إعلام الأزمات
بقلم : علي عبد الرحمن
الإعلام صناعة يقظة حيه نابضة تتوقع الحدث، وتلاحق صناعه وتترقب حدوثه، وتتأهب له، لأن السبق هو إكسير صناعة الإعلام، والتواجد في قلب الحدث هو تاج علي رؤوس كوادره ومديريه، ولما كنا نعيش عصر تفجر المعلومات وتقدم التقنيات المذهل وعصر الإعلام الثري في إنفاقه، المتخم بمعداته فإن مسألة التواجد في قلب الحدث أو الوصول إليه بسرعه أو توفير بدائل للنقل إلكترونيا لم تعد أمرا صعبا، ولكن الترهل والتراخي هو الذي يجعل مواطنينا يهرعون الي منصات التواصل ليعلموا وليته علم مهني صادق لكنه علم عبر إعلام المواطن بكاميرا موبايله فلا رساله مهنية ولاصياغة علميه ولا تصوير واقعي ولكنه إجتهاد مواطن ليس دارسا للاعلام،ولا ممارسا له ولا يلم بإعداد وصياغة وتوجيه الرسائل المهنية وقت الأزمة وعند الكارثة.
ورغم كل إمكانات إعلامنا التقنية والبشرية والمادية إلا أن التغطية لحادث قطاري سوهاج جاءت متأخره جدا فلقد وقع الحادث الساعه 12ظهر الجمعه وطبعا لأنه يوم إجازه،والإعلام لايعرف ثقافة الإجازات، ولأن أهل الإعلام نيام أو يمضون عطلة نهاية الأسبوع في الشاليهات والفنادق،أو أغلقوا وسائل اتصالهم وتواصلهم فقد ظل المصريون يلهثون خلف ماتنشره وسائل التواصل من صور ومعلومات سواء كانت صحيحه أو مغلوطة مهنية أو اجتهادية حتي أفاق أهل الإعلام مساء اليوم التالي، بعد أن أرسلوا فرق عملهم الي سوهاج وبدأوا يبثون ما سبقتهم إليه وسائل التواصل وبات ما يذيعون قديما معروفا لدي المواطنين.
وحدث ذلك أيضا عند جنوح السفينه العملاقه بقناة السويس منذ الثلاثاء الماضي حتي أن وسائل التواصل سبقت أيضا بنشر صور لكراكات صغيره بجوار الناقله العملاقه تبادلها الإعلام العالمي فأصبحنا نكتة كمن استعان بنملة لتحريك فيل عملاق، وتذكر إعلامنا أنه كان لزاما عليه أن ينشر صورا لحجم الناقلة ولعدد القاطرات والكراكات والجهود المبذوله لتكريك وتعويم الناقلة، فبدأ ينشر بعدما تم توبيخه مما يشاع وينشر في الميديا العالمي.
ولان إعلامنا متأخر دوما فلما أفاق لتغطية حادث السفينة والقطارين لضخامة أثرهما فوجئ بإنهيار عمارة جسر السويس وكوبري الطالبية ومحطة قطار الزقازيق وحريق الإسكندرية وغيرها مما تراكم علي كاهل إعلامنا المنهك – دون مبرر- ليعاود متأخرا تغطية بقية هذه الكوارث في الأيام التاليه،عندما يعلم المواطن بكل شئ من وسائل التواصل،دون مرجعيه أو مهنيه، رغم كثرة معدات إعلامنا، وتقدم وسهولة تقنيات البث وتوافرها.
لكن لاندري لماذا يصدر هذا عن اعلامنا؟ ، ألم يستحي من غضبة شعبه أو سرعة تحرك حكومته أو تفاني الأهالي في تقديم الخدمات،،وهل يستمر إعلامنا من تخاذل إلى تقوقع، ومن تكاسل إلى انبطاح، ماذا ينقصه؟، وماذا يحتاجه وماذا لايدركه وماذا يكسب بعدما خسر أهله ومشاهديه؟ وفقد ثقة قادته وحكومته وخبرائه، ومن يتابع إعلامنا ويقيم مساره ويوجه ضالته،ومن يحاسبه ومن يحدث فيه تغييرا.
وللحق وللمهنية فإن ما أنقذ ماء وجه الإعلام المركزي المتقوقع،هو الإعلام الإقليمي المظلوم في أدواته المفتري على آدائه، فلولا تحرك القنوات الثامنة،والرابعة،والسادسة كل في نطاقه وحوادثه لكان الأمر جللا وفاضحا، فهل تصلح هذه التغطيات المحليه؟، ما تم إفساده في منظومة الإعلام المحلي وهل يمكن أن نتعامل معه بأنه الإعلام المنقذ وقت الأزمات، وهل ندعم أدواته بدلا من تكدسها وتقادمها في مخازن الإعلام المركزي وهل ندعم وسائل بثه بدلا من توافرها وعدم فاعليتها لدي الإعلام المركزي، وهل نوفر له وسائل انتقاله لانه الأسرع واليقظ والمتواجد بدلا من تراكم وسائل الانتقال وعمليات إيجار السيارات الفارهة لدي قنوات الاعلام المركزي.
لعل إعلام الأزمه يدفعنا الي تحويل منظومة الإعلام الإقليمي إلى وحدات إعلاميه منتجة لديها تقنيات التصوير والبث ووسائل الانتقال ليتواجد ويغطي ويسبق وينقذ ماء الوجه وقت الأزمات، وينتج موادا محلية قصيرة ووثائقية وتقارير وتنويهات توعية يغذي بها إعلامنا المركزي المتخم المتخاذل، لعله يثور لنفسه ويقلد إعلامه المحلي ويقوم بدوره،ويشفي غليل مواطنيه وحكومته وقادته ويقدم لنا محتوي عصري مواكبا كما خطته قواعد الإعلام وفنونه.
ليت أحدا يسمع ويدرك ويتحرك إيمانا بالمهنية وبالمسئولية وبالوطنية علي السواء.. حمي الله مصر من كل مكروه،وأيقظ ضمير أهل إعلامها وبارك في تجربتها الإقليمية المثابرة دوما نحو التواجد والاعتراف بها ..آمين.