نكشف لأول مرة زيف الإخوان عن اغتيال ثورة يوليو لإسماعيل الحبروك
كتب : أحمد السماحي
ستنسى الناس كل مقالاتي
وستبقى فى القلوب من الشعر أبياتى
كان عمرى رحلة، وقصائدى رحلاتي
هذه الكلمات الصادقة المكثفة تلخص رحلة مشوار شاعرنا المبدع (إسماعيل الحبروك) الذي نحيي اليوم الذكرى الـ (60) لرحيله حيث دهمه الموت في شرخ الشباب وتوقف قلبه عن النبض، وابتلعته متاهات العدم، ورحل عن حياتنا في مثل هذا اليوم 16 مارس عام 1961.
أكد كل المقربين منه، وكل المجلات والصحف القديمة التى أطلعنا عليها أن الكلمة الحلوة كانت تملأ فمه، والإحساس العميق بالناس وأحزانهم ومتاعبهم الصغيرة يقض مضجعه، كان ذا إرادة، إرادة للخير، كان شهما، فى شهامته تراث شعبنا العريق فى إغاثة الملهوف، ونجدة الخائف، والوقوف دائما وفى كل آن مع الضعيف، كان عزيز النفس رقيقا عذبا واثقا بالناس صافي الضحكات.
الكاتب الصحفي الكبير (حسين الحبروك) قال لـ (شهريار النجوم): كان والدي كأنه يشعر بدنو أجله وقرب الموت منه، فكتب فى فبراير عام 1961 (ستنسى الناس كل مقالاتي، وستبقى فى القلوب من الشعر أبياتى، كان عمرى رحلة، وقصائدى، رحلاتي) هاتين البيتين لخصا قصة حياته، بعدها بأيام قليلة رحل في 16 مارس 1961، وفى مشواره القصير هذا تولى العديد من المناصب الصحفية الهامة، كان آخرها رئيس تحرير جريدة الجمهورية، وصادق الملوك والأمراء والرؤساء، إلا أن ما تبقى منه ــ كما ذكر هو فى البيتين الشهيرين ــ عند الجمهور العريض أغنياته التى قام بغنائها كبار مطربي مصر والعالم العربي، مع العلم أنه لم يكتب الأغنية إلا 7 أعوام فقط، بالتحديد منذ عام 1954 وحتى 1961.
ومن أشهر المطربيين الذين غنوا له (عبد الحليم حافظ) الذي غنى له عدة أغنيات مثل (إحنا الشعب، يا جمال يا حبيب الملايين، تخونوه، مشغول وحياتك مشغول، أول مرة تحب يا قلبي) وغنت فايزة أحمد له (بتسأل ليه عليا، وأسمر يا أسمراني) ونجاة ( كل شيئ راح وانقضي)، ومحرم فؤاد (قولي يا قلبي قوام وحياتك، ويا حبيبي قولي آخر جرحي ايه) وغنى له فريد الأطرش (عينيا مهما قالوا عنك، تصبح على خير يا حبيبي، وحياة عينيكي)، وقدم لـ كارم محمود (يا فايتني في حيرة مشغول البال، وداره قصاد داري)، ولشريفة فاضل (أمانة ما تسهرني يا بكره) ولفايدة كامل (واد يا سماره) ولصباح (جوا قلبي جوا) وغيرهم من المطربيين.
ويضيف (الحبروك) كما كتب والدي العديد من الروايات والقصص القصيرة منها (هاربة من الليل) مجموعة قصصية نشرت فى الكتاب الذهبى لمجلة روزاليوسف، و(زوجة للبيع) وهى مجموعة قصصية أخرى، وامرأة بلا مقابل، ورواية (الزوجة العذراء)، و(بقايا عذراء) وهى رواية طويلة تم إعدادها كفيلم كتب له السيناريو والحوار الأديب (يوسف السباعي)، وقام ببطولته (شكرى سرحان، مريم فخر الدين).
وعن الذي كان يميز والده الشاعر الراحل (إسماعيل الحبروك) كإنسان قال: الطيبة والحنية الشديدتين، فكان حنين جدا، لدرجة أن أحد أبناء أصدقائه أطلق عليه اسم (إسماعيل الحبوب).
ونفى (حسين الحبروك) ما نشره الكاتب الإخواني (محمد الجوادي) وتم تداوله فى الفترة الأخيرة على كثير من المواقع منها (الجزيرة) وغيرها من مواقع (التواصل الاجتماعي) تحت عنوان (ثورة يوليو قتلت إسماعيل الحبروك) والذي جاء مليئا بالحقد على مصر وثورة يوليو، واتهم فيه (الجوادي) الصاغ (صلاح سالم) بأنه كان وراء مقتل (إسماعيل الحبروك).
وقال الحبروك: ما نشره (الجوادي) غير صحيح بالمرة، ولابد أن نصحح ما نشر للتاريخ وللأجيال القادمة، خاصة وأنني لم تأتي لي المناسبة للرد على هذا الكلام الذى انتشر مؤخرا كانتشار النار في الهشيم.
وأضاف كاتبنا الصحفي الكبير: علاقة والدي بثورة يوليو 1952 كانت وطيدة منذ بدايتها، فلا أحد ينسى له قصيدته الشهيرة التى كتبها قبل الثورة بشهور قليلة إثر حريق القاهرة عام 1952 وشاعت وانتشرت وذكرها الكاتب الكبير (أحمد بهاء الدين) في كتابه (فاروق ملكا) والتى يقول في بدايتها :
سأنام حتى لا أرى .. وطنى يُباع ويُشترى
ولمن يباع ومن يبيع؟، إنجلترا لإنجلترا
سأنام حينا يا رفاق كي لا أرى شعبا يساق
لعناق قاتله العزيز، وشرب نخب (الاتفاق)
جزاركم يلهو بكم، وبكفه دمكم مراق.
وبعد قيام ثورة يوليو توطد علاقة والدي بالضباط الأحرار، ومنهم الصاغ (صلاح سالم) الذى ربطت بينهما صداقة وطيدة، لكن عام 1954 كتب والدي مقال يدعو فيه الضباط إلى العودة إلى ثكناتهم العسكرية، فأثار المقال رد فعلا قويا، كان على أثره حبس والدي لمدة 100 يوم، وكان معه في السجن الكاتب الكبير (إحسان عبدالقدوس) ورفضت السيدة (روزاليوسف) التوسط لدى الضباط الأحرار للإفراج عن إبنها، بعد هذا الموقف أو الحبس، خرج والدي ومارس عمله بشكل طبيعي جدا، وتولى العديد من المناصب الصحفية الهامة، برضاء كبارالمسئولين فى البلد، ولو كان والدي مغضوبا عليه لم يكن تولى رئاسة العديد من الصحف والمجلات.
وأضاف الكاتب الصحفى حسين الحبروك: عام 1958 كتب والدي أغنية (يا جمال يا حبيب الملايين) لعبدالحليم حافظ تلحين كمال الطويل، واستلهم إحدى مقاطع تلك الأغنية عندما كان برفقة الزعيم الخالد (جمال عبد الناصر) في زيارة دمشق وقت أن كان رئيساً لتحرير جريدة الجمهورية، وعندما رأى مدى صدق مشاعر الشعب العربي السوري، وكل الشعوب العربية للزعيم جمال عبد الناصر، كتب فى الأغنية هذا البيت (هزَّيت الشرق بحاله … وديانه ويَّا جباله)، معنى هذا أن والدي لم يكن يحمل أي ضغينه لثورة يوليو ولا لرئيسها، وبالتالي المسئولين عن ثورة يوليو أو الضباط الأحرار هم أيضا لم يكن يحملون لوالدي أي ضغينه.
وأضاف الحبروك : كتب الإخواني (محمد الجوادي) أن والدي أصيب بالنزيف فى مخه فور علمه بحذف اسمه من ترويسة الجمهورية كرئيس تحرير، والصحيح أن إسم والدي ظل كرئيس تحرير للجمهورية مع باقي زملائه رؤساء تحرير الجمهورية لمدة عام كاملا بعد رحيله، ولم يحذف إسمه إلا بعد رحيل صديقه (صلاح سالم) في فبراير 1962 .
وليس هذا فقط، ولكن أمر (صلاح سالم) فور وفاة والدي أن تحصل زوجة (إسماعيل الحبروك) وأولاده على معاش وزير، وكان معاشا كبيرا جعلنا نعيش حياة كريمة، هذا ما فعلته معنا ثورة يوليو وبالتحديد (صلاح سالم) وهذه شهادة مني للتاريخ وللأجيال القادمة.