رحيل محمد ريحان .. الشهير بـ (الشيخ صالحين)
كتب : رضا العربي
رحل الفنان محمد ريحان، ابن محافظة الشرقية، عن عمر يناهز 81 عامًا فى هدوء تام في ثاني أيام العيد، وهو الذى اشتهر بدور الرجل والأب الطيب، ولم تختلف شخصيته كثيرا عن أدواره، لينضم إلى ضحايا فيروس كورونا، وفى جنازة هادئة اقتصر الحضور فيها على أسرته من أحفاده وأقاربه وجيرانه، شيعت أسرة الفنان القدير محمد ريحان جثمانه، ليدفن بمقبرة العائلة بمقابر (كفر الإشارة) بالزقازيق، مودعا عالم الفن والتمثيل الذي قضى حياته في محرابه دون ضجيج رغم الظلم الواقع عليه، بعد أن هجر الشعر والشعراء وتأليف الأغاني ليتفرع للتمثيل الذي عشقه فامتهنه وظل يعمل به حتى آخر يوم في حياته، كما ظهر في مسلسل (موسى) الذي عرض في رمضان 2021، والذي جسد من خلال شخصية طيبة ومسالمة هو (الشيخ صالحين) الذي قام بتحفيظ أهالي قرية (مصاخة) القرآن الكريم وعلمها أصول اللغة العربية بحسب أحداث المسلسل.
وإليكم نص الدرشة التي كانت بيني وبينه قبل ثلاث سنوات فبحكم علاقتي الوثيقة به ومعلوماتي عن ارتباطه بالشاعر(مرسي جميل) وكوكبة من المطربين والشعراء ونجوم التمثيل دار بيننا الحوار التالي: فى نهاية عام 2018 تقابلت مع صديقنا العزيز طيب القلب الشاعر والفنان الكبير الراحل منذ أيام قليلة (محمد ريحان) بمنزله بمدينة الزقازيق في مناسبة صدور ديوانه الشعرى (بحرين من الفيروز) الجامع لكل إبداعاته الشعرية على مدى ستين عاما.
* فى البداية سألته: لماذا تصر على الإقامة فى الزقازيق رغم أن الإقامة فى القاهرة من أساسيات العمل فى الفن والدراما؟
** أجاب: أنا ابن حى الصيادين الشعبى بالزقازيق، وكل شارع من شوارع الزقازيق له فى قلبى أعز الذكريات فى الصبا والشباب، وأيام الفشل والنجاح والحزن والفرح، وهكذا كان أستاذى مرسى جميل عزيز لم يبت ليلة واحدة فى القاهرة، كان يعمل بها طوال اليوم ثم يعود للزقازيق فى آخر اليوم لينعم بالنوم بين أهله وأسرته، برغم أنه كان من الأثرياء، حيث كان والده أكبر تاجر للفاكهة بالزقازيق، لذلك كانت كتابة الأغنيات هواية يحبها وليست مصدر رزق، أما شقتى بالقاهرة فهمى مجرد مبيت لأيام التصوير.
سألته: علاقتك بمرسى جميل عزيز كانت المفتاح الذى فتح أمامك باب الإبداع الذى مازال مفتوحا إلى اليوم .. كيف كان اللقاء؟
أجاب: علمت من شقيقه بهيج زميلى فى الدراسة أنه يقيم بالزقازيق فذهبت إليه وكنت أعشق أغانيه فى الإذاعة التى يتغنى بها فريد الأطرش ومحمد فوزى و قنديل والأستاذ محمد عبد الوهاب وغيرهم، وفوجئت به يستقبلنى بلطف وترحاب شديدين، وكانت مفاجأة لى أنه قرأ بعضا من كتاباتى الشعرية الأولى، وقال: إنت شاعر كويس يا محمد بس شعرك (من غير وزن)، فقلت: بس نهايات الأبيات واحدة يا أستاذ، قال: هذه هى القافية أما الوزن فهو موضوع آخر اسمه علم أوزان الشعر(العروض).
من هنا تعلمت على يديه علم العروض وبحور الشعر، ولم يبخل على بمكتبته الضخمة التى تحوى أمهات الكتب العربية منذ الشعر الجاهلى وحتى شعر نزار قبانى، وعلمنى الحرفية فى الكتابة، وكان عبقريا يكتب أشعاره بطريقة السهل الممتنع، تقرأها بسهولة ولكنك لاتستطيع تقليدها.
وذات يوم كنت معه فى منزله بالزقازيق فدق جرس التليفون وكان رقم تليفونه (2800)، وفوجئت به يقول: الست أم كلثوم .. يا ألف أهلا وسهلا، وظل طوال المكالمة يبتسم ويهز رأسه وأنا أحملق فيه حتى انتهت المكالمة ولم أجرؤ على سؤاله عن مضمون المكالمة، ولكنه لمح الفضول فى عيناى فأخبرني أنه على خلاف معها بسبب كلمات أغنية (سيرة الحب )، وأنه ظل يتهرب منها مدة حتى جاءت برقم تليفونه من بليغ حمدى واتصلت به قائلة: انت يا واد يا بتاع الفاكهة…بتتهرب منى ليه؟، وانتهى الخلاف بهذه المكالمة وخرجت (سيرة الحب) للجمهور كإحدى اجمل كلاسيكيات الغناء العربى
وظللت استشيره فى كل صغيرة وكبيرة طوال حياته حتى رحيله عام 1980 حيث خرج الآلاف من أبناء الزقازيق فى جنازته المهيبة .. رحم الله استاذى مرسى جميل عزيز.
سألته: وكيف خرجت كلماتك للناس عبر ميكروفون الإذاعة؟
قال بعد العديد من المحاولات الفاشلة قرر الأستاذ عبد الحميد الحديدى رئيس الإذاعة فى أوائل الستينيات فتح الباب أمام كل زجالى ومبدعى مصر من الشباب لتقديم إنتاجهم الى لجنة النصوص بالإذاعة، حيث كانت الإذاعة مقصورة على الأساتذة الشعراء الكبار (مأمون الشناوى ومرسى جميل عزيز وفتحى قورة وعبد العزيز سلام) وعدد قليل غيرهم، وتقدمت بأشعارى للجنة النصوص وكانت مكونة من العمالقة (بيرم التونسى وأحمد رامى ومحمود حسن إسماعيل وعبد الفتاح مصطفى) وغيرهم، وبفضل الله نجحت مع زملائى الشبان (سيد عبد الظاهر ونجيب نجم وسعيد أبو الحسن) وغيرهم.
وأجازت لى الإذاعة أربع أغنيات، وكدت أطير من الفرح حين عملت أن الأستاذ محمد الموجى اختار إحدى أغنياتى حيث لحنها وغناها الأستاذ محمد قنديل، وهى أغنية (بحرين من الفيروز) والتى تذاع حتى اليوم، وانطلقت بفضل الله حيث غنى من أشعارى (سعاد مكاوى وحورية حسن ومحرم فؤاد) وغيرهم، كما غنى لى (محمد الكحلاوى) العديد من الألحان الدينية.
سألته: هل صحيح أنك كنت على وشك الكتابة لمحمد فوزى؟
كنت عضوا فى جمعية المؤلفين والملحنين التى كان يرأسها محمد فوزى فى أواخر حياته، وكنت أقابله باستمرار فى الجمعية وكان مع موهبته الفذة متواضعا خفيف الظل تماما كما تراه على الشاشة، وذات يوم تقدمت بكلمات أغنية للإذاعة تقول: (عد رمل الصحرا كله/ عد ورد الروض وفله)، وفوجئت بمدير لجنة النصوص يخبرنى بأنه قد تم توزيعها على الأستاذ محمد فوزى، ولكن للأسف مرض محمد فوزى وسافر للعلاج فى ألمانيا وأمريكا ثم توفاه الله دون أن يتم اللقاء.
سألته: وابن بلدك عبد الحليم حافظ؟
قابلت عبد الحليم مرة واحدة فى حياتى، حيث ذهبت إليه فى شقته القديمة بالعجوزة برفقة أحد أصدقائه القدامى بالزقازيق واستقبلنا بحفاوة وعزمنا على الغذاء، ولما قرأ شعرى وأثنى عليه، ولكنه اعتذر عن الغناء لى بسبب ارتباطه بتصوير فيلمين يضمان 11 أغنية تأخر تسجيلها بسبب مرضه وسفره المتكرر للعلاج، فيلم (أيام وليالى)، وفيلم (حكاية حب)، ولكنه وعدنى بإنتاج أغانى لى من خلال شركته (صوت الفن) التى أسسها مع عبد الوهاب ووحيد فريد، وكان صادقا ولكنى أنا الذى قصرت فى ذلك.
سألته: وكيف تحول الشاعر الكبير الى ممثل قدير؟
قال: أنا فى الأصل خريج معهد الفنون المسرحية وعينت معيدا به، وكونت مع أصدقائى بالزقازيق فرقة الشرقية المسرحية التى كانت تقدم عروضها على مسرح قصر الثقافة ومسارح المدارس بالزقازيق – تحت إشراف المحافظ ووزير الثقافة يوسف السباعى رحمه الله – وشهدت تلك العروض ميلاد موهبة أحمد زكى وسناء يونس ودلال عبد العزيز.
أما بدايتى على الشاشة الصغيرة فكانت مع الأستاذ أحمد طنطاوى فى مسلسل (محمد رسول الله) الذى عرض فى رمضان 1981 برفقة الأساتذة الكبار (شكرى سرحان وحمدى غيث وعبد الله غيث) حيث تعلمت منهم الكثير، وتوالت الأدوار فى (إمام الدعاة، الأصدقاء، كناريا وشركاه، مع الأستاذ إسماعيل عبد الحافظ ، سامحوني ماكانش قصدى، مسلسل رجل الأقدار قصة حياة عمرو بن العاص مع نور الشريف رحمه الله) وغيرها من الأدوار التى نالت استحسان الناس.
سألته: ولكن يبقى دور عم جاب الله فى مسلسل (سوق العصر) علامة فارقة فى تاريخك.. أليس كذلك؟
أجاب: هو أهم أدوارى على الإطلاق لأنها كانت شخصية مركبة ومتطورة مع الزمن كتبها بحرفية صديقى ودفعتى فى المعهد (محمد جلال عبد القوى) وإخراج هانى إسماعيل، وحققت لى شهرة كبيرة برفقة الزملاء (أحمد عبد العزيز وكمال أبو رية ومحمود ياسين) وغيرهم.
سألته أخيراعما تبقى له من أمنيات؟
أديت فريضة الحج والحمد لله، قبل نهاية شهر رمضان بيومين اتصلت هاتفيا بالأستاذ ريحان للاطمئنان على صحته ، فرد على بصوت خافت…أنا فى العزل بمستشفى الجامعة فقد أصبت بكورونا، دعواتك لى يا أستاذ رضا، وفى ثانى أيام العيد غير الأستاذ محمد ريحان عنوانه..انتقل إلى رحمة الله.