محمد نجاتي .. عودة قوية تليق بموهبته
كتب : مروان محمد
في الحياة بصفة عامة ما بين الأبيض والأسود تقع المنطقة الرمادية، تلك المنطقة شاسعة المساحة ممتدة أطرافها تلك التي تلامس حدود هذين اللونين، واللافت للنظر أن كثيرين منا يقعون فيها إما بإرادتهم الحرة، بحيث يدفعون بأنفسهم دفعا معلقين أسباب هذا على شماعة الحظ الذي غالبا ما يأتي بحسب الظروف وملابسات الواقع الأليم، وعلى الرغم من ذلك فإن هؤلاء الذين يسكنون المنطقة الرمادية طيبون ومحبون للخير وأصحاب مبادئ ثابتة حتى ولو كان لديهم بعض التشدد أو حتى التساهل، لكن يظل التعامل معهم مريحا ولن تجد أي متاعب عندما تناقشهم أو تتحدث معهم، لأنك تمكنت من خلال معايشتهم من قراءة أفكارهم وتوجهاتهم، وبالتالي سهل عليك اتباع أسلوب معين للتعامل معهم.
وفي زمن المصالح واللهاث الشديد وراء المال والشهرة والمناصب والمكانة الاجتماعية والعلاقات الواسعة والحصول على الهبات، لم يعد بإكاننا أن نفرق كثيرا بين البشر حتى المصداقية والشفافية وأمور كثيرة أخرى باتت غير واضحة، وكأن أغلب الناس أصبحوا يعيشون في المنطقة الرمادية، بعيدا عن الطموحات والأحلام والشغف بالنجومية والشهرة والمنافسة والبطولات والعلاقات التي يسعى إليها أغلب نجوم الفن، فقط هم يعتمدون على قدرتهم في التمثيل بإتقان، وفي هذا الطريق امتنعوا عن السير خلف الفرص والأدوار، وقرّروا التحرك بحرية ليتمكنوا من فك طلاسمها والتعبير عن مكنوناتها بإجادة وسلاسة وإقناع في الأداء ليس إلا.
وضيفنا في باب (في دائرة الضوء) لهذا الأسبوع النجم الشاب (محمد نجاتي) من هؤلاء الممثلين الذين سكنوا المنطقة الرمادية طويلا، وكأن لديه قناعة كبيرة بمقولة (مولانا جلال الدين الرومي) التي وردت ضمن (قواعد العشق الأربعون)، والتي تقول: (نحن قوم إذا تَعالى عليْنا شيئ أهناهُ بالتخلّي، وإذا استعصى علينا قلب كُفّفنا عن وِصاله، وإذا تغيّر عليْنا أحدآ منحناه نسياناً كأنّه لم يكن)، وهو ما أكده في مسيرته الفنية عبر قناعة شخصية بأن أهم ما في حياة الممثل أن يلتصق بمجتمعه وشخوصه ويستطيع تجسيدهم على الشاشة بوعي وصدق، ويأتي الصدق تلقائيا من هضم الشخصية بعد دراسة تفاصيلها وأبعادها والوصول لأبسط الطرق للتعبير عنها، والعثور على مفاتيحها الدرامية، سواء كانت كوميديا أو تراجيديا.
صحيح أنه تمكن أن يحصد حب الناس له ولأعماله، وربما تكون هذه هى النجومية الحقيقية التي تجعله يشعر أنه يسير في الطريق الصحيح الذي يذهب فيه للاستوديوهات عندما يطلب، ثم يعود لبيته حتى تأتيه عروض أخرى ولا يشغله متى تأتي؟، فهو يترك كل شيء لله، وتلك قناعة جيدة للغاية، وتنم عن حالة من السلام النفسي، لكنها للأسف غير مطلوبة في حياة الممثل الآن فلابد له من أن يدخل معترك الحياة غير عابئ بمسميات من قبيل البطولة أو غيرها، فقط عليه الاجتهاد والتجويد والإتقان ليكون ذلك الممثل الذي هو الشخصية المكتوبة وليس مجرد شبيه لها، ولا يكتفي بوجوده وسط عالم سينمائي تقدر قيمة النجوم داخله بالإيرادات التي تجلبها أعمالهم، ومن ثم يبقى طويلا في المنطقة الرمادية التي لا تضعه في المقدمة، لكنها ربما تسمح له بالاستمرار وتقديم أعمال ذات ميزانيات متوسطة تغطي تكاليفها، وعرضها تلفزيونيا قد يحقق الصدى الجماهيري الذي تفقده في السينما.
تعودنا أن نرى (محمد نجاتي) منذ أن كان طفلا بين الكثير من النجوم، فكانت الأضواء تلاحقه منذ نعومة أظافره، واستطاع أن يثبت موهبته الفنية منذ ظهوره الأول على شاشة التليفزيون والسينما، فقدم العديد من الأدوار التي جعلته يفرض نفسه على الساحة الفنية، وأن يجعل لنفسه مكانة خاصة في قلوب محبيه، بعدما ترك بصمة لدى الجمهور في كل دور ظهر به، إلا أن الحظ لم يكن حليفه في أدوار البطولة المطلقة التي يستحقها بجدارة، ومن هنا فقد غاب طويلا عن الأضواء حتى عاد لافتا الأنظار فى الأيام الماضية بشخصية (صلاح) التى ظهر بها في مسلسل (ضربة معلم) مع النجم (محمد رجب)، والذى انتهي عرضه قبل أسبوعين على شبكة قنوات cbc، وحقق نجاحا كبيرا منذ أول أيام عرضه.
ولد الفنان الشاب (محمد نجاتي) في أسرة متوسطة الحال في منطقة شبرا التابعة لمحافظة القاهرة، وبدأ حياته الفنية حين كان صغيراً وشجعه أحد أقاربه على خوض مجال التمثيل، حيث كان على صلة بالمخرج (محمد فاضل) الذي أدخله في المسلسل الناجح (أنا وأنت وبابا في المشمش) أمام النجمة فردوس عبد الحميد والفنان القدير الراحل حسن عابدين، حيث برع في تأدية دوره في المسلسل، وبعد أن أكمل دراسته في كلية التجارة عاد مرة أخرى إلى التمثيل، فقدم مسلسل (بين السورين) ثم قدم فيلمه الشهير (ضد الحكومة) مع الفنان الكبير أحمد زكي، وهو الذي لفت فيه أنظار العديد من المخرجين للعمل معه، وبعد ذلك قدم العديد من الأدوار مثل مسلسل (حديث الصباح والمساء) مع عدد من النجوم الكبار ولمع كثيراً في هذا الدور، فضلا عن مجموعة من الأفلام مثل (العيال هربت) مع حمادة هلال وقدم بعده العديد من الأفلام التي برع فيها إما بدور البطولة الموازية أو بدور ثانوي.
في مسيرة محمد نجاتي كثير من الأعمال المهمة والتي تؤكد صدق موهبته على جناح أداء فطري لافت، منها في السينما أفلام: (ضد الحكومة – 1992، الجراج – 1995، عرق البلح – 1999، المدينة – 2000، العاصفة – 2001، قشطه يابا – 2004، عيال حبيبة – 2005، بنات وسط البلد – 2005، العيال هربت – 2005، البلياتشو – 2007، يوم ما اتقابلنا – 2009، أيام صعبة – 2009، شاطئ المرح – 2009، زجزاج – 2014، نعمة – 2016، الفندق – 2017، دعدووش – 2017، كارت ميموري – 2017، الخروج عن النص – 2018، رحلة يوسف – 2018)، أما في المسرح فله ثلاثة أعمال هى: ( إدلعي يا دوسة – 2001، إن كبر ابنك – 2005، إفرحي يا دوسة2007).
وفي مجال الدراما التليفزيونية برع في أداء أدوارمهمة في مسلسلات: (أنا وأنت وبابا في المشمش – 1989، إسطبل عنتر – 1999، شموع لا تنطفئ – 1999، حواء والتفاحة – 1999، دمعة على خد الزمن -1999، درب ابن برقوق – 1999، حلم العمر كله – 1999، حلم آخر الليل – 1999، بدارة – 2000، حديث الصباح والمساء – 2001، شعاع من الأمل – 2002، سيرة سعيد الزواني – 2002، أمس لا يموت – 2004، محمود المصري – 2004، أحلام في البوابة – 2007، زماني على كيفي – 2007، حمد الله على السلامة – 2007، شرخ في جدار العمر – 2007، آخر الخط – 2007، مملكة الجبل – 2010، الجماعة ج1 – 2010، احنا الطلبة – 2010، زي الورد – 2012، أشجار النار – 2012، إبن موت – 2012، دنيا جديدة – 2012، مزاج الخير – 2013، السبع بنات – 2016، جنون الشهرة – 2017، الدولي – 2018، الأب الروحي ج2 – 2019، قيد عائلي – 2019، علامة استفهام – 2019، ابن أصول – 2019، يا أنا يا جدو 020، ضربة معلم – 2021).
ومن أهم أقوال محمد نجاتي في الحياة والفن:
** لا يمكنني تقيم محمد رمضان لأنه زميلي، والجمهور هو الحكم في هذه المسألة، هل يرى محمد رمضان يفسد الذوق العام أم لا؟
** أرفض تناول الفنانين لخلافاتهم علنا في البرامج أو السوشيال ميديا وتقييم بعضنا البعض على الملأ نوع من أنواع التنمر، ومن يقوم بهذا الدور هو الجمهور والنقاد وليس الفنانين.
** ركوب الفنانين لـ (تريند) أشبه بـ (النصب) على الجمهور ولا يوجد عبقرية في اختلاق مواضيع تافهة من أجل تصدر التريند مثل المرض والخلافات الشخصية، وللأسف مهنة الفن أصبحت مليئة بالنصابين .
** محمد نجاتي .. موهبة تحتاج لكثير من الاهتماملا أحب الحديث عن حياتي الشخصية لأنه أمر لا أحب أشاركه مع أحد، وأرفض الظهور في الإعلام للحديث عن أهل بيتي وأراه (عيب وحرام).
** الفنان يجب أن يدقق في اختيار الرسالة الفنية التي يقدمها، وذلك حتى يقدم ما هو نافع لمحبيه وللمجتمع، لأن الرسالة الإيجابية هي دور الفن في الأساس، وهو بذلك يؤدي دوره شأنه كشأن أستاذ الجامعة وشيوخ المساجد.
** ترتيب اسمي في تترات المسلسلات أمر لا يهمني، لأن الأهم بالنسبة لي هو الدور وقيمته، وطالما لم أكن بطل العمل والاسم الأول لا تشغلني هذه الأمور.
** تورطت بمشاركتي في فيلم (نعمة) ووافقت على المشاركة بسبب ظروف مادية وشخصية وندمت على المشاركة وحدثت أزمة وتدخلت نقابة المهن التمثيلية من أجل حل الازمة وكانت لصالحي.
** لا صحة لمقولة إن جيلاً سينمائياً ظُلم، لأن لكل جيل ظروفه ولسنا في وارد الحكم ما إذا كنا ظُلمنا أم لا، فما زالت أمامنا فرصة لصقل موهبتنا واكتساب خبرة كافية وسنقدّم حتماً أعمالاً تضاف إلى رصيدنا وتضعنا في مكانة مناسبة، لذا لست قلقاً على مستقبلنا كنجوم سينمائيين.
** محدش يقدر يمنع أغاني المهرجانات ولا مطربي المهرجانات من الغناء لان الناس بتحبها.
** أحضر لعمل غنائي قريبا وسأقوم بطرح فيديو كليب.
وفي النهاية لابد لي من تقديم تحية تقدير واحترام للنجم الشاب (محمد نجاتي) صاحب الأدوار المتميزة في السينما والمسرح والدراما التليفزيونية، ونشيد بعودته القوية التي تليق بموهبته على جناح الأداء العذب الذي يعكس احترامه لقيم المجتمع المصري التي لم يتخلى عنها طوال حياته في مهنة التمثيل، ونهيب بجهات الإنتاج والمخرجين بالانتباه إلى (نجاتي) الذي يحمل بين جوانه طاقة فنية لم تتفجر بعد، ومن ثم ينبغي أن يسند إليه أعمال تستخرج تلك الطاقة في مجال التراجيديا على وجه التحديد.