بقلم محمد حبوشة
هى لعبة مكشوفة قديمة تتجدد بين الحين والآخر، يلجأ إليها البعض للضغط على الدول النامية، ومنها مصر الساعية للتنمية والتطور والتقدم، ويبدو أنه لايروق للغرب تلك الإنجازات الكبيرة عبر المشروعات القومية وغيرها التي يسعى من خلالها الرئيس عبد الفتاح السيسي لتغيير حياة المصريين نحو الأفضل، وهو ما يأتي للأسف في ظل غياب إعلامنا بصفة دائمة عن تلك المشاهد الخطيرة في دلالاتها بينما يبدو لاهيا بقضايا تافهة مثل: (الاطمئنان على ركبة عمر دياب بعد انزلاقه على المسرح)، باعتباره نموذجا للحيوية والشباب حتى وهو في سن الستين، أو (كشف حقيقة الغموض حول تعرض ضهر محمد رمضان للإصابة ببعض الحروق)، وكأنهم يبالغون في مراعاة خاطر (المحروس) بعد أن عتب على وسائل الإعلام المصرية مدعيا أنها لم تقف بجانبه في أزمته وكأنه (هيرو) تتحطم على صخرته قلوب العذارى والحيارى في دنيا الغرام.
عجبت لكافة وسائل الإعلام المصرية (المرئية والمسموعة والمكتوبة) في تقاعسها المريب تجاه بيان 31 دولة تدين ملف حقوق الإنسان، رغم أنها لعبة مكشوفة قديمة تتجدد بين الحين والآخر بغرض في نفس يعقوب، وبينما نحن نغط في ثبات عميق، إلا أن الدولة المصرية على المستوى الرسمي سارعت بالرد عبر بيان من وزارة الخارجية، بأن بيان (القلق) الصادر عن 31 دولة بمجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان عبارة عن مزاعم وأحاديث مرسلة تستند إلى معلومات غير دقيقة، وأكدت الخارجية أنه لم تحدث أية انتهاكات لحقوق الإنسان فى عهد الرئيس عبدالفتاح السيسى. ووصفت البيان بأنه (تضمّن مزاعم وادعاءات حول أوضاع حقوق الإنسان فى مصر)، وعبرت عن رفضها التام لما تضمنه ذلك البيان من أحاديث مُرسَلة.
ألم يلفت نظر أية قناة فضائية مصرية كم الأكاذيب والافتراءات من جانب تلك الدول التي تدعي بصفاقة إن مصر تستغل قوانين مكافحة الإرهاب لتكميم أفواه المعارضين والمدافعين عن حقوق الإنسان والصحفيين وحبسهم، وتقليص الحيز المتاح للمجتمع المدنى والمعارضة السياسية، وهو ما ادعته العجوز الشمطاء (كريستى كوبى) سفيرة فنلندا لدى الأمم المتحدة فى جنيف التى ظهرت كحرباء كاشفة عن وجهها القبيح حين ألقت البيان المريب قائلة: (إننا نشعر بقلق بالغ إزاء تطبيق قانون الإرهاب ضد نشطاء حقوق الإنسان والمثليين والصحفيين والسياسيين والمحامين)، والغريب أكثر أنه أول بيان رسمى ينتقد سجل مصر الحقوقى منذ سبعة أعوام، فى انتقاد نادر الحدوث لمصر فى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.
وبدوري أتساءل في حيرة: أين دور وزارة الإعلام والمجلس الأعلى للإعلام والهيئتين (الإعلام والصحافة) والهيئة العامة للاستعلامات من هذا البيان المشبوه الذي لم تؤيده أى دولة من أفريقيا أو من الشرق الأوسط، وهو ما كان يسلتزم من كافة وسائل إعلامنا وهيأتنا الغراء كشف حقيقة تناول تلك الدول وتذكرها بما حدث لها من الإرهاب، وما أصدرته من قوانين قمعية لمحاربة الإرهاب والإرهابيين، بل وأتاحت قتل الانسان لمجرد الشك فيه، فلم تتذكر هذه الدول وهى تدين مصر بأنها تقتل على الهوية، وأنها شردت الملايين من الناس شيوخا وأطفالا ونساء وشبابا ومرضى وهدمت عليهم منازلهم فى شتى أنحاء الأرض، فضلا عن تشدقهم الدائم والكريه بملفات تدعو لانتشار الفاحشة والمثلية فى مجتمعاتنا بدعوى حقوق الانسان.
أليس حريا أن تكون قنواتنا وصحفنا ومواقعنا الإلكترونية في حالة انتباه دائم للتصدي لتلك الرياح غير المواتية معللة بقوة وثبات بأننا نحن لدينا أعظم قضاء فى الدنيا ولدينا نائب عمومى عن الشعب ضد السلطة، ولدينا مجلس الدولة كهيئة قضائية مستقلة حصن للمواطن ضد أى اعتداء عليه، كما لدينا هيئات ومنظمات ناشطة فى مجال حقوق الانسان، ومن المؤكد أن أى مسجون له تهمة محبوس على ذمتها حتى يخلى القضاء سبيله، كما لدينا قانون جديد للعمل الأهلى ومنظمات المجتمع المدنى يتيح له حرية العمل، وعلى رأى المثل (اللى بيته من زجاج مايحدفش الناس بالطوب).
نعم لدينا ياسادة الإعلام حقائق دامغة ووثائق ومستندات توضح أن ملف حقوق الإنسان يعد من أبرز الملفات الماسة بالأمن القومي المصري، ويجب التعامل معه علي المستويين الرسمي وغير الرسمي وأن يكون هناك وعي قوي بهذا الملف من جانب إعلاميينا وقنواتنا، ومن ثم تكون رسالتنا للعالم واضحة وتعكس ما تتمتع به مصر من إرادة سياسية أكيدة وقناعة ذاتية للارتقاء بحقوق الإنسان، مع التأكيد على مشاركة مصر للمجتمع الدولي اهتمامه وخطواته في هذا الشأن، وأن حقوق الإنسان لا يجب أن تعيش بمعزل عن حقوق الدولة بل تتعايش معها، أليس واضحا للعيان أن مصر قد حققت نقلة نوعية في مواجهة التطرف وتعزيز الحريات الدينية، بالإضافة إلى تحقيق طفرة كبيرة في توفير الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وحقوق المرأة والطفل وذوي الإعاقة؟.. أين الإعلام إذن من كل ذلك؟.
ظني أن المهنية المفقودة في قنواتنا وصحفنا ومواقعة الألكترونية التي أفقدت الغالبية العظمى من الإعلاميين البلهاء البوصلة نحو أهمية الوقوف على مفهوم حقوق الإنسان، لاسيما في ضوء التطرف المتنامي فيما يتعلق بهذا المفهوم وحدوده، وما يندرج في هذا المفهوم وما يبيحه وما يحظره وما يمكن تبريره استناداً إليه، حتي أضحي مفهوم حقوق الإنسان وما يندرج ضمنه من حقوق وحريات كحرية الرأي والحق في التعبير يبيح النيل من المقدسات والرموز الدينية ويتخذ ستارا لهدم الثوابت العقائدية التي يؤمن بها الملايين، رغم ما تقدمه مصر من برامج للحماية الاجتماعية كنموذج يدرس في الحق يشمل الحياة والأمن والصحة والتعليم والمسكن المناسب، كما أن تجربتنا في الحريات الدينية وحقوق المرأة وذوي الهمم فريدة ومتميزة، بحيث تشكل مادة حية وثرية يمكن أن ترد بها وسائل إلاعلامنا على تلك المهاترات الحقوقية سواء من جانب منظمات أو دول تستهدف مقدرات مصر.
ألا يفقأ عين هؤلاء من لاعبي سيرك حقوق الإنسان تلك الجهود الملموسة للدولة المصرية في توفير المسكن الملائم للمواطنين والارتقاء بالصحة والتعليم والطرق والطاقة وغيرها ووسائل الحماية الاجتماعية وبرامج تكافل وكرامة، وهى أمور لاترقى لحقوق الإنسان على الطريقة الغربية، ومن ثم ينبغي على وسائل إعلامنا توضح الصورة للغرب في تأكيد واضح وصريح أن (مصر 30 يونيو) أتاحت كل وسائل الدعم للارتقاء بحياة المواطن، ألا تتجلى أقوى ممارسات حقوق الإنسان من خلال منتديات الشباب والتي أتاحت لأول مرة حوارات مباشرة بين رئيس الجمهورية وأبنائه من شباب الوطن بدون أي خطوط حمراء أو قيود؟، وهو مايدعنا أن نكون في تناولنا لملف حقوق الإنسان في موقع الفخر والثقة بنجاحاتنا وإنجازاتنا وليس في موقع الدفاع، وليس هناك ما نخشاه ياسادة لأن لدينا إنجازات ونجاحات وواقعاً غير مسبوق من انعكاس عوائد التنمية علي المواطن المصري، ولدي بالناسبة تساؤل حائر: لماذا لا تقوم سفاراتنا بالتعاون مع الهيئة العامة للاستعلامات بإحاطة كافة دول العالم بالحقائق والنجاحات في هذا الملف؟.
لابد لنا من استراتيجية إعلامية كاملة ومتكاملة وشاملة تستطيع أن تحيط المواطن المصري والعالم، والتدريب الإعلامي على ملف حقوق الإنسان، وذلك لضمان وصول الحقائق كاملة للمواطن المصري من ناحية، ومن ناحية أخرى أيضا لابد من لغة خطاب إعلامي قوية تتوجه إلى شعوب العالم فضلا عن استقبال وفود من قادة الرأي من دول العالم لإطلاعهم علي الحقائق والنجاحات علي أرض الواقع، حتى نتجنب توظيف ملف حقوق الإنسان للتشويه والمكايدات وتصفية الحسابات السياسية من الدول المعادية والمنظمات المشبوهة المدفوعة والممولة لإصدار تقارير (مفبركة) بهدف الإساءة إلي الدول، على غرار حدث من جانب 31 دولة مؤخرا في هجمة شرسة عبر سياسة الكيل بمكيالين.
لقد شغل موضوع البيان الذى ألقته بعض الدول بالأمم المتحدة حيزا كبيرا من اهتمام المواطنين فى مصر، ولازالت ردود الافعال تتوالى من قبل المؤسسات والأحزاب والنقابات بل والمواطن العادى وربما هى المرة الأولى فى تاريخ الأمم المتحدة وتاريخ المجلس الدولى لحقوق الانسان منذ إنشائه فى عام 2007 التى توجه إليهم هذه العاصفة الشعبية من الانتقاد والإستنكار، هذه العاصفة من الاحتجاج التى عكست تأييدا شعبيا غير مسبوق للدولة المصرية ومؤسساتها – عدا الإعلام الغائب عن المشهد دائما – فى مواجهة ألاعيب الدول فى ساحة الأمم المتحدة، ورغم قناعاتى الشخصية والمهنية بأن تلك الأكاذيب لن تنال من جهود الدولة المصرية الحالية في التنمية والتطور، إلا أن البيان كان يستحق الانتباه من جانب وسائل الإعلام الرسمية وغير الرسمية لأنها قضية تمس الأمن القومي المصري.
لقد أصبح حال إعلامنا يرثى له فعلا جراء عجز وترهل في معالجة أهم قضاينا المصرية التي من شأنها الحفاظ على مقدرات دولة بحجم مصر، كان لابد أن تكون وسائل إعلامنا على قدر المسئولية ولا تكتفي برد بعثتنا الرسمية بالأمم المتحدة ووزارة الخارجية، خاصة أن ردود الأفعال أكدت أننا أمام مرحلة جديدة من التوحد بين الشعب ودولته لرفض أية إملاءات أو تلميحات من قبل دول بعينها تتعارض مع سيادة الدولة أو تعطل قدرة مؤسساتها على استكمال إعادة البناء، وبالعودة للبيان الذى ألقته ممثلة دولة فنلندا نيابة عن 31 دولة يمكن القول أن عدد الدول التى وقعت على البيان يعكس أقلية واضحه ويؤكد أن ليس ثمة اجماع أو حتى أغلبية توافق على مثل هذا الكلام حيث من بين (47) دولة عضو فى المجلس الدولى لحقوق الانسان وقعت (20) دولة فقط بنسبة تقترب من 40% بينما باقى الـ (11) دولة الموقعه ليسوا أعضاء بالمجلس.
هذه حقائق لايعرفها المواطن البسيط، وهو دور الإعلام الوطني في توضيح تلك الحقائق القانونية والإجرائية تجاه هذا البيان المسيس الذى تفوح منه رائحة الابتزاز للدولة المصرية، لاسيما وأن الشعب المصرى يثق تمام الثقة إن آخر شىء يمكن أن يقتنع به أن تلك الدول تريد حماية والدفاع عن حقوق الانسان المصرى، خاصة أن تلك المزاعم والأكاذيب ليست جديدة، فهى مكررة ولا تستند إلى حقائق وليس هناك أدلة تدعمها، وهنا يبرز دور الإعلام في توجيه السؤال الصعب: أين مجلس حقوق الإنسان الأممي من الانتهاكات البشعة، التي تتم في الكثير من دول العالم، لا سيما ما يرتكبه الاحتلال الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني؟، وهذا كفيل بإثبات أن هذه الأذرع السياسية الدولية بدأت تفقد مصداقيتها شعبيا، لأنها تكيل بمكيالين في تعاملها مع مختلف الأحداث في العالم.