دروس (عم حسن) في التأكيد على الانتماء للوطن
كتب : محمد حبوشة
لاتخلو أية حلقات من حلقات مسلسل (القاهرة – كابول) من مشاهد مبطنة برسائل مهمة تقدم الحكمة والمثل والقدوة والنموذج الإنساني المثالي، تماما كما يرسخ دائما في خيال المؤلف وكاتب السيناريو المبدع (عبد الرحيم كمال) في ذهابه نحو مناطق دافئة في حياتنا المصرية البسيطة، ورغم ما يخيم على أجواء المسلسل من سحب كثيفة وغيوم قاتمة بفعل سيطرة أحداث الإرهاب الأسود، إلا أنك تلمح بين الحين واللآخر ومضة نور في قلب الأحداث الأكثر دموية ومأساوية، ومن هذه الومضات التي تجمع بين العقل الراجح والروحانية عبر دروس بليغة قدمها (عم حسن) أو الأستاذ حسن مدرس التاريخ الذي جسده ببراعة واحترافية النجم القدير نبيل الحلفاوي في حب الوطن (مصر) والانتماء والتأكيد على الهوية الوطنية على جناح من الحكمة والفلسفة وخبرة السنين التي عاشها على تراب المحروسة فهام فيها حبا وعشقا.
وبحسب السيناريو والحوار المصنوع بحرفية تشبه قطع الأرابيسك جاءت هذه الدروس في الحلقة السادسة والسابعة من خلال حوار بين الأستاذ حسن الذي يعتبره أهل حى السيدة الأب الروحي والمعلم والحكيم والفيلسوف الذي يمكن الرجوع إليه في أعقد قضايا الخلاف والفكر على المستوى الديني والاجتماعي والسياسي، وبين (على) والذي لعب دوره (كريم سرور)، ذلك الشاب الحائر والباحث دوما عن ملاذ آمن وسط عواصف التطرف التي تحيطه من كل جانب من حوله، وذلك عندما دخل على (عم حسن) متسائلا: بأقولك ايه ياعم حسن: هوحكم القتل بالردة يقام على مين بالضبط؟، وبابتسامة ودودة يرد عليه وهو يقدم له كوبا من الشاي بالحليب: هو انته كلامك كبير كده ليه وأسئلتك غامقة؟.
في لفتة ذكية من حوار عبد الرحيم كمال، يذكر عم حسن لعلى الآية الكريمة: ( ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون)، وسأل حسن على : الآية جابت سيرة القتل؟ فيرد على بلا، ثم فسر له الفرق بين الملحد والمرتد، فالمرتد هو الذي كان يعتنق الدين ثم ارتد وأصبح عدوا له، ثم أوضح له عن هوية من يقوم بتنفيذ الحد، ثم أن المرتد هذا لابد أن يستتاب ويحتاج إلى نوع من الطبطة، نحن دورنا أن نحيي الناس بدلا من قتلهم، ثم تطرق إلى من يتحدثون في الدين بدون علم مؤكدا أن خطر وكارثة على المجتمع، لكن ربنا يحمي الناس الغلابة ، هذا ظني، وظني أيضا ان ربنا جميل يحب كل جميل.
تطرق الحديث عبر حوار (كمال) الشيق بين على وعم حسن إلى شروط الحكم ومن الذي يحكمنا، فيقول عم حسن إذا حكمت الناس وجعلتهم يصلون ويصومون ويؤدون كل الفروض : هل تضمن أن تكون قلوبهم طيبة؟، هل تضمن أن يحل الأمان وأن الأخلاق ستكون أحسن، وليس هناك ذنوب؟ .. وفي بساطة شديدة لاتخلو من رسائل وإشارات مهمة يشرح له قائلا: الخايف من الذنب ليس مثل الذي أحله من الذنب (يقصد ربنا) .. والخايف من ربنا ليس مثل الذي يحبه فلا يليق بالمحبة بين العبد وربه أن يعمل الخطأ .. درجات وفروق كبيرة يصنع الحب ليس إجبارا.
وبتصرف حكيم في الحوار يوضح عبد الرحيم كمال يدعوا للإقبال على الحياة قائلا: ليست مهمتنا عذاب الناس وتخويفهم لابد من إدخال الفرحة لقلوبهم .. الخوف لايخلق عقيدة .. الخوف عند أول انفجار يخلق الفوضى وتدمير رهيب لكل شيئ، وفي حديث شجي ينم عن وعى وإدراك كامل بحقيقة الدين تحدث عم حسن على لسان (كمال) عن العدل الكامل والعدل المطلق والذي لايوجد إلا عند الخالق سبحانه وتعالى ، والذي يطلبه في حد ذاته يشقى، أما الذي يطلب الرضا فتناله الراحة.
يدخل عم حسن على أصدقاء (على) في المستشفي حيث يرقد صديقهم الملحد (عمر) على أثر حادث اصطدامه بسيارة ويقدم درسه الثاني في الوطنية والانتماء، حيث يبدأ بالإسقاط على الإلحاد الذي يتطلب قراءة وشقاء، فيقطع أحدهم حديثه قائلا : (مش ده عم حسن بتاع الرز بلبن)، فيصحح على: هذا عم حسن الذي يوضح لى حقائق الحياة عندما اتوه، وهو الذي حببني في هذا البلد، فيهب ربيع : بلد .. بلد ايه .. آه مصر .. وفي سخرية (مصر دي هى أمي .. هى أمنا كلنا .. حبيبتي يامصر)، فيرد عمي حسن: مزعلاك في ايه بس، ثم يرد عليه ربيع: ( لامزعلاني ولا مفرحاني .. بس احنا بنبالغ شوية ياعم حسن .. حكاية عظيمة يامصر دي)، بصوت مكتوم يرد عمي حسن : لا والله مش قوي .. أصلها مركز الكون.
ثم يستطرد : مصر دي .. بص ياربيع أفندي : احنا ممكن منكش الأغنى ولا الأكثر تقدما ومشاكل بالكوم، لكن عندنا أسرار بالكوم .. إحنا 80 مليون مواطن ومصرين على الحياة ، بسخرية أكثر يرد ربيع : (ما احنا مصرين غلاسة برضه ياعم حسن) ، ويضيف الذي يجلس بحوار عم حسن : معلش مصرين على الحياة ازاي؟، بصوت يحمل قدرا من الدفء والحس الوطني الذي يتمتع به (عبد الرحيم كمال) يرد عمي حسن : بنحب الحياة، وبعدين البلد دي بحكم أقدميتها في الكون لها (إيمدج) برضه .. ويتبارى عم حسن في تعدد مناقب مصر قائلا: احنا عندنا مساحات كتيرة مقدسة فعلا .. مشي على ترابها أنبيا وأوليا وقديسين.
وفي شموخ العاشق لتراب وطنه يقول عم حسن في تلخيص غير مخل : لما حصل في الكون مجاعة ربنا بعت لنا نبي كريم اسمه سيدنا يوسف .. مسك خزاين مصر ، لأن مصر خزينة العالم .. العالم كله داق المجاعة إلا مصر بإرادة ربنا وحكمة نبي .. يعني مصر دي غالية قوي علينا .. مصر دي فيها مسيحيين بيصلوا على النبي ومسلمين بيعلقوا شموع في الكنايس وقت الديقة .. مصر حكمها الشيعة وفضلت سنة .. بس أكتر سنة بتحب أهل البيت، لكن ربيع ينتقد الأوضاع الراهنة بشكل يحمل قدرا من المرارة متهما عم حسن بأنه من جيل عاش خيراتها، وهنا يقفز عم حسن على الأحداث قائلا : بالعكس إذا كان على جيلي فقد عاش حلم وفرحة وهزيمة وانكسار وانفتاح .. شوفنا كل حاجة وصبرنا .. الدور عليكم .. احنا شفنا اللي محدش شافه .. دفعنا ومقبضناش .. ان كان علينا احنا الكبار اللي زي حالاتي أقلية .. انتم الشباب 60% .. يعني البلد بلدكم هموا وشيلوها.
هنا يقدم عبد الرحيم كمال، عبر حوار راق دورس بالغة القيمة والمعني، ويقدم رسائل غاية في الأهمية لشباب مصر الطامح نحو حرية ربما تقوم على الفوضى دون إدراك لقيمة هذا البلد الذي صنع حضارة لكل الأمم منذ فجر التاريخ وماتزال آثارها تجري مع مياه النيل حتى اليوم .. تحية تقدير واحترام للفنان القدير نبيل الحلفاوي في عزفه الشجي على أوتار المشاعر الوطني في أدائه العذب في رقة لاتخلو من حسم وفي قوة لا تخلو من عزيمة، وذلك كله بفضل حوار كتبه بحرفية عالية تستحق الإشادة والإعجاب المبدع عبد الرحيم كمال صانع السلاسل الذهبية في الدراما المصرية.