مصطفى أمين يكتب عن: غرام وانتقام (عائشة فهمي) من يوسف وهبي!
كتب : أحمد السماحي
نحي اليوم ذكرى رائد من رواد الفن المصري، وهو النجم الكبير (يوسف وهبي) الذي قال ذات يوم: الأحداث التى وقعت في حياتي تحتاج لعشرة رجال، كل واحد منهم يعيش مائة سنة، ولقد عشت حياتي بالطول والعرض، عاشرت الملوك والصعاليك، وعشقت الأميرات والراقصات، وأحبتني صاحبات الملايين والفنانات المفلسات، وأقمت في القصور، وفى غرفة فوق السطوح، عرفت الجوع، وتشردت في شوارع إيطاليا وعشت حياة اللوردات والباشوات، ولعنت على صفحات الجرائد والمجلات كما لم يلعن أحد، ونظمت في قصائد غزل، وحملتني الجماهير على الأعناق، ولا أظن أن زعيما فى العالم سمع التصفيق الداوي كما سمعته ولا استقبل استقبال الملوك الفاتحين كما حدث لي في كل بلد عربي زرته.
إمتلأت حياة العملاق يوسف وهبي بقصص الحب ومغامرات الغرام، وكان يؤكد إلى آخر يوم فى حياته – كما كتب الكاتب الكبير مصطفى أمين فى كتابه شخصيات لا تنسى – أن الشيخ سليم الطهطاوي العالم الروحاني قال له وهو شاب صغير: اسمع يا ابني يا يوسف عبدالله وهبي فى حياتك سوف تحب ألف امرأة وسوف تحبك ألف امرأة، ثم تجئ امرأة وتحبك أكثر مما تستطيع أن تحبك ألف ألف إمرأة، وسوف تجد فيها ما لا تجده فى ألف امرأة.
يتوقف الكاتب الكبير مصطفى أمين ويحكي قصة حبه وزواجه من السيدة (عائشة فهمي) فيقول: فى نهاية العشرينات عشقت يوسف وهبي السيدة (عاشة فهمي) وكانت أغنى سيدة في مصر، وكانت متزوجة من طبيب، ثم رأت يوسف على المسرح وأحست أن كل كلمة حب ينطق بها على المسرح موجهة إليها، ومنذ ذلك اليوم كانت تحضر إلى المسرح كل ليلة، وتحجز أحد الألواج وتجلس فيه من أول فصل إلى أن تسدل الستار على الفصل الأخير، وأحيانا كانت تحضر حفلات الماتينيه والسواريه.
العاشقة المليونيرة
إذا سافرت الفرقة لتمثل على مسرح فى الأسكندرية سافرت وراءها، وإذا سافرت الفرقة إلى سوريا ولبنان وفلسطين وليبيا وتونس والسودان والبرازيل والأرجنتين كانت (عائشة فهمي) هى ظل (يوسف وهبي) الذي لا يفترق عنه، ودفعت المليونيرة مائة ألف جنية لزوجها حتى يطلقها!، وتم الطلاق وتزوجت أغنى امرأة فى مصر بالممثل الكبير وسط رفض تام من أسرتها، وعقد الزواج فى مسجد بباريس، وكانت (عائشة فهمي) أكبر من (يوسف وهبي) بستة عشر سنة ولم تكن جميلة، ولكنها كانت مستعدة أن تفرش الأرض بالذهب ليمشي فوقها يوسف وهبي.
ولقد وضعت كل أموالها تحت تصرفه، وجاء وقت كانت تستأذنه إذا أرادت أن تشتري فستانا أو تقتني قطعة من الماس الثمين، كان المال هو مالها وحدها، ولكنها كانت تجد متعة أن يشعر الرجل الذي تحبه أنه هوصاحب المال يتصرف فيه كما يشاء، ووضعت السيدة (عائشة فهمي) مئات الألوف من الجنيهات تحت تصرف (يوسف وهبي)، فاشترى سبعة عشر فدانا من الأرض التى أصبحت الآن حي العجوزة والدقي والمهندسين، وبنى فوقها مدينة رمسيس، وقد سبقت فى فكرتها مدينة (والت ديزني) فى أمريكا بعدة سنوات.
وكانت المدينة تحوي دارين للمسرح، وقاعة سينما، وسينما في الهواء الطلق، واستديو للسينما ومحطة إذاعة ومدينة ملاهي، ودعت السيدة (عائشة فهمي) يوسف وهبي للإقامة في قصرها الضخم فى الزمالك والمطل على النيل، والذي بناه شقيقها الوحيد (علي فهمي) أغنى شاب في مصر، وقد تزوج من سيدة إنجليزية أطلقت عليه الرصاص وقتلته في شهور الزواج الأولى، وحكمت محكمة جنايات لندن ببراءة الزوجة القاتلة.
وسافرت يومها (عائشة فهمي) لتدافع عن سمعة شقيقها القتيل، ولكن الرأي العام البريطاني انتصر للقاتلة الإنجليزية وأدان القتيل، وفوجئت عائشة بالزوجة (مرجريت فهمي) تحضر إلى مصر تطالب بحقها في الميراث، ورفضت المحاكم المصرية دعواها لأن الشريعة تحرم أن يرث القاتل القتيل.
جهنم فى القصر
لم يسكن (علي فهمي) يوما واحدا في القصر الذي بناه فى الزمالك، وبقى خاليا إلى أن فتح أبوابه ليقيم فيه يوسف وهبي، كان القصر رائعا بأثاثه المستورد من أكبر محلات الأثاث فى أوروبا، كان في القصر خادمات فرنسيات، وخدم إيطاليون، وطباخ سويسري، وثلاثة من الجناينة وسائقان وسايسان وبواب سوداني وكمريرة يونانية.
كان قصر دوق أو كونت أو لورد أكثر مما كان قصر يسكنه فنان الشعب، وكان جدار القصر مليئا بالصور الفنية التى لا تقدر بثمن رسمها أكبر المصورين العالميين تتوسطها صورة كبيرة ليوسف وهبي فى ملابس الكردينال.
وكان يوسف وهبي يقول لنا إن حياته فى هذا القصر كانت جحيما لا يطاق، خناقات كل يوم وكل ليلة، أنت تأخرت على الغداء لأنك كنت في موعد غرام، إمرأة فاجرة طلبتك فى التليفون وكان صوتها يفيض وقاحة وقلة أدب، خطاب غرام وصل باسمك وفتحته وإذا به من سيدة توقع اسمها بإسم (سين) من هى (سين) هذه يا سعادة البيه؟! المسرحية انتهت الساعة الثانية عشرة عند منتصف الليل، والساعة الآن الواحدة والربع، والمسافة بين مسرح رمسيس وبين القصر عشر دقائق فأين كنت طوال الخمس والستين دقيقة قبل أن تصل إلى البيت؟
وفوجئ يوسف أن زوجته حولت القصر إلى إدارة مخابرات وبوليس حربي ومباحث عامة، السائق يجئ بأخبار يوسف بك، السفرجي يتجسس على محادثات يوسف بك، الخادمة تتسمع مكالمات يوسف بك التليفونية، ممثلون وممثلات قاموا بدور كتابة تقارير يومية عما حدث بين كواليس فلانة، وكيف أن يوسف ابتسم لفلانة، وضغط على يد علانة، وهمس فى أذن ترتانة!
وشعر يوسف وهبي أن زوجته تعد عليه أنفاسه، وأنه يختنق في بحر من الذهب، وانتهز فرصة خناقة قالت فيها عائشة فهمي: أنا لا أحتملك تعمل ممثلا وتسهر كل ليلة، أنا أريدك أن تجلس بجانبي كملك على العرش، كل شيئ في القصر طوع أمرك وتحت خدمتك، وبهدوء قام يوسف وهبي وأمسك بشعر عائشة فهمي وضربها علقة تركت أثارا وكدما على جسم أغنى امرأة في مصر.
ورمى في وجهها الدبوس المرصع بالماس والياقوت الذي أهدته له، ورمى في وجهها علبة السجائر الذهبية المرصعة بالألماظ، وداس بقدميه على زراير القميص المرصعة بالزمرد، وترك العدد الهائل من ملابسه، ولم يأخذ معه قميصا واحدا ولا جوربا واحدا ولا بيجامة واحدة، ووصل إلى الباب الحديدي وصرخ بأعلى صوته: لن أدخل هذا القصر مرة ثانية حتى لو أصبحت شحاذا.
المفلس عندما يحب
هجر (يوسف وهبي) قصر (عائشة فهمي) الموجود على النيل في الزمالك دون أن يحمل معه شيئا من ملابسه، ولم يكن في جيبه غير خمسين جنيها، وذهب إلى شارع (عماد الدين) ودخل أحد البنسيونات الصغيرة واستأجر غرفة فيها باسم مستعار، وعاش أياما وشهورا من الإفلاس والحرمان، فأرسلت إليه (عائشة هانم) تعرض أن يعود إليها علي أن تقتطع من أرضها الخصبة في صعيد مصر خمسمائة فدان تكتبها باسمه، ورفض (يوسف وهبي)، وقام برحلة خارج البلاد عاد بعدها ليجد أن السيدة (عائشة) قد رفعت عليه دعوي نفقة وأوقع محاميها الحجز علي مدينة رمسيس وظلت تلاحقه حتي استطاعت أن تشهر افلاسه.
وأمام الأزمة الحادة التي واجهته ذهبت (أمينة رزق) زميلته في مسرح (رمسيس) إلى (عائشة فهمي) وطلبت منها باسم الحب الذي جمع بينها وبين يوسف أن تترفق به وتوقف الدعوات القضائية المرفوعة ضده، لكن الأمر كان قد خرج من يدها حيث تولى أهلها مهمة الانتقام من (يوسف وهبي)، لكنها وعدتها بعدم تقديم الكمبيالات التي وقعها يوسف لها بشكل شخصي إلى المحكمة، وأحضرت تلك الكمبيالات ومزقتها وهي تبكي أمام (أمينة رزق) التي انهارت هي الأخرى بالبكاء.
وفي تلك الأيام العصيبة أحب السيدة (سعيدة منصور) وهى زوجة أحد كبار الأثرياء في الوجه البحري، وكان لها ثلاث بنات، وطلبت السيدة الطلاق لتتزوج (يوسف وهبي)، وعارضت الأسرة، وأرسلت من يحاول خطف (سعيدة) من القاهرة، وهددها بالقتل، ولكن (سعيدة) أصرت أن تضحى بكل شيئ وتنازلت عن كل فدان تملكه من أجل أن تتزوج من (يوسف وهبي)، وكانت المحكمة أعلنت إفلاس الفنان الشاب، وقال يوسف لسعيدة: هل تتزوجيني وأنا مفلس؟ قالت : إنني قررت أن أتزوجك عندما تأكدت أنك أفلست، ولو كنت مليونيرا لما تزوجتك.
وكان زواجا سعيدا دام أربعين سنة، وقال يوسف وهبي للكاتب الكبير (مصطفى أمين): إن سر هذا النجاح أن سعيدة صبرت سنوات على مغامراتي وعلى نزواتي وعلى طيشي وعلى إدماني على القمار وعلى إفلاسي، وتحملت فقري وبؤسي ولم تندم أنها تركت الثروة والجاة والمجوهرات وتحملت مقاطعة أسرتها لها وكانت تقول لي أنت زوجي وأخي وابني وصديقي وكل شيئ في حياتي.