بقلم : محمد حبوشة
الممثل حامل للمعرفة الإنسانية التراكمية، وهي ليست مجزأة، بل هذه المعرفة تتكون من عناصر كثيرة تمثل الطريقة والمنهج الذي يمثل السلوك الإنساني، من خلال التجارب والمعارف المكتسبة ذاتيا ومن الآخرين، وإذا ما صح القول بأن (الجسد حامل للمعرفة) كما يبين ذلك كاموAlbert Camus) يتأكد لدينا أهمية الممثل الحامل لهذه المعرفة من خلال مكونات ثلاث، وهي الذكاء/ العقل، والمعرفة الخارجية من خلال التدريب والتعليم، والمعرفة الداخلية التي ترسل للمتلقي، وهى عملية الفهم للحياة وما تدور حوله المسرحية من فكر ورؤى وحوار، إن جسد الإنسان وهو يحمل هذه الجزئيات الثلاث، والتي تشكل الكلية المعرفية للإنسان، هى ما تشكل البعد التصوري لدى المشاهد، وعليه يمكن اعتبار كل ما يدور على خشبة المسرح أو شاشة السينا والتليفزيون هو نتيجة تفاعل مشترك تركز في جسد الممثل، يدركه المشاهد من خلال طريقة التعامل معه، وكيفية تعاطي المعرفة معه أيضا، وكيفية بث المعرفة من خلال جسد الممثل، والذي يبدو من خلال التمثيل، ليكون الصورة المرئية للآخر.
وضيفنا في باب (بروفايل) هذا الأسبوع الفنان القدير (سيد رجب) هو واحد من الممثلين الحاملين للمعرفة بجزئياتها الثلاثة (الذكاء العقلي، المعرفة الخارجية من التدريب والتعلم، والمعرفة الداخلية التي ترسل للمتلقي)، فهو يفهم جيدا الحياة بتفاصيلها الدقيقة، لذا تبدو لغة الجسد عنده واضحة للغاية، حيث يقوم بحركات ما وهى فيزيائية وروحية، هى حركات اندماجية من هاتين الخاصيتين للجسد البشري الجانب الفيزيائي والجانب النفسي الروحي، وهذا الجسد الفرجة، كما أشار إليه (بارت) حيث يكون فرجة للجمهور في المناسبات العامة كالأعياد والاحتفالات والرقصات الطقوسية أو جوانب من الحياة الاجتماعية كالمسرح الذي يعشق (رجب) منذ الصغر.
وعليه فإن الحركات الجسدية المتنوعة التي يقوم (سيد رجب) في تجسيده للشخصيات هى عبارة عن إيقاعات لغوية حركية تنوب عن الكثير من الكلام، فالإشارة من العين قد تعطي دلالات مختلفة، إن هذه العلامات تندرج ضمن السياق، سواء أكان يعبر عن حالة مودة أو حالة من التشنج والرفض لما يحدث من قبل الطرف الآخر، وكذلك إيماءة الرأس عند (رجب) تعطي تعبيرات لغوية حركية تعبر عن الرفض والقبول والتردد، وهذا ينطبق على الفم بحركاته المختفلة، وينطبق أيضا على الحاجب، ولا ننسى الأطراف والتي قد تكون معبرة بصورة أكثر وضوحا، وربما يلعب بذلك حجمها الذي يختلف عن الأعضاء الأخرى مثل العين والفم والرأس أيضا.
الذكاء والصوت المدرب
سيد رجب، ممثل يحمل كثير الذكاء وذا صوت مدرب جيدا وتلقائيا في الحركة متمكن من حرفيته الخارجية، أما فيما يخص بناء المشاعر الحية من الداخل والتي تحرك أدوات التعبير عنده فربما قد لا يوليها من الاهتمام بقدر ما استحقته الحرفية الخارجية منه، إذ يؤكد في كل مرة مع اختلاف الشخصيات التي يجسدها على أهمية التناول الظاهري في التشديد على استخدامات الجسد والصوت والإيماءة والنبرة والمحافظة على التقاليد والأساليب الحرفية، إن الدافع الذي يكمن وراء ذلك لدى (رجب) هو تحقيق (وحدة الأداء) انطلاقا من تقليد (النموذج المثالي) الذي يصل إليه الممثل بعد ما يكونه في خياله كشكل خارجي كامل من خلال التمارين والذاكرة، وهو ماىؤكد موهبته التمثيلية التي لا تكمن في الإحساس فحسب، بل في ترجمة العلامات الخارجية للاحساس ترجمة امينة دقيقة، تماما كما يؤكد (ديدرو) في قوله : (إن الممثل ليس مرادفا للشخصية، إنه يؤدي دورها ويحسن أداؤه بحيث تظنون أنه الشخصية ذاتها .. الإيهام من أجلكم أنتم، أما هو فيعلم تماما أنه و الشخصية اثنان لا واحد).
ولقد لمست جانبا تطبيقيا من مقولة (ديدرو) في أداء (سيد رجب) لثلاث شخصيات مختلفة لا يربطها أي رابط فيما بينها وذلك في مسلسلات (لعبة نيوتن، موسى، وكل ما نفترق)، ورغم أن أداءه يعدا فارقا في مسلسلين وهما (موسى ، وكل ما نفترق) اللذين فشلا في تحقيق أهدافها بحكم انتمائهما إلى اللون الاجتماعي، إلا أنه يحسب له الأداء العذب والاحترافية في تقمص الشخصيتين، ويعتقد المعلم (ستانسلافسكي) أن هذا النوع من الأداء هو ما يصح تسميته بـ (الحلو أو الجميل)، ولكنه بلا عمق إنه يؤثر بشكل مباشر ولكنه لايملك السطوة الحقيقية المعهودة في فن التمثيل أي أن الشكل فيه يكون أكثر جاذبية من موضوعه أو محتواه، إنه يؤثر على العيوب ويخلبها وعلى الآذان ويدغدغها، ولكنه لا يمس الروح، وباختصار فأنه يرضيك ولكنه لا يملؤك، حتي ولو كان يفتقر لقصة جيدة ينبغي أن يتسلح بها الممثل.
طاقة خلاقة وقادرة
لكن في ذات الوقت بدا لي (سيد رجب) أكثر تألقا جمالا وإبداعل منقطع النظير في موسم رمضان هذا العام من خلال شخصية (بدر) التي لعبها في مسلسل (لعبة نيوتن)، ليشير بأداء الخرافي إلى أنه تكمن أهمية الممثل في مقدرته على فهم الشخصية والدور الذي يلعبه، إن امتلاك الممثل لطاقة خلاقة قادرة على تفهم الدور، هو ما يجعل الممثل متمكنا من أدائه، وقادرا على التفاعل مع الجمهور، فالأداء الإبداعي هو الأهم لدى الممثل، وهذا الأداء يتكون من جزئيات عديدة تتمثل في الأمور الفنية التي تتوافر عند ممثل آخر وكذلك المخرج، والتقنية التي تعني بصناعة الصورة بقدرة عالية، من خلال اندماجها بأداء الممثل وتوصيل أفكاره للمتلقي، ولهذا يشترط في الممثل أن تكون لديه الملكة للتمثيل، وليست العملية تبدو عادية من دون اعتماد على ذهنية قادرة على القيام بالعمل على أكمل وجه.
ولقد لاحظت من خلال مشاهدتي بقدر من التركيز والعمق أن الممثل المبدع (سيد رجب) يدرك تماما أين يكون وفي الوقت المناسب أيضا، ويؤكد دوما على دور الممثل الذي يتلخص في نقل المعرفة إلى الآخرين، وهو يحمل على عاتقه العناية الفائقة بإبراز جوهر النص والتفاعل مع الجمهور من خلال حوار تعبيري يعكس الشعور الداخلي للشخصية، وهذا ما يجعل (فسيفولد مايرهولد) يصفه بأنه (العنصر الرئيسي على خشبة المسرح – والمعادل الموضوع لها في “لعبة نيوتن” هو الشاشة – وكل ما هو خارج عنه مهم قدر كونه ضروريا له)، وهو ما يفسر المصادر الحدسية لدي (سيد رجب) وإبانتها ، كالحدس والإشراق والعرفان والوحي والالهام والكشف وما شابهها في غالب الفلسفات المثالية الروحية، وفي هذا الصدد أوضحت مناهج الأداء التمثيلى التي اتخذت من المصادر الروحية مكونات وآليات عمل لتطوير أن قدرات الممثل المتمثلة فى الحدس والكشف والفيض والاشراق والالهام والعرفان والاستنارة كلها ضرورية لإتقان الأداء، ولهذا استطاع (رجب) أن يحقق أصالته وهويته الخاصة بعد أن أمسك بمصادره الروحية عبر مسيرة تجربته الذاتيه في الحياة والمسرح والسينما والتليفزيون.
ممثل من العيار الثقيل
الفنان (سيد رجب) كما اتضح لنا مما سبق هو ممثل من العيار الثقيل أثبت في كل عمل قدمه أنه فنان من طراز خاص من الصعب تكراره، يجيد التقلب بين الأدوار وتجسيدها بطريقة بسيطة وعميقة، والذي أدى الى تحقيق نجاح كبير له في أغلب أعماله، وأصبح علامة مميزة في الإتقان والتميز، نظرا لأنه يتقن أعماله ويؤديها بحرفية شديدة، ويدهش معجبيه مع كل دور يقوم به، وفي هذا الصدد صرح بأنه ظل كثيراً يجتهد حتى حقق النجاح الذي تمناه، وفكرة انتشاره ومعرفة الناس له والنجاح الذي حققه في السنوات الأخيرة هو نصيب، وأضاف قائلاً: (حياتي بها مراحل كثيرة ليس جميعها ناجح لكني كنت راضياً بما كتبه الله لي وأمارس استمتاعي بالفن، ولكني أعتبر نفسي دؤوباً جداً وصممت أن أنجح ووضعت هدفاً أمام عيني حتى حققته، وبالفعل تحقق في فترة متأخرة، وقبلها كنت ممثلاً مسرحياً وسعيداً أيضاً، لكن بالنهاية لا أحد يكره أن يكون أكثر نجاحاً ونجومية، وعلى الجميع أن يتبع الجد والمثابرة حتي يحصل على ما يتمنى مهما تأخر ذلك).
ولد سيد رجب في حي السيدة زينب، وبدأ حياته المهنية كمهندس في شركة النصرللسيارات، وقد عمل كمهندس ميكانيكا حتى يؤمن الدخل له ولأسرته ومارس التمثيل كهاوي بعدما تعلم في الورش المختلفة على أيدي أشخاص من مختلف دول العالم، وعلى أثر حصوله على جائزة أفضل ممثل مسرحي عام 1992 في مهرجان القاهرة للمسرح التجريبي، قدم استقالته وصب كل تركيزه في العمل الفني والتمثيل، وعمل بعد ذلك لعدة سنوات في مجال المسرح التجريبي و الارتجالي، وفي عام 1993 شارك بدور صغير في فيلم (أحلام صغيرة) مع مجموعة من الفنانين المشاهير منهم (صلاح السعدني، ميرفت أمين ) والمخرج خالد الحجر، وقد تناول الفيلم في طياته حالة مدينة السويس البائسة خلال العدوان الثلاثي وهزيمة 1967 وفترة المقاومة الشعبية.
بعد ذلك شارك سيد رجب في أدوار صغيرة في أفلام (أحلام مسروقة) عام 1999 و (حب البنات) عام 2004 و (الأولة في الغرام) عام 2007 و (قبلات مسروقة) عام 2008، ورغم قلة مشاهده وكونها تعتبر معدودة إلا أن شخصية المعلم (سراج زرزور) التي قام بها في فيلم (إبراهيم الأبيض) تركت بصمة كبيرة لدى المشاهدين بعدما نجح (زرزور) في الإيقاع بإبراهيم الأبيض في المشاجرة التي (علَم) فيها على (الزرازير) في منطقتهم، ثم ظهر في مشهد ثان وهو يعد النقود مع (عشري)، ومشهد ثالث عندما عرض الصلح على إبراهيم الأبيض مقابل المثول بين يدي (عبدالملك زرزور) وكذلك المشهد الأخير في المشاجرة التي مات فيها إبراهيم الأبيض.
ظهوره في الدراما التليفزيونية
أما عن الظهور في الدراما التليفزيونية، فقد بدأ سيد رجب ظهوره الدرامي في دور صغير في مسلسل (الأدهم) عام 2009 مع الفنان أحمد عز، وعن مسلسل (مسيو رمضان مبروك أبو العلمين) فقد شارك فيه بدور (عبد الحميد المخ) عام 2011، ثم بعد ذلك قام بأداء دور (عم دياب) في مسلسل (طرف تالت)، ودور (البلعوطي) في مسلسل (فرعون) مع الراحل خالد صالح عام 2013، ثم أعقب كل ذلك بدور (والد مريم) في مسلسل (السيدة الأولى) مع غادة عبد الرازق وممدح عبد العليم عام 2014 و(الشيخ جابر) في (عد تنازلي) في العام نفسه، ثم (المعلم سالم) في (بين السرايات) عام 2015 ، ومن بعده (عبده) في (أفراح القبة) عام 2016، وشخصية (عز) في (فوق مستوى الشبهات) في العام نفسه، والحاج رمضان في (رمضان كريم)، ثم دوره الأبرز (هتلر بيه) في مسلسل (نسر الصعيد) مع الفنان محمد رمضان قبلما يصل للبطولة المطلقة والتي حقق بها نجاح كبير ولاقى قبول كبير في نفوس جمهوره ألا وهو مسلسل (أبو العروسة) بجزأيه الأول والثاني، وصولا إلى محطة النجومية والنضج والتألق في رمضان 2021 من خلال مسلسلات (لعبة نيوتن، وكل مانفترق، موسى).
قدم القدير سيد رجب أكثر من 50 دور ما بين أدوار سينمائية ودرامية، قام بالمشاركة فيها بدأها بـ (إبراهيم الأبيض) وحاز خلال تلك الفترة على أدوار تعتبر كبيرة نسبيًا تقاسم البطولة مثل دور (مختار العو) في (عبده موته) ودور (خال ناهد) في (الحرامي والعبيط)، واللواء حافظ في (طلق صناعي)، وقدمنا في السطور السابقة أبرزها، لكن مايلفت النظر جيدا أن تجربته تعيد إلى الأذهان قصص نجاح لعديد من عظماء الفن دون ارتباط بسن، حيث أثبت أن النجومية ليست مرتبطة سوى بالموهبة، واستطاع أن يفتح كل الأبواب المغلقة ويظهر نجوميته ونجاحه فى كل الأدوار التى قدمها، مما جعله حالياً واحداً من نجوم الصف الأول،وهو ينتمى إلى جيل من الممثلين الموهوبين الذين يجسدون نوعية من الشخصيات التى تبدو بسيطة وربما صغيرة الحجم، الا انها مؤثرة وذات طابع خاص بفضل ادائه،
لقد قضى (سيد رجب) فترة من شبابه ممزقاً بين حبه للوقوف على خشبة المسرح وبين المشاركة في الحياة السياسية، حتى اكتشف أن عليه الاختيار ما بين حياته وواجبه، وغلبت كفة الحياة، ولكنه ظل في نفس الوقت مصغيا لصوت الواجب حين يسمع نداءه يلبي على الفور، ويظل هنالك ملمحا خاص في تجربته العريضة وهو أنه يعشق الشخصية التي يؤديها، ويستمتع بالبحث في أبعادها النفسية، حتى يستطيع أن يتلبسها فينسى أمام الكاميرا إنه سيد رجب، ويتحول على الفور إلى (حمادة غزلان) في (موجة حارة) و(الجنرال – عم جودة) في (فيرتيجو)، و(مختار العو) في (عبده موتة)، و(المعلم سالم) في (بين السرايات)، والفتوة الذي يباهي بجبروته في (حارة اليهود، وموسى).
المعلم سراج في إبراهيم الأبيض
الموهبة الحقيقية قادرة على إثبات نفسها مهما مر الوقت، والفنان المتمكن سينال نصيبه من الشهرة والنجاح حتى لو تخطى عامه الستين، ولنا في سيد رجب العبرة والمثل، فـ (المعلم سراج) كان (فتحة الخير) عليه، وهو أول عمل جماهيري فِعلي له، من خلال الفيلم الناجح (إبراهيم الأبيض) عام 2009، الذي جاء إليه بطريق المصادفة، فكان مقررا له المشاركة بدور أقل، أي بمشهد واحد فقط، ثم قرر المخرج مروان حامد منحه مساحة أكبر، ومن هنا جاء الانطلاق، وبدأ الجمهور يتساءل من هو هذا الفنان وأين كان في سنواته السابقة، ومع البحث عن سيرته ومشواره في التمثيل، يتضح أن بدايته هى عكس المتداول عنه، فهو ليس خريج المعهد العالي للفنون المسرحية بل خريج كلية الهندسة، كما أن حياته تحوي جانباً كبيراً من السياسة التي استحوذت عليه بشكل كبير سابقا، وأثرت إيجابيا – كما يقول – على مسيرته العملية واختياراته وأفكاره، وحول بداياته تلك يقول: تخرجت من كلية الهندسة، وعملت بشركة النصر لصناعة السيارات، كما كنت واحداً من فريق التمثيل التابع للشركة، وشاركت في دوري الشركات من خلال تقديم عروض مسرحية مميزة، مع مخرجين محترفين مثل سعد أردش وفهمي الخولي وفيصل عزب، فكان لكل شركة فرقة مسرحية مكونة من موظفيها وتقدم عملا مسرحيا تتنافس من خلاله الشركات، هذا مع انضمامي إلى حزب التجمع والتحقت بالفرقة المسرحية التابعة له، ثم بدأت العمل المسرحي فقدمت مسرحية بعنوان (حكاية بلاد نمنم).
بعدها أسست مع زملائي فرقة الشارع وقدمنا مسرحية (النديم) على مسرح السامر بالعجوزة، الذي يترأسه الفنان عبد الرحمن الشافعي، وعندما شاهد الفرقة طرح علينا فكرة إلحاقنا بالبيت الفني للمسرح، وتوالت الأعمال المسرحية، مع الخصخصة قررت الاستقالة عندما شعرت بعدم توافق بين عملي وهوايتي وتفرغت تماماً للفن منذ عام 2000، وبدأ يصبح لي أجرا معقولا، وهنا بدأ مشوار ورشة حسن الجريتلي؟، نعم الورشة التي تعلمت منها التدريب على كافة صنوف الفنون، ومن خلالها سافرت إلى مهرجانات عالمية عديدة، وتطور أدائي، وكتبت قصة (الشوق) التي تحولت بالصدفة إلى فيلم، عندما ترجمها صديق لي وأرسلها إلى مجلة في أمريكا، ففوجئت بالمجلة ترسل لي اقتراحاً لشراء القصة، وتمت كتابة السيناريو وخرج الفيلم للنور.
وقدمت بعد ذلك في 2003 (أدابتيشن) ورشة كتابة للمخرجة السويدية (إيفا بيرجن)، لمسرحية (حلم ليلة صيف)، وفي 2007 قدمت مسرحية (فك داروين) التي ترجمت إلى (كيف تتعلم أن تكون اشتراكيا)، وشاركت في مهرجان القاهرة التجريبي باعتبارها تابعة للمسرح القومي من (مونتينيجرو)، إنتاج ألماني، وحصلت منها على جائزة أفضل ممثل، وكانت آخر مشاركة مسرحية لسيد رجب هي (العشاء الأخير) على مسارح محلية مصرية، وأكثر من عرض عالمي في بلجيكا وإيطاليا وبرلين وسنغافورة والصين.
النجومية لا ترتبط بسن
أثبت (سيد رجب) أن النجومية ليست مرتبطة بسن، ولكنها ترتبط بالموهبة، فقد استطاع أن يفتح كل الأبواب المغلقة ويظهر نجوميته وأثبت نجاحه في كل الأدوار التي قدمها، ولعل أبرزها من خلال الجملة التي رسخت في ذهن الجمهور عبر دروه (المعلم صقر) في فيلم (ولاد رزق)، والتي يقول فيها: (العنكبوت يكسب .. مايغركش إن العنكبوت صغير وشكله وحداني، إنما بيته كبير وخيطه متين .. العنكبوت من دول يطلع عين أهله، عشان يبني البيت، ويحفظ كل ركنة فيه .. عشان لو حد هوّب ناحيته والله لو إيه! صاحبنا يسيبه يدخل ويتمشى وياكل ويسرق لحد ما يتعب ويتكعبل، صاحبنا يسم عليه لحد ما يكتف نفسه بنفسه، ويخش وهي الشكة)، وهذا مايشي في دلالة واضحة على خبث وذكاء العنكبوت الصغير ضئيل الحجم حاد الذكاء.
في أغلب الأدوار التي قام فيها ( سيد رجب) بدور (شرير) تبدو الشخصية التي يقدمها ممزوجة بخفة دم، وهذا نوع من الشخصيات التي تذكرنا بزمن الأشرار الجميل من أمثال (توفيق الدقن، ومحمود المليجي)، وهى نوع من الشخصيات اللي نفتقدها حاليا ولا نراها كثير، إلا عندما نقف أمام ممثل مميز مثله، يعرف جيدا كيف يرسم خطوط مختلفة لنفسه، ولا يسير على نمط ثابت، ويظهر لك في كل مرة يقف فيها أمام الكاميرا أو على خشبة المسرح أبعاد مختلفة لنفس الشخصية، لذا تشعر بأن له بصمة خاصة بيه، بحيث تقول بينك وبين نفسك أن هذا هو الرجل المناسب في الدور المناسب ولهذا أعتبره أفضل نجاح للممثل بالنسبة لي، فهو يحيرك بسحر أدائه من راجل غلبان لقوَّاد، ومن إرهابي لمدير أمن القاهرة، ومن خال ندل لأب شايل مسؤولية أسرة بسيطة ومشاكلها، تنوع الأدوار يثبت إننا أمام ممثل ليس سهلا، واستطاع أن يعوّض كل الذي فاته بجدارة وسيقدرعلى أن يبهرنا بإبداعاته في القادم بإذن الله.
شغف لا ينتهي
تحية تقدير واحترام لتجربة سيد رجب الفنية والحياتية التي تضرب مثلا عنوانه: (الشغف الذي لا ينتهي)، فالرجل السبعيني يتحدث بروح شاب في مقتبل العمر، يضع لنفسه خططا مستقبلية وينظر لمستقبله المهني بنظرة شغوفة، آملا في المزيد من النجاح، وكأنه لم يصل بعد لكل ما تمناه، وفي النهاية يذكرنا دائمًا من خلال أدائه السلس البسيط المُتمكن بعمالقة زمن الفن الجميل، حيث أن معظم أدواره تقريبا تترك علامة وبصمة لدى الجمهور ، كما أبهرنا في مسلسل (لعبة نيوتن) وأبهر أيضا مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي، وظل يشغل محركات البحث، وتربع على ترند رقم واحد على موقع التواصل الاجتماعي (تويتر) فترة طويلة، وكان المشهد الذي حقق نسبة مشاهدات وتفاعل كبير بين الجمهور عبارة عن حوار جمع الفنان محمد ممدوح والفنان سيد رجب، وكانت الجملة التي أشعلت مواقع التواصل على لسان سيد رجب يقول فيها: (إللى مش عاوز يعيش الفقد و ألمه، ميتملكش من أصله).. إنه ذلك الفنان الساحر والراهب في محراب الفن متعه الله بالصحة والعافية ليمتعنا أكثر وأكثر.