيد
كانت تصريحات وزير الثقافة القادم فى التعديل الوزارى بمثابة ألغام زرعها بنفسه لنفسه، فاتهام الأكاديمية بالفساد لن يطال رئيسها الدكتور سامح مهران وحده ، بل أصبحت الأكاديمية كلها فاسدة حسب تصريحات الوزير و هذا لغم ضخم ، لأنه إن لم يستطع إثبات وجود هذا الفساد سينقلب الوضع عليه ، بالإضافة إلى تصريحه عن مكتبة الأسرة خلق أزمة و لغما آخر ( سنتناوله فيما بعد ) و دون أن يدرى ملأ طريقه بألغام عدة ، لم يضعها فى حسبانه.
انفجرت أولى تلك الألغام بسبب الموضوعات التى طرحها بشكل عاجل ( فيلم و متحف عن الثورة ) فحديثه يثبت أنه ليس من المتابعين للأحداث الفنية و الثقافية على الساحة و لا يعرف شيئا عنها ، فلقد بدأت بالفعل عدة جهات فى توثيق أحداث الثورة منها جهات تتبع وزارة الثقافة نفسها ، كما تم إنتاج عدة أفلام عن الثورة بعضها عرض و البعض فى سبيله للعرض ، إضافة لإصدار كل من دار الكتب و هيئة الكتاب و الثقافة الجماهيرية العديد من الكتب و الكتيبات عن الثورة – سواء بشكل مباشر أو غير مباشر – ناهيك عن أن الفيلم و المتحف يوحيان بانتهاء الثورة – من وجهة نظره – عند مرحلة تولى الإخوان للسلطة ، و ذلك عكس ما كان يحدث على أرض الواقع ، فهل سيتم إنتاج الفيلم و إقامة المتحف من أجل تزوير للتاريخ بإثبات أن الإخوان هم من قاموا بالثورة ؟ ، أم أنهما وأد للثورة و ‘علان انتهائها كما سبق و أعلنوا بعد أول جلسة لمجلس النواب ؟.
كان الجميع فى الحقيقة ينتظرون مشروعا ثقافيا أعمق و أنفع يتواكب مع روح الثورة ، مشروع يهدف إلى ديمقراطية الثقافة : بمعنى أن تصل الخدمة الثقافية للجميع يتساوى فيها الريف و الحضر ، و الموسر و المعسر ، تموّل و لا تحجر ، و تسعى للمتلقى و المبدع . خاصة أن وزراء الثقافة ما بعد 25 يناير لم يحقق أحد منهم الأمل المنشود إما لضيق الوقت ، أو لضيق الأفق ، أو لضيق ذات اليد ، المهم أن الكل عانى من الضيق.
لذا زادت اللهفة لمعرفة إلى أى خلفية ينتمى الوزير لعل الجماعة الثقافية تجد سببا مقنعا لاختياره غير أنه ينتمى للإخوان ، و لا ننكر أن اللهفة كانت عند البعض من باب الرغبة فى تصديق تصريحاته و أنه أتى كى ( يعدل المايلة ) و لكن المتشككين فى نواياه كانوا كثر خاصة الذين قالوا إنهم كانوا يعرفون عنه ميله إلى تيار اليسار الماركسى قبل أن ينقلب إلى عضوية حملة محمد مرسى الرئاسية … و سبحان مغير الأحوال.
و سرعان ما نشرت وزارة الثقافة فى بيان صحفى لها السيرة الذاتية للوزير الجديد ، الذى جاء فيه ما يلى :
الدكتور علاء عبد العزيز السيد عبد الفتاح، وزير الثقافة الجديد من مواليد 1962، وحاصل على بكالوريوس المعهد العالى للسينما عام 1985 ثم الماجستير فى فلسفة الفنون المعهد العالى للسينما 2002، ثم الدكتوراه فى فنون السينما عام 2008 قبل أن يعمل أستاذا بالمعهد العالى للسينما
وعمل وزير الثقافة الجديد كمونتير سينمائى ومخرجا منفذا فى العديد من الأفلام القصيرة بالمعهد العالى للسينما ( !!!! ) والمركز القومى للسينما، وناقدا سينمائيا وعضو جمعية نقاد السينما المصريين ، بالإضافة إلى تأليف العديد من المؤلفات والكتابات الفنية والسياسية التى صدرت فى مصر والدول العربية فى مجال النقد السينمائى من أبرزها ([1]) : الفيلم بين اللغة والنص ، وما بعد الحداثة والسينما . وكان عبد الفتاح عضوا فى فريق البحث الذى عمل على موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية مع الدكتور عبد الوهاب المسيرى ، بالإضافة إلى عمله فى مجالات السينما والإخراج والإعداد والكتابة والمونتاج ( !!!! ) .
أثارت السيرة الذاتية للوزير العديد من التساؤلات أكثر مما قدمت إجابات : فهى تذكر ( العديد من الأفلام القصيرة بالمعهد العالى للسينما ) و بما أن المعهد ليس جهة إنتاج أفلام محترفة فالمؤكد أن المقصود بالأفلام العديدة هنا هى أفلام الطلاب و هو ما لايجب أن يذكر فى سيرة ذاتية لأنه عمل طلابى غير احترافى ، مما يوحى بإضافتها من أجل ( تضخيم ) السيرة ، إلى جانب أن كثيرين بحثوا عن ( العديد من المؤلفات ) فلم يجدوا للمذكور كتابا واحدا طبع فى مصر . أما ما ذكر عن عمله فى مجالات السينما و الإخراج و الإعداد و الكتابة و المونتاج فلم يوجد له أثر ، فلا أحد يعرفه كمخرج و لا هو مشهور ككاتب أو معد ، بل إن بعض طلاب معهد السينما كان يظنونه موظفا بشئون الطلاب من كثرة جلوسه هناك !!!!
و لكن سرعان ما تكشفت حقائق و انفجرت قضايا ، فلقد نشرت ( اليوم السابع ) مجموعة من الوثائق التى تثبت فصل الدكتور علاء عبد العزيز وزير الثقافة الجديد، من المعهد العالى للسينما التابع لأكاديمية الفنون عام 1994 و لمدة خمس سنوات ، وذلك بسبب عدم التزامه فى الحضور والانصراف أثناء فترة الامتحانات، فضلا عن رده غير اللائق بالسب على رئيس الأكاديمية وأمينها العام . و صدر القرار رقم 419 بتاريخ 14 /7 / 1994 باعتبار علاء عبد العزيز مقدما لاستقالته كمعيد بقسم المونتاج بالمعهد العالى للسينما، فيما تضمنت المادة الثانية للقرار رفع اسمه من عداد المعيدين بالأكاديمية، أما المادة الثالثة فقد نصت على تكليف الشئون القانونية، بمطالبته بما عليه من التزامات مالي.
جاءت هذه القرارات بعد اطلاع أكاديمية الفنون على كشف حضور وانصراف الدكتور علاء عبد العزيز، والتى وجدت عدم انتظامه فى العمل فى مطلع عام 1994 لمدة 45 يوما وقد أخطرته إدارة شئون العاملين بإنذار، بناء على مذكرة تقدم بها عميد المعهد العالى للسينما آنذاك الدكتور شوقى على محمد لرئيس أكاديمية الفنون.
كما ورد من المشرف على رسالة الماجستير التى كان يعدها والتى تم تسجيلها فى 7 أبريل 1991 بعدم تقديم الباحث مادة علمية مكتوبة فى موضوع الرسالة، علما بأن تاريخ تعيينه 12 فبراير 1988 رغم أن رئيس قسم المونتاج أكد أنه لم يكلف عبد العزيز كمعيد إلا بعدد قليل جدا من المحاضرات . و هكذا ظل مبعدا عن الأكاديمية لمدة خمس سنوات و لم يعد إليها إلا من خلال القضاء .
كانت كل هذه المعلومات ( و غيرها ) المصحوبة بمستندات ([2]) – و التى هى بالتأكيد مستمدة من ملف خدمته – تشكك فى جدارة الرجل للمنصب و اشتعلت الصفحات على الفيس بوك بعد نشر تلك الوقائع و تأكد الجميع أن كل مؤهلات الوزير هو الانتماء للإخوان . و جاءت الضربة القاصمة عندما تناقل المثقفون المقال الذى كتبه الوزير فى جريدة الحرية و العدالة لسان حال الإخوان – و نشر على الموقع الإلكترونى أيضا – يهاجم فيه الإعلام و الدولة العميقة ( كما كان يسميها رئيسه مرسى ) و يمدح الدستور الذى كانت كل قوى المعارضة تطالب بتعديله و اعتبر البعض أن هذا المقال هو ( العربون ) الذى دفعه الدكتور لمقعد الوزير . فلقد كشف المقال منهج التفكير لدى الوزير من خلال مفرداته : فالثورة ضد مرسى تقودها الدولة الفاسدة و الاعلام المضلل ، و الأحداث الدامية لفض مليشيات الإخوان للاعتصام أمام قصر الاتحادية و التى وصفتها مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان بأنها كارثة ، و غيرت موقف كثير من القوى الدولية المناصرة لحكم الإخوان كالبرلمان الأوروبى و إدارة الرئيس الأمريكى أوباما ، يراها الوزير ( أحداثا مصطنعة ) برغم أن رموزا محسوبة على الإخوان المسلمين كالدكتور عبد المنعم أبو الفتوح أدانها و اعتبرها جريمة تستحق محاسبة مكتب الإرشاد !! و لكن الوزير تعامى عن كل هذا ، و أضاف فى مقاله أن استقالات مستشاريو مرسى اعتراضا على الإعلان الدستورى تمت بناء على تحليلات خاطئة لأنهم منظرو مكاتب ( هكذا كان يرى الكاتبة الكبيرة ( سكينة فؤاد وفاروق جويدة وعصمت سيف الدولة وعمرو الليثي ، مجرد منظرى مكاتب ) و أن الاستفتاء على الدستور – الذى شابته خروقات كثيرة – يعتبره ردا على كل المؤامرات !!!!!
و توالت فى الصحف و المواقع و صفحات التواصل الإجتماعى ردود الأفعال على تلك التصريحات و على مقالته التى أعيد نشرها ، لتبدأ الألغام فى الانفجار تباعا .
و لهذا حديث آخر …
……………………………………………………………………………………………………………………..
[1] اتضح فيما بعد أن (من ابرزها ) تعنى كتابان فقط هما رسالتى الماجستير و الدكتوراه و قد نشرتا فى سوريا
[2] نشرت اليوم السابع صور المستندات ، كما جاءت نفس المعلومات بمقال للدكتورة ياسمين فراج بالمصرى اليوم و المنشور بفصل المقالات فى الكتاب الذى يجرى اعداده للنشر .