ليلى مراد .. قصة فراق حبيب الروح المجهول
* بدأت قصة الحب كشقاوة بنات وتحولت مع الوقت إلى سيمفونية حب
* ثلاث سنوات قضتهم ليلى وهى تطير فى السماء بسبب حبيب الروح
* وفاة الأم جميلة وتقاعد الأب المطرب الشهير أنهى الحكاية
* سر باقة الورد التى كانت تصل إليها فى ليلة عيد ميلادها
كتب :أحمد السماحي
قدمت سندريلا السينما الغنائية (ليلى مراد)، هذه الأيقونة الساحرة التى ما زالت مضيئة ومشعة بقوة وتزداد توهجا ولمعانا مع مرور السنين على مدى مشوارها الفني 28 فيلما سينمائيا، قامت فيها بأدوار الفتاة المحبوبة التى تعاني من الحب أولا، ثم تأتي بعد ذلك الأسباب الأخرى، سواء كانت اجتماعية أو أسرية أو طبقية، أو مؤمرات الحاقدين الحاسدين لرؤية الحب منتصرا فى الحياة، وكان الانتقال من حالة وجدانية لأخرى يتم التعبير عنه بالغناء، فتتفتح أبواب السماء والأرض وتكتسي الأحداث بغلالة شاعرية، لم يكن من الممكن أن نحس بها لولا هذا الصوت الذهبي، ومن الملفت للنظر أن جمال صوت (ليلى مراد) قد أثر في ملامحها بطريقة لا نفهمها فملامحها تدق وترق مع تدفق الألحان وانسياب الأغنيات، وكأن ملامحها تأخذ أوامر خفية من حنجرتها المسحورة.
تبدو قصص الحب فى حياة سندريلا السينما الغنائية (ليلى مراد) شديدة الشبه بأغانيها، قليلة ومتنوعة لكنها جميعا تتميز بأنها تعزف لحنا واحدا وأسلوبا واحدا، أغرب ما فيه إنه لا يصيبك أبدا بالملل، وقد كتبت ليلى مراد قصة حبها الأول مع الوجيه الأرستقراطي (ممدوح رستم) فى مجلة (الأثنين والدنيا) دون أن تذكر الاسم، كما صرحت بها للكاتب الكبير (صالح مرسي) وذكرت اسم الحبيب، وقد نشرت هذه المذكرات في مجلة (الكواكب)، وإليكم تفاصيل الحبيب المجهول في حياة (ليلى مراد).
العذراء والشعر الأبيض
فى بداية الأربعينات وبعد تقديمها لمجموعة من الأفلام الناجحة مثل (يحيا الحب ، ليلة ممطرة ، ليلى بنت مدارس ، ليلى بنت الريف، ليلى)، وأصبحت من خلال هذه الأفلام نجمة ومطربة ملأ السمع والبصر، فى أحد أيام شهر يوليو من عام 1942، ذهبت إلى مدينة الإسكندرية للاستجمام والراحة بعد العناء فى تصوير فيلم (ليلى) المأخوذ عن مسرحية (غادة الكاميليا ) لألكسندر دوماس، وأثناء ذلك وقعت فى الحب قصة بسيطة عادية قدمتها السينما عشرات المرات بالحرف الواحد، النهاية فقط هى المختلفة، كان حبيب (ليلى) رجل ارستقراطي، غني، ابن ذوات، صاحب أطيان، ويشغل مركزا مهما فى وزارة الخارجية، وكان يكبرها بعشرين عاما ..كانت تلك صفات الحبيب الأول (لليلى مراد)، والذى لم تحب فى حياتها إنسانا كما أحبته، كانت صفات نموذجية لشاب ارستقراطي يعيش فى مصر أثناء الحرب العالمية الثانية.
شقاوة بنات
بدأت الحكاية (شقاوة بنات) كان ينزل فى فندق (سان جيوفاني)، وكانت هى تقيم فى الفيلا التى أمام الفندق رأته من نافذة مقابلة لشرفتها فى حي جليم بالإسكندرية، بدأت تراقبه وهو يصحو متأخرا، ويعود مع الفجر، شعره الرمادي ينساب كبحر فوق رأسه، ملابسه عصرية، وعلى شفتيه ابتسامه، لكنه لم يكن يعيرها أي اهتمام إذا ما ظهرت فى الشرفة تتساءل في دهشة ألا يعرف أنها (ليلى مراد) النجمة السينمائية التى يتهافت الشباب والكبار عليها أينما ذهبت، ومرت الأيام والحياة تسير على وتيرة واحدة لا تتغير.
تليفون الغرام
فى أحد الأيام سألت المطربة الشابة منادي السيارات عن ذلك الوجيه الذي يسكن أمامها فى الفندق والذى يركب سيارة أحدث موديل، وعرفت منه رقم الغرفة التى ينزل فيها، وحصلت على رقم تليفون الفندق وطلبته، وسمعت (ليلى) صوته عبر الأسلاك فسألته دون تحية (أنت اسمك ايه)؟، وجاءتها ضحكة تحمل اسمه كان خبيرا بالغزل، كان محنكا زار أوروبا وأمريكا، ويتقن الرقص ويقضي أمسياته فى لعب الورق.
أول ميعاد
فى نفس اليوم وفى السابعة مساء كانت (ليلى) تنتظره وكل خلجة فى جسدها ترتجف، وفى شارع جانبي فى (جليمونويلو الأرستقراطي) ــ فى تلك الأيام ــ ركبت بجواره وكانت تنتفض، وإذا بالحبيب يلتفت نحوها باسما وهو يقول : (انتي صغيرة قوي)، انتفضت وأشارت إلى بنطلونه قائلة : (أنا عندي بنطلون زى ده) وملأت ضحكته السيارة التي تنطلق فى طريق أبي قير حيث بدت الدنيا هادئة تماما، والسكون يلف أرجاء المكان فى ذلك الجو الصيفي الممتع قال لها بحنان : (تعرفي أني بتأثر قوى لما أرجع ألاقيكي فى انتظاري) إذن فقد كان يعرف كل شيئ!، حاولت أن تنكر أو تقول شيئا لكنها لم تستطع وسألها: (انتي ليه بتنتظريني بالليل يا ليلى؟)، ووجدت نفسها تقول له :(حتى أطمئن أنه لا يوجد إمرأة معك)!.
ممدوح رستم
بدأت قصة حب ليلى مراد والشاب الأرستقراطي (ممدوح رستم)، كانا يتقابلان يوميا ولأن الأيام الجميلة تمر بسرعة انتهت إجازة الفنانة الشابة، وكان لابد أن تعود للقاهرة لمتابعة ردود الفعل حول فيلمها الجديد (ليلى) الذي حقق نجاحا كاسحا، وعاد معها حبيبها الذى كان أيضا لحسن الحظ من سكان القاهرة، وبدأ يتردد على حبيبته فى كل مكان تتواجد فيه فى الاستديو،عند صديقتها (نوال) فى (النادي)، وفى الأيام التى لا يتقابلان فيها كان لايكفان عن الحديث فى التليفون، وأثناء ذلك انضمت (ليلى) إلى النادي الذى تتردد عليه أسرته الأرستقراطية، وكانا قذ بدأ فى تنفيذ خطة رسماها معا لتتعرف بالعائلة، ذلك أنهما قررا الزواج!
كان كل شيئ يبدو بهيجا ومستقرا، وبلغت السعادة ذروتها عندما رفض حبيبها الانتقال إلى (سان فرانسيسكو) عندما رشحته وزارة الخارجية، ووافقت أسرته على زواجه منها وهى النجمة السينمائية الشهيرة بشرط أن تعتزل الفن ووافقت (ليلى) بدون تردد على الاعتزال.
وفاة جميلة وتقاعد زكي
فى زمرة هذا الجو البهيج رحلت والدتها الست (جميلة) فجأة، وقبل أن تموت أوصتها بأخواتها الأربعة (إبراهيم، وملك، وسميحة، ومنير)، وقالت لها بالحرف الواحد: (ليلى خلي بالك من إخواتك مالهمش حد غيرك يصرف عليهم) وتركت (ليلى) لتواجه مسئولية العائلة كاملة، وحلت الفنانة الشابة محل الأم فى تدبير الأمور، وأصبح عليها أن تواجه الواقع بمفردها، ذلك لأن والداها المطرب الكبير (زكي مراد) كان قد كبر وتقاعد تماما، وأصبح حتى لا يصاحبها إلى الاستديو والحفلات، كان يزورها فى الاستديو بين الحين والآخر إذا ما كان أحد المشتركين معها في الفيلم صديقا له، أما غير ذلك فلا يذهب، وفجأة أصبحت (ليلى) هى الأم والأب لكل فرد فى الأسرة الكبيرة .
حيرة شديدة
كانت ثلاث سنوات قد مرت منذ أن التقت ليلى بحبيبها لأول مرة فى أحد شوارع الأسكندرية الجانبية، وكان الحب قد تحول من مجرد نزوة فتاة جميلة ومطربة مشهورة إلى شيئ أعمق، إلى ارتباط حقيقي، وكانت العقبات الاجتماعية قد ذللت، لم يكن يمضي يوم دون أن يلتقي فيه الحبيبان، وأثناء ذلك كانت (ليلى) تفكر أيهما تفضل سعادتها أم عائلتها ؟!، خاصة وأن عائلتها كلها كانت تعتمد عليها اعتمادا كليا، ولم يكن هناك مورد أو دخل أو إيراد لهم غير تلك النقود التي تتقاضاها (ليلى) من السينما.
أصعب قرار
كان على الفنانة الشابة أن تختار، وظلت حائرة حتى كان يوما التقى فيه الحبيبان فى السيارة، كان (ممدوح) سعيدا لا يعلم بالصراع الذى ينشب أظافره فى صدر حبيبته التى فأجأته قائلة: (ممدوح أنا مش حاقدر أعتزل الفن !!) هكذا ببساطة وبوضوح وصراحة وفى خط مستقيم أعلنت عليه قرارها، وكانت صدمته مروعة ظل لدقائق كمن ضرب على رأسه لا يعرف ماذا يقول أو يفعل، لقد بذل جهدا خارقا حتى يحمل العائلة على الموافقة، وزف الخبر إلى (ليلى) فطارت معه بالسعادة والفرح معا، ومضت الأيام وأعلن الخبر وبدأ ممدوح يستعد لتأثيث مسكنه لكن (ليلى) ترفض فجأة ودون مقدمات قائلة :(مقدرش أتخلى عن العائلة)!.
كان قرارا نهائيا وحاسما وبه أسدل الستار على أجمل قصة حب عاشتها (ليلى مراد) على مدى ثلاث سنوات، وافترق الحبيبان.
حب وزواج وعمل مع أنور وجدي
بكت ليلى كثيرا هذا الحبيب لكن مسئوليتها كأم وأب جعل أيام الحزن والبكاء تمر سريعا وتغرق فى العمل والحب، حيث أحبت النجم العبقري (أنور وجدي) وقدما معا سلسلة من الأفلام الهامة مثل (ليلى بنت الفقراء، ليلى بنت الأغنياء، قلبي دليلي، الهوى والشباب، عنبر، غزل البنات، حبيب الروح).
ورد الغرام
أثناء عملها وزواجها من أنور وجدي كانت (ليلى مراد) وعلى مدى سنوات وفى كل عيد ميلاد لها تتلقى باقة ورد جميلة جدا، وكانت بدون اسم عليها، وكانت (باقة الورد) هذه مصدر تسأل لـ (ليلى) من يا ترى يتذكرها ويرسل لها أجمل باقة ورد فى عيد ميلادها كل عام وبانتظام؟!، وكان هذا السؤال هو سؤال زوجها فيما بعد الفنان (أنور وجدي) الذي سألها كثيرا يا ترى يا ليلى يا حبيبتي مين اللي حريص كل سنة يرسلك باقة ورد حلوة وغالية زى دى؟، فكان ردها الطبيعي والهادي والواثق أكيد شخص من المعجبين المبسوطين ماديا شوية، ثم انقطعت هذه الباقة فجأة.
حبيب الروح
فى أحد الأيام فوجئت بالخادم الأسمر الذي يعمل لديها يخبرها أن سيدة على درجة كبيرة من الشياكة والرقي والجمال تنتظرها فى الصالون، ففوجئت (ليلى) وسألته بدهشة عيزاني أنا ولا سيدك أنور بك؟ فقال لها عيزاكي أنت يا ستو هانم! وبهدوء وحيرة واضطراب خرجت من غرفتها لمعرفة من هذه السيدة وسر الزيارة، ففوجئت بأنها (منيرة رستم) شقيقة حبيبها القديم (ممدوح رستم) فابتهج وجهها ورحبت بها، تحولت حيرتها إلى فرحة، وبعد احتساء القهوة، وعندما سألت ليلى عن (ممدوح) علمت أنه رحل بل إنه مات أعزب دون زواج يعيش على ذكريات قصة حبهما، وأنه كان حريص فى ليلة عيد ميلادها أن يرسل لها باقة ورد، وهنا تذكرت ليلى باقة الورد التى كانت تأتي إليها كل عام، والتى انقطعت هذا العام وتوقفت عن الكلام ونزلت دموعها وتركتها (منيرة) مع ذكرياتها ودموعها.