أحمد سعيد عبد الغني .. براعة الأداء الاحترافي
كتب : مروان محمد
طفولته منعمة بالفن إلى حد كبير، وذلك بحكم أنه ورث جيانته بالسليقة من خالته الفنانة زهرة العلا، ووالده الممثل الراحل الكبير والقدير سعيد عبدالغني، فمنذ طفولته المبكرة كان والده يقوم على تربيته وتدريبه في تلك البيئة الفنية الخصبة، ومرافقته له في الاستديوهات حتى أصبح قدوته الأولى والمثل الأعلى له، فقد كان معلمه الخاص في عالم الفن حيث أدخله في ذلك العالم الرحب، فاستمع إليه واستفاد من نصائحه، وعلى الرغم من دخوله مجال الفن عن طريق والده إلا أنه أثبت تفوقه ونجاحه في كثير من الأدوار المميزة ، وليس الفن فقط حتى كرة القدم والنادي الأهلي فشجعه وأحبه عن طريق والده، فهو أقرب له من باقي أشقائه الآخرين.
أحمد سعيد عبد الغني ممثل برع في كثير من الأدوار منذ بدايته لكنه نضج مؤخرا، وأصبح المعادل الموضوعي للجدية والاجتهاد، وكذلك اللعب بحرفية كبيرة على أوتار الشخصيات التي يلعبها في قلب الدراما المصرية الحالية، حتى أصبح رقما صعبا في معادلة جيل الشباب الحالي، وربما ساهم في إجاته تلك أنه انتقل من الصحافة إلى التمثيل، ليبدأ مسيرة فنية ناجحة تيمنا بوالده الفنان (سعيد عبد الغني) تتخللها أدوار وأعمال متنوعة على المسرح، والسينما، والتلفزيون؛ اشتهر من خلالها بأداء الشخصيات التي تمثل الشر في مواجهة الخير، ولأن والده هو من شجعه على دخول مجال التمثيل، فكانت أول مشاركةٍ له معه من خلال مسلسل (شمس الأنصاري)، أما أول أعماله فكان في مسلسل (أم كلثوم) إلى جانب النجمة صابرين.
انتهج أحمد سعيد عبد الغني نهج والده في أدوار الشر المركبة، وذلك إنطلاقا من قناعته الشخصية أن أدوار الشر هى المحرك الرئيسي لأي عمل درامي لأنها تواجه البطل وتدخل معه في سجال يمنح الممثل الفرصة لإخراج طاقاته، خصوصا أنني أحرص على عدم تقديمه بشكل تقليدي وأتصور أنني نجحت في ذلك، هكذا يقول عبد الغني، ويضيف: في اعتقادي لا يشترط في الممثل الذي يؤدي هذا النوع من الأدوار حمل صفات شريرة سواء في الشكل أو في المضمون لأن معظم العمالقة الذين أدوا هذه الشخصيات مثل المبدعون (محمود المليجي وعادل أدهم وفريد شوقي) كانوا من ألطف الناس على المستوى الشخصي، وتمتعوا برقة قلب كبيرة، وربما هذا يتوافق مع قاعدة ستانسلافسكي التي تقول: (عندما تؤدي دور الشرير، ابحث عن الجانب الطيب فيه، وعندما تلعب دور العجوز ابحث عن الجانب الفتي فيه).
كذلك يؤمن (أحمد سعيد عبد الغني) بأنه لا يجب على من يقدم هذه الأدوار رفع حاجبيه مثلا أو اعتماد مواصفات شكلية في إقناع المشاهد، المهم الدخول في تفاصيل الشخصية فيقدم الشر الداخلي ومن ثم يقنع الجمهور والنقاد بأدائه الذي يجب أن يتنوع ويختلف من دور لآخر وفقا لطبيعته، وهو ما يؤكد عليه قائلا: أحرص عليه دائماً، وبالتأكيد اجتهد كي لا أسجن نفسي في نوع محدد، حتى لو قدمت الإطار نفسه أحاول التجديد دائماً كي لا يمل الجمهور مني، كما أحرص أيضا على تقديم أي دور يعرض على بشكل مختلف ومن ثم أثبتّ موهبتي وقدرتي في البحث عن الجديد دائما.
استطاع (عبد الغني) خلال فترة قصيرة من بداية عمله في مجال التمثيل أن يكون مقنعا مقبولا متلائما مع نفسه يؤدي دوره بشكل كامل وعبر مضمون جيد وبمنطق لا يقبل الشك، وهذا حتم عليه أن يعيش واقع الشخصية لا أن يمثلها، وتلك الحتمية تلزمه أن يكون حيا، حيويا، يتنفس الحياة بصدق ويضفي على الشاشة حضورا حيا، ذو نظام يستند إلى القوانين الطبيعية في الحياة، شرط امتلاكه التلقائية المطلوبة على التي تجعل من الصعوبة عادة، وعادة سهلة تمتزج مع شروط التمثيل في (المزاج، الضبط ، العدالة ، الابتعاد عن الميكانيكية)، وهنا يبدو لي (أحمد) بحسب أعماله الأخيرة التي برع في تجسيدها، طبيعيا ذا موهبة في الوصول إلى شخصية الممثل الناجح الذي يمتلك الشروط التي حددها (ستانسلافسكي) والتي يعتبرها مهمة جدا في فن التمثيل.
ولد (أحمد سعيد عبد الغني) في 10 يناير 1976 بالقاهرة لأسرة فنية، وكان لوالده دورا كبيرا في بناء شخصيته، وتوجيهه نحو عالم الفن والتمثيل، إضافة للعب كرة القدم، وفور حصوله على ليسانس الحقوق من جامعة القاهرة عمل في مجال الصحافة بعد التخرج في صحيفة الأهرام تحديدا، قبل أن يتجه للتمثيل بتشجيعٍ من والده، وكانت بدايته على خشبة المسرح حيث صقل موهبته وأثار انتباه المخرجين، وحصل على أول أدواره في مسلسل (زيزينيا) الجزء الأول عام 1997، تلاه مسلسل (الدوغري 90) في العام نفسه، ثم ظهر في الجزء الأول من العمل الدرامي، الذي وثق الأحداث السياسية إبان الثورة المصرية وحتى عهد السادات والذي كان يحمل عنوان (أوراق مصرية)، ثم من بعده مسلسل (وبقيت الذكريات) في 1998
يعتبر عام 1999 فارقا في حياة (عبد الغني) حيث حمل العديد من الأعمال المهمة في مسيرته الفنية، فقدم أدوارًا مساعدة في مسلسلات: (وبعد الظلام تشرق الشمس، حارة برجوان، ع الحلوة والمرة، لما التعلب فات، نوبة صحيان، جسر الخطر)، أما أبرز هذه الأعمال على الإطلاق فكان كونه واحدا ضمن فريق العمل الدرامي الذي يوثق حياة الفنانة الشهيرة الراحلة أم كلثوم ويحمل اسمها، كما شارك في مسرحية (الأيام المخمورة) في نفس السنة، أول تجاربه السينمائية كانت عام 2000 في فيلم (رجال من مصر) حيث جسد دور البطولة، تلاه مسلسلي (ليلة مقتل العمدة”، الجحيم رجل).
تنوعت أعمال (أحمد سعيد عبد الغني ) بين التلفزيون والسينما، بفضل ما نال أداؤه من نقد إيجابي، حيث ظهر عام 2001 في مسلسلات: (حديث الصباح والمساء، صراع الأقوياء، سوق العصر وليه يا دنيا)، إضافةً لفيلم (رحلة حب) مع أحمد حلمي، وشارك في العام التالي في مسلسل (شمس منتصف الليل) بطولة والده سعيد عبد الغني، ثم مسلسل (قاسم أمين)، الذي كان يوثق حياة الراحل قاسم أمين، وبعده شارك في فيلم (عاوزين لعب)، ومسلسلي (زمن عماد الدين، والأحلام البعيدة).
غلبت الأدوار التلفزيونية على مسيرة (أحمد سعيد عبد الغني) الفنية إلى جانب أعمال سينمائية بين الحين والآخر، وخاصة في مرحلة النضج الفني التي بدأت معه مبكرا، فقدم عدة مسلسلات تنوعت على مستوى الشكل والمضمون بين درامية، واجتماعية، ورومانسية وغيرها هى: (الحقيقة والسراب، وأمانة يا ليل، وذنوب الأبرياء، وأولاد الأكابر في 2003، والقاهرة منفلوط والعكس، وعفاريت السيالة، وعباس الأبيض في اليوم الأسود، وأحلام هند الخشاب في 2004. المنادي، والرقص مع الزهور، وطائر الحب في 2005، تخللها فيلمي (مندور، وعزيزة عام 2004، وعلمني حبك عام 2005).
مع بداية عام 2006 كانت الأعوام التالية أكثر عنى وثراء فنيا بالنسبة لعبد الغني، كما ظهر ذلك في مسلسلات (مواطن بدرجة وزير، و(بنت بنوت) بدور رئيسي، و(اللي اختشوا ماتوا)، إضافة لفيلمي (مطب صناعي، وكامل الأوصاف) بأدوار مساعدة؛ وفي عام 2007 قدم مسلسلي (نقطة نظام وعمارة يعقوبيان)، والأخير ضم كوكبةً من نجوم مصر، إلى جانب ظهوره في 5 أفلام هى: (كود 36، وكشف حساب، وجوبا، وخارج على القانون، وحين ميسرة)، ثم شارك عام 2008 في مسلسل (من الزمن ده)، وفيلم (البشمهندس حسن)، وأخيرًا مسلسل أفراح إبليس، وفيلم أزمة شرف، إضافة لفيلم أكذوبة الذي لم يتم عرضه في 2009.
بعد توقف لمدة عام عاد عبد الغني إلى شاشة التلفزيون بمسلسلي (تلك الليلة، والزناتي مجاهد في 2011)، ثم مسلسلي (بنات x بنات، وشمس الأنصاري في 2012)، كما ظهر في 2013 بأول جزء من السلسلة الناجحة (سلسال الدم) إلى جانب عبلة كامل، وفي فيلم (ثمانية بالمئة)، تلاه مسلسل (ابن حلال) مع محمد رمضان في 2014، وفي 2015 خاض أول تجربة أداء صوتي في الدبلجة العربية لفيلم Sinba، تلاه الجزء الثاني من سلسال دم، إضافة لمسلسل (أسرار)، ثم قدم في 2016 أربعة أعمال تلفزيونية (هي دافنشي، القيصر، جراب حواء، سلسال الدم – الجزء الثالث، وظهر في مسلسلي (كفر دلهاب 2017)، و (رسايل 2018)، ثم مسلسل (ضد مجهول) مع غادة عبد الرازق.
وفي 2020 شارك في مسلسلس (ونحب تاني ليه، والوجه الآخر) والأخير انتهت حلقات الأربعاء الماضي، حيث قدم شخصية طبيب فاسد وشرير بطريقة ناعمة تؤكد موهبته الحقيقية في تجسيد الأدوار المركبة التي تحمل الشر في عباءة الرومانسية والهدوء وبرود الأعصاب القاتلة، تماما كما جاء في لعبه لدور الدكتور (رمزي) الذي تألق خلال الـ 45 حلقة بطريقة تؤكد على ابن الوز عوام.
تحية تقدير واحترام من بوابة (شهريار النجوم) للفنان الشاب (أحمد سعيد عبد الغني) الذي ورث جينات التمثيل عن والده الراحل الكبير، واجتهد أكثر حتى أصبح واحد من الممثلين الشباب الأكفاء في حسن الأداء الاحترافي الذي يؤهله لخوض تجارب أكثر نضجا، لو انتبه المنتجون والمخرجون لتلك الموهبة الكبيرة التي تختزن بداخلها طاقة كبيرة على العطاء!!.