مجدي وهبة.. الشريرالذى وصل للعالمية بفضل (شاهين)!
* نور الدمرداش اكتشف موهبته وأشرف فهمي أعطاه أحلى أدواره
* منال وهبه: أبي كان رومانسيا و ويتقي ربنا فى أهل بيته
* فريدة وهبه: شقيقي تعرض لظلم شديدا وكان بارا بأسرته
* حازم وهبه: آخر مكالمة أجراها عمي كانت لمصطفى أمين
* عبدالغني دواد: صورته فى الأفلام أعمق حضورا من النجوم
كتب : أحمد السماحي
اليوم موعدنا مع نجم ظلم نفسه، وظلم موهبته، بسلوكه الشخصي، لكن بعيدا عن هذا الظلم الشخصي، يهمنا أن نتوقف عند فنه، فعندما يذكر اسم الفنان (مجدي وهبة) يتبادر إلى أذهاننا على الفور صورة ذلك الرجل ذو الملامح الحادة القاسية، التى أعتاد الجمهور منه أن يجسد دور الشرير على شاشة السينما المصرية، فهو (مراد الشرير) تاجر المخدرات الذى يجعل زوجة الضابط الذى يطارده مدمنة مخدرات، ولا يكتفي عند ذلك فيقوم باغتصابها فى فيلم (الوحل) إخراج (علي عبدالخالق)، وهو أيضا (أحمد عاصم) ضابط الشرطة المنحرف السلوك فى فيلم (أبناء وقتلة) للمخرج عاطف الطيب.
وهو (خيري) المسجل الخطر الذى يقتل الأبرياء بلا رحمه فى فيلم (حنفي الأبهة)، وغيرها من أدوار الشر التى كتبت اسمه من نور فى سجلات السينما المصرية، والمثير للدهشة أن بدايات (مجدي وهبه) السينمائية كانت على النقيض تماما من هذه الأدوار، ففي أول أفلامه (ليل وقضبان) للمخرج (أشرف فهمي) أمام العملاق (محمود مرسي) كان يقوم بدور ضابط يتعاطف مع المساجين ويسمع لهم، إلا أن النجاح الذى صاحب هذا الفنان الجميل عندما قدم أدوار الشر جعل المخرجيين يحصرونه فى تقديم دور الشرير لسنوات عديدة، حيث وجدوا أنه الأصلح والأجدر من أبناء جيله، وعلى الرغم من ذلك يرى كثير من الناقد أن (مجدي وهبة) لم يكن محظوظا، فقد كانت لديه طاقات فنية أخرى لم تستغل !
قدم الفنان الراحل (مجدي وهبه) عشرات الأدوار في السينما والتليفزيون والمسرح، ولكنه فى أحد حواراته التليفزيونية الشهيرة يعترف أن المرحلة الأولي من حياته التي كان يقدم فيها شخصية الشاب الوسيم كانت بطاقة تعارف بينه وبين الجمهور، وكانت بلا قيمة وإن كانت محببه له، وحققت له الشهرة والمجد والثراء، أما أهم الأفلام من وجهة نظره فهي التي جسد فيها أدوار الشرأو الشخصيات المعقدة.
بداية صعبة
توفي مجدي وهو فى عز شبابه حيث رحل وعمره 46 عاما فقط، حيث إنه من مواليد (1944- 1990)، ورغم كل ما حققه من شهرة إلا أنه كان يريد أن تسمح له الظروف بالعمل حتي آخر نفس، حيث إنه كان عاشقا لعمله، وربما يرجع ذلك إلى أنه عانى كثيرا فى بداياته لدرجة أنه بعد تخرجه من المعهد العالي للفنون عام 1967 ظل أربع سنوات بدون عمل، وأثناء ذلك كان يتردد على مكاتب المنتجين إلا إنهم رفضوا أن يسندوا إليه أي دور، حيث كانت الأفلام قليلة جدا بعد نكسة 67 وقاصرة على أسماء بعينها من النجوم.
وكان أكثر ما يحزنه عندما كان يقول له البعض: (خليني أشوف وشك كل يوم)، حيث كان يشعر بالإهانة، ورفض (مجدي) أن يقوم بأدوار تافه أو لا ترضي طموحه ودراسته، حيث إنه كان عاشقا للتمثيل منذ طفولته، ونظرا لوسامته الشديدة وهو طفل كانت المدرسات فى مدارس محافظة (بني سويف) التى عاش فيها طفولته وصباه يحبونه، ويقمن بإشركه فى جميع أنشطة المدرسة، من هذه الأنشطة فريق التمثيل حيث قام بالعديد من مسرحيات المدرسة، لدرجة أنه بعد حصوله على الثانوية العامة لم يفكر فى دراسة أي شيئ آخر غير التمثيل، فالتحق بالمعهد العالي للفنون المسرحية، وبعد تخرجه ونظرا لعدم اشتغاله فى أي عمل فني قرر دراسة الآدب، فالتحق بكلية الآداب، وحصل على ليسانس الآداب قسم علم نفس بدرجة جيد جدا.
نور الدمراش والبقية تأتي
بعد أن يأس (مجدي) من إيجاد عمل فكر فى السفر إلى أي دولة عربية للعمل كمدرس بشهادة كلية الآداب، لكن لعبت الصدفة دورا كبيرا فى عدم سفره، حيث ذهب فى أحد الأيام لزيارة صديق له فى أحد الاستديوهات فشاهده المخرج الكبير (نور الدمرداش) الذى كان يبحث عن ممثل جديد (غير محروق) ليجسد دور البطولة فى مسلسل (البقية تأتي)، فسأل عن (مجدي) فعرف أنه خريج (معهد الفنون المسرحية)، فرحب به وطلب منه عنوانه حتى يرسل إليه سيناريو مسلسل (البقية تأتي)، فلم يصدق أنه سيقف أخيرا أمام الكاميرا بعد أربع سنوات من تخرجه من المعهد.
ورجع إلى البيت وهويكاد يطير من الفرح، وعرض المسلسل ولاقى نجاحا كبيرا جعل عدد كبير من المخرجيين يطلبونه للعمل على خشبة المسرح، ورغم أن المسرح لم يكن هو عشقه الأول إلا أنه رحب بهذه العروض من أهم هذه المسرحيات (هاملت، عطيل، الرجل اللى قال لا، على جناح التبريزى وتابعه قفه).
وكانت بداياته لامعه بشدة مما راهن عليه المخرج أشرف فهمي الذى كان يستعد لإخراج فيلمه المتميز (ليل وقضبان)، وكان يبحث عن ممثل شاب يلعب دور الضابط الطيب الذى يتعاطف مع المساجين فاتصل به وطلب منه الحضور إلى مكتبه ليأخذ سيناريو فيلم (ليل وقضبان) الذى سيقوم ببطولته (محمود مرسي، ومحمود ياسين، وسميرة أحمد)، وقال له فهمي: (إنني أراهن عليك يا مجدي فى هذا الفيلم، رغم أن مشاهدك قليلة، لكني متأكد أنك ستلعب الدور بطريقة جيدة،لأنني شاهدتك فى مسلسل (البقية تأتي) وأعجبت جدا بأدائك.
وفعلا حصل (مجدي) على أكثر من شهادة تقدير عن دوره فى هذا الفيلم الذى يعتبر أول فيلم سينمائي يقوم ببطولته، وبعد النجاح الكبير الذى حققه (ليل وقضبان) لفت النجم الجديد نظر كثير من المخرجيين فأعطوه أدوارا مهمة فى أفلامهم التى تعد من كلاسيكيات السينما المصرية من هذه الأفلام (كلمة شرف) لـ (حسام الدين مصطفى)، وبطولة (فريد شوقي وهند رستم ونيللي)، و(ثرثرة فوق النيل) بطولة (أحمد رمزي، وصلاح نظمي، وعادل أدهم، وعماد حمدي، وميرفت أمين، وماجدة الخطيب).
ومن هنا كانت الانطلاقة السينمائية التى كانت تبشر بقدوم نجم سينمائي لامع، وفى هذه الفترة قدم دور البطولة في فيلم (الرداء الأبيض) أمام (نجلاء فتحي)، وأثناء ذلك اختاره المخرج الكبير (كمال الشيخ) لبطولة فيلم (على من نطلق الرصاص) أمام (سعاد حسني ومحمود ياسين)، والذى صنف ضمن أحسن 100 فيلم فى تاريخ السينما المصرية ويعد واحدا من أفضل أفلامه، وتوالت بعد ذلك أدواره السينمائية منها (بدور، ولدي، وسبع الليل، رجال لا يخافون الموت)، وغيرها من الأفلام التى وصل عددها إلى 70 فيلم سينمائي.
كان (مجدي) على المستوى الشخصي وكما ذكرت ابنته (منال) فى أحد البرامج: رومانسيا جدا، ورجل بمعنى الكلمة، ويتقي ربنا فى أهل بيته، وفى أصدقائه، ولم يكن مجرد أب ولكنه كان صديقا لي أقول له كل شيئ بصراحة ورومانسيته الشديدة كانت سببا فى حب والدتي له، حيث قابلها فى الجامعة أثناء قيامه بإخراج مسرحية لها حيث كانت طالبة وفى نفس الوقت تقوم ببطولة مسرحية مع فريق الجامعة، وأثناء البروفات أعجب بجمالها وأخلاقها وطلب منها الزواج.
وتقدم مجدي وتزوجها، ومن الأشياء التى أتذكرها له إنني فى يوم قلت له: (يا بابا أنا نفسي ألبس الحجاب)، فقال لي: (أنا أتمنى أن تفعلي ذلك، لكن مافيش حاجة اسمها نفسي،لابد أن تكوني مقتنعة تماما بما تفعليه، حتى لا تعودي لخلعه كما تفعل بنات كثيرات)، وحتى يؤكد ترحيبه بما فعلت أخذنى عمرة.
ابن بار بأهله
تستكمل السيدة (فريدة وهبة) شقيقة الفنان الراحل حديث الذكريات فتقول فى أحد البرامج: أخى تعرض لظلم شديد من الصحافة ووسائل الإعلام المختلفة، بسبب شائعات غير صحيحة، ومن صغر (مجدي) وهو راجل وشهم، وصاحب صحبه، وكان فخر لكل عائلته وحبيب العائلة كلها، لما يتميز به من صفات جميلة، وتكاد تكون نادرة اليوم، فكان بارا بكل أهله، وعندما تزوج وسكن مع زوجته بعيدا عن والدته كان يحرص أن يذهب إليها يوميا، خاصة بعد وفاة والده، ولا يذهب لتصوير أي عمل إلا لما يزورها ويقبل يدها، وأي فلوس يحصل عليها لابد أن يأتي إليها بهدية .
شاهين والتمرد على الشر
يضيف (حازم وهبة) ابن شقيقه: حاول عمي التمرد والخروج عن عباءة الشر لكي يثبت لجمهوره إنه قادر على تقديم كافة الأنماط الإنسانية فقدم مجموعة أفلام لكنها لم تكن بثقل الأعمال التى قدم فيها دور الشر من هذه الأفلام (من الحب ما قتل، بنات أبليس، و المرشد، وعلي بيه مظهر، والفحامين)، كما قام ببطولة فيلم إيطالي عالمي بعنوان (شاهين)!.
ومن خلال هذا الفيلم أشادت به الصحافة العالمية، وكتبت أن هذا الممثل المصري لو أتيحت له الظروف للتمثيل مع نجومنا العالميين سيكون خطرا عليهم، وكان أهم ما يميز (عمي) فى أفلامه بصفة عامة، وكما كتب كثير من النقاد الصدق الشديد، فهو صاحب أسلوب شديد التميز، وانفعالاته الداخلية بالغة الصدق، ويعبر ببساطة وقوة عن أعمق المشاعر، ويتفوق عندما يجسد طوفان الغضب والعنف الذى قد ينطلق بين لحظة وأخرى.
الأخذ والعطاء
كانت مسألة (الأخذ والعطاء) المبني عن التفاهم الشديد بينه وبين زملائه سمة جوهرية فى أدائه، ومن هنا وصل كثير من الممثليين إلى أفضل مستوياتهم حين شاركوه الأداء فى تلك الأعمال المشتركة ،وكانت أغلب أدواره تتدرج بدرجات متنوعة فى باب الشر، هذه الأدوار التى أتاحت له الفرصة لأن يبرز جانبا من موهبته ،بضخامة جسمه، وقوة حضوره، وتأثيره وصوته الواضح النبرات الذى يتميز بالصفاء والعمق، بالإضافة إلى تكوينه الجسماني الذى وظفه فى تقمص الشخصيات المختلفة التى يقوم بها.
وظهر هذا فى أعماله التليفزيونية مثل (آنسات وسيدات، والخماسين، وعمرو بن العاص، وهى والمستحيل، مليون جنيه فى العسل، وعقبة بن نافع)، وغيرها من الأعمال التليفزيونية التى أثبت فيها تفوقا شديدا.
مريض بالقلب
يكشف (حازم وهبة) أن عمه كان مريضا بالقلب، وهذا السر لم يكن يعلم به أقرب الناس إليه، نظرا لخوفه أن يبتعد عنه المنتجين، ولأن طبيعة أدواره كانت تعتمد على القوة وتجسيد أدوار الشر، وفى أيامه الأخيرة وقبل أن نسافر إلى الغردقة لحضور فرح النجمة (شيريهان) وجدته يتحدث مع الكاتب الكبير (مصطفى أمين) وفى يده كيس مليئ بالدواء، وبعد انتهائه من المكالمة وعندما سألته عن هذه الأدوية أضطر أن يعترف لي بأنه مصاب بمرض فى القلب، وذهبنا إلى الغردقة ونسى أن يأخذ معه الدواء، وتعرض للإجهاد الشديد والإرهاق فتوفي يوم 4 فبراير 1990 أثر هبوط حاد فى الدورة الدموية.
أوضح وأعمق حضورا من النجوم
عن رأيه فى موهبة الفنان (مجدى وهبة) يقول الناقد السينمائي (عبدالغني دواد): من يدقق فى ملامح هذا الفنان يكتشف إنها شديدة الخصوصية فهي مزيج من الصرامة والطيبة فى آن واحد، وهذه الملامح ساعدته على تجسيد أنماط سينمائية مختلفة من منا ينسي دوره فى (الوحل أو بذور الشيطان أو المعتوه أوالمطارد) أوغيرها من الأفلام ، ونجح بشكل كبير فى أدوار الشر وكان سر تعلق الجمهور العربي به فى هذه الأدوار يرجع إلى حرصه على أن يكون الشر مبررا، ويضفي أحيانا لمسة من خفة الظل، والكوميديا على هذه الأدوار، ورغم أنه لم يقم ببطولات سينمائية منفردة كثيرا، إلا أن صورته فى الأفلام التى شارك فيها أوضح وأعمق حضورا من النجوم الذين قاموا ببطولة هذه الأفلام، وتحولت أدواره بفضل موهبته المتدفقة ولمساته الحرفية إلى أدوارلا تنسى فى تلك الأفلام.