مايان السيد .. وجه برئ يبشر بمشروع نجمة قادمة
بقلم : محمد حبوشة
هى وجه برئ يرمز للشفافية والتلقائية جاء من عند الله هبة خاصة، ما جعلها تنشر طاقة إيجابية في دراما رمضان لهذا العام، حين أطلت علينا من بوابة موسم 2021 بوجه بشوش وبأداء فطري استطاع أن يبرز ذلك الطفل الموجود بداخلها، والذي تكمن رؤيته بشغف التطلّعِ لذلك العالم الرحب بكل نقاء، ومجردا عن كل أحكام مسبقة، تماما مثل فراشة غادرت شرنقتها لتسدي للحياة مكافأة وجودها وتنعمها بالحركة والنشاط، بحيث كانت إطلالتها تلك المميزة بمثابة طيف جميل ورقيق، كما جاء في أدائها لثلاثة شخصيات مختلفة من حيث الشكل والمضمون.
إنها (مايان السيد) التي تذكرك ببراءة فاتن حمامة في (حرب أهلية)، وشقاوة سعاد حسني في (هجمة مرتدة)، وحيوية حنان ترك في (لعبة نيوتن)، لتغدو مشروع نجمة قادمة على الطريق وبقوة إنطلاقا من موهبة حقيقية تفجرت في قلب الدراما المصرية الرمضانية قبل سنوات لكنه تألقت أكثر في عام 2021.
ربما جاء أداء (مايان السيد) في مسلسل (لعبة نيوتن) على جناح تقليدي يبعد إلى حد ما عن الإبهار جراء التقلبات الرومانسية في حياة أبطاله الرئيسيين، لكنها أبدعت إلى حد كبير في مسلسلي (حرب أهلية، وحرب مرتدة)، وذلك على جناح تقمص الشخصيات الدرامية كما في نص الرواية أو الحكاية، فقد شخصت الشخصيتان بمحاولة محاكتها على أرض الواقع، وتجسيد ملامح وصفات تلك الشخصيتين، وتمتعت في كلايهما بالجاذبية الطبيعية، لاسيما التأثير الفطري، والحضور والقابلية، التي هي الكاريزما حتى صدقها الناس، وذلك طبقا ستانسلافسكي، والذي قال في وصفه للممثل الجيد أنه ذلك الذي يستطيع تقمص الشخصيات على اختلافها، والتمتع بالمرونة الجسدية والانسيابية والحيوية، والتماهي مع مفهوم منظور الشخصية ومنظور الدَور.
ولهذا لاحظت أن (مايان السيد) في (حرب أهلية وهجمة مرتدة) تتأقلم تماما مع الدور، وتشخيص الأداء المناسب لكي يتلقاه المشاهد بصور عفوية وواضحة ريثما تتشرب نفسها عن طريق الإقناع من إبداع في تجسيد ومحاكاة شخصية النص المكتوب في السيناريو، لتظهر في قوة وحضور الممثل والأداء عندها، وهذه مهمة التشخيص في نقل الأدب إلى الفن، تماما كما أنها تنقل صور الطاقة في ظواهر الطبيعة أو الفيزياء من ضوء الشمس إلى كهرباء عبر تقنية الخلايا الشمسية فيتولد الإبداع من تحويل الآداب عبر تقنية تشخيص النص بالتمثيل إلى فنون.
استطاعت (مايان السيد) أن تنقل إحساسها المرهف وبراءة عينيها اللمعتين بالموهبة أن توصل إلينا رسالة مهمة جدا فحواها (أن الممثل إنسان يمكن أن يصل بأدائه إلى أسمى الدرجات)، وذلك من خلال وجه بشوش يشيع جوا من البهجة في أثناء التصوير، وبنبرة صوت تجبرك على أن تصغى إليها حتى في حديثها العادي أو عندما يتطلب الموقف نوعا ما من التشنج.
لقد كانت على صغر سنها وتجربتها المتواضعة عظيمة المهابة قادرة على اجتذاب الأنظار، بما أوتيت من طبيعة خصبة تختزن كل شيء وعقلا قويا يسيطر على نفسها وأطراف جسدها، وذلك بفضل ما توافر لديها من الإحساس وقوة التركيز للأفكار وقوة التذكر للحركة الجسمانية، بحيث أمكنها أن تعيش في الدور وتتسلل تحت جلد الشخصية، وأن تكون لها المقدرة على إيجاد العلاقات الذهنية ومنطقية الإحساس والقدرة على التحليل النفسي، ويبدو لي أنه إذا لم يكن هناك معين في داخلها ليخرج منه هذه الأشياء عند قيامها بأحد الأدوار فهى ليست ممثلة على الإطلاق، وهو ما ظهر في أنها تتغير تغييرا كاملا في الشكل الخارجي لهيئتها وتدخل في الشخصية التي يمثلها لتؤكد أن ممثلة تمتاز بعقل وجسم نشيط ،ففي هذا العقل والجسم النشيط تكمن القوة الديناميكية لتكوين الشخصية
أخلصت (مايان السيد) لدوريها في(حرب أهلية وهجمة مرتدة) إنطلاقا من إيمان راسخ بأنه علي الممثل أن يخلص للدور الذي يؤديه (يعيش في مجتمع الدور وبإحساس صادق – وأن يحاول الوصول إلي أكبر درجة من الإتقان) وعلى هذا الأساس يمكن تحديد قوة الممثل أو ضعفه أو ما يسمونه بالموهبة الفنية، ويبدولي أن الثقافة مهمة جدا بالنسبة لها كممثلة درست المسرح بالجامعة الأمريكية، ما جعلها دؤوبة في جمع الكتب التي تبحث في شئون المسرح وفن الممثل وتهتم بقراءة الشعر وزيارة المسارح والمتاحف،وأن تكون ملمة بأغلب المشاعر والأحاسيس، فالممثل لا يستطيع أن يعيش على الشاشة بإحساساته الشخصية وحده.
خبراء التمثيل يقولون : كلما أحب الممثل دوره وأخلص له ظهرت الشخصية الدرامية وهدفها الأساسي نقل أفكار المؤلف وأحاسيسه على الشاشة، فالممثلون هم من بين القلة من الفنانين الذين لا يمكنهم فصل وسائل التعبير لديهم عن أنفسهم، لأنهم يبدعون باستخدام أجسادهم وأصواتهم وميزاتهم النفسية والعقلية؛ أي أن إبداعهم لا ينفصل عن شخصياتهم، إنه لمن الصعب فصل موهبة الممثل وإبداعه عن شخصيته، غير أن التمثيل فن، وكما هو الحال في أي فن، فلا بد من توافر عناصر أساسية لدى الممثل، مثل المقدرة والدراسة والممارسة، وهو ما جعل لغة الجسد عند (مايان السيد) مرنة مطواعة معبرة حيث اتسم الجسم عندها بالرشاقة والتحكم بالحركة، وأن تلم بالعواطف والمواقف والدوافع الإنسانية حتى تمكنت من القيام بدوريها على نحو جيد كما انعكس ذلك في استجابة المشاهدين على اختلاف ألونهم لنفس العواطف (مثل السعادة والحزن والخوف) التي قدمهم بطرق مختلفة.
تحب (مايان) التمثيل منذ طفولتها، وشاركت في كثير من حفلات ومسرحيات المدرسة، لذا درست في الجامعة الأمريكية قسم المسرح، وتعلمت أصول التمثيل على يد أساتذة ومخرجين لهم أبداع كبير في الفن، وكانت سعيدة لتشجيع والدتها ووالدها وحرصهما على منحها طاقة إيجابية، ووجودهم بجانبها لتقديم الأفضل واهتمامهم بالدور التى تقوم بيه، وربما كان ارتباطها بالعائلة هو السبب الأساسي لحبها للفن، وتشجيع والدها وولدتها بتحفزها لدخول الجامعة، واختيارها لتدرس في قسم المسرح شجعها أكثر على المضي في طريق الفن، ورغم تفوقها دراسيا قامت بالعمل ببعض الإعلانات قبل انخراطها في الدراما التليفزيونية والسينما.
اعتادت الفنانة الشابة على التواجد فى رمضان منذ أول ظهور لها فى 2016 ولمدة 4 سنوات متتالية، لكنها في هذا العام برزت كممثلة شابة تخطو خطوات جادة نحو النجومية خصوصا في دور (نور) بمسلسل (حرب أهلية) من بطولة النجوم يسرا، باسل الخياط وجميلة عوض، وإخراج سامح عبد العزيز، وأيضا في مسلسل (هجمة مرتدة) الذى ينتمى لنوعية الإثارة ويتناول أحد ملفات المخابرات العامة المصرية، وقد أدت فيه (مايان) دور (منارالعربي) شقيقة (سيف العربي) الذي جسده (أحمد عز) وقد تمتعت بالجرأة والإقدام والعفوية المطلقة في اللعب على أوتار السياسة بحكم دراستها للعلوم السياسية والاقتصادية وانخراطها ضمن شباب ثورة 25 يناير.
أبكت (مايان) الملايين وتعاطفوا معها، خلال مشاهدها في مسلسل (حرب أهلية)، أمام (مريم) التي تقوم بدورها الفنانة يسرا، و(تمارا) التي تقوم بدورها جميلة عوض، وجذبت تعاطف الكثيرين تأثروا بدموعها بعد المعاناة التي لحقت بها نتيجة حقد الأخيرة ومحاولة هدم حياتها والتفريق بينها وبين حبيبها (زياد) الذي يقوم بدوره الفنان محمود حجازي، عبرت عن معاناة كثير من الفتيات مع الأم البديلة (مريم) التي تكفلتها وربتها داخل منزلها، وعبر مشاهد عدة استجمعت فيها (مايان) قواها وأبرزت موهبتها الفنية، ولعل أبرزها مشهد المواجهة بينها وبين (مريم وتمارا)، إذ غلبت دموعها عليها، حينما قالت: (انتوا شوهتوني وكسرتوا نفسي كسرة مش هانساها)، أما مشهد قتلها في نهاية الحلقات فكان الأكثر حزنا وبكاء من جانب المشاهدين جراء تلك البراءة التي ظهرت على وجهها وهى ملقاة في داعة تامة عل سرير الموت، والذي تصدر الترند عدة أيام بعد عرضه.
يذكر أن مايان السيد حققت ظهورا ناجحا كإحدى بطلات فيلم (بنات ثانوى) فى 2020، وقدمت أول أدوارها فى 2016 من خلال الدراما التلفزيونية بمسلسلات (أبو البنات والمغنى)، لتستمر بعدها فى التواجد بكثافة أكبر وأدوار أكثر تنوعاً فى مسلسلات (الأب الروحى، ظل الرئيس، كأنه امبارح، فكرة بمليون جنيه، وزودياك)، إضافة إلى دورها بفيلم (حرب كرموز) الذى اعتلى شباك الإيرادات فى موسم عرضه خلال 2018، لكنها لفتت الأنظار لها في دراما رمضان 2021 خلال مشاركتها في 3 أعمال مهمة أبرزت من خلالها موهبتها، التي جعلت منها فنانة جميلة، صاحبة روح وجمال وحضور قوي، ومن ثم جعلت من نفسها ممثلة لها اسم كبير، ورغم تجاربها القليلة أحبها الجمهور بطريقة أجبرت الجميع على احترامها ووضعها في مكان الفنانة المثالية.
تحية تقدير ومحبة للفنانة الشابة الصاعدة الواعدة (مايان السيد) التي استطاعت بأدائها العودة بنا إلى زمن البراءة الفنية، وهذا ما يدعني أن ألفت أنظار المنتجين والمخرجين إليها لأنها موهبة مبشرة جدا وقادمة على الطريق.