بقلم الدكتور: طارق عرابي
النجم الذي يحرص على وسامته ومظهره الجميل وهو يؤدي دور شخصية تبتعد ملامحها ومواصفاتها عن الوسامة والجمال هو ممثل فاشل أو هو بالأحرى لا يستحق أن يكون ممثلاً .
وعلى الممثل أن يفكر في كل الأشياء التي قد تُفقده ثقة واحترام الجمهور ومن بين تلك الأشياء تعاليه على الدور الذي يؤديه وتغليبه لشخصيته الأصلية على شخصيته الدرامية بالعمل الفني الذي يشارك فيه وذلك بدافع (إرادي أو لا إرادي) للحفاظ على شكله ووسامته أمام الجمهور .
إن علاقة الثقة والاحترام بين الممثل والمشاهد ليست علاقة أحادية الاتجاه (من المشاهد للنجم) بل هي علاقة متبادلة تبدأ من الممثل أولاً ، فإن أبدى الممثل من خلال أعماله احترام عقل ووجدان المُشاهد فإنه سينال أكبر جائزة في العالم وهي جائزة ثقة الجمهور في شخصه كنجم وتقديره واحترامه لما يقدمه من قيمة فنية حقيقية ، والممثل (أو الإعلامي) الغبي هو الذي يفترض أن أيَ فصيلٍ من الجمهور غبي ولا يستطيع كشف كذبه .
والممثل صاحب المعرفة على عكس الممثل الجاهل ، فهو يفكر في كل مُشاهد على حده وكأنه يقف أمامه وجهاً لوجه ، ويدرك أن تنوع أمزجة الملايين من جمهوره لا يتعارض مع التزاماته كفنان والتي من بينها حسن اختياره للعمل الفني الذي يحمل قيمة للناس ، وإجادته في آداء الشخصية التي يجسدها بهذا العمل .
يُعتبر الراحل – الباقي “أحمد زكي” نموذجاً مثالياً رائعاً للفنان الذي قدم احترامه الشديد لجمهوره من خلال اختياراته لأعماله الفنية وإتقانه المبهر للشخصيات التي جسدها في تلك الأعمال ، وكنتاجٍ طبيعي لذلك نال الفنان “أحمد زكي” ثقة واحترام الملايين ، فعلى سبيل المثال لا الحصر ، لا يمكن أن ترى “أحمد زكي” في “البيه البواب” بل سترى “عبد السميع” ، وستراه “أحمد أبو كامل” في “شادر السمك” و “زينهم جاد الحق” في “الإمبراطور” .. إلخ ، فإدراكه المعرفي بكل تفاصيل الشخصية وإتقانه في تجسيدها يأخذك بعيداً كل البعد عن شخصية النجم “أحمد زكي” ويذيبك معه في تلك الشخصية التي يجسدها .
وهذا هو ما فعله النجم الشاب “إدي ريدمين” في تجسيده لشخصية “ستيفن هوكينج” في فيلم مأخوذ عن قصة حقيقية بعنوان The Theory of Everything والذي يعني بالعربية (نظرية كل شيء) ، وبسبب آداء “إدي” وتقمصه الكامل لشخصية “هوكينج” بشكل مذهل فإنك ستراه طوال الفيلم “ستيفن هوكنج” وليس “إيدي ريدمين” وقد نال عن هذا الآداء البارع جائزة الأوسكار كأفضل ممثل في دور رئيسي وعمره 32 عاماً في حفل الأوسكار 2015 (الفيلم إنتاج 2014) ، وهو الفيلم الذي سنتناوله بمزيدٍ من التفاصيل من بين كل أعمال النجم “إدي ريدمين”.
“إدي ريدمين” تنازل عن وسامته فنال الأوسكار !
وُلد “إدي ريدمين” Eddie Redmayne عام 1982 في العاصمة البريطانية لندن ، والده رجل أعمال بريطاني ، وجده الأكبر لأبيه هو السِير Sir “ريتشارد ستودرت ريدمان” الذي كان مهندساً شهيراً في مجالي البناء المدني والتعدين .
“إدي ريدمين” هو الشخص الوحيد في عائلته الذي اتجه إلى فن التمثيل وبدأ يمارسه منذ الصغر كهاوٍ في المسرحيات المدرسية ، وقد لاقت موهبة “إدي” في التمثيل الدعم والتشجيع من والديه والتحق بكلية “ترينيتي” Trinity College في “كامبريدج” لدراسة تاريخ الفن .
بدأ “إدي” مسيرته الفنية من المسرح ابتداءً من مسارح المدرسة والجامعة وصولاً للمسرح الوطني الموسيقي للشباب في لندن National Youth Music Theatre ، وقد كان أول آداء مسرحي احترافي له في مسرحية “الليلة الثانية عشر” Twelfth Night عام 2002 على مسرح “شكسبير جلوب” Shakespeare’s Globe Theatre ، وفي عام 2004 فاز بجائزة “الواعد الجديد المتميز” Outstanding Newcomer Award عن دوره مسرحية بعنوان The Goat للكاتب الأمريكي “إدوارد ألبي” ، ثم شارك بدورٍ كبير في مسرحية Red عام 2009 على مسرح “دونمار ويرهاوس” في لندن وفاز عنها بجائزة “أوليفر” Oliver Award كأفضل ممثل في دور مساعد ، وعندما انتقل “إدي” بالمسرحية في 2010 لعرضها على مسارح “برودواي” بمدينة نيويورك الأمريكية فاز عنها بجائزة “توني” Tony Award (أرقى جائزة مسرحية في الولايات المتحدة) وهي جائزة أفضل آداء لممثل مسرحي مميز Best Performance by a Featured Actor in a Play .
بالتوازي مع مسيرته المسرحية الناجحة خلال تلك الفترة ، بدأ “إدي” أول عمل تلفزيوني له عام 1998 في مسلسل Animal Ark ثم شارك عام 2003 في المسلسل الإنجليزي الشهير Doctors الذي بدأ في عام 2001 ومازال مستمراً حتى وقتنا الحالي من عام 2020 (بعدد 3981 حلقة – مدة الحلقة 30 دقيقة) ، ثم شارك عام 2005 مع النجمة “هيلين ميرين” والممثلين القديرين “توبي جونز” و”جيريمي آيرونز” ونجوم آخرين في المسلسل التلفزيوني Elizabeth I .
وجاء أول ظهور سينمائي للنجم “إدي ريدمين” في فيلم Like Minds عام 2006 وشارك بعده وبنفس العام في فيلم The Good Shepherd الذي أخرجه وشارك فيه بالتمثيل النجم الكبير “روبرت دي نيرو” مع النجم “مات ديمون” والنجمة “أنجيلينا جولي” .
ويأتي عام 2007 ليكشف عن موهبة وقدرات “إدي ريدمين” عندما يقف أمام النجمة الكبيرة “جوليان موور” في الفيلم المأخوذ عن قصة حقيقية بعنوان Savage Grace ويجسد فيه “إدي ريدمين” شخصية “أنتوني” الإبن الوحيد للسيدة “باربرا بيكلاند” (جوليان موور) وهو شاذ جنسياً ومصاب بمرض فصام الشخصية ، والذي تحاول أمه علاجه من ميوله الجنسية الشاذة ولكن بطريقة تجعله أسوأ مما هو عليه حيث تحاول علاجه بإغوائه وجذبه لممارسة رزيلة زنا المحارم معها ، وهو الأمر الذي أوصله إلى قتلها في النهاية .
ويختتم “إدي” عام 2007 بمشاركة النجمة “كيت بلانشيت” والنجم “كليف أوين” في فيلم الدراما التاريخية Elizabeth:The Golden Age الذي ترشحت عنه “كيت بلانشيت” لجوائز الأوسكار وجولدن و BAFTA كأفضل ممثلة في دور رئيسي .
نتناول فيما يلي المحطات السينمائية الهامة في مسيرة النجم “إدي ريدمين” من بعد عام 2007 .
– في عام 2008 يشارك “إدي” في عملين للسينما ، يبدأهما بفيلم The Yellow Handkerchief ويختتم العام بمشاركته النجمتين “ناتالي بورتمان” و”سكارليت جوهانسون” والنجمين “إريك بانا” و”بينيديكت كامبرباتش” ونجوم آخرين في الفيلم المأخوذ عن قصة حقيقية بعنوان The Other Boleyn Girl .
– في عام 2014 يقدم “إدي” واحداً من أعظم أدواره على الإطلاق في فيلم سيرة ذاتية حقيقية لعالم الفيزياء والكون “ستيفن هوكينج” بعنوان The Theory of Everything مع النجمة “فيليسيتي جونز” التي قدمت هي الأخرى بهذا الفيلم آداءً استثنائياً في مسيرتها الفنية من خلال شخصية “جين وايلد” (تغير الإسم إلى “جين هوكينج” لاحقاً) حبيبة وزوجة ورفيقة درب العالم “ستيفن هوكينج” .
وتبدأ القصة في ستينيات القرن الماضي من جامعة “كامبريدج” المرموقة بوقوع الشاب اليافع طالب الفيزياء العبقري “ستيفن هوكينج” في حب الرقيقة والحسناء طالبة الفنون بنفس الجامعة “جين وايلد” ، ثم يصدمه القدر باكتشاف إصابته بمرض العصب الحركي motor neuron disease وهو مرض خطير يعمل تدريجياً على تدمير الخلايا العصبية الحركية وانتكاسة وضعف عضلات الجسد ، وبعد علمه بمرضه الخطير يحاول “ستيفن” الابتعاد عن “جين” حتى لا يظلمها بعيش حياة صعبة ومريرة مع شخص يعاني من مرض خطير كهذا ، ولكن “جين” المحبة الوفية ترفض الابتعاد وتصر على أن تكون حياتها معه مهما كلف الأمر ، وبالفعل تزوجا وراحت “جين” تبث روح الأمل في “ستيفن” وتقوم بمهامها الصعبة في خدمته ومساعدته ، وأصبحت “جين” خط الدعم الأول والأقوى في حياة “ستيفن” ومسيرته العلمية والبحثية ، واستطاع “ستيفن” بحب “جين” وتفانيها المستمر في خدمته ودعمه أن يتخطى كل الصعاب والمحن ويحقق اكتشافات علمية مذهلة حتى نال شهرة عالمية واسعة ، ووصلا معاً إلى أكثر مما كانا يتخيلان أو يتوقعان ، ورغم أن الفصل الثاني من علاقتهما صار مأساوياً وتطلقا إلا أن علاقة الحب والصداقة لم تتوقف بينهما . وقد التقى الممثل “إدي ريدمين” والممثلة “فيليسيتي جونز” مع الشخصيتين الحقيقتين لهذه القصة (ستيفن وجين هوكينج) قبل تصوير الفيلم ، وبعد هذا الفيلم بأربع سنوات رحل العالم الحقيقي “ستيفن هوكينج” عن عالمنا في عام 2018.
كتبت “جين هوكينج” طليقة العالم “ستيفن هوكينج” القصة الأصلية لهذا الفيلم عام 2010 في كتاب بعنوان Travelling to Infinity: My Life With Stephen والذي يعني بالعربية (السفر إلى مالانهاية: حياتي مع ستيفن) ، وكتب سيناريو الفيلم المبدع “أنتوني ماكارتِن” وأخرجه “جيمس مارش” .
ترشح هذا الفيلم لخمس جوائز أوسكار فاز منها “إدي ريدمين” للمرة الأولى والوحيدة في حياته إلى الآن بجائزة الأوسكار كأفضل ممثل في دور رئيسي كما فاز عن نفس الفيلم بجائزتي جولدن جلوب و BAFTA كأفضل ممثل في دور رئيسي ، وكان من بين ترشيحات الأوسكار النجمة “فيليسيتي جونز” كأفضل ممثلة في دور رئيسي كما ترشحت لجائزتي جولدن جلوب و BAFTA كأفضل ممثلة في دور رئيسي ، وترشح الكاتب “أنتوني ماكارتِن” لجائزة الأوسكار وفاز بجائزة BAFTA كأفضل سيناريو ، وترشح الفيلم لجائزتي الأوسكار و BAFTA كأفضل موسيقى أصلية وفاز بنفس نوع الجائزة من جولدن جلوب ، كما ترشح الفيلم لجائزتي الأوسكار وجولدن جلوب كأفضل فيلم (إنتاج) وفاز بنفس نوع الجائزة من BAFTA .
تكلف إنتاج هذا الفيلم 15 مليون دولار وجمع عالمياً حوالي 124 مليون دولار .
– في عام 2015 يقدم “إدي” واحداً من أدواره الصعبة للغاية في فيلم The Danish Girl المأخوذ عن قصة حقيقية لأول عملية جراحية لتحويل الجنس من ذكر إلى أنثى ، وتبدأ قصة الفيلم عام 1926 في العاصمة الدانماركية كوبنهاجن لتعكس علاقة الحب والسعادة المتبادلة بين فنان المناظر الطبيعية “آينار” (الممثل إدي ريدمين) وزوجته فنانة البورتريهات “جيردا” (الممثلة أليسيا فيكاندر) .
وسرعان ما يكتشف “آينار” شعور الأنوثة في نفسه وأن ميوله النفسي والوجداني يشعره أنه إمرأة وليس رجل وقد أحب أن يكون “لِيلي” Lili بدلاً من “آينار” ، وتقف زوجته بجانبه في هذه المعضلة ويحاولا معاً علاج الوضع للعودة إلى طبيعته كرجل ولكن الأمر يفشل ، وتصل المشكلة للأطباء الذين حاول بعضهم حبس “ليلي” (آينار) باعتبارها مجنونة ومنحرفة.
عندما يقابلا الدكتور “كورت وارنيكروس” يوضح لهما أنه رأى حالات عديدة من الأشخاص الذين لديهم مظهر الذكورة الخارجي ولكنهم في الحقيقة إناث ، ويقترح عليهم حلاً مبتكراً يتمثل في أن تخضع “ليلي” (آينار) لعمليتين جراحيتين على مرحلتين مختلفتين ، الأولى استئصال الأعضاء التناسلية الذكورية الخارجية ، والجراحة الثانية تأتي بعد فترة تعافي كافية من الجراحة الأولى ، ويتم فيها تشكيل المهبل الأنثوي بدلاً من الأعضاء الذكورية المُستأصَلة ، وقد حذرهما الدكتور “كورت” من مدى خطورة هذه العملية لأنها ستحدث كأول تجربة في تاريخ الطب والجراحة ، ولكن “آينار” يوافق على العملية التي ستحوله إلى “لِيلي” ، وتتم الجراحة ولكن “ليلي” (آينار) تموت في النهاية من المضاعفات الناجمة عن الجراحة .
ترشح هذا الفيلم لأربع جوائز أوسكار فازت منها ” أليسيا فيكاندر” بجائزة أفضل ممثلة في دور مساعد وترشحت لنفس نوع الجائزة من جولدن جلوب و BAFTA ، وترشح “إدي ريدمين” عن هذا الفيلم لجوائز الأوسكار وجولدن جلوب و BAFTA كأفضل ممثل في دور رئيسي.
– في عام 2016 يجسد “إدي ريدمين” شخصية “نيوت اسكاماندر” في فيلم الفانتازيا والإثارة العائلي Fantastic Beasts and Where to Find Them بمشاركة النجم “كولِن فاريل” والنجمة “سامنثا مورتون” ونجوم آخرين ، وقد ترشح الفيلم لجائزتي أوسكار فاز منها بجائزة أفضل تصميم ملابس والترشح الثاني كان لأفضل ديكور ، وفاز بجائزة BAFTA كأفضل ديكور وترشح من نفس الجهة لأربع جوائز أخرى كأفضل فيلم (إنتاج) وأفضل تصميم ملابس وأفضل صوت وأفضل مؤثرات بصرية خاصة (أفضل خدع سينمائية) . تكلف إنتاج هذا الفيلم 180 مليون دولار وحصد عالمياً أكثر من 814 مليون دولار .
ويقدم الجزء الثاني من هذا الفيلم بعنوان Fantastic Beasts: The Crimes of Grindelwald عام 2018 مع النجمين “جوني دِب” و”جود لو” ، وقد تكلف إنتاجه 200 مليون دولار وحصد عالمياً حوالي 655 مليون دولار ، وبذلك تكون النسختان قد جمعتا حوالي مليار و 470 مليون دولار . ومن المقرر أن يصدر الجزء الثالث عام 2022 بعنوان Fantastic Beasts and Where to Find Them 3 .
– في عام 2020 يشارك “إدي” في فيلم The Trial of the Chicago 7 المأخوذ عن القصة الحقيقية التي وقعت عام 1969 في ولاية “شيكاغو” الأمريكية حول اتهام الحكومة الفيدرالية لسبعة أشخاص بتهمة التآمر بسبب مشاركتهم في الاحتجاجات التي حدثت في المؤتمر الوطني الديموقراطي عام 1968 ، وتمت محاكمتهم بشكل أذهل كل الأمريكيين وأثار جدل حول الفوضى التي تقوض الحكومة الأمريكية . وقد تم عرض هذا الفيلم في شهر أكتوبر من هذا العام في ظل ظروف جائحة كورونا العالمية مما حجب التقييم الحقيقي للفيلم فنياً وتجارياً .