نكسة يونيو تنهي أجمل غرام بين (برلنتي عبدالحميد) وعبدالحكيم عامر
* يوم عقد القران سأل المشير (برلنتي عبدالحميد) عن حال ثلاجتها الفارغة!
* كانت هدية عبدالحكيم عامر للنجمة الشهيرة متواضعة جدا وعبارة عن سوار من الذهب
* كان (عامر) وإخوته يشاركون الملايين من أبناء مصر والأمة العربية عشقهم الشديد لصوت أم كلثوم
* كانت شرفة الشاليه هى سلواها الوحيدة حتى تسمع أجمل لحن حفظته أذناها صوت المفتاح يديره (المشير) فى كالون الباب
كتب : أحمد السماحي
انتصف ليل القاهرة، وهدأت شوارعها، في الواحدة صباحا تحركت سيارة المشير (عبدالحكيم عامر) فى مهمة غير رسمية، لكنها كانت أحب مهمة إلى قلب القائد الكبير، وتحركت فى نفس اللحظة سيارة النجمة السينمائية الشهيرة (برلنتي عبدالحميد)، لم تكن في طريقها إلى الاستديو، ولم يكن لديها سيناريو سينمائي وحوار تحفظهما، فالمهمة التى تتجه إليها لا علاقة لها بالتمثيل من قريب أو بعيد.
المشاهد حقيقية لا تصورها كاميرا ولا يقودها مخرج لكنها قصة حب اعتبرها كبار المسئولين في الدولة أخطر قصة حب تهدد الأمن القومي للبلاد، أمام أحد الشاليهات فى منطقة الهرم توقفت السيارتان، غادر (المشير) سيارته بسرعة، وغادرت (برلنتي عبدالحميد) سيارتها في لهفة، تبادلا نظرة طويلة – كما يصفها الكاتب الصحفي محمد رجب فى قصته غرام الجنرال – سار القائد والنجمة على قدميهما يتبادلان همسا تعجز أجهزة التصنت عن التقاطه، وفجأة أطلقا ضحكه مدوية كادت تقلق نوم الفراعنة!، بعدها دخلا معا من باب الشالية ليختفيا معا عن كل الأبصار التى يمكن أن تكون مشغولة بمراقبتهما.
فى الحلقة الماضية توقفنا عند الاختبارات الكثيرة التى أجريت على الفنانة (برلنتي عبدالحميد) لمعرفة سلوكها الشخصي، وغضب النجمة السينمائية من هذه الاختبارات، ومقابلة (عبدالحكيم عامر) للرئيس (جمال عبدالناصر)، ونظرا لحساسية هذا الغرام فقد رجعنا في سردنا لهذه القصة الغرامية إلى موضوع (غرام الجنرال) للكاتب الصحفي (محمد رجب)، وإلى النجمة (برلنتي عبدالحميد) نفسها التى روت قصة تعارفها بالمشير من خلال كتابين أصدراتهما الأول (المشير وأنا) والثاني (الطريق إلى قدري… إلى عامر)، فضلا عن حوارها مع الإعلامي المتميز صاحب الانفرادات الإعلامية الكثيرة (عمرو الليثي) الذي استضافها في برنامجه (واحد من الناس)، وحكت فى حلقة ممتعة للغاية كل شيئ منذ بداية تعارفها بالمشير، حتى التشكيك في وفاته!، وسيقتصر دورنا على توثيق المعلومات الفنية، وبعض الخيال في الوصف والمواقف التى تتحمل هذا.
عقد القران وأسوار الذهب
تم عقد قران (برلنتي عبدالحميد) على المشير عبدالحكيم عامر فى شقة النجمة بالعجوزة، وشهد عليه شقيقا المشير وهما المهندس (حسن) وشقيقه الثاني (مصطفى)، وتقول الفنانة (برلنتي عبدالحميد) فى كتابها (الطريق إلى قدري) عن حفل عقد القران : جاء المشير إلى منزلنا وكان يفيض حيوية وبشرا ومرحا، وبدا أنيقا مهندما، وكان فى صحبته شقيقاه ورجلان آخران هما فى الغالب من حراسه.
فى تلك الليلة كان المشير يتصرف بتلقائية ويتحرك فى البيت ببساطة، وإذا أراد شيئا من طعام أو شراب لم يطلبه من أحد، وإنما قام وأتى به بنفسه، وسألني مازحا كيف حال ثلاجتك الفارغة، ونظر إلى أحد أخويه مازحا: كل اللي عندها أكل خواجاتي، وبدا لي الإخوة الثلاثة متحابين متفاهمين.
وفى منتصف السهرة فاجأني (المشير) بأن قدم لي سوارا ذهبيا بسيطا، وكان لدى طقم من الذهب المرصع بالماس اشتريته من سنوات، فلما ألبسني (المشير) سواره الذهبي بدا فقيرا منطفئ بجوار الأساور المرصعة بالماس، مما اضطرني ذلك لخلع طقمي الذهبي، والاكتفاء بهديته التى أبقيتها في يدي، دبلة وسوار ذهبي متواضع هى كل شبكتي أنا نجمة السينما!، وكان الكل سعيد سواء من أهلي أو أهله وصوت أم كلثوم يملأ المكان ببهجته المميزة، فقد كان (عبدالحكيم) وإخوته يشاركون الملايين من أبناء مصر والأمة العربية عشقهم الشديد لصوت أم كلثوم.
شالية بدون أثاث
بعد انتهاء عقد القران طلب المشير من زوجته أن يتقابلا فى شاليه الهرم للاحتفال بالزواج، وفوجئت العروس بأن الشالية فقيرا، فقد وقعت عيناها على مرتبة من القطن تتوسط الحجرة وإلى جوارها عدة مقاعد وجهاز راديو صغير، صرخت الأنثى داخلها هل هذا الشالية يليق بنجمة السينما الشهيرة التى يحلم بجمالها آلاف المعجبين، هل يكون عش زوجيتها بلا سرير ودولاب كأي فلاحة بالريف المصري؟! لمح المشير – كما يصف محمد رجب فى موضوعه غرام الجنرال – دموع في عيون عروسه، ولم تكن هذه الدموع من فرط سعادتها، حتى لو كان زوجها قيصر أو نابليون!
كينج مريوط
اقترب (المشير) من عروسه وهمس قائلا : لم أشأ أن أوثث بيت الزوجية بمفردي، أمامك وقت كاف لتؤثثي عشك كما تشاءين، وكلي ثقة فى لمسات الجمال التى ستتركها بصماتك هنا لتحوله إلى جنة، ولأن النجمة الحسناء كانت فى حالة حب فقد أرضتها كلماته، بل عانقته، كأنها تحميه من يد الزمن كيلا تخطفه منها، قالت له وهى تقسم بحبها أن هذا الشاليه المليئ بذكرياتهما التى ولدت فيه تفوق قيمته (قصر عابدين)، لكنها اقترحت عليه أن يعيشا شهر العسل في شقتها (بكينج مريوط) وافق المشير، وفى لحظات أعدت الحقائب وأنطلقت السيارة إلى كينج مريوط.
اعتزال وأربعة جدران
مرت الأيام والشهور سريعا ورغم حالة الحرمان المادي والأدبي والفني التى عاشتها (برلنتي عبدالحميد) وابتعادها عن الفن وزملائها لكنها كانت سعيدة، بالأمس كانت تملأ الدنيا أخبارا وضجيجا، واليوم تعيش بين أربعة جدران ليس في حياتها سوى رجل واحد، وهى التى كان يحيط بها عشرات الرجال، بالأمس كانت تستعرض فى الحفلات العامة والمنتديات والمقابلات الصحفية بملابسها المستوردة من أوروبا، واليوم تقضي نهارها وهى ترتدي قميص المنزل تطبخ وتغسل وتستعد للقاء زوجها.
بالأمس كانت تذهب لعشرات المواعيد، واليوم لم يعد في حياتها سوى موعد واحد، يتكرر كل يوم، بنفس الشوق، بنفس اللهفة، بنفس الحب، موعد حضور المشير.
أجمل لحن
خلال شهور قليلة أبدعت (برلنتي عبدالحميد) فى تأثيث شاليه الهرم، وكانت شرفة الشاليه هى سلواها الوحيدة حتى تسمع أجمل لحن حفظته أذناها صوت المفتاح يديره (المشير) فى كالون الباب يعلن عن حضوره، لحظتها يذوب الاثنان في عناق تهون من أجله كل متاعب الحياة.
نفيسة حامل
أكدت الأيام للجميع أن العلاقة لم تكن مجرد نزوة أطفئها الزواج، كل يوم يمضي كان يؤكد أن الزواج لم يكن سوى مرحلة من مراحل الحب الكبير، أحيانا يداعبها فيناديها باسمها الحقيقي (نفيسة) فإذا بكلماته فى أذنيها أنشوده تتمنى أن تسمعها العمر كله.
في أحد الأيام وهما في عش حبهما أخبرته بأجمل خبر يمكن أن يسمعه رجل في حياته، أخبرته أنها حامل، ومرت شهور الحمل بسرعة شديدة وأنجبت نجمة السينما للمشير ابنه (عمرو) وفور ولادته كشرت الدنيا عن أنيابها، وقع ما كانت تخشاه (برلنتي) كانت لا تخشى على سعادتها إلا من الزمن فتدخل الزمن وحرم العاشقين من جنة حبهما!.
هزيمة يونيو
وقعت هزيمة يونيو النكراء واهتزت شعبية عبدالناصر الذي بدأ البساط ينسحب من تحت قدميه، وتوالت الأحداث السياسية عاصفة، فقرر (عبدالناصر) التنحي، وبعد عدوله عن التنحي بناء على رغبة الشعب المصري أحال رجال المشير وضباط الجيش المقربيين منه إلى الاستيداع، ثم أعلنت أجهزة الإعلام عن تعيين الفريق أول (محمد فوزي) وزيرا للحربية وقائدا عاما للقوات المسلحة، وأثناء ذلك سافر (المشير) إلى قريته (أسطال) بالمنيا، وهرول إليه كبار قادة الجيش يطالبونه بالعودة مهما كان الثمن وتكهرب الجو السياسي في مصر، وانطلقت الشائعات لتقضي على سيرة (المشير) وسمعته بين الناس.
مكالمة الوداع
أثناء ذلك كانت (برلنتي) تتابع بلهفة الأخبار فى الإذاعة والتليفزيون، وتقرأ الصحف كلمة كلمة، تحجرت الدموع في عينيها، كانت تحمل رضيعها بين يديها وتنظر إلى صورة زوجها وهى تشعر بالخطر يحيط بها، وفى هذه الأوقات العصيبة لم ينس المشير (برلنتي) التى أصبحت أما منذ شهور، فاتصل بها تليفونيا، فبكت بشدة عندما سمعت صوته، كان متسرعا وهو يحكي معها، صوته يكاد يختنق لم تدري النجمة أنها المكالمة الأخيرة مكالمة الوداع الذي قال لها فيها باقتضاب : خدي بالك من نفسك ومن عمرو، وطول ما معاك عمرو يعني أنا معاك!.
انقبض قلب الزوجة الحبيبة لكنها قبل أن ترد عليه انغلق الخط، بعدها بأيام أعلن عن انتحار المشير (عبدالحكيم عامر) لتنتهي بذلك أجمل قصة غرام بين الفن والسياسة.