* أول أغنية قمت بتلحينها وغنائها كانت لإذاعة الإسكندرية، بعنوان ( قلبي عليك، روحي في ايديك) وحضر تسجيلها (محمد عبدالوهاب)
* قدمت كل ألوان الغناء، كالقصيدة، والأغنية الطويلة، والقصيرة، والموشح
* قمت بتصعيد (عمر خورشيد ومجدي الحسيني) على المسرح وخطفتهما بعد ذلك (أم كلثوم، وعبدالحليم حافظ)!
* رغم جمال وعظمة صوت (سعاد محمد) لكنني كنت أشعر إنها مطربة تغني ما يعرض عليها فقط!
* خفت من زعل (فايزة أحمد) فلحنت (أوعدك) لسعاد محمد!
* (مشتريكي ما تبيعيش) تعبر عن قصة زعلي من فايزة أحمد، و(أيوه تعبني هواك) أبكت صوت الكروان
حوار أجراه : أحمد السماحي
الطرب واللحن الجميل والموسيقى الرائعة لم تعرف طريقها إلى آذاننا إلا عن طريقه هو وغيره من أساطين الموسيقى المصرية في عصرها الذهبي، هو الموسيقار المبدع سلطان الموسيقي والألحان (محمد سلطان) القابض على هويته المصرية كالقابض على جمرالحقيقة المرة في ميادين التحدي، مستندا في ذلك إلى القوانين الجمالية الراسخة في تراثنا الحضاري.
وعلى الرغم من يقينه الكامل بأن تركيبنا الدماغي يسمح بأن تنقاد مشاعرنا وتصوراتنا طبقاً لما يصادفنا من أعمال موسيقية، وأن تركيبنا المزاجي متغير وغير ثابت، ويختلف من زمن إلى زمن ومن حالة إلى حالة، إلا أن إيمانه الراسخ – كرسوخ أبو الهول وحجارة الأهرامات – فضلا عن بصيرة قوية موحية يؤكدان له بأن الثقافة المصرية الشرقية على مستوى (الحرف واللحن معا) هى الملاذ الأخير لجيل الشباب الحالي، لأنها وحدها – دون سواها – يمكن أن تلعب دورها الحيوى في كيفية التذوق، واكتشاف كوامن الجمال، فنحن عندما نستمع إلى عمل موسيقي قد نحتاج إلى فلسفة جمالية، وفضاءات واسعة نكتشف من خلالها ماهية (الجميل) في فن الموسيقى.
فى (حوار العمر) وقفنا الأسبوع الماضي في الحلقة الأولى عن طفولته، وما الذي ميزها عن غيره من زملائه، وكيف كاد والدته أن تقتله بسبب عشقها للموسيقار (محمد عبدالوهاب)؟!، وكيف قابل قدوته ومثله الأعلى (عبدالوهاب) بالبيجامه، وهو صبي صغير؟!، وغيرها من الأسرار التى اختصنا به، وإليكم الحلقة الثانية.
* مشوار الألف ميل يبدأ بخطوة، هل تذكر أول أغنية قمت بتلحينها؟
** أول أغنية قمت بتلحينها وغنائها كانت لإذاعة الإسكندرية، بعنوان ( قلبي عليك، روحي في ايديك، ياللي انت شاغل أفكاري)، وكان عمري وقتها 16 سنة، وقد كتبها لي (عثمان عبدالرحيم) مدرس اللغة العربية في الثانوية، وحضر تسجيل هذه الأغنية الموسيقار الكبير (محمد عبدالوهاب) الذى قدمني كمطرب وملحن للجمهور، وظلت علاقتي وطيدة بأبي الروحي (محمد عبدالوهاب) حتى وفاته، ولقد قمت يوم وفاته بالنزول إلى مقبرته ووجهت رأسه إلى القبلة.
* ما هى أهم المحطات أو المراحل الفنية التى تعتبرها علامات بارزة في مشوارك الفني؟
** الحمد الله قدمت كل ألوان الغناء، كالقصيدة، والأغنية الطويلة، والقصيرة، والموشح، والأغنية (الفورم) و الموزعة توزيعا حديثا، كل الألوان، وكل أغنية قدمتها، ونجحت مع الناس أعتبرها مرحلة في حياتي، لا أحب أن أذكر أغنيات، فكل الأغنيات التى قدمتها نجحت واستمرت بنفس درجة النجاح حتى الآن، بل ومازالت تتردد بقوة، وقدمت عن ألحاني رسالة ماجستير بعنوان (أسلوب صياغة محمد سلطان لمؤلفاته الغنائية) إعداد (عبدالحليم سامي عبدالحليم رمضان)
* هل صحيح إنك كنت أول من أدخل الجيتار الكهربائي في موسيقانا الشرقية؟
** صحيح تماما وحدث هذا في أغنية (خليكوا شاهدين)، وقمت بتصعيد (عمر خورشيد ومجدي الحسيني) على المسرح مع الفرقة الماسية يعزفان مع فايزة فى الأغنية و(كسرا الدنيا)، وخطفتهما بعد ذلك (أم كلثوم، وعبدالحليم حافظ)، ويومها الأغنية نجحت بقوة، حتى أن فايزة غنتها على مدى ساعة ونصف، والأغنية مدتها الحقيقية (ربع ساعة)، وبعد انتهاء الحفل، اتصل بي الموسيقار (محمد عبدالوهاب) الذى كان يسهر خصيصا يوم حفل (فايزة أحمد)، وهنأني بشدة على اللحن، وقالي: (أنت عملت نقلة مهمة في الموسيقى الشرقية، وفتحت بابا جديدا سيفتح أفاقا جديدة لم تكن موجودة لناس آخرين، وبعملك هذا طمأنتني على مستقبل الغناء فى مصر)، هذه من أكبر الشهادات التى حصلت عليها من أستاذي وقدوتي عبدالوهاب.
* المتابع لأغنياتك مع (فايزة أحمد) يشعر أن وراء صاحبة هذه الحنجرة ثقافة وفهم ووعي، رغم أن الراحلة (فايزة أحمد) كانت تجيد القراءة والكتابة فقط؟
** هذه ملحوظة ذكية، فحبي لـ (فايزة أحمد) كان قويا، ونظرا لحبي للثقافة والمثقفين منذ تخرجي من كلية الحقوق، وأيضا اقترابي من أساتذة كبار مثل (كامل بك الشناوي، أنيس منصور، صالح جودت، يوسف السباعي، يوسف أدريس، محمد عبدالوهاب) وغيرهم، نقلت ثقافتي بدون أن أشعر، وبدون قصد مني لـ (فايزة)، التى كنت أريد لها ألا تتحدث بكلام فارغ!، وأن تتحدث فقط بكل ما هو جميل، لأنها قدوة لبعض الفتيات، لهذا يجب أن تكون حريصة في كلامها وتصرفاتها وملابسها، وحب العمالقة الذين ذكرتهم لك لصوت (فايزة) جعلنا نفتح لهم بيتنا، والحقيقة أننا استفدنا جدا من قربنا وإحتكاكنا بهؤلاء العظماء.
* لحنت لفايزة أحمد كل ألوان الغناء، فقدمت لها الأغنية الكلاسيكية والمودرن والقصيدة والموشح وغيرها من الألوان، هل كان هذا مقصودا؟
** بالتأكيد كان مقصودا، فإيماني الشديد بصوت فايزة، وأنه صوت غير عادي، وسيكون له شأنا كبيرا، جعلني أجرب معها كل الألوان الغنائية، وأذكر أنني بعد زواجي منها مباشرة قلت لها : (تعرفي يا فايزة الحاجة الوحيدة اللي مش عجباني فيكي تخصصك فى الغناء للأسرة وانتي إمكاناتك أكبر من كده بكتير)، واقترحت عليها أن نقدم ونجرب كل ألوان الغناء، ونظرا لحبها الشديد لي أطاعتني طاعة عمياء، وكان لابد أن نتطور مع الزمن.
وفي نفس الوقت نحافظ على أصالتنا ولونا الشرقي، فعندما كانت الأغنية الطويلة هى المسيطرة قدمنا (رسالة من إمرأة، خلينا ننسي، قول لكل الناس، زمان غريب يا زمان، علمتني الدنيا، نقطة الضعف، لقيتك فين، أيوه تعبنى هواك) وغيرها، وعندما انتشرت الشعبيات في نهاية الستينات قدمنا (مال على مال، قاعد معاي، أخد حبيبي، يامه يا هوايا) وغيرها، وأثناء ذلك جربنا الموشح حيث قدمنا (العيوان الكواحل، ويا هلالا)، فضلا عن عشرات الأغنيات القصيرة مثل (اعتراف، الأيام، حبيتك وبداري عليك، بكره تعرف) وغيرها الكثير .
* في أثناء زواجك من المطربة فايزة أحمد لحنت لعدد كبير من المطربين،هل كانت تتضايق من نجاح ألحانك مع الآخرين؟
إطلاقا (عمرها ما اضيقت) بالعكس كانت تسعد جدا بتعاوني ونجاحي مع الآخرين، وليس هذا فقط، فأحيانا كانت تدفعني للتلحين لغيرها، فهى كانت تقدر الفن والموهبة وواثقة من نفسها وموهبتها، فمثلا كانت السبب في تلحيني للمطربة العظيمة (سعاد محمد)، رغم عدم اقتناعي في البداية بالتلحين لها، لكنها أصرت، لإنها كانت تحب صوت (سعاد) جدا، حتى أنها تنازلت لها عن أغنيتها (أوعدك) التى كتبها (مجدي نجيب) خصيصا لفايزة، وكانت تحفظ سعاد كلمات الأغنية معي أثناء التلحين .
* ما سر عدم تحمسك للتلحين لسعاد محمد، رغم أنها واحدة من أقوى وأجمل الأصوات التى مرت فى تاريخ الغناء؟
** رغم جمال وعظمة صوتها لكنني كنت أشعر إنها مطربة تغني ما يعرض عليها فقط، ومن مدرسة فى الأداء تختلف عن مدرستي، فكنت أرى أنها تغني بأسلوب قديم بعض الشيء، وأدائها لا يوجد فيه بريق التطور، وأنا من أنصار المدرسة التعبيرية التى تعنى تطابق الأداء مع الكلمة مع اللحن، حتى يصل كل هذا للمتلقي، ولست من مدرسة استعراض الصوت التى تغني منها (سعاد محمد)، لكن (فايزة) أقنعتني وقالت لي: (أنت هتعملها حاجة ناجحة وتحسسها بالتطور دون أن تجرحها)! وعندما وجدتني كسول بعض الشيئ، ألحت على وقالت: (هزعل منك يا محمد لو لم تلحن لسعاد)! وبالفعل لحنت لها أغنية (أوعدك) التى ما زالت تتردد حتى الآن.
* هل هناك مطربة تمنيت أن تعانق ألحانك حنجرتها؟
**السيدة أم كلثوم، وكاد اللقاء أن يتم بيننا لكن حبي واحترامي لأستاذي محمد عبدالوهاب حال دون ذلك!
* وما علاقة محمد عبدالوهاب بعدم تلحينك لأم كلثوم؟
**ضاحكا: عبدالوهاب له علاقة قوية جدا مع الست، ففى إحدى السنوات أعتقد نهاية الستينات كانت (فايزة أحمد) لديها حفلة، وفي هذه الحفلة غنت أغنيتين جديدتين هما (بصراحة، والأيام)، وبعد عودتنا إلى البيت فوجئنا بالتليفون يرن وإذا السيدة (أم كلثوم) على الخط الآخر، وبعد ترحيبي بها قالت لي: (أعطيني فايزة أباركلها.
وبعد الإشادة بصوتها حيث كانت (أم كلثوم) معجبة جدا بصوت (فايزة)، سألتها مين ملحن أغنية بصراحة؟! قالت لها الأستاذ (عبدالوهاب)، وسألتها من ملحن الأيام؟! فجاوبت: (سلطان)، فأشادت بلحني جدا، وفي نهاية المكالمة قالت لفايزة: (أعطيني سلطان)، ويومها قالت لي: (لازم نتعاون مع بعض، وسأرسل لك غدا كلمات أغنية جديدة كتبها الشاعر (مأمون الشناوي) بعنوان (ودارت الأيام)!.
وبالفعل أرسلت لي الكلام، وبعد مرور أيام علم أستاذي (عبدالوهاب) من الصحف أنني بدأت تلحين أغنية (ودارت الأيام)، فاتصل بي وقال لي: (يا محمد هذه الأغنية عندي من سنة، وأقوم بتلحينها بالفعل لأم كلثوم، لكني تأخرت بعض الوقت فتضايقت الست وأرسلت لك الكلام)!، فقلت له: (خلاص يا أستاذنا اعتبرني من اللحظة دي انسحبت من تلحين الأغنية)، واتصلت بالسيدة (أم كلثوم) واعتذرت لها عن التلحين، وطلبت منها أن ترسل لي كلام آخر، لكن مرت الأيام والشهور والسنين ورحلت دون أن تعانق ألحاني حنجرتها.
* بعد تلحينك لمئات من الأغنيات، ما هى الأغنية التى يبقى لها منزلة خاصة عندك غير (خليكوا شاهدين)؟
** أغنيات كثيرة، لأن كل أغنية لحنتها كنت صادقا فيها، لكن فيه أغنيتين أو ثلاثة لدي ضعف أمامهما وهما (مشتريكي ما تبيعيش) التى قام بغنائها (هاني شاكر)، وقد لحنتها وقت كنت أنا وفايزة على خلاف، وفى هذه الفترة كان بجواري الشاعر (صلاح فايز)، فألتقط الحدث وعبر عنه صادقا، فمستني الأغنية جدا، ولحنتها فور الاستماع إليها، وتعتبر من أسرع الأغنيات التى لحنتها فى مشواري، أما الأغنية الثانية فهي (أيوه تعبني هواك) آخر لقاء بيني وبين فايزة، وكانت فايزة تبكي عند الاستماع إليها، والأغنية الثالثة (بكره تعرف).
…………………………………………………………………………………………..
فى الحلقة القادمة :
محمد سلطان: يتحدث عن نزار قباني، وصالح جودت، وعمر بطيشة، ويحكي عن غنائه مع (فايزة أحمد) في (أعلنت عليك الحب)، وغيرها من الاعترافات المثيرة .. انتظرونا..