محمد ثروت يحارب خفافيش المهرجانات بـ (يا مستعجل فراقي)
كتب : أحمد السماحي
الأصوات الحلوة كثيرة، والقدرة على الأداء يمكن اكتسابها، ولكن الاختيار لما يغني الفنان هو وليد إحساس مثقف، ونظرة ليست سطحية إلى الدنيا، وقد قاد مثل هذا الإحساس ومثل هذه النظرة صوت مصر العذب (محمد ثروت) ليختار أغنية عاطفية رائعة اللحن والكلمات ليعود بها إلى جمهوره الواسع بعد سنوات عجاف!، ابتعد فيها عن تقديم اللون العاطفي، وركز في غناء ريبرتواره القديم، وأغنيات الغير من خلال حفلاته فى دار الأوبرا المصرية، فضلا عن تقديمه اللون الديني العصري الذي هذب من خلاله أرواحنا التواقة إلى مثل هذا الغناء الروحي العذب.
عودة (ثروت) كانت من خلال أغنية عاطفية بعنوان (يا مستعجل فراقي) كلمات الشاعر (تامر حسين)، وألحان وتوزيع (محمد رحيم)، هذه الأغنية الدرامية التى تدور حول حول حب انتهى، بعد أن وجد العاشق أن الأمل في تغيير حبيبته صعب، والوضع بقي شيئ سخيف!، فيرثي حالة الحب هذه بكلمات رقيقة شفافة فيها كبرياء عاشق خاصة أن هذا العاشق كانت عيونه مغمضة تجاه حبيبته ويعطيها الأمان، وفجأة فتح عيونه على مأسآه!.
هذه المأساة لم يذكرها (تامر حسين) لكن كل لبيب بالإشارة يفهم!، واضح أن الحبيبة التى لم تصن حبه وتحافظ عليه خانته مع أحد أصدقائه أو أحد أقاربه، حتى أنه يستخسر فيها الندم! ويقول لها بكل رجولة وكبرياء وتصميم:
الندم مالهوش في قلبي خلاص مكان
ولا عمري هديلك امان ضيعت كل الوقت ده
ازاي كده اهو درس وفهمناه
يا مستعجل فراقي انا مبقتش باقي
ولا عمرك تلاقي من بعدي ناس غاليين
انا اللي يودعوني هما الي بيخسروني
ومبتبكيش عيوني على ناس ولا فارقين..
هذه الحالة الغنائية التى تشبه حالة أستاذنا الراحل الكبير (محمد عبدالوهاب) فى رائعة حسين السيد (لأ مش أنا اللي أبكي) قدمها المبدع الموهوب (محمد رحيم) من مقام (الكرد) سواء في الدخول، أوفي المناطق العالية أوالمنخفضة، واستطاع أن يضفي من إحساسه وطريقه غنائه على أداء (محمد ثروت)، كما استطاع فهم التعبير الدرامي في الكلمات التى أبدعها (تامر حسين)، وترجمه ترجمة موسيقية رائعة تعبر عن هذه الحالة الدرامية وأقام حوارا غنائيا مع آلة كاملة الهارمونية الـ (بيانو)، وتصاعد بموسيقاه بأحاسيسنا وبشكل درامي جدا في سياق شرحه لأسباب حالة الفراق والبعد عن الحبيبة.
وأبدع (محمد ثروت) في تقديم هذه الحالة الدرامية بشكل رائع، وعاش بكل خلجة من خلجاته مع الكلام واللحن، وقدم بإمتاع وإحساس عالي جدا هذه الحالة الغنائية التي يساندها إرث من كبرياء الاستدعاءات القديمة ومرجعيات الماضي.
وعلى مستوى الصورة قدم المخرج (أحمد ثروت) كليبا رائعا لعبت فيه الإضاءة دورا كبيرا، واستطاع التعبير عن الحالة الدرامية بجمال وبساطة دون فذلكة أو تنطيط أو إدعاء، لأن فى حالة محاسبة النفس والذكريات يفضل الإنسان أن يكون وحده، لهذا عبر (ثروت) الابن عن مرثية الحب هذه بعذوبة شديدة وبذكاء قدم (محمد ثروت) فى حالة شجن عالية فانعكست على أدائه، حيث جاء البيت المهجور والوحدة التى يعيش فيها البطل، وآلة البيانو معبرة تماما عن الحالة الدرامية الغنائية.
ولكل من كان يقول أن (محمد ثروت) أفلس غنائيا ولم يعد لديه جديدا يغنيه، نقول لهولاء غزارة موهبة (ثروت) وتدفقها تجعل من الصعب على المصابين بالكساح الإبداعي أن يعرقلوا التيار الذي أفشاه في ساحة الغناء العربي، إذ تبدو عودة (ثروت .. صوت مصر) كفيضان المياه زمان حين كانت تكتسح في طريقها جسور الطين والأشجار الجافة والحيوانات النافقة في فوران مدمدم يعلن بوضوح أن ما سوف يمكث في الأرض هو ما ينفع الناس فقط.
وما يهمنا أن نلفت الانتباه إليه أن ثروت وجيله من المطربيين الحقيقيين هم خط الدفاع الأخير أمام الصخب والضجيج والتلوث السمعي الناتج عن أغاني المهرجانات وغيرها من الأغنيات التافه والسطحية، وأمام تراجع المعاني الراقية في الأغنية العربية، وبعودته وطرح (علي الحجار وسميرة سعيد، ولطيفة، وأنغام، وهشام عباس، ومحمد منير، وهاني شاكر، وشيرين، وآمال ماهر، وأصالة، أحلام) لأغنيات جديدة، بهذه الكتيبة من الأصوات الراقية المبدعة عادت الأغنية لتصبح تعبيرا عن المشاعر الإنسانية فى أكمل وأجمل تعبير عنها.
هذا وقد حققت الأغنية على مواقع التواصل الإجتماعي وموقع الفيديوهات الشهير (اليوتيوب) إعجاب الكثيرين وجاءت تعليقاتهم مليئة بالحب ومطرزة بالوفاء، أخترنا منها بعض التعليقات:
** فأحد المعجبين قال : مكنتش بتغني بالطريقه دي من زمان ليه ضيعت علينا فرص نستمتع بالصوت ده ❤
** وقال آخر: حرام عليك تضيع سنين مانسمعش فيها الإحساس ده أنت فنان من الطراز النادر .. أغنية في منتهي الإحساس والروعة.
** وقال ثالث : آخر أصوات الفن الجميل والكلمات الجميله واللحن الجميل .. بجد أنت إنسان قمة في الاحترام وفنان مبدع وراقي.
** ومن أجمل التعليقات قالت واحدة : الأغنيه فيها عيب واحد ولله إنها بتخلص!! ❤
** وأحد المعجبين امتدح ثروت قائلا : الله عليك استاذ محمد ..صوت أصيل وإحساس رهيب .. ربنا يبارك لحضرتك في نعمة ربنا اللي وهبها لحضرتك
** وأحد المعجبين لا يجد ما يقوله فقال أحلى كلام : الله ينور الله ينور، الصوت جميل أوي، اللحن والتوزيع جميل جدا، فن محترم أووووي، بجد والله مالاقي كلام يوصف الجمال ده.
** وآخر قال : الله على الجمال – انت فين يا سيدنا الفن في مصر محتاجك والله .
** وآخر التعليقات التى أخترناها قال صاحبه: ماشاء الله .. الملحن محمد رحيم تأثيره وأداءه واصل من خلال ثروت ماشي بالضبط بستايل الملحن .. لدرجة إن لو معرفش مين الملحن هتوقعه رحيم.
بالله عليكم أيها القائمين على الفضائيات المصرية ألا يستحق مطربنا (محمد ثروت) أن نفرح بعودته ونحتفل به احتفالا حقيقيا وهائلا، لأنه حمل بصوته الجميل وموهبته المتدفقة مثل هذا الكلام الراقي إلى قلوب وعقول الناس في مصر، وفى النهاية نقول له (أهلا بقمرنا)، (الغالي علينا غالي)!