تعرف على خطة (صلاح نصر) لتدمير يوسف فخر الدين !
* كانت صور النجم الوسيم تزين غرف الفتيات، والصحافة تطلق عليه معبود المراهقات
* الموسيقار (محمد عبدالوهاب) لم ير مستقبل ابنته مستقر مع فنان
* نادية سيف النصر تدخل حياة النجم الوسيم فى اللحظة المناسبة
* رجل المخابرات عرف أن (الطويل) يحب الجمال فسلط عليه زوجة الأخ
كتب : أحمد السماحي
كانت بدايات الفنان الوسيم (يوسف فخر الدين) فى السينما المصرية لافتة للنظر، أثبت من خلالها أنه نجم قادم إلى النجومية بسرعة الصاروخ لأنه يمتلك كل مقومات النجومية من حيث الشكل الوسيم الذي تهواه السينما في هذا الوقت، والموهبة الواعدة التي أكدها بعد دوره المهم في رائعة المخرج عاطف سالم (إحنا التلامذة) عام 1959، والتى شاركه البطوله فيها كلا من (عمر الشريف، شكري سرحان، تحية كاريوكا، زيزي البدراوي).
ورغم البدايات القوية إلا أنه لظروف شخصية سنتعرض لها هنا أثر الابتعاد والانعزال، بل والاختفاء التام، حيث أدرك أن لديه الكثير من القيم ربما تدهسها الأقدام الجبانة المحمومة في زحام التكالب على الشهرة واستجلابها بأي ثمن، لذلك فقد ضحى بالشهرة للاحتفاظ بما هو أعظم وأقيم من الشهرة، احتفظ بإنسانيته.
أفلام البدايات
كانت سنوات نهاية الخمسينات هى سنوات تقديم أوراق اعتماد (يوسف فخر الدين) إلى السينما حيث قدم مجموعة من الأفلام الإجتماعية البسيطة التى شارك فيها كبار النجوم والنجمات فى هذا الوقت، والتى مازالت تضيئ قنواتنا الفضائية فى كل مرة تعرض فيها، حيث شارك شقيقته النجمة مريم فخر الدين بطولة أفلام (رحلة غرامية، أنا وقلبي، شباب اليوم) عام 1957، وشارك دلوعة السينما شادية بطولة فيلم (حب من نار) عام 1958، وقام ببطولة فيلم (الشيطانة الصغيرة) مع سميرة أحمد ورجاء يوسف عام 1959، كما شارك عمر الشريف بطولة فيلمي (موعد مع المجهول، من أجل إمرأة) عام 1959، وحقق نجاحا كبيرا مع العندليب الأسمر عبدالحليم حافظ فى فيلم (البنات والصيف) عام 1960 .
حكاية غرامه
مع نهاية الخمسينات وبداية الستينات كانت صور (عمر الشريف، كمال الشناوي، أحمد رمزي، شكري سرحان، أحمد مظهر، صلاح ذوالفقار، يوسف فخر الدين) تزين غرف نوم الفتيات والمراهقات، وجذب (يوسف) شريحة المراهقات نظرا لصغر سنه وقربه من أعمارهم، وأطلقت عليه الصحافة الفنية معبود المراهقات، وفى هذه الفترة دق قلبه لأول مرة، وعرف معنى الحب، حيث أحب (إش إش) إبنة الموسيقار الكبير (محمد عبدالوهاب) الذي وضع موسيقى رقصة (نانا) فى فيلمه (موعد مع المجهول)، وموسيقى رقصة (ليالي لبنان)، فى فيلمه الآخر (شباب اليوم).
فى هذه الفترة وأثناء حضور (إش إش) أحد العروض الخاصة لفيلم (موعد مع المجهول) ربط الحب بين (إش إش ويوسف فخر الدين)، بعدها لم يبخل القدر بعشرات اللقاءات الصامتة التى لم ير فيها (يوسف) وجه حبيبته إلا من مسافة تبعد عشرات الأمتار، وحاول أن يتعرف عليها أكثر، فظل يتابعها عن بعد، وتعمد أن يتواجد فى الأماكن العامة التى تذهب إليها، وهناك كان يدور حوار الحب الكبير بالنظرات ساهمة الطرف، فالخجل يملأ ملامحه ودقات قلبه تتظاهر فى صدره، وتهتف لحبيبته، كم زارته فى أحلامه عندما ينام، وطارده طيفها حيثما يذهب.
موعد فلقاء
كان (يوسف) حريصا على ألا يلمحه أحد وهو يتابع حبيبته أراد أن يحميها من مجرد الشبهة، ويبعدها عن كلام الناس، فهى الحب الكبير والزوجة المرتقبة، وبعد عشرات من اللقاءات الصامتة استطاع أن يقتنص منها موعدا عند شجرة عتيقة وارفة الأشجار فى الجيزة، معروفة بأنها شجرة العشاق.
وتحت هذه الشجرة العتيقة التى تتدلى أغصانها لتنشر ظلالها حول مسرح اللقاء صافح يدها وسرى تيار صاعق فى عروقه عندما لمست راحة يده كف يد (إش إش) تبادلا نظرة لم يعرف عشاق العالم كم كانت حلوة، كانت الطريق الذي افتتح رحلة الحب الكبير بين الشابين الصغيرين، والشجرة العتيقة كانت تشهد تلك اللحظة، وتسجلها وتكتب مولدها.
بعد دقائق من الصمت بدت سنوات قال لها: لابد أن آلاف الشباب والفتيات وقفوا هنا من قبل، وربما أفضوا إلي هذه الشجرة بأسرارهم، بقيت هى ورحلوا هم، أشعر أن أغصانها تبكي، وأوراقها تعطف علينا جميعا.
فقالت مبتسمة : أظن أن أغصانها لا تبكي، ولكنها سعيدة وفرحانه فى كل مرة يأتي إليها عشاق جدد ليؤنسوا وحدتها.
هى بخجل وبراءة : يوسف هل تحبني؟!
هو : دقات قلبي الذي يخفق بصوت عالي تدلك.
هى : لابد أن تعبر عن حبك.
هو : بالكلمة فقط، أم بالأسطوانات المحفوظة.
هى : لا جديد فى التعبير عن الحب، منذ وجد الانسان.
هو : بل هناك الجديد، الحب الصامت بلا كلمة.
هى : المرأة تحب بأذنها.
هو : إذن العاشقة تحول النبض إلى كلمات.
هى : نبضك ينطق بلغة لم أتعلمها.
وتوالت لقاءات العاشقين الرومانسية تحت نفس الشجرة، وفى إحدى المرات قالت له : أنا خائفة
هو : مني؟
هى : من حبك.
هو : أي حب هذا الذي يخيف.
هى : الحب الذي يتسلل إلى القلب، دون أن ندري.
هو : وعندما ندري.
هى : نرتجف.
هو : ولماذا نرتجف؟.
هى : لأننا أضعف من أن نحب.
نهاية حزينة للحب البرئ
قرر (يوسف) أن يفاتح شقيقته (مريم فخر الدين) ويحكى لها قصة حبه، وضحكت (مريم) من ارتباك شقيقها الذي وقع في الغرام لشوشته، إلا أن (يوسف) أراد أن يضفي الشرعيه على هذا الإحساس، واستطرد يقول لشقيقته أريد أن أتزوج (إش إش) فقالت له : الزواج لن يكون إلا بعد التخرج من الجامعة التى رسبت فيها أكثر من مرة وإثبات نفسك أكثر في مجال الفن، فقال لها : لقد قدمت حتى الآن أكثر من 10 أفلام وأستطيع أن أفتح بيتا.
وبعد حوارات ونقاشات طويلة، وتدخل من جانب (محمود ذوالفقار) وافقت (مريم فخر الدين) على خطوبة شقيقها من ابنة الموسيقار الكبير، وبالفعل ذهبت ومعها زوجها إلى بيت الموسيقار الكبير، وظل (النجم الشاب) فى البيت والشوق يكاد يعصف به، وانتظر (يوسف) نتيجة المفاوضات التى اعتبرها أخطر مفاوضات العمر، وراحت أنفاسه تتلاحق، ودب الخوف في قلبه، الوقت يمر في تثاقل، عقارب الساعة لا تتزحزح عن مكانها إلا بإعجوبة.
وعادت (مريم) ولم يكن وجهها يبشر بأنها تحمل خبرا سعيدا، أسقط فى يد (يوسف) الح على شقيقته أن تعاجله بالخبر لأن قلبه لم يعد يحتمل، اضطرت أن تصارحه فى نبرات حزينة مرتجفة برأي (عبدالوهاب) الذى قال: أنه لا يرى مستقبل ابنته مستقرا مع فنان تحت سقف واحد!.
دمعت عينا (يوسف) وملأت المخاوف قلبه فالأيام لا أمان لها، ويبدو أنه كان صادقا فى إحساسه ومخاوفه من حكم الزمن، وانشغل فى عمله الفني لكنه لم ينسى دقة قلبه تحت الشجرة العتيقة، وسرح مع لقاءاته معها فما زالت فى أذنيه كلماتها القليلة كأنها لحن جنائزي مؤلم، فأجهش بالبكاء، حيث هزمته ذكرياته.
نصيحة أحمد رمزي
أثناء ذلك فقد (يوسف) صوت ضحكته، وأصبحت ابتسامته واهنه، وعقله دائما فى حالة شرود، ولاحظ ذلك صديقه الفنان (أحمد رمزي) ونصحه بالعمل والحب من جديد مرة أخرى، فالحياة لا تتوقف على امرأة، راح (يوسف) يقاوم إحباطه بالعمل أكثر في السينما التى تحقن الوجدان بمصل القوة والتفاؤل، ويحارب ما يحدث له بمشهد حلو ينال إعجاب زملائه، مع مرور الوقت وانغماسه فى العمل بدأ بالفعل ينسى حبه، خاصة بعد انفصال شقيقته (مريم فخر الدين) من زوجها (محمود ذوالفقار) بعد حوالي 8 سنوات من الزواج.
حب العمر نادية سيف النصر
فى تلك الفترة العصيبة التقى بإبنة الذوات (نادية سيف النصر)، التى كانت زوجة لدبلوماسي وعاشت معه طويلا فى باريس، ثم عادت إلى مصر وفى خفاياها عذاب، وفي يدها ورقة طلاق، واجتذبتها السينما، كانت (نادية) إمرأة ممشوقة القوام فاتنة الجمال، لها ابتسامه جذابه تأسر القلوب كانت تستطيع بجمالها وحده أن تأسر (يوسف) لكنها لم تشأ أن تسحره بجمال تقاطيعها، وإنما تعمدت أن تسحره بفتنة عقلها وقوة شخصيتها.
وبالفعل كما جذبته هى بجمالها، اجتذابها هو أيضا بهدوئه ووسامته، وتزوج النجم الوسيم من ممشوقة القوام.
ظهور صلاح نصر
بعد زواج (يوسف فخر الدين ونادية)، وطلاق (مريم فخر الدين)، ظهر رجل المخابرات القوى (صلاح نصر) فى حياة النجمة الشهيرة وحاول أن يستأثر بقلب القرنفلة البيضاء وأن يغرس مخالبه القاسية فى جسدها البض أيضا، فوجد ممانعة ومعارضة ومقاومة، وأثناء ذلك تعرفت (مريم فخر الدين) على الدكتور (عبدالحميد الطويل) أستاذ الأنف والأذن، الذى أجرى لها عملية في الأذن فى مستشفى (المواساة) بالأسكندرية، وربط الحب بينهما ووجدته منقذا لها من مطاردات (صلاح نصر)، وتزوجته، وسافرت معه إلى لندن لإكمال دراسته العليا، ونيل الدكتوراه.
نادية ومعاملة خشنة
أثناء ذلك صوب (صلاح نصر) سهامه إلى زوجة (يوسف فخر الدين) وبعد محاولات عدة، استطاع ضمها إلى المتعاونات مع جهاز المخابرات، ولم يكن الأمر سهلا على (نادية سيف النصر) حيث عاشت أيام صعبة، وكانت حائرة بين حبها لزوجها، وعملها الجديد مع (صلاح نصر)، مما جعلها تثور لاتفه الأسباب، لا تحتمل كلمة من زوجها أو الخادم أو الطباخ، معظم وقتها تقضيه ساهمة شاردة، ولم يعلم (يوسف) ما يدور فى الخفاء من وراء ظهره، حتى أنه شكا لـ (أحمد رمزي) أن زوجته أصبحت لا تطاق، ودمعت عيناه وهو يستطرد فى نبرات حزينة قائلا: صدقني يا (رمزي) لولا أنى أحبها لطردتها من بيتي بعد أن بدأت تعاملني بخشونة، ولولا شعوري بأني أمام إمرأة أخرى لا تمت بصلة إلى (نادية) بنت الأصول والحسب والنسب، لا أصدق أن تتنكر امرأة لزوجها الذي كانت تنتظره فى شرفة المنزل منذ لحظة خروجه حتى لحظة عودته!
خطة جهنمية
بعد عامين فى الخارج رجعت القرنفلة البيضاء إلى أرض الوطن، ومعها زوجها الدكتور(عبدالحميد الطويل) بعد أن حصل على الدكتوراه، وبدأ (صلاح نصر) معاودة الاتصال بها، لكنها كانت تصده، وعرف رجل المخابرات بغريزته الذكية أن الزوج هو العقبة فرأي أن يصطاده، وجعل زوجة الأخ هى الطعم! وأدار خطته بذكاء شديد، حيث أكتشف أن الزوج ضعيف أمام الجمال، فسلط عليه (نادية سيف النصر) التى كان من الصعب أن يقاوم (الطويل) فتنتها، وعندما تحدد لقاء الغرام الساخن بين العشيق والعشيقة، اتصل بـ (مريم وشقيقها يوسف فخر الدين) ليرى بأعينهما الخيانة!
انهيار يوسف
سقطت فجأة دموع ساخنة فوق خد (يوسف) كأن بركان الحب ينفجر هذه اللحظة من عينيه، وكانت (مريم) أكثر تماسكا، وعندما رأت الدموع تنزل بغزارة من عيون شقيقها احتضنته، وأخفى رأسه على صدرها وأجهش ببكاء مسموع، بعد أن رأى بعينيه هو وشقيقته لقاء الغرام الساخن، انهار بيت مريم، وانهار بيت يوسف، وكان حزن النجم الوسيم مضاعفا، فقد حزن لأن هناء أخته تصدع، وحزن أكثر لأن معول الهدم خرج من بيته.
ولازم الفراش بمنزل شقيقته ورفض أن يعود إلى شقته التى تركتها زوجته، رفض حتى أن يجمع منها أشياءه وحاجياته الضرورية، توقف عن العمل، ساءت صحته، يبدو كما لو كان مشلول الجسد واللسان.
أعمال بلا هدف
أثناء فترة مرضه زاره مجموعة من أصدقائه، لكنه آثر الصمت ولم يتفوه بكلمة عن مصابه الفادح، لكنهم بعد أن رأوا حالته الجسدية تسوء، وتذبل صحته، نصحوه أن يداوي جرحه العميق الذي لا يعرفوه بالعمل، فحاول إسدال الستار على حياته الشخصية وذاب في العمل، لدرجة أنه كان يوافق على بطولة أفلام لا يقرأ قصصها تعتمد على المطاردات والأكشن والإثارة الساذجة، أو أفلام كوميدية ترسم البسمة على شفاه الجمهور، وأثناء ذلك علم أن (نادية سيف النصر) رحلت إثر تعرضها لحادث سير في العاصمة اللبنانية بيروت!! ولا أحد يدري إذا كان مدبرا أم قضاءا وقدر.
السفر إلى اليونان
رغم محاولته العمل فى السينما والتليفزيون بكثرة وطوال فترة السبعينات، لكن صورة خيانة (نادية والطويل) لم تبارح ذاكرته، واتسع الجرح في قلب الشاب الوسيم المعذب، ولم يكن أمامه سوى الهروب، فبعد أن هرب إلى الفن، ولم يفلح هروبه، قرر الهجرة إلى اليونان، وبالفعل استقر مع منتصف الثمانينات فى اليونان وتزوج هناك من زوجة يونانية، زواج عقل، لم يثمر عن أولاد، وانقطع (يوسف فخر الدين) عن التمثيل نهائيا في منتصف الثمانينات، وقرر اعتزال الفن والاهتمام بتجارته في اليونان حتى رحيله يوم 27 ديسمبر 2002 عن عمر ناهز 67 عاما، بعد أن قدم حوالي 100 فيلم سينمائي، وحوالي 20 مسلسلا تليفزيونيا، ولم تستطع (مريم فخر الدين) إحضار جثمان أخيها لدفنه فى مصر للتكاليف الباهظة، لذلك تم دفنه فى المقابر الكاثوليكية فى أثينا، لعدم وجود مقابر للمسلمين هناك!.