رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

سلوى عثمان .. براعة فائقة في الأداء التراجيدي

أجادت لعب كل الأدوار بحرفية

كتبت : سدرة محمد

الفيصل فى تميز الأداء التمثيلى لأى ممثل، هو نجاحه فى تحقيق حالة من الدهشة لدى المتفرج، وأن يظهر له من خلال شخصية لم يكن يتوقعه بها، أو يقدم مساحات متميزة فى الأداء أو تناولا مختلفا للشخصية التى يقدمها، وبناء على ذلك يمكن أن يتم حساب ذلك الدور أو تلك الشخصية فى سجل الفنان وتاريخه، وتكمن موهبة الممثل في القدرة على عرض المشاعر وتقمص الأدوار، إلى جانب دراسة التمثيل والتدريب والممارسة، وهذا يزيد فرصته بأن يصبح ممثلًا بارعًا ورائدًا في هذا المجال، ولكن ذلك مرهون بعدم الاصطناع بشكل واضح، فوفقًا للمخرج والمشرف الفني ماركوس: إن أداء الدور بعيدًا عن الاصطناع أمر مفروغ منه، ولكن التميز يكمن باستطاعة الممثل على مفاجأة الجمهور بردود فعله وعدم قدرة المشاهد على التنبؤ بما سيقوم به. 

وتعد من أصعب المهارات المتوقعة من الممثل، هى المقصود بها القدرة على الانكشاف العاطفي أو كما يسميه البعض (التعري العاطفي)، حيث يقوم الممثل بعرض مشاعره الإنسانية بشكلها الحقيقي في موقف درامي ما ضمن القصة التي يمثلها، إذ يكمن سبب ضعف الأداء لدى العديد من الأشخاص في هذه النقطة التي تتميز بها الفنانة (سلوى عثمان) التي ظلت (في دائرة الضوء) طوال الأيام الماضية في أثناء عرض مسلسل (لؤلؤ)، والذي برعت فيه من خلال دور الأم، والحقيقة أن سلوى عثمان في دائرة الضوء منذ فترة طويلة من خلال دورها الرائع في مسلسل (سجن النساء) الذي فجر طاقتها التمثيلية لتتألق في أعمال أخرى بعده مثل (البرنس، خيانة عهد، لؤلؤ) وغيرها من أعمال تؤكد موهبتها الحقيقية في التمثيل، وهى في هذا تملك ميزة خاصة في استخدام شتى اللغات أو اللهجات ببراعة، كما أنها من الممثلين الجيدين الذين يعملون على تدريب حنجرتها ولسانها على أداء أكبر عدد ممكن من هذه الأصوات، خصوصا أن الصوت أداة رئيسية في مهنة التمثيل، وبالتالي القدرة على التحكم بالصوت تعني القدرة على ضبط إيقاع كلمات النص بما يناسب اللحظة الدرامية لكل منها.

في حديث تليفزيوني تبدو أقرب لنا جميعا

ويبدو لي أن (سلوى عثمان) لا تلجأ إلى تصنع أدوارها عوضا عن تقمصها بشكل جيد، بل هى تقوم بتمثيل الدور كما تراه من دون تطبيق أي من نظريات التمثيل، وأشهرها نظرية ستانسلافسكي، وهى نظرية تحتوي على مجموعة من التقنيات التي تساعد الممثل على الانتقال بوعيه إلى الشخصية التي يؤديها، وبالتالي تفعيل أفكار وأحاسيس وانفعالات الشخصية عوضا عن مشاعره الشخصية، وبالتالي عند تأدية الممثل لدوره وفقًا لمزاجه الخاص، سيجبر نفسه على تمثيل انفعالات الشخصية عندما لا يكون بالمزاج الحقيقي لها، مما يجعل انفعالاته تبدو مزيفة ومصطنعة، لذا فقد علقت (سلوى) في أذهان الناس بتجسيدها دور الأم الفقيرة والمغلوبة على أمرها، رغم أنها لم تجرب مشاعر الأمومة في حياتها الشخصية.

وهى على يبدو تتبع نظرية قسطنطين ستانسلافسكي أبو الأداء التمثيلي الحديث، والتي تعتمد على أن التمثيل على فكرة يعني أن الممثل الناجح يقوم بعمل الفعل المطلوب منه بشكل تلقائي، ولا يتظاهر بأنه يقوم بعمله، وبمعني آخر: فإن الممثل الجيد يتصرف علي نحو غريزي أثناء الأداء، كما لو أنه يقوم به للمرة الأولي ، وفي هذا تستخدم (سلوى) تكنيك خاص في التركيز في الأداء بحيث  تبدو الشخصيات التي تلعبها واقعية وكأنها تعيش حياة داخلية متصلة من المشاعر والأحاسيس والأفكار التي تكمن خلف جمل الحوار، ويخلق هذا إحساساً بأن تصرفات هذه الشخصيات تلقائية، لذا يجب أن يعتمد الممثل على المشاعر أكثر من العقل حتى تكون النتيجة طبيعية، ومن ثم تكون العملية التمثيلية عند (سلوى) أسهل حيث لا تكون هناك حاجة للتفكير في الحركة القادمة التي سوف تقوم بها بشكل تلقائي.

ومن خلال متابعتي الدقيقة لأداء (سلوى عثمان) لاحظت أن تعتمد على  الذاكرة الانفعالية التي يعتبرها ستانسلافسكي رائد استخدام الذاكرة الانفعالية في تحضير الممثل هى القدرة على استدعاء الخبرات السابقة المشابهة للموقف الذي يعبر عنه المشهد، ولعلك إذا راقبت أدائها في كثير من الأدوار ستجد أنه إذا كان الموقف في المشهد يستدعي الخجل فهى تحاول استدعاء موقف من حياتها شعرت فيه بالخجل، قبل أن تبدأ في التمثيل، ثم تدخل في المشهد وهى تحمل هذه الشحنة الشعورية، لهذا  تصل إلي مرحلة الصدق الذي يعد بمثابة الجسر الذي يربط بين الممثل والشخصية التي يقوم بأدائها، فالحوار ينساب مع مشاعر الشخصية كما ينساب قارب في نهر يفيض بالمشاعر الصادقة.

في شبابها تتمتع بابتسامة رقيقة

ولدت سلوى عثمان بملامحها الشرقية القريبة إلى قلوب المشاهدين في محافظة الإسكندرية، وهي ابنة الفنان القدير (عثمان محمد على) الذي كانت بدايته في العمل كمستشار لغوي في كلية الإعلام يقوم بتصحيح النطق للفنانين في لغة الحوار الخاصة بالعمل، وبعد ذلك انتقل ليعمل كمفتش أول التربية المسرحية، وفي ذلك التوقيت كانت سلوى مازالت صغيرة ولكن كانت لها تطلعات  فنية كبيرة، ولعلنا لاحظنا هذا من خلال مشاركتها في العديد من الحفلات المسرحية آنذاك التي كان يشرف عليها والدها على مسرح  الشبان المسلمين في محافظة الإسكندرية، وكان ذلك في سن صغيرة جدا لها حيث كانت تبلغ من العمر وقتها فقط 8 سنوات.

ولاحظ والدي سلوى حبها الكبير في تقليد للممثلين وأنها محبة الغناء والرقص منذ طفولتها وكان لوالدتها علاقة أيضاً بالعمل في المجال الفني ولكن ليست كممثلة بل كانت تعمل في معهد الفنون المسرحية وتعرفت على الفنان عثمان محمد على وتزوجته، وكان ثمرة زواجهم هى الفنانة القديرة سلوى عثمان بالإضافة إلى أخ يعمل كمهندس مدني، ونظرا لوجود سلوى عثمان في أسرة فنية كان سبب كبير في نجاحها أثناء مشوارها الفني، وساعد ذلك أيضاً على فتح أبواب الفن لها سريعا ولكنها سرعان ما أثبتت نجاحها وخرجت  من جلباب أبيها.

دور إمرأة شعبية

بدأت سلوى عثمان حياتها الفعلية في سن 17 عام في أول محطة لها في مجال الإذاعة الصوتية آنذاك، وبعد ذلك وعن طريق الصدفة اكتشفها المخرج والفنان المتألق نور الدمرداش، الذي كان على علاقة صداقة بوالديها خلال دراستهم بالمعهد العالي للفنون المسرحية، وتمكنت حينها من اجتياز أول تجربة لها في العمل الفني أمام الشاشة الصغيرة، وجاءت أول مشاركة لها طلت فيها علينا بروحها الجميلة وخفة ظلها وهدوء جمالها وروعة بسمتها في مسلسل يحمل اسم (زغاريد في غرفة الأحزان) في عام 1978، وكانت المسلسلات في تلك الحقبة لا تتجاوز خمسة عشر حلقة، وبعد نجاحها في هذا المسلسل توجهت إلى استكمال دراستها في كلية الآداب قسم اللغة الإنجليزية وتخرجت بعد أربع سنوات بتقدير عام امتياز، وجاءت لها فرصة العمل كمعيدة بالجامعة ولكنه فضلت المجال التمثيل وقتها نظراً لحبها الشديد للفن.

شاركت الفنانة القديرة سلوى عثمان في عدد لا حصر له من أهم أعمال الدراما المصرية ولها أدوار هامة أثرت في قلوب الجماهير وكانت علامة بارزة في تاريخها الفني، ولعل من أبرز تلك المسلسلات الشهيرة التي شاركت فيها مسلسل (المال والبنون) الذي كان يضم مجموعة كبيرة نجوم الفن فجاءت لها الفرصة الذهبية للعمل مع الفنان القدير حسين فهمي و زيزي البدراوي، وبالمشاركة مع الفنان سعد أردش و جمال إسماعيل و روجينا ، حيث لعبت دور (سيدة) زوجة هادي الجيار الذي كان يؤدي دور منعم عباس الضو، وبعد ذلك شاركت في قائمة كبيرة من أعمال الشاشة الصغيرة الأخرى مثل مسلسل (غوايش) بالاشتراك مع فاروق الفيشاوي وصفاء أبو السعود والقديرة أمينة رزق، ومسلسل (عائلة شلش) مع الفنان صلاح ذوالفقار والنجمة ليلى طاهر، ويعتبر عام 2014 بالنسبة لها نقلة نوعية كبرى حيث شاركت خلاله في مسلسلي (سجن النسا، والوصايا السبع) الذي قدم شكلا دراميا جديدا على الدراما المصرية، لتتوالى عليها العروض الفنية الهامة مثل (الزيبق، أفراح القبة، بين السرايات، ولد الغلابة و زلزال).

في مسلسل لؤلؤ
مع يسرا في (خيانة عهد)

ونلاحظ أنه على الرغم من إنها لم تحصل على دور بطولة في تلك الأعمال، إلا أن أدوارها كان لها صدى ومكانة كبيرة ساهمت في نجاحها وبمرور السنوات تطل علينا سلوى عثمان من جديد بأدوار في شخصية الأم التي جسدتها بمهارة وحرفية كبيرة على الرغم من إنها في الحقيقة لا يوجد لديه أبناء، وأبرز أعمالها الحديثة كان مسلسل (البرنس) مع محمد رمضان وكانت تجسد فيه شخصية زوجة الأب والفنان أحمد زاهر ورحاب الجمل، وجاء مشهد صراخها واعتراضها على محاولة قتل (رضوان البرنس) الذي تصدر الترند لأيام كثيرة معبرا عن صدمتها كأم في أولادها من قتلهم لأخيهم وزوجته وأولاده، فكانت مشاعرها تجمع مابين غضب الأم من هذه الجريمة وخوفها على أولادها من العقاب وقد صرحت أنها عملت كثيراً وتدربت حتى يظهر لنا هذا المشهد بكل تلك الواقعية والمشاعر الحقيقة.

في مسلس (أيوب)

وجسدت سلوى عثمان أيضا في مسلسل (أيوب) أيضا دور العمة حاملة الهم الطيبة الخدومة التي فتحت بيتها لاستقبال زوجة ابن أخيها التي كانت تجسدها مريهان حسين بعد سجنه على الرغم من معيشتها في حارة شعبية بسيطة إلا أنها استقبلتها بكل حب ومن بعدها ابنه أخيها بعد طلاقها من زوجها، وأيضا في مسلسل (ترويض الشرسة) لعبت دور (هالة) التي تمكنت من الإيقاع بمديرها الذي كان يجسد شخصيته الفنان حسن مصطفى والزواج منه دون علم زوجته ظناً منها أنه غني، وبعد ذلك تصدم من موقفه المالي وتطلب الطلاق وتأخذ كامل مستحقاتها من ابنه الشاب الفنان أحمد شاكر.

كان للفنانة سلوى عثمان، مشاركة قليلة في العمل المسرحي حيث شاركت فقط في ثلاثة أعمال مسرحية طوال مشوارها الفني أولهم كان مسرحية (مع خالص تحياتي – 1980) بدور سهام ولبعد مرور الكثير من الأعوام تقف مرة أخرى على خشبة المسرح من خلال مسرحية (زكي في الوزارة – 2008) من تأليف لينين الرملي وإخراج عصام السيد ، وكان الإخراج التليفزيوني أحمد صقر وشاركها البطولة مع كلً من حسين فهمي وبيومي فؤاد وعزت العلايلي  وخليل مرسي وسامي مغاوري ونخبة أخرى من الفنانين، فضلا عن مسرحية (محدش يقدر عليهم) مع وحيد سيف ومحمود الجندي وأشرف عبد الباقي ومحمد هنيدي.

على مستوى السينما، شاركت سلوى عثمان، في عدة أعمال سينمائية ناجحة على سبيل المثال وليس الحصر فيلم (الحب بين قوسين 93 بشخصية  زينات، مخالب امرأة بشخصية نوال، رسالة إلى الوالي بدور منال أخت إيناس التي جسدتها الفنانة يسرا بالاشتراك مع الزعيم عادل إمام، ملف في الآداب – 85 في دور رجاء، هيستريا بدور زينات – 98، ليلة ساخنة – 96، صرخة ندم – 88، الجمالية – 80 ، بهاريز – 2000 ، الخطر – 90،  صعيدي رايح جاي مع هاني رمزي، الألماني  – 2012، عمارة يعقوبيان للمرة الثانية مع الزعيم عام 2006.

على منصة التتويج تتلقى جائزة

وفي النهاية نقدم تحية تقدير واحترام من بوابة (شهريار النجوم) للفنانة الرائعة والمتألقة في قلب الدراما المصرية (سلوى عثمان)، التي قدمت مسيرة من الإبداع الحقيقي الذي يستند إلى موهبة فائقة الجودة في الأداء التراجيدي والكوميدي الخفيف، عبر أعمال اتسمت بالجدية والبراعة في الاختيار.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.