إدوراد .. كوميديان برع في الأداء التراجيدي!
بقلم : محمد حبوشة
الفرق بين الممثل التراجيدى والممثل الكوميدى هو المشاركة الوجدانية على حسب درجاتها، فنحن فى كثير من الأحيان لا نشعر بوجود الممثل التراجيدى أثناء أداء دوره، فليس هناك انفصال بيننا كمشاهدين وبينه أثناء أدائه، فهو يصبح بالنسبة لنا (شخصية نتوحد معها بكل عواطفنا حتى إننا ننسى اسمه، أما بالنسبة للممثل الكوميدى فهو دائماً أثناء العرض متمثل أمامنا حيث نشاهده بعقولنا وهناك انفصال بيننا وبينه وأثناء مشاهدته نكون نحن وهو الآخر، وليس بالضرورة أن يكون الممثل الدرامي يجيد فن الكوميديا والتراجيديا على حد سواء، يكفي أن يكون بارعا في أحدهما، أما لو كان بارعا في الاثنتين فإنه يصبح ممثلاً استثنائيا، وهذا قليل جدًا حتى على مستوى العالم.
لكن ضيفنا هذا الأسبوع، فنان استثنائي يجمع بين فني الكوميديا والتراجيديا ببراعة وخفة آسرة تخطف القلوب والأبصار ومن قبلها العقول التي تعي وتحلل وتفرق بين الصدق والزيف في الأداء، إنه النجم الذي شغل الجمهور المصري والعربي طوال 8 أسابيع ماضية بأدائه الخاطف (إدوارد)، ومن ثم أصبح (في دائرة الضوء) وشغل (الترند) طوال عرض حلقات مسلسله (لؤلؤ) الذي أثار الجدل حول المبالغة في صناعة نجمة غناء بتعمد فخامة أزيائها وسياراتها وإكسسوراتها، إلا أنه الجمهور ظل شغوفا ومراقبا لأداء (إدوارد) وسط كل هذا الجدل المثار، جراء إلمامه بالعواطف والمواقف والدوافع الإنسانية لشخصية (مجدي) مدير أعمال (لؤلؤ)، حتى تمكن من القيام بتجسيدها على نحو جيدا ولافت للانتباه ، وهو ما يعكس قدرته الفائقة على التعبير عن المشاعر الدفينة للشخصية.
لقد أثبت (إدوارد) أنه من نوعية الممثل الجيد الذي يبني في نفسه عادة ملاحظة الآخرين وتذكر طريقة تصرفهم، فلو قبل ممثل دور رجل عجوز، على سبيل المثال، فيمكنه التحضير للدور جزئياً بملاحظة كيف يمشي المسنون وكيف يقفون وكيف يجلسون بعدها، يمكنه تطبيق هذه الحركات لتتماشى مع الشخصية التي يريد تأديتها، ويتعلم كممثل كيف يستجيب أناس مختلفون لنفس العواطف (مثل السعادة والحزن والخوف) بطُرق مختلفة، وهو ما فعله (إدوارد) تماما مع شخصية (مجدي)، حيث قام بتطوير ذاكرته العاطفية التي مكنته بالضرورة من استرجاع المواقف التي تدفع نحو رد فعل عاطفي مماثل لذلك الذي يود تأديته، غير أن هذه طريقة تمثيل معقدة ولا يجب استخدامها إلا بعد أن يطور الممثل فهما شاملا وعميقا لها، وهو ما تعلمه (إدوارد) في كل أدواره الأخيرة في الدراما التلفزيونية.
إداور في تحولاته من ممثل كوميدي إلى ممثل تراجيدي في العمل الدرامي الواحد ليس أمرا سهلا عليه، كما أنه ليس بالسهل لا على الممثل ذاته ولا على الجمهور الذين لم يتعودوا على الممثل الكوميدي أن يكون تراجيديا، نسبة كبيرة فشلوا وفقدوا نسبة كبيرة من جماهيرهم، ولكن النجم الأصيل في موهبته يمكنه فعل ذلك، وهذا التحول – الذي نشهده اليوم – يبدو أنه دفع الممثلين الكوميديين للتراجيديا دفعا، وليس خيارا، فعلى سبيل المثال تابعنا فشل محمد سعد في أعماله الكوميدية التي تلت (اللمبي) لدرجة أن بعض أفلامه الأخيرة ألغيت لقلة الحضور الجماهيري.
لكننا في حالة (إدوارد) نلاحظ أنه معني بمبادىء أساسية في فن التمثيل، ومنها أنه يدرك أن التركيز شيئًا مهما للممثل، ويجب أن يكون الممثل قادرا على زج نفسه في مواقف خيالية لحجب جميع المؤثرات الخارجية عنه، موهما نفسه بأنه لا يمثل بل يقوم بدور حقيقي، وحتى يتسنى له فعل ذلك فإن (إدوارد) يقوم بالتركيز والاستماع للممثلين الآخرين في العمل الدرامي التليفزيوني والاستجابة لما يقولون بشكل جيد، كما أن الأمر يتطلب منه أيضًا التركيز على كل لحظة بدلا من ملاحظة الحدث وانتظار ما سينتج عنه، ومن ثم نلاحظ تفاعله الحي مع الشخصية التي يؤدية عبر تكنيك خاص يعكس قدرته التمثيلية فائقة الجودة.
لقد لاحظت (إدوارد) من دور إلى دور ومن عمل إلى آخر يظهر تجدده الدائم، فهو لايلجا أبدا التكرار والاستنساخ لأنه على مايبدو لي أنه مرفوض عنده تماما، والأمر المؤكد أنه يدرك أن ذلك يدعو إلى الملل، ولهذا فإن شعبية الممثل الكوميدي النمطي قد تتناقص يوما بعد يوم إلى أن يتحول ذلك الممثل الى ما يشبه الآلة الجامدة التي لا حياة فيها ولا جاذبية تميزه عن غيره، ولذلك يصبح التنوع في الأداء لدى (إداورد) من الضرورات الفنية.
أما كيف يمكن الوصول الى هذا التنوع فتلك مهمة يشترك فيها الممثل نفسه ومخرج العمل التي يشارك فيها الممثل، وتقتضي تلك المهمة أن يبحث الاثنان معا في مضمون العمل أولا وفي أبعاد الشخصية ثانيا، وأيضا في الظروف التي افترضها مؤلف النص والتي تحيط بالشخصية الكوميدية أو التراجيدية، وأن يبحثا معا عن وسائل إضحاك أو بكاء أخرى غير تلك التي اعتاد الممثل على استخدامها.
ولد (إدوارد) في القاهرة في 15 أبريل 1972، وهو فنان موهوب يعشق الفن منذ الصغر، مثل والده بدر فؤاد، فقد ولد في بيت يتمتع بالحس الفني، حتى أنه ابنته (ماريا) تسير على ذات الدرب في الغناء، وفي أثناء دراسته التجارة تعلم الكثير بالكلية ومنها النظام والالتزام، حتي يبدأ في المجال الذي يعشقه، وهو الطرب ولكن الحظ لم يساعده فاتجه للعزف علي الجيتار منذ سن مبكرة، واستمر بالعمل علي العزف بالجيتار لمدة 15 سنه في فرقة غناء غربية اسمها (جيبسي)، ثم أنتج لنفسه عددا من الأغاني المصورة حتى انتقل بعد ذلك إلى مجال التمثيل.
اكتشف موهبته التمثيلية المخرج أسامة فوزي، وأشركه معه بدور في فيلم (بحب السيما) مع منة شلبي ومحمود حميدة وليلى علوى، وبعدها انطلق (إدوارد) في عالم السينما ليشارك في العديد من الأفلام، منها: (بحب السيما عام 2004، حريم كريم 2005، بحبك وبموت فيك 2005، جعلتني مجرما 2006، علاقات خاصة 2006، كلام في الحب 2006، في محطة مصر 2006، شيكامارا 2007، أحلام الفتي الطائر 2007، عصابة الدكتور عمر 2007، خليج نعمة 2007، شبه منحرف 2008، بوشكاش 2008، بلطية العايمة 2008، المش مهندس حسن 2008، كباريه 2008، الداه دودي 2008، مفيش فايدة 2008، غش الزوجية 2012، صنع في مصر 2014).
أبدع إدوارد في تقديم الأفلام وبأنواع كثيرة من الأدوار فقدم الصديق المخلص للبطل والحبيب وقدم أدوار مؤثرة و كوميدية، كما شارك الكثير من نجوم الفن في تقديم الأفلام و حققت نجاحاً كبيراً مثل فيلم ( عسل أسود ) بطولة أحمد حلمي ولطفي لبيب وإيمي سمير غانم بمشاركة إنعام سالوسة و أحمد راتب وصنف الفيلم إلى الطابع الكوميدي وتم عرضه عام 2010، وحقق إيرادات تصل لأكثر من 15 مليون جنية، وظهر إدوارد في دور (سعيد) شاب مصري يتميز بالطباع المصرية من الجدعنة والشهامة والتقى بصديق الطفولة يدعى (مصري) الذى قام بدوره الفنان أحمد حلمي لتعود الذكريات مرة أخري ويقوم بمساندته لجهل مصري بالطباع المصرية فيصتحبه إلى كل مكان يرغب فى الذهاب له.
ظهر أيضاً في دور صغير في فيلم (صنع في مصر) من إخراج عمرو سلامة وبطولة أحمد حلمي وياسمين رئيس ودلال عبد العزيز وبيومي فؤاد، وتم عرض الفيلم عام 2014، وحقق إيرادات أكثر من 9 مليون جنية، وهنا ظهر إدوارد في دور دكتور أمراض نفسية وعصبية فى المستشفى التى دخل فيها علاء لتدور بعض الأحداث الكوميدية والفكاهية حتى هرب علاء من المستشفى، كما قدم أدوار كثيرة مع الفنان رامز جلال مثل (مراتى وزوجتي وشبه منحرف)، وظهر في أفلام أخرى مع الفنانة فيفي عبده وعبلة كامل وغيرهما من الفنانين .
وعلى الشاشة الصغيرة شارك في عدة مسلسلات ، منها: (عايزة أتجوز – ابن موت – حب علي نضافة – كابتن أنوش – خرم ابرة – طاقة القدر – حواكة بوت – صاحب السعادة – ونوس – لمعي القط – العيادة – رقم مجهول – أبو البنات – الزيبق – السبع صنايع – إثبات شخصية – آن الأوان – عروسة ياهووو – استيفا – أحلي أيام – القيصر – لما تامر ساب شوقية – اغتيال شمس – ولي العهد – عبدالحميد أكاديمي – العيادة في التحرير – الفلته – البرنس – حواديت الشانزليزيه – لؤلؤ، ومن مسلسلاته الإذاعية: (أزمة نفسية – عايش – اطلبيني من بابا – يا انا يا أنت – من قتل تامر – حلزوني – الحلوة والكذاب – صلاح الخير، كما شارك في مسرحيات: (بابا جاب موز – حبيبي المضروب – سكر هانم).
ولم يتوقف إدوارد إلى عند الحد من النجاح والتقدم في مسيرته الفنية، فقام بتقديم برامج تصنف إلى المقالب ويقوم فيها إدوارد باستفزاز الممثلين المستضافين في البرنامج (حيلهم بينهم)، وقدم برنامج آخر بعنوان (في الهوا سوا)، حيث يوهم الضيوف بأنهم في خطر وعلى وشك الموت لترصد الكاميرات تعبيرات وجوههم من فزع وخوف وقلق مما سيحدث لهم، كما تم استضافة إدوارد في الكثير من البرامج ومنها المقالب مثل (رامز قلب الأسد و رامز ثعلب الصحراء) مع الفنان رامز جلال و(فؤش في المعسكر) مع الفنان محمد فؤاد وظهر في برامج أخري مثل (رجعنا صغيرين) مع الفنان عمرو يوسف و(صاحبة السعادة) مع الفنانة إسعاد يونس.
كل ما يشغل الفنان (إدوارد) أن يكون الدور الذى يقدمه مختلفا ومميزا عما قدم من قبل، وأن لا يتشابه مع الأدوار التي قدمها من قبل، ولهذا وافق على شخصية مجدي ضمن أحداث مسلسل (لؤلؤ) الذي رفع أسهمه مؤخرا من خلال شخصية (مجدي) مدير أعمال المطربة الصاعدة (لؤلؤ)، والتي قدمها ضمن أحداث العمل، والتي يقول أنها لا تشبهه بأى طريقة، وأنه غالبا ما يختار الشخصيات التي تبعد عنه نهائيا كى يرى نفسه مؤثرا في غيره، على عكس الشخصيات الأخرى التي لم يجد نفسه فيها عبر مسلسلات (ربع رومي، ولمعي القط، وكابتن أنوش)، على الرغم من أنها مسلسلات ناجحة، ومن هنا يرى أن الفنان الحقيقي هو من يستطيع أن يكون بطلاً في الدور الذي يقدمه.
وفي النهاية نقدم تحية تقدير واحترام للفنان (إدوارد) الذي يتطور في أدائه يوما تلو الآخر مسجلا علامات مضيئة في مشاوره الذي بدأه ممثلا كوميديا صاحب إيفهات حارقة، ماتزال حاضرة في ذاكرة الجمهورالذي عشق أدائه أكثر وأكثر في اللون التراجيدي الذي ظهر فيه ممثلا من الوزن الثقيل، وأجاد بعزف شجي على المشاعر الإنسانية التي من فرطها أمكنه انتزاع الدموع من عيون مشاهدين ينظرون إليه بعين الفخر والاعتزاز به، لكونه ممثلا مصريا يستطيع أن يحصد احترام الجمهور في كل أنحاء العالم العربي في كل دور جديد يقدمه في قلب الدراما على جناح الأداء التراجيدي الخاطب للقلوب والعقول.