بقلم : محمد حبوشة
في أعقاب قمة (العلا) للمصالحة الخليجية وفي حضور مصري، تعهد المسؤولين القطريين لنظرائهم المصريين بتغيير نهج قناة (الجزيرة) ووقف تدخلها في الشؤون الداخلية المصرية وربما الإماراتية والسعودية والبحرينية أيضا، وهو ما شكل وقتها (تطور) قطري كبير، لأن ثلاثة أرباع الخلاف، إن لم يكن كله الذي تفجر خلال سنوات القطيعة بسبب تناولها، أي (الجزيرة) للشون الداخلية وتبني حركات المعارضة في الدول الأربع، وخاصة حركة (الإخوان المسلمين)، لكن مع هذا التعهد لم يتغير نهج الجزيرة حتى الآن رغم الزيارات المكوكية من جانب وزير الخارية القطري لمصر وقبل أكثر من شهرين كانت هنالك زيارة سبقت القمة لرئيس المخابرات القطرية في إطار تدفئة العلاقات بين البلدين.
وفي هذا الوقت – أقصد قبل شهرين من الآن – برزت عدة أسئلة تطرح نفسها في هذا المضمار أبرزها عن المقابل الذي ستحصل عليه قطر بتغييرها لتوجه مدفعيتها الإعلامية الثقيلة، قناة (الجزيرة) وأخواتها، وكذلك تخليها المتوقع عن حركات المعارضة الخليجيّة، والمِصرية، وخاصة حركة (الإخوان المسلمين) والأذرع الإعلامية التابعة لها في تركيا ولندن والدوحة نفسها؟، وأين سيذهب هؤلاء وأسرهم ومحطاتهم ومواقعهم الإعلامية؟ وهل سيتم إغلاق هذه الوسائل بالتّدريج؟.. كلها أسئلة لم يجب عليها النظام القطري حتى الآن، بل أن ذراعها الإعلامي (الجزيرة) لم تتوقف عن الأكاذيب والتدخل في الشأن المصري الداخلي عبر آراء متطرفة سواء كان ذلك من جانب ضيوف مصريين وعرب أوحتى أجانب سمحت الجزيرة لنفسها باستطلاع آرائهم في الشأن المصري.
وظل العداء القطري لمصر مستمرا ولم يتوقف لحظة واحدة، بل بات مفضوحاً لهذه القناة من خلال محاولات الإساءة للنظام المصري، والتشكيك في الإنجازات، ومحاولات بثّ الفتنة بين المصريين، وهى أمور تكاد تكون خبزا يوميا في وسائل الإعلام القطرية، وإذا أضفنا لهذا القصف الإعلامي اليومي، المواقف الدبلوماسية القطرية التي يظهر فيها عمق الخلافات بين الدوحة والقاهرة، فإن مشهد العداء القطري لمصر، يكتمل بتبني الدوحة لأطروحات تيار سياسي محظور في مصر، وبتوجيه الآلة الإعلامية القطرية من أجل استهداف مصر، وضرب استقرارها، والسؤال الذي يطرح هنا، لماذا تعادي إمارة قطر، دولة في حجم مصر؟ وما هي الغايات التي تريد الوصول إليها؟
تلك أسئلة أخرى حائرة تطرح نفسها في ظل تصريحات من جانب مسئولين قطريين حول تدفئة العلاقات بين القاهرة والدوحة، حيث أبدى نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية القطري محمد بن عبدالرحمن آل ثاني سعي بلاده ومصر إلى إعادة تطبيع العلاقات بينهما، بعد انتهاء الأزمة الخليجية، وذكر الوزير القطري، أثناء مؤتمر صحفي مشترك عقده الأربعاء 4 مارس 2021 في القاهرة مع الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، ردا على سؤال عن الاجتماع الثنائي الذي عقده في نفس اليوم مع نظيره المصري سامح شكري: (شهدنا قمة العلا، وكان هناك بيان أنهى الأزمة الخليجية، وكان هناك اجتماع بين وفدين لقطر ومصر، ونحن في دولة قطر والأشقاء في مصر ننظر للأمور بإيجابية ونسعى لعودة الدفء إلى العلاقات بينهما).
وتابع آل ثاني أن لقاءه مع شكري اتسم بالروح الإيجابية والتفاؤل بعودة العلاقات إلى طبيعتها، لكن ليس ثمة تغير واضح من جانب (الجزيرة) التي أشك أنها منفصلة عن القرار السياسي والدبلوماسي القطري الذي يصرح في العلن بعودة العلاقات بينما ذراعه الإعلامي يضرب من تحت الحزام ويتدخل بشكل سافر في الشئون الداخلية المصرية، والدليل على ذلك تصريحات ما يسمى بالخبير الاقتصادي محمد كمال العقدة لقناة (الجزيرة مباشر) اليوم 8 مارس 2021، في تصريحات عدائية لاتبشر بقرب تدفئة العلاقات على الإطلاق، حيث قال: (إن الجيش والشرطة والقضاء هى الفئات التي تحكم مصر حاليا وتجبي الضرائب من المواطنين لصالحها، وردا على سؤال للجزيرة مباشر عن كون فرض المزيد من الضرائب يعد استنزافا لجيوب المصريين، قال العقدة: (الضريبة الجديدة هى استنزاف مستمر لجيوب المصريين على كل المستويات، والنظام المصري مستمر في تحصيل الضرائب ورفعها على كل الطبقات المصرية)، ويبدو أن هذا (العقدة) في حالة إغماء ولا يعلم شيئا عن قرار الرئيس عبد الفتاح السيسي بتأجيل تنفيد التطبيق حتى يونيو 2023، وقد وافق البرلمان على ذلك.
ومع ذلك ذهب (العقدة) بخياله المريض متابعا: لو ننظر إلى التقرير الصادر عن صندوق النقد الدولي في شهر يناير من هذا العام ومصدره وزارة المالية المصرية سنجد أن توقعات نظام السيسي مضاعفة الضرائب على المصريين بنسبة 100% من العام 2019 حتى العام 2025 فهذه خطة مؤسسية موجودة يتحدث عنها النظام المصري بصراحة، وأضاف: (الشيء الآخر بالنسبة لقيمة الضريبة والتي يعتبرها البعض بسيطة انظر إلى كم التذاكر والعقود وغيرها ستجد أنك أمام رقم ضخم جدا، لكن لمحت حقد هذا الأخرق في قوله: (أتعجب من الحديث عن ضحايا الجيش والشرطة، فماذا عن ضحايا السكة الحديد والأطباء الذين قضوا في جائحة كورونا والمدرسين وكل عمال القطاع العام؟)، واختتم حديثه الفج قائلا: لماذا تتميز هذه الفئة؟، لأن هذه الفئة هي التي تحكم مصر حاليا ولابد أن تجبي الضرائب من كل المواطنين لصالحها.
على جانب آخر من أساليب حقد (الجزيرة مباشر) جاءت أول أمس 7 مارس 202، بإمعة الإخوان المخرب فكريا وعقائديا، والذي يدعى حسن نافعة، أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة قائلا في حديث مهزوز: إنه لا يرى أو يتوقع تغييرا في الأوضاع السياسية في مصر، وأشار نافعة في لقاء مع (المسائية) على قناة الجزيرة مباشر إلى أنه لا يرى مظاهر لحدوث انفراجة قريبة للأوضاع داخل مصر، كما لم يلاحظ أي علامة أو إشارة من جانب النظام الحاكم على نيته تغيير الأوضاع في البلاد، وأضاف أن البعض يراهن على حدوث ذلك لكن لا توجد مؤشرات حتى الآن، ولم يستبعد نافعة حدوث تغيير في مصر، قائلا: إنه لا يمكن أن يستمر الوضع في البلاد كما هو عليه الآن، لكنه أشار إلى أنه لا يمكن لأحد توقع موعد حدوث التغيير.
ولأنه مشوش الفكر والعقيدة – كما ذكرت – ففي الوقت الذي لايدري فيه حدوث التغيير -على حد زعمه – طالب (نافعة) باتخاذ النظام الخطوة الأولى والأساسية من أجل حدوث مصالحة مجتمعية عامة في مصر، لأن المشكلة أكبر وأعم من مجرد مشكلة بين النظام الحاكم وبين جماعة الإخوان المسلمين، وقال إن النظام الحاكم سيقدم لنفسه ولمصر خدمة كبرى إذا أجرى هذه المصالحة المجتمعية، وفي تناقض عجيب وغريب من جانبه طالب (نافعة) الرئيس عبد الفتاح السيسي بالإفراج عن كل المعتقلين الذين لم يثبت تورطهم في أي جرم ضد مصر، قائلا : (إما أن تحاكموهم محاكمة عادلة وإما أن تفرجوا عنهم)، وأشار في لغة تميل إلى الاستجداء، إلى أنه لا يتمنى تكرار تجربة الاعتقال، مؤكدا أنه ليس لديه طموح سياسي ولكنه يريد أن يكون مواطنا صالحا وأن يبدي وجهة نظره في قضايا الوطن.
وفي سبيل التزلف والرياء أكد حسن نافعة أنه لا يريد ولا يفكر في العمل في الخارج لأنه مرتبط بتراب الوطن، وتابع: (وحين أختلف مع النظام اختلف معه باحترام كباحث في العلوم السياسية لا كخطيب حزبي)، وزيادة في التملق أعرب نافعة عن رفضه لممارسة ضغوط خارجية على الحكومة المصرية حتى فيما يتعلق بحقوق الإنسان، موضحا أن الخارج حينما يمارس تلك الضغوط يمارسها من أجل مصالحه الخاصة، معربا في الوقت نفسه عن اعتقاده بأن حقوق الانسان تنتزع من الداخل عن طريق حركة حقوقية، وأبدى تقديره للمجهودات التي تبذل في تطوير البنية التحتية، لكنه في التواء واضح قال: إنه يعتقد أن ثمة أولويات أخرى مطلوبة وملحة بدلا من مشروعات مثل العاصمة الإدارية الجديدة.
ولم تسلم الدراما التليفزيونية من أنياب ومخالب (الجزيرة مباشر) من خلال إسقاط على الشأن الداخلي المصري في محاولة لاختلاق أزمة أو إحداث بلبلة، فقد ذهبت القناة الكذوب بخيالها المريض إلى القول بأن إعلان مسلسل (القاهرة كابول) أثار ضجة كبرى على وسائل التواصل الاجتماعي في مصر بعدما كشف المنتج تامر مرسي عن الملصق الدعائي الرسمي للمسلسل، وتصدر الملصق بطل العمل الممثل طارق لطفي الذي غاب عن الساحة الفنية لأربع سنوات، وظهر بصورة تشبه ملامح الزعيم السابق لتنظيم القاعدة أسامة بن لادن، الأمر الذي أثار جدلا واسعا وفتح باب التكهنات بشأن العمل المقرر عرضه في الموسم الدرامي لرمضان هذا العام، وظهر طارق لطفي بلحية طويلة وزي أشبهه بالزي الأفغاني، حتى وصفه المغردون بأنه نسخة من بن لادن، وفي اتجاه واضح من جانبها راحت القناة نحو دفة الدفاع عن (أسامة بن لادن) وكأنها من بقية أهله قائلة : كثرت المزاعم والتكهنات عبر منصات التواصل بأن المسلسل سوف يشمل في أحداثه حياة بن لادن، ولعل مما زاد من تلك التكهنات هو اسم المسلسل، إذ إن (كابول) هى عاصمة أفغانستان حيث كان مقر تنظيم القاعدة وزعيمه السابق بن لادن، مما جعل ناشطي مواقع التواصل يتساءلون عن الأمر وإن كان المسلسل له علاقة بتنظيم القاعدة.
وعزفا على أوتار مقطوعة في لحن نشاز قالت (الجزيرة مباشر) أيضا : بعيدا عن بن لادن، أشار ناشطون في مناسبات سابقة – بحسب زعمها الذي لايستند إلى أيه وثائق في هذا الشأن – إلى رفضهم التام للربط بين صورة (الإرهابي) والرجل الملتحي، لافتين إلى أن الأحداث الإرهابية حول العالم قادها متطرفون من جنسيات وأديان مختلفة وليس لهم أي علاقة بالإسلام، وفي اختلاق واضح قالت: إن الضجة حول المسلسل لم تقتصر فقط على المنصات المصرية، فقد علقت صفحة أفغانستان بالعربية بفيسبوك، على الملصق الدعائي للمسلسل بالقول (أفغانستان تحاول الآن بكل ما لديها أن تفتح صفحة جديدة، ولكن يؤسفنا أن إخواننا العرب يصرون بلصق اسم (الإرهاب) مع أفغانستان حتى تعشش ذلك في أذهان شعوبهم)، وتابعت المنصة المهتمة بتصحيح سمعة أفغانستان – بحسب زعم القناة – (نوجه رسالتنا إلى الإخوة المصريين، بأن تشاركوا رسالتنا بقدر استطاعتكم حتى تصل أصواتنا للقائمين بهذا العمل السينمائي ليعرفوا أنهم يظلمون إخوتهم الأفغان بأبشع الصور!) .. والحقيقة أن الجزيرة مباشر هى من تقوم بتشويه الصورة مستهدفة الجبهة الداخلية المصرية.
أما كبيرة الأسافي فهى ما قال الصحفي المصري المأفون سليم عزوز، أول أمس 6 مارس 2021: (إن تغوّل نظام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على الإعلام، واستحواذه على قناة المحور الفضائية وصحيفة المصري اليوم يأتي في سياق الخوف من مصير الرئيس الأسبق حسني مبارك، وأكد هذا المشوش – عزوز – في حديثه لبرنامج المسائية على شاشة الجزيرة مباشر- أن القبض على صلاح دياب – المالك الأول لصحيفة (المصري اليوم) – لمرتين لم يكن إلا لإجباره على الخضوع وبيع الصحيفة – ولست أدري من أي مصدر يستند لهذا الهراء – وذهب ذهب بعشوائيته المعهودة قائلا: بالرغم من أن الإعلام في قبضة السيسي ونظامه العسكري، إلا أن السيسي يخشى من تغيّر المشهد السياسي، وانطلاقًا من مبدأ (لو تغيرت الظروف)؛ فإنه يتخوّف من عاقبة تراخي قبضته على الحياة الصحفية والسياسية.
وهنا أطالب وزارة الإعلام، والمجلس الأعلى للإعلام، والهيئتين الوطنية للإعلام والوطنية للصحافة، والهيئة العامة للاستعلامات، بالإفاقة من غفوتهم جميعا، وذلك بالعودة لقرارات (قمة العلا) وتفعيل ميثاق الشرف الإعلامي بهذا الصدد من ناحية، ومن ناحية أخرى ضرورة التصدي لتلك القناة، استنادا إلى تعهدات المسئولين القطريين في أعقاب المصالحة الخليجية يناير الماضي بشأن التزام الحيادية والبعد عن التدخل في الشأن الداخلي المصري والسعودي والإماراتي والبحريني، تأكيدا لمبدأ الشفافية، وأيضا في إطار تدفئة العلاقات بين القاهرة والدوحة التي تتدعى القيادة القطرية بضرورة التمسك بها .. أشك في تلك النوايا.