يزن خليل .. رشاقة الأداء ومهارة الابتكار
كتب : مروان محمد
عبر شخصيته المميزة وأدائه المتنوع، استطاع أن يفرض حضوره ليضع لنفسه مكانة مميزة بين النجوم الشباب، عبر توليفة من الأدوار التي لعبها، بعد أن كشف عن موهبة تمثيلية يستطيع من خلالها أن ينتقل بسلاسة بين مختلف الأنواع الدرامية، فالتنوع في التمثيل صفة رئيسية من صفاته كممثل المحترف، ومن ثم فهو يمثل حالة نموذجية تخص الممثل الذي يملك مقدرات خاصة، وعيناً مدركة، ورشاقة أدائية، وحيوية داخلية، ومهارة في الابتكار على مستوى فردي، تعنى بشغله كممثل.
كل تلك السمات تجعل الفنان السوري الشاب “يزن خليل” يمتاز عن غيره، عدا عن أنه ينتمي لمدرسة الأداء الجوّاني التي تركز على عوالم الشخصية النفسية وتحرّض على القبض بحزم على مفاتيح خاصة تسلك درب الإقناع، بعيدا عن الإفراط في المبالغات، إنما يعنى بالدرجة بالإلمام بالمعارف التي يتطلبها الشغل الإبداعي، لذا فهو يلتزم بوصايا عرّابي مهنة التمثيل في العالم، وخاصة المعلم الروسي “فسيفولد مايرهولد” من خلال منهج يعتمد بالأساس على الدراسة الوافية لدوره قبل البدء في أدائه، وابتعاده عن استنساخ الشخصيات التي يلعبها كما كتبت على الورق، بل بإضافة منكّهاته الإبداعية، كما يراقب حركات جسده بما فيها حركات يديه، وبالطبع كل هذا مهم ليستطيع الممثل التعبير بأحاسيسه، وليفرق بين شخصية وأخرى بحسب فكرها ونفسيتها وشكلها وطبقتها الاجتماعية، ومؤثرات البيئة، فننسى اسم الإنسان ونعيش حالة الممثل نتعاطف.. نحب أو نكره الشخصية الدرامية حسب أفعالها ومواقفها المكتوبة على الورق.
إلى جانب ذلك، يعرف “خليل” ما يملكه من قدرات تعبيرية في عينيه، لذا فإنه يلعب بهما مع صوته كموّلد أداء ينجز الإقناع ويترك أثره البليغ عند المتلقي، مع احترامه لضبط وإدارة المخرج، من دون بخله بالاقتراح والاجتهاد، ومحاولة تعميق ما بين يديه، وهو هذا يعد من الممثلين الذين يلغين الشخصية الدرامية الموجودة في الحاضر والوجود والكون الانساني، لا أحاسيس ولا انفعال ولا ذوبان في الشخصية الدرامية، لأنه يدرك جيدا أن هذا هو الأداء السقيم غير المقنع، فهو على طول تجسيده للشخصية يذكرنا أن فلان هو فلان، وهو أيضا يذيب الشخصية الدرامية لصالح (بروزة) شكله، وينتهي كل شيء عنده في تجسيده للشخصية في محلول الدراما فائقة الجودة.
يزن خليل، خريج المعهد العالي للفنون المسرحية عام 2011، وقدم أكثر من عشرين عملاً، نذكر منها “الولادة من الخاصرة” عام 2011، و”سكر وسط” و”ياسمين عتيق” عام 2013، و”بواب الريح” عام 2014، و”حرائر” و”الغربال 2″ عام 2015، و”لست جارية” و”عطر الشام” و”خاتون” عام 2016، و”أهل الغرام” و”الغريب” عام 2017، و”هوا أصفر” و”ناس من ورق” و”عن الهوى والجوى” عام 2019 و”سوق الحرير” و”بروكار” عام 2020، إضافة إلى “بورتريه” و”حارة القبة”.
كما له العديد من المشاركات السينمائية، منها “يحدث في غيابه” مع المخرج سيف الدين سبيعي، و”البحث عن جولييت” مع المخرج زهير قنوع، و”الحبل السري” مع المخرج الليث حجو، و”غربة” للمخرجة نادين تحسين بيك، ومن مسرحياته “بار في شارع الحمرا” و”طميمة” و”روميو وجولييت” و”بعباع الطماع”.
شخصيات متنوعة تصل حد التباين قدمها الفنان (يزن خليل) للجمهور في شهر رمضان 2020، فتارة هو الشاب المُحب والإيجابي وتارة أخرى هو المتسلط والسلبي ، حيث أدى في مسلسل (سوق الحرير) إخراج الأخوين بسام ومؤمن الملا وسيناريو حنان حسين المهرجي، حيث قدم شخصية (صابر) المتجبر على أخيه والذي يعيش حالة عداء مع مجموعة من الشخصيات، وتدور أحداث المسلسل ضمن إطار اجتماعي في البيئة الشامية بين عامي (1950 ــ 1960)، مثيرا حكاية صراع بين شقيقين لكل منهما قصته في معادلة الخير والشر.
وعلى نقيض هذه الشخصية أدى في مسلسل (بروكار) إخراج محمد زهير رجب وتأليف سمير هزيم ، شخصية (عصمت) الشاب الشهم الشجاع الذي يشبهه أهالي الحارة بجده المناضل، ويعيش قصة حب مع فتاة من الحارة يخوض معها مغامرة مشتركة وسط رفض الأهل لعلاقتهما، ويحمل العمل الطابع الرومانسي البوليسي وتدور أحداثه ضمن إطار البيئة الشامية عام 1942، ويحكي ضمن قصصه عن محاولة الاحتلال الفرنسي النيل من الحارة بعد أن ذاق طعم المرار فيها، وعن مهندس فرنسي سعى إلى التعرف على قماش البروكار ليصل إلى سر الصنعة ويعود الى بلاده بعد مدة ليفاجئ صناع دمشق بمادته القماشية البديلة .
كما حقق الفنان (يزن خليل) حضورا متميزا في المسلسل البدوي (صقار) إخراج شعلان الدباس وتأليف دعد ألكسان ، والذي قدم حكاية تؤكد على القيم البدوية الأصيلة ويبرز فيها الصراع بين الحب والغدر والثأر والدسائس مقابل الفروسية والشجاعة، كما شارك في المسلسل الاجتماعي (ما بين حب وحب) عبر حلقة بعنوان (خريف النهاوند)، تأليف وإخراج كفاح الخوض، ومن الأعمال التي شارك فيها وتوقف تصويرها بسبب الاجراءات الاحترازية للوقاية من فيروس كورونا، مسلسل (بورتريه) إخراج باسم سلكا وتأليف تليد الخطيب، والعمل يتناول تيمة الحب عبر أحداث تدور في إطار اجتماعي تشويقي وتسير بمستويين زمنيين مختلفين، تسعينيات القرن الماضي والزمن الحالي .
لا يخفي صاحب شخصية (صياح) في عطر الشام وجود عائق رئيسي يمنعه من تحقيق التنوع في أدواره وهو استسهال بعض المخرجين لاختيار ممثلين سبق لهم وأن لعبوا أدواراً مماثلة وعدم المغامرة بإسناد أدوار جديدة لهم والتي من الممكن أن تظهر إمكانياتهم بشكل مختلف، ومع ذلك تشكل المتعة بالنسبة إلى (خليل) الذي عرفه الجمهور في مسلسل (سكر وسط) هدفاً رئيسياً في أي دور يؤديه، ولكن دائماً هناك أدوار تحقق شرط المتعة أكثر من غيرها لكنه يعتبر أن شخصية (شفيق) بمسلسل (هوا أصفر) تأليف علي وجيه ويامن الحجلي وإخراج أحمد إبراهيم أحمد حققت له مستوى عالياً من المتعة ونقلة نوعية له في الدراما.
واقع الدراما يشبه من وجهة نظر (يزن خليل) خريج المعهد العالي للفنون المسرحية واقع جميع قطاعات العمل في سورية فتحسنه وتطويره مرتبط بالوضع العام لافتاً إلى أنه في موسم رمضان 2020 كان يدعو إلى التفاؤل من حيث الكم والنوع وجودة التسويق، ولكن التعافي التام بحاجة إلى مزيد من الوقت والعمل الجاد من الجميع للنهوض بهذه الصناعة الوطنية المهمة.
جدير بالذكر أن (يزن خليل) أطل خليل خلال عبر عدة مسلسلات استطاع من خلالها ترك بصمة خاصة به منها مشاركته في أعمال (هوا أصفر وعطر الشام 4) إضافة إلى شخصيته التي جسدها في المسلسل عن (الهوى والجوى) التي اعتبرها جديدة على مستوى الشكل والمضمون، وعلى الرغم من تنوع أدواره الدرامية إلا أنه لم يشارك في أي عمل كوميدي، حيث أوضح أن النصوص الكوميدية التي قدمت له لم ترق إلى المستوى المطلوب فهناك شح فيها متمنياً أن يكون القادم من هذه الأعمال أجمل، وعلى الرغم من تنوع أدواره الدرامية إلا أنه لم يشارك في أي عمل كوميدي حيث أوضح أن النصوص الكوميدية التي قدمت له لم ترق إلى المستوى المطلوب فهناك شح فيها متمنياً أن يكون القادم من هذه الأعمال أجمل.
ويبقى الفنان (يزن خليل) متفائلاً بمستقبل الدراما السورية ولا سيما بوجود طاقات بشرية في جميع المجالات الفنية التي هى طاقات ساحرة وقادرة دائماً على خلق ما هو جديد ومتميز ولكنها بحاجة إلى رعاية جدية لكي تكون مثمرة ومفيدة بحسب رأيه، وعن رأيه بالدراما العربية المشتركة يرى (خليل) أنها تنجح عندما تناقش قضايا ومشاكل مشتركة، أما ما يقدم من أعمال فيها ممثلون وكتاب ومخرجون من جنسيات مختلفة فلا تطرح هذه القضايا المشتركة للجمهور العربي دون أن يمنع ذلك من وجود أعمال محترمة تستحق المتابعة وأخرى لا تستحق.. وفي النهاية تحية لهذا الفنان الشاب الذي نتمني لك كل التوفيق في أعماله القادمة.