كتب : محمد حبوشة
هى شخصية عربية بريطانية مثيرة للجدل حقا في رمزيتها التي تضج بالرسائل السياسية والحوارات الشكسبيرية التي على الرغم من إبهارها إلا أنها تعتبر ثقيلة على الأذن، حتى يمكننا القول بأن مسلسل (مارجريت) بطولة النجمة الخليجية الكبيرة والقديرة (حياة الفهد) إنه عمل محير لجهة ردود الفعل الأولية عليه وتأثيره على النقاد والمشاهدين، فإما أن تحبه وتقدره (مثلي) أو لا، لكنها في النهاية تبدو لي مغامرة نص ودور تجسده (حياة الفهد) في تعاون متجدد مع الأخوين شمس (محمد وعلي)، لكنها مغامرة محسوبة على غرار مسلسلها في رمضان 2020 (أم هارون)، ذلك العمل الذي أحدث تأثيرا كبيرا على المستوى الفني والسياسي، وأثار حول شخصية البطلة ذاتها جدلا كبيرا في الشارع العربي الذي انقسم بين مؤيد ومعارض لشخصية (أم هارون).
(مارجريت) ليس مسلسلا خفيفا أو سطحيا، لأنه يرتكز على شخصية رمزية تضج بالرسائل السياسية كما قلنا سابقا ونؤكد، بدءا من الرشوة المجتمعية التي يمارسها المتنفذون ليسهل عليهم التحكم بأهل السياسة والناس، ولا يستثنى رجال الأمن ورجال الدين طبعا.. فالكل يؤدي دور الدمية بيد (مارجريت) سواء عن حسن أو سوء نية، ومن يرفض، كجبران الصحافي، هناك دائما وسيلة لتطويعه وتركيعه وتدفيعه الثمن!، ولأن (حياة الفهد) تعرف كيف تنتقي دورها وتؤديه بحرفية عالية فإنها جعلت من (مارجريت) واجهة أنيقة لرواية قصة ذات مغزى ورسائل تحقق هدف الدراما التي أصبحت لها تأثير كبير على مجريات حياتنا الحالية.
من حيث المضمون، فالقصة جميلة، لكن الحوارات شكسبيرية ممسرحة إلى حد كبير، وغالبا تعد في جوهرها ثقيلة أكثر من اللازم على الأذن بالنسبة لمسلسل تلفزيوني، وربما هذا ما شجع الممثلين على الجنوح نحو إتقان فن (الإلقاء المسرحي) كون بيئة القصر أشبه بخشبة مسرح، حيث تدور دسائس الخدم والمستشارين والحاشية الانتهازية والخائنة المجسدة بشخصية مزيد (حسن البلام)، وبموازاة ذلك نتابع مشاكل أفراد عائلة مارجريت وصراعاتهم وكوابيسهم وعقدهم النفسية وطموحاتهم، فالإبنة الكبرى المتنمرة على زوجها عاقر، بحسب والدتها التي لا تتورع عن الإتيان بضرة لابنتها في مكيدة لحماية الثروة .
الإبنة الوسطى محاطة بهلاوس ابنتها التي تدفعها للاعتقاد بأنها ارتكبت جريمة قتل وصيفتها عبر دفعها على الدرج، رغم أن الفاعل الحقيقي هو وصيفة أخرى استغلت الموقف.. أما الابنة الصغرى فطموحها الغناء، وربما لايبدو المسلسل ليس لونا جديداً على الدراما الخليجية وإنما نادر نسبيا على غرار (إفراج مشروط) للكاتب عبدالمحسن الروضان قبل موسمين، لكنه الأول من نوعه في مسيرة الفنانة القديرة حياة الفهد التي تطل كـ (دوقة) إنجليزية بملامح عربية أو سيدة إقطاعية، ويبدو أنها تستمتع بأدائها محاطة بمجموعة جيدة من الممثلين، ومنهم على سبيل المثال (هبة الدرّي) التي تواصل إثبات أنها الجوكر القادر على أداء أي شخصية مهما كانت صعوبتها.
النجم الكوميدي الكويتي الكبير حسن البلام، سبق أن خاض تجربة الابتعاد عن الكوميديا، بل كان رائدا في بطولة مسلسل (اليوم الأسود) للكاتب فهد العليوة قبل سنوات، وها هو يعود بشخصية مثيرة للجدل، لكن يحسب عليه في (مارجريت) بعض المحاولات الأشبه بالخروج عن النص، ومزج السخرية بالمواقف الجادة في غير مكانها، في مشاهد كثيرة كمشهدي المقبرة، فضلا عن سؤاله حبيب مارجريت السابق إن كان سيقضي معها عطلة في المالديف!، لكن بالمقابل عندما تقترب الدراما من حدود المسرح والحوارات المسرحية فذلك لا شك ملعب يجيد البلام فيه التسديد، لذلك نراه يمتعنا في العديد من المشاهد سواء بضحكة أو نظرات وانفعالات الشر، مثبتا نجاحه في الوقوف كبطل لعمل أمام حياة الفهد.
الفنانة ريم أرحمة، أخيرا تبدأ بالحصول على أدوار بعيدة عن النمطية ومن ثم فقد أظهرت قدراتها التمثيلية الكبيرة، وهى نجمة العمل بامتياز وتألق شديدين، واختيارها لشخصية (جواهر) أكثر من موفق .. معقدة نفسياً، طيبة، جميلة، وأنيقة في آن واحد.. وريم تجيد التعبير عن الخلطة في هذا العمل، كما أن (ليالي دهراب) موفقة أيضا في أدائها لشخصية (زبيدة) ، وبشار الشطي في دور (سالم)، لم تكن تكفي الحلقات الأولى لحسم شخصيته، ومن ثم فقد جاء حضوره في تصاعد دائم طوال الحلقات، أما الثنائي (نور الشيخ وخالد الشاعر)، فكان من الأفضل ألا يكونا من جديد طرفي قصة حب مشتركة، بعد ظهورهما مكررا، وهو ما أضفي نوعا من الفتور على خط كان يجب أن يكون أكثر زخما، وهو من أخطاء (الكاستينج) من جهته، وظني (حمد العماني) يؤدي دورا عاديا مقارنة بظهوره الأجمل هذا الموسم في مسلسل (سما عالية) رغم أن شخصية (فواز) التي يؤديها ليست بسيطة للغاية.
وعلى مستوى الإخراج، يبدو لي مسلسل (مارجريت) جيد جدا، ويلتف المخرج باسل الخطيب على محدودية اللوكيشنات لتأمين التناغم مع روح المسلسل بخلق مشهدية مستوحاة من الطابع الإنجليزي داخل القصر، وفي الحديقة والخضار الممتد فيها والمعتمد كخلفية للعديد من المشاهد ووجود الخيول أوحى بأن البيئة العربية المحيطة بمارجريت تأثرت بوجودها، ويلفتنا بعض الومضات مثل مشهد حمل (مارجريت) جاء على طريقة (دون كورليوني) في فيلم (العراب)، حيث تمتزج ملائكية المظهر بشر النوايا (المافياوية)، ومشهد الثلوج الذي اجتهد فريق الإخراج والتطوير قدر المستطاع في تقديمه كصورة جديدة على العين في عمل خليجي، رغم بدائيتها.
أما النقطة الإيجابية التي تكاد أن تكون الوحيدة في المسلسل تتمثل في الإضاءة الخافتة المعززة بموسيقى تصويرية باعثة على التوتر بحيث تلعب دورها المهم في حركة الحداث، والأهم الأزياء التي تشهد عناية متزايدة بالأعمال الخليجية عموما خلال الأعوام الأخيرة مع الماكياج، وخاصة أن أزياء المسلسل من تصميم (ابتسام الحمادي)، وهى مصممة لامعة في المجال ولمساتها واضحة ومؤثرة في العمل، ولكن أيا تكن النهاية أمر لابد منه، فتحية للفنانة القديرة حياة الفهد على كسر النمطية وجرأة التنويع واستمرار العطاء، لتثبت لنا كل يوم أنها حقا إمرأة من طراز رفيع.
حلقات المسلسل تحظى بأكثر من ماستر سين، لكنى أتوقف عند الحلقة الأولى تحديدا باعتبار أن ظهور (مارجريت مع مزيد) يؤسس للعمل بصفة عامة حيث تفسر مناقب (مارجريت) والسلبيات التي يراها البعض من وجهة نظره طريقة سير الأحداث بتشويق غير ممل، وساهم في ذلك أن (حياة الفهد/ مارجريت) استطاعت بحكم أدائها وقدرتها الهائلة في فن التجسيد أن ترسم ملامح الشخصية، فبمجرد أن تظهر مع (حسن البلام/ مزيد) في سيارة (رولز رويس) ووسط الثلوج يدور حوار تأسيسي للعمل ككل كما جاء على النحو التالي:
مزيد : ما توقعت إنك تيجي على البحر: مشتاقة للبيت للعيال.
مارجريت : لا والله مشتاقة للبحر .. شفت بحور العالم كله .. لكن غير هالبحر مافي!! .. اسمع واحنا راجعين إن شاء الله نروح (الروضة) نسالم ونقولهم إني بازورهم الساعة 7 إن شاء الله أنا والبنات.
مزيد : يااااي الله هداك .. ريحي شوى .. نعدي على طول على المشاكل الأسرية.
مارجريت : شو أسوي .. الأمور لازم تنحل .. بعدين أفولك سالفتي.
مزيد : زين.
مارجريت : بس ما تصدق شي كتر الديرة شاغلة بالي .. حتى وأنا بالطيارة قعدت افكر : شونو اللي ممكن أسويه هنيي .. لأني كل شيئ واقف .. كل شيئ واقف .. حرام .. تدري إيش فكرت فيه؟ .. فكرت في جزيرة تشبه الحرير .. جزيرة نظامية .. سكنية .. استثمارية .. خضررررة .. مافيها شبر تراب.
مزيد : فكرتي وأصبتي وأنا عندي المكان اللي نسوى هاد الشغل كله .. أجيبلك الخضرة .. ونسوى لها افتتاح.
مارجريت : وليه نفتتحها.
مزيد عندي واحد من الربع أعرف أمون عليه زييك .. مقصب مخواته أبد يمشي ويفتتح.
مارجريت : كده ضمنا الافتتاح .. الحمد لله .. بعدين اللي فكرت فيه .. هادا اللي معور قلبي .. يعني ماهى معقولة ديرة كاملة متكاملة ما فيها مدينة ملاهي؟ .. غير ان وصل القمر واحد بعدنا .. على الأرض فكرت أسوى أكبر مدينة ألعاب للجهال (الأطفال) لين يكسرو خاطري .. حكر جدا على التليفزيون عيوني معورته.
مزيد : ايه والله مساكين هالجهال حكر كلي عليهم.
مارجريت : ايه والله حكر كله على الجهال .. الله يستر.
مزيد : ستي ما شوفتي لنا مشروع عن الزحمة ؟
مارجريت : الزحمة عندي مفكرها فيه عدل .. قطار .. إيه قطار ليش طالل فيها هيشي .. صعب علينا .. الحمد لله عندنا خير وجيرانا كلهم بيدووا .. ليش ما نسويه يعني .. على الأقل نتنقل بسهولة بدل ثلاث وأربع ساعات في الطريق، ولا بالطيارة معك ربع ساعة.
مزيد : ودي أقترح عليك تسوين مع القطار تليفريك.
والله التليفريك حلو حق الترفيه بعد .. وحق اللي ما نبيهم نطفي الكهربا خلاص.
مزيد : إيه والله شغل عدل .. صراحة أفكارك عجيبة .. بس هاد المشاريع اللي جولتيها والحاجات الحلوة اللي قلتها والحياة الحلوة كلها الوردية .. هاد متى بتصير هالمشاريع؟!!.
عندئذ يتوقف الحوار الذي يمزج الأحلام والآمال والطموحات عند مارجريت والذي يقابل بسخرية مزيد من إسرافها في الأحلام.
وينتهي المشهد حيث تنظر مارجريت في دهشة لمزيد فاتحة فمها في استغراب : هه .. وديني البيت .. يلا وديني البيت.