* لن أتحدث عن مشاريع فنية جديدة حتى يأخذ عملي الجديد حقه من المشاهدة
* ردود الفعل الإيجابية حول العمل فاقت خيالي
* في كل زمان ومكان الأعمال المتدنية والمسفة والمبتذلة موجودة ووجودها يبرز ويعطي أهمية للأعمال الراقية
* اشتغلت اللحن بمسئولية كبيرة وبمحبة أكبر
كتب : أحمد السماحي
الموهبة طفل صغير يولد فى وجدان إنسان لتتحول مع الزمن إلى ينبوع لا ينبض من العطاء، وموهبة الموسيقار والملحن اللبناني (هشام بولس) لا ينقصها الدراسة وأحلامه لا ينقصها الإصرار وطموحه لا ينقصه الجهد، ثقافته وعلمه هى وقود إبداعه، وعقله هو القادر على شحن بطاريات موهبته بالجنون الفني الذي يتمناه.
قدم لنا على مدى مشواره الفني الذي اقترب من الـ (15) عاما مجموعة من الروائع الغنائية التى لا تنسى والتى تركت فى وجداننا بصمة واضحة، كالوشم، فهو صاحب (هيدا الغرام) لباسمة، و(ضميرك مرتاح، خايف، جاي على الهدا) لوائل كافوري، و(عم بكره الموسيقى، أهى جت، وليلى) لأنغام، و(انت الوحيدي) لصابر الرباعي، و(أكتر محلوه) لأيمن زبيب، و(عقدة ذنب) لملحم زين، و(كيفك بالحب، مش إنت) لنانسي عجرم، وغيرها من الروائع التى أثرت فينا وأعادتنا بعذوبتها الشديدة وإطارها اللحني الجديد والمختلف عن السائد إلى زمن الكبار فى مجال الموسيقى.
منذ أيام قليلة سبح الدكتور (هشام بولس) ضد تيار الإسفاف والابتذال الحادث الآن بكثرة فى الأغنية العربية، وسبح أيضا ضد المعاني والمفردات المستهلكة وذهب إلى شاعرنا الكبير (نزار قباني) ولحن له قصيدة (إلى بيروت الأنثى) التى كتبها شاعرنا الكبير عام 1981 تحت عنوان (إلى بيروت الأنثى مع الاعتذار).
فى هذا العمل الذى اختار منه بعض الأبيات سرقنا اللحن من أنفسنا وجعلنا نعود إلى زمن أساطين النغم، لنعيش أجواء مليئة بالشجن الجميل والمشاعر المرهفة مع صوت (نانسي عجرم) وهى تغني واحدة من أجمل وأرق القصائد الغنائية التى استمعنا إليها فى الفترة الأخيرة والتى، أعادت إكتشاف المطربة من جديد، يقول مطلعها:
آه يَا عُشَّاقَ بَيرُوتَ القُدَامَى
هَل وَجَدتُم بَعدَ بَيرُوتَ البَدِيلاَ ؟
إِنَّ بَيرُوتَ هِيَ الأُنثَى الَتِي
تَمنَحُ الخَصبَ وَتُعطِينَا الفُصُولاَ
إِن يَمُتْ لُبنَانُ … مِتُّم مَعَهُ
استطاعت (نانسي عجرم) بأدائها المليئ بالبساطة والعذوبة والشجن أن تجعلنا نبكي بحرقة على لبنان الأخضر الجميل، وأكمل الصورة المخرج (سمير سرياني) الذي قدم واحدا من أنجح الكليبات الغنائية، حيث الواقعية في كل مكان وزاوية فى البيت اللبناني خاصة، والبيت العربي عامة، وناقش بعمق وبساطة مشكلة الهجرة التى يحلم بها كثير من الشباب اللبناني الآن خاصة بعد انفجار بيروت، وشعرنا جميعا بصدق ودفىء وحميمية الأداء فى الكليب أن (سرياني) اصطحب (نانسي عجرم) إلى منزل إحدى الأسر اللبنانية وصور فى منزلهم البسيط الذي يشبه بيوت معظم الأسر العربية.
وكانت نهاية الكليب مؤثرة للغاية حيث تجمع أفراد العائلة حول الابن المهاجر لتوديعه، ويصل الكليب إلى ذروة الشجن لحظة وصول سيارة التاكسي، كانت المشاهد مليئة بمشاعر وأحاسيس ينفطر لها القلب، خاصة والأم تحاول إمساك دموعها وهى تقول لابنها المهاجر (ضبيتلك بالشنطة كيلو زعتر، ومرطبان المربى اللي بتحبو وربطتين خبز).
والأخت التى تجسدها (نانسي) والتى تحاول التماسك والصمود، وعدم سقوط الدموع من عيونها، والتى تحتضنه قائلة (انتبه على حالك)! ليرد الأخ بصوت مجروح (حاضر يا أختي).
والجميل في نهاية الكليب الدعوة ليس للهجرة ولكن للعودة إلى لبنان مهما ابتعد أو هاجر الشباب، حيث اختتم الكليب بعبارة (لكل من وما يجبرنا على الرحيل… سنعود) للتأكيد على تمسك الشاب اللبناني بأرضه مهما بلغت به المصاعب أو كثرت عليه المشاكل.
الموسيقار اللبناني المبدع (هشام بولس)، أكد لـ (شهريار النجوم) سعادته البالغة بردود الفعل الإيجابية الرائعة التى تصله بصفة مستمرة حاليا بسبب هذا الكليب الذي أثر فى كثير من الناس، لدرجه أنه قرر ألا يتحدث عن أي مشاريع فنية جديدة له حتى يأخذ هذا العمل وقته، ويشاهده الجميع لأنه عمل يستحق المشاهدة والمتابعة من الكل.
وصرح صاحب لحن قصيدة (ليلى): أنه لم يخش أن يلحن قصيدة للشاعر السوري الكبير (نزار قباني) فى الوقت الذي يمتلئ فيه الشارع الغنائي العربي بالأغنيات الخفيفة، لأنه بعد 15 عاما من التلحين ومن الأعمال الناجحة التى احترم فيها بالدرجة الأولى ذوق الجمهور، واحترم فيها أيضا ضميره الفني وما يمليه عليه ذوقه وتاريخه ومخزونه الفني والسمعي، أصبح الخوف ليس في قاموسه، لأن الخوف يعطل ويعرقل الإنسان، بل على العكس كان لديه اندفاع وحماس وحب لهذا العمل، وما شجعه أكثر على خوض هذه التجربة وعدم الخوف منها المخزون الكبير من النجاحات الفنية التى حققها والتى أعطته الجرأة والزخم حتى يشتغل هذا العمل بمسئولية كبيرة وبمحبة أكبر.
وأعطى هذا اللحن أفضل ما لديه، والنهج الذي اتبعه كان هو الأنسب والأفضل والأصح، والدليل على ذلك النجاح الكبير الذي حققه العمل، بفضل ربنا وبفضل إخلاص كل من عمل فى هذا العمل سواء الموزع الموسيقي الجميل (باسم رزق) أو صدق أداء (نانسي عجرم) أو إخراج المخرج (سمير سرياني) وفريق العمل من نجوم الكليب.
وعن السباحة ضد تيار الإسفاف والابتذال الغنائي الحادث الآن فى معظم ما يقدم على مستوى العالم العربي قال: في كل زمان ومكان الأعمال المتدنية والمسفة والمبتذلة موجودة، ووجودها يبرز ويعطي أهمية للأعمال الراقية التى تلمع وتضوي أكثرفى ظل الأعمال الهابطة!.
ونحن بدورنا وإيمانا منا بأن الفن هو علم وفن وأسلوب حياة، ويرتقى بأذواقنا ويسمو بأرواحنا، نشكر كل من عمل في قصيدة (إلى بيروت الأنثى) ونشكر (هشام بولس) على عمله الغنائي الجديد الذي يزرع مزيدا من الورد ومزيدا من الأمل في شرايين الحياة الغنائية، ومحاولة تجدد فيها الإخلاص للكلمة والالتزام بالحرية والإيمان بحق الإنسان بالجمال والحب، ويؤكد أن الأغاني لسه ممكنة للشجن و والصدق والعذوبة.