الزعيم عبدالناصر برئ من اضطهاد محمد فوزي
* منير محمد فوزى: لم تتخل عنه الدولة في مرضه وسفره إلى أمريكا وألمانيا لتلقي العلاج في آخر أيامه
* الإخوان المسلمين هم من كانوا وراء نشر أكاذيب كره فوزي لعبدالناصر
* غنى لناصر دون أن يذكر اسمه في أغنية (أموت وتسلم أرضها) وحدث خلاف بينه وبين عبد الوهاب على أغنية (ناصر كلنا بنحبك)
* لم يكن مرضا نفسيا نتيجة الحزن أو الغضب بسبب تأميم شركته ولكنه كان مرضا بدنيا لعينا
كتب : أحمد السماحي
الرئيس (جمال عبدالناصر) كان وراء موت “محمد فوزي” كمدا وحزنا في عز شبابه!، “عبدالناصر”انتقم من “محمد فوزي” عندما أمم شركة (مصرفون) التى أنشأها نجمنا المجدد والمتطور سابق عصره، كيف قضى حكم العسكر على حياة الفنان محمد فوزي؟ المبهج الحزين قتلته الحسرة، سر الرسالة العجيبة التى تركها محمد فوزي قبل أن يقتله عبدالناصر ظلما، وتكرمه الجزائر.
كلام كثير وموضوعات وبرامج أكثر نشرت خلال السنوات الماضية عن العلاقة المتوترة والكره بين الرئيس (جمال عبدالناصر) والموسيقار المبدع المجدد (محمد فوزي)، البعض ردد أن هذا راجع إلى علاقة الصداقة التى كانت تجمع (محمد فوزي) بالرئيس (محمد نجيب) أول رئيس لجمهورية مصر العربية، ولم يدركوا أن كل نجوم مصر التفوا حول أول رئيس لمصر بعد قيام الثورة المصرية وليس هذا فقط، ولكن الكثير من المطربين غنوا أيضا لـ (نجيب) منهم (فريد الأطرش، إسماعيل ياسين، فايدة كامل، حورية حسن، عبدالحليم حافظ) وغيرهم وحققوا شهرة ونجاح وزاد بريقهم مع سنوات الثورة.
والبعض الآخر قال أن سبب الكره والبغض هذا راجع لغناء (فوزي) أكثر من أغنية للملك (فاروق)، ونسوا أن الفنان (سليمان نجيب) مدير دار الأوبرا الملكية كان صديقا شخصيا للملك (فاروق) ولم يقترب منه أحد، وحقق شهرة كبيرة طوال سنوات الثورة حتى رحل عام 1955، ويومها أناب الرئيس (جمال عبدالناصر) كبير الأمناء فى رئاسة الجمهورية (صلاح الشاهد) في تشييع جنازة سليمان نجيب!.
كلام كثير بعيد تماما عن الحقائق، والدليل ما صرح به (منير محمد فوزي) ابن نجمنا الراحل الذي أدلى بأكثر من حوار أكد فيه أن والده كان متحمسا لثورة 23 يوليو 1952، وعلى حد قوله: (لم أسمع يوما أنه اشتكى أو قال شيئا سلبيا عنها، ولم تتخل عنه الدولة في مرضه وسفره إلى أمريكا وألمانيا لتلقي العلاج في آخر أيامه)، ولو كانت الدولة أو بعض المسئولين يضعون (محمد فوزي) فى ذهنهم ما كانوا سمحوا له للعلاج بالخارج!
إبحث وراء الإخوان
إذا ماهى الحقيقة؟، الحقيقة أن (محمد فوزي) تعرض لظلم بين، غير مقصود أو حتى مقصود من قبل بعض المسئولين فى عهد عبدالناصر! عندما تم تأميم شركته، هذه حقيقة لا أحد يستطيع إنكارها، لأنه من المعروف أن المطرب الراحل كون نفسه بنفسه ولم يرث ثروة ولم يكن من أصحاب الأطيان أو الثروات، لكنه تعب كثيرا حتى يؤسس شركة (مصرفون) التى تم تأميمها وأصبحت تحمل إسم (صوت القاهرة)، إذا من كان طوال السنوات الماضية وراء ترويج الأكاذيب عن كره (جمال عبدالناصر) لـ (محمد فوزي)، وكره فوزي لعبدالناصر؟! الحقيقة أن الإخوان المسلمين هم من كانوا وراء نشر هذه الأكاذيب، خاصة إذا علمت أن أحد القنوات الإخوانية الشهيرة التى كنا نعتقد إنها تتبنى الرأي والرأي الآخر، وتم كشف مخططها فى السنوات الأخيرة، وفقدت مصداقيتها، قدمت أكثر من فيلم وثائقي عن كره عبدالناصر للمطرب العصامي.
وفى أحد هذه الأفلام كنت ضيفا ووجدت معد الفيلم يوجه لي أسئلة كلها مبنية على سر كره عبدالناصر لهذا المطرب الجميل؟ ويريد أن يستنطقني بكلام تأييدا لوجهة نظره التى لا أدري على أي أساس كونها؟!، وليس هذا فحسب، فقد استغلوا قديما غضب وحزن (محمد فوزي) ــ وهذا شيئ طبيعي جدا ــ لتأميم شركته، وبدأو يروجون فى مجالسهم وجرائدهم، لأكذوبة عن معاداة (محمد فوزي) لثورة 23 يوليو 1952، وكراهيته للزعيم الخالد (جمال عبد الناصر)، ورفضه الغناء للثورة، لأنهم كانوا يعتقدون أنهم عندما يروجون مثل هذه الأكاذيب فهذا سيجعل الشعب المصري وبالتالي العربي يكره عدوهم الأول الرئيس (جمال عبدالناصر).
يغني لعبدالناصر
لكن الذي لا يعلمه هؤلاء الإخوان الكاذبون أن (محمد فوزي) غنى الكثير من الأغنيات الوطنية لثورة يوليو، وليس هذا فقط ولكنه غنى للرئيس (جمال عبدالناصر) وإن لم يذكر إسمه فى أغنية (أموت وتسلم أرضها)، كلمات (بدر إبراهيم) أثناء العدوان الثلاثي على مصر، والتى يقول في الجزء الخاص بـ (عبدالناصر) وإن كان لم يذكر إسمه صراحة :
رايتها عالية ومرفرفة فوق أرضنا
قميتها غالية واللي رافعها يعيش لينا
من حبي فيها بخاف عليها بحبها وعزها
وروحي ترخص لها ولعزها ولمجدها
أموت وتسلم أرضها
خلاف على ناصر
بل أن الفنان (محمد فوزى) كان ينوى الغناء للرئيس عبد الناصر وطلب أغنية (ناصر كلنا بنحبك) من شاعرها حسين السيد لكن الشاعر كان قد أعطاها لصديقة (محمد عبد الوهاب) مما جعل فوزي يلجأ للصحافة ودخل فى خلاف علنى تم نشره على صفحات الجرائد فى عام 1960.
ولم تكن أغنية (أموت وتسلم أرضها) هى الأغنية الوحيدة التى قام بغنائها للثورة لكنه غنى أيضا (غنوا لـ 23 يوليو عيد الثورة عيد الأحرار)، كلمات مصطفى عبدالرحمن، (رحلة عيد الثورة) إبراهيم رجب، (علم الثوار) زهران علي، (كل عام يا بلادي وأنتي طيبة) فتحي قورة، (رسالة إلى جندي) صلاح جاهين، (عمر الثورة)، وعندما تم جلاء القوات البريطانية عن مصر فى يونيو 1956 غنى (النصر لمصر)، وعندما تم الإعلان عن الوحدة بين مصر وسوريا في فبراير 1958 غنى (يا رايح إسكندرونا وجاي إسكندرية)، كما قدم للأطفال أغنية عن الثورة بعنوان (كان وإن) كما تغنى بالعديد من الأغنيات الوطنية التى تدعم التوجه القومي الذي انتهجه الرئيس (عبدالناصر)، فغنى للعراق، ولأفريقيا واليمن، وللجزائر، كما تزعم حملة من خلال رئاسته لجمعية المؤلفين والملحنيين لجمع التبرعات من جانب أعضاء الجمعية لصالح إعمار مدينة (بورسعيد) بعد العدوان الثلاثي عام 1956، وقام مع وفد الجمعية بتسليم الرئيس عبدالناصر شخصيا هذه التبرعات.
قد يقول أحد لي أن كل هذه الأغنيات تغنت قبل تأميم مصنعه، هذا فعلا صحيحا، وأقول لهؤلاء وماذا عن أغنية اسمها “رشوا الملح لعيد الثورة ” كلمات (محمد علي أحمد) فى عيد الثورة عام 1961 أي بعد تأميم شركته، والتى يحيي فيها الثورة المصرية ويقول في مطلعها:
رشوا الملح وغنوا وقيدوا شموع الفرح
رشوا الملح زرعنا حصدنا جمعنا الطرح
رشوا الملح لعيد الثورة، رشوا
ثورة تبني بعزم وهمه للحرية
ثورة بكل حياتنا العامة والاشتراكية
ثورة بتجري في دم عروقنا
ندى وناخد كل حقوقنا
رشوا الملح بنينا علينا ندينا الفرح
رشوا الملح زرعنا حصدنا جمعنا الطرح
فوزي يعلن على الملأ حبه لناصر
أعتقد أن أحدا لم يضرب (محمد فوزي) على يده أو غصبه على الغناء للثورة في عيدها التاسع، مثل هذه الأغنية المرحة المليئة بالزغاريد، لو كان الراحل يكره الثورة أو زعيمها (جمال عبدالناصر) كان جلس في منزله ورفض الغناء، أو تحجج للمسئولين بأي حجة ولم يغني في عيد الثورة التاسع، لكن الرجل ارتدى بدلته ونزل ووقف على المسرح وغنى وهو سعيد.
كما يوجد حديث للفنان (محمد فوزي) قبل وفاته بأسابيع قليلة تم تسجيله في شهر سبتمبر 1966 لإذاعة (الشرق الأوسط) مع المذيع (محمد أنور) موجود على موقع (اليوتيوب) بعنوان (حوار نادرجدا مع محمد فوزي قبل وفاته)، فى هذا الحديث الذي تبلغ مدته حوالي ساعة، يشكر فيه المطرب بحرارة وحب الرئيس (جمال عبدالناصر، وزكريا محي الدين، وعبدالقادر حاتم، وشعراوي جمعه)، وليس هذا فقط ولكنه يدعو لهم!.
وعندما سأله المذيع هل كنت تسمع الإذاعة المصرية وأنت فى لندن أو أمريكا قال: (كانت بتختفي شوية وتظهر شوية، لكن ما أعرفش خطب الرئيس كنا نسمعها كويس ما أعرفش ايه الحكاية يظهر بقوته بيؤثر على الجو ويخلينا نسمعه في أي حتة من أنحاء العالم، وهذه كانت سعادة لا تقدر لما تسمع الرئيس وهو بيخطب، وانت قاعد كده بتحس بقوة واعتزاز عظيم، والرئيس ربنا يديله الصحة أجمل حاجة انهم هناك لا يقولون لك أنك من مصر، لكن يسألونك أنت من عند ناصر؟ بيسموا مصر ناصر، دى حاجة جميلة جدا تحس فى أمريكا أو ألمانيا لا عارفين انت ايه ولا من أي بلد، لكن عارفين أن بلدك ناصر، ودى حاجة لم نكن نحلم بها).
أعتقد أن فوزي لوكان يكره عبد الناصر لم يكن تطرق إليه في حديثه خاصة أن المذيع لم يساله عنه، ولكنه هو الذي تحدث عن (ناصر) بفخر واعتزاز، وهذا أكبر دليا قاطع على أنه لم يكن يكره عبد الناصر، لأنه كان من السهل عليه أن يرد على سؤال المذيع ويقول مثلا: (آه كنت باسمع الإذاعة المصرية، وباسمع أغنياتها وبرامجها، وكلام من هذه النوعية)، لكن فوزي تطوع من تلقاء نفسه وتحدث بحب عن ناصر
النهاية
من كل هذا يتبين لنا أن (محمد فوزي) تعرض للظلم، نعم تعرض للظلم لكن هذا الظلم لم يجعله يكره الثورة ولا رئيسها جمال عبدالناصر، والمرض الذي تعرض له كان قضاءا وقدرا، لأنه لم يكن مرضا نفسيا نتيجة الحزن أو الغضب بسبب التأميم، ولكنه كان مرضا بدنيا لعينا (نقص المناعة) الذي أفقده وزنه، وعلى أثره وبعد معاناة دامت حوالي أربع سنوات رحل المجدد والمتطور والمبدع (محمد فوزي).