بقلم : محمد حبوشة
فنانة الأجيال التي تربى أكثر من جيل على أعمالها الفنية من الخمسينات وحتى الآن، امتلكت من الخبرة ما جعلها مدرسة فنية خاصة، فهمت فن السينما؛ فقدمت دور الممثلة ثم المنتجة لبعض الأفلام المهمة في تاريخ السينما، وارتبط اسمها بدراما رمضان لفترة طويلة، فحققت عدداً كبيراً من النجاحات غير المسبوقة لأى فنانة من جيلها، فارتبط اسمها بداية من منتصف الثمانينات بالدراما، عندما قدمت بطولة مسلسل (لا تتفتح الزهور) مع محمود ياسين، لتكون بوابتها الملكية لتصبح أحد أهم الوجوه الرمضانية التى ينتظر الجميع مسلسلها لكثرة الرسائل الاجتماعية التي تتضمنها أعمالها.
إنها الفنانة الكبيرة والقديرة (سميرة أحمد) التي اقتربت وجدانيا بالجماهير من خلال مجموعة مهمة من الأفلام والمسلسلات وهى هنا سارت على نهج (ستانسلافسكي) الذي ركز على ظهور المشاعر الإنسانية العفوية في أداء الممثل، كما ظهر في أدائها في كثير من الأعمال في السينما والدراما التليفزيونية، وهو ما أكد بالضرورة على أنها فنانة – ممثلة، وليست مجرد ممثلة مجسدة، فلابد لك هنا من عدم قتل الروح الحية لإبداعك، ولا أن يكون الفنان أداة لمحاكاتها، بل على العكس من ذلك لابد أن يبقى شخصا حيا متحررا من القيود المشهدية والشروط التمثيلية المصطنعة، وأن يبدع تبعا لقوانينها، لأن التصنع لم يتفق أبدا مع منهج ستانسلافسكي، بل وحورب دائما من قبله.
(تحبي تشربي شامبانيا يا ليلى هانم؟!).. كانت هذه هى أول عبارة نطقها لسان (سميرة أحمد، وأول جملة لها تتردد صداها داخل جدران دور العرض في خمسينيات القرن الماضي، والتي كانت بمثابة (المقص) الذي قطع لها شريط افتتاح مشوارها الفني المستمر لأكثر من 60 عامًا حتى اليوم، لتكون إحدى النجمات فيما بعد رغم ظروفها العائلية الصعبة في بداياتها، ومع ذلك فقد أولت أهمية كبرى لتربية الممثل صاحب المثل العليا بداخلها، فقد كانت كتاب السيناريو، وكل العاملين معها في السينما والتليفزيون كفيلين أن يقدموا لها أعمالاجيدة للغاية: بحيث تبدو في شخصياتها (ليس أداء مدهشا، ولا حماسة وحركة خارجية، بل مشاعر داخلية عميقة ً وأفكارا)، لهذا فقد سعت منذ بدايتها الأولى إلى تربية الجمهور، وفتح عيونه على أفكار مثالية أسسها التراث الإنساني للشعب نفسه الذي ينتمي الفنان إلي).
فعادة ما يأتي الأديب فيشذب هذه الأفكار من الشوائب ويصيغها في قالب فني ويعيدها إلى الشعب الذي كان قد أسسها، كما فعلت النجمة الكبيرة (سميرة أحمد في غالبية أعمالها، وبهذه الطريقة كانت تفهم هذه المبادئ وتستوعب بشكل أفضل من قبل الشعب، ومن أجل أن تنجز هذه المهمة بحسب قول ستانسلافسكي: لا بد لها من امتلاك المقدرة على التمعن في قلب المشاهد العصري، وفي روح الدور، وروح أولئك الفنانين عبر لعبة جمالية بحتة.
لقد أكدت (سميرة أحمد) في كل خطواتها الفنية ومن خلال مسيرة طويلة على أن الجهد الإبداعي لا يجلب للممثل السعادة إلا عندما يرى أنه وبتجسيده للدور سيجلب الفائدة للمشاهد، بل لا بد للمشاهد من معايشتها ومعايشة كل ما يدور من أحداث من حوله في الواقع الحياتي اليومي، وهنا تكمن أهمية فن المعايشة بالنسبة لها كما هى عند ستانسلافسكي، فهو ليس خلافا حول شكل الأداء وأسلوبه بل في النتيجة النهائية والتأثير النهائي المرجو من العمل الفني – الهدف الأسمى – ورسالة الفن على المتلقي والمشاهد، بدون هذا الشيء ينحط دور الفن إلى مجرد فرجة بسيطة وهو ما يعكس عمق معالجاتها لقضايا اجتماعية تتلامس مع الواقع، كما جاء في أعمالها الدرامية التليفزيونية التي عبرت عن مشكلات كبيرة يعاني منها المجتمع المصري.
ولدت (سميرة أحمد) بمحافظة أسيوط، ولم تكن تلك الطفلة الصغيرة تدرك حينها بأنها ستكون واحدة من نجمات زمن الفن الجميل، وبأنها ستشارك في العديد من الأعمال التي خلدت في تاريخ السينما المصرية لتكتب اسمها ضمن نجمات الجيل الذهبي بأسلوبها المختلف وموهبتها، وعاشت أحمد طفولتها مع أسرتها في أسيوط حيث كان يعمل والدها موظفا بمحكمة استئناف أسيوط، كما عمل أيضاً خطاطاً مع والد سعاد حسني، وانتقلت معه وهى في السادسة من عمرها إلى القاهرة مع أشقائها وشقيقاتها السبعة.
لكن حياتها الهادئة تلك تغيرت تماما بعد إصابة والدها بمرض (المياه البيضاء) فدخل المستشفى، ما دفعها إلى إيجاد عمل هى وأشقائها وشقيقاتها، فعملت شقيقتها الكبرى (نوال) بأحد المحلات ولكن سميرة وشقيقتها (خيرية) لصغر عمرهما ذهبا إلى مكتب (ريجسير) من أجل العمل ككومبارس، وبالفعل بدأت مشوارها ككومبارس مقابل خمسين قرشاً في اليوم، وكانت تقوم بوضع المساحيق التجميلية (الماكياج) وترتدي الفساتين وحذاء بكعب عال كي تبدو أكبر عمرا وكي تنجح في الحصول على أدوار في السينما.
قدمت (سميرة أحمد) العديد من الأفلام في هذه المرحلة من عام 1951 مثل (أنا بنت ناس، ابن النيل، حبيب الروح، في الهوا سوا، الدنيا حلوة)، لتتعرف بعدها على المنتج (بطرس زريبات) فتزوجته وأصبحت تنال مساحات تمثيلية أكبر، بداية من فيلم (ريا وسكينة)، ووقتها توقع لها أنور وجدي النجاح والنجومية وقال لها (هتكوني نجمة كبيرة)، إضافة إلى أفلام مثل: (مليون جنيه، من القاتل، زنوبة)، لكن نقلتها النوعية نحو البطولة كانت من خلال فيلم (الشيطانة الصغيرة، إسماعيل ياسين في دمشق، لن أعود).
واستطاعت (سميرة أحمد) أن تترك بصمتها، فعلى الرغم من حب الجمهور لملامحها الهادئة لكنها كانت حريصة على تقديم شخصيات مركبة، مثلاً في فيلم (الخرساء) الذي لعبت من خلاله شخصية فتاة خرساء، وقدمت شخصية الفتاة الكفيفة أكثر من مرة أشهرها في فيلم (العمياء)، مما جعل النقاد يطلقون عليها لقب (ممثلة العاهات)، وعلقت على الأمر في حوار لها بأن هذا اللقب يضحكها، لكنها قدمت أيضا (بنت بديعة، نساء ضائعات، قنديل أم هاشم، خان الخليلي)، والدور الذي حققت نجاحاً كبيراً من خلاله كان من خلال شخصية (الشيماء) وهى شقيقة الرسول الكريم محمد – صلى الله عليه وسلم – في الرضاعة، وهو الفيلم الذي قامت ببطولته عام 1972، ويعتبر من أهم الأعمال الدينية التي قدمت في السينما.
وخلال فترة الثمانينيات واصلت (سميرة أحمد) مشوارها الفني بتقديم العديد من الأعمال الدرامية التي استمرت في تقديمها أيضاً في التسعينيات وحتى الآن، ومن أعمالها (غدا تتفتح الزهور، محمد رسول الله، ضد التيار، امرأة من زمن الحب، أميرة في عابدين، يا ورد مين يشتريك، أحلام في البوابة، دعوة فرح، جدار القلب)، وكان آخر عمل قدمته سميرة أحمد على الشاشة هو مسلسل (ماما في القسم) عام 2010، وفي هذا العمل نجد مجسدة شخصية (فوزية) صاحبة مدرسة تتعامل بصرامة مع تلاميذها وأساتذة المدرسة، وتعمل على إعادة هيبة المدرس والمدرسة، واحترام رموزها، وتتعرض إلى مواجهات عنيفة مع كل من يحاول إفساد العملية التعليمية، باعتبار أن المدرسة مسؤوليتها التي تخرج من خلالها كوادر مؤهلة لخدمة المجتمع، كما يعالج المسلسل كل التجاوزات التي تحدث على الصعيد التعليمي آنذاك.
في حياتها العائلية أربع زيجات إثنان منهما أشهرا إسلامهما من أجل الزواج بها، ففي عام 1952 تعرفت سميرة أحمد على زوجها الأول المنتج (بطرس زريبات) أثناء تصويرها فيلم (شم النسيم)، ولاختلاف الديانة أشهر إسلامه وغير اسمه إلى شريف زالي، وكان زواجها منه سبباً في خروجها من أدوار الكومبارس حيث أعطاها الفرصة لإثبات موهبتها ولكن تم الانفصال سريعاً لوجود خلافات بينهما، ثم وقعت في حب الكاتب (وجيه نجيب) وتزوجته أيضاً وأنجبت منه ابنتها جليلة قبل أن تدب الخلافات بينهما لتنفصل عنه بهدوء، وقد اتفقا الزوجان على أن تقوم والدة سميرة أحمد بتربية الابنة وأن تقيم في الفيلا الخاصة بالأب مع جدتها وأمه، وتزوجت سميرة للمرة الثالثة من المنتج (أديب جابر)، وانفصلت عنه أيضاً بعد حدوث خلافات، أما الزواج الرابع والأخير كان المنتج (صفوت غطاس)، والذي قام هو الآخر بتغيير ديانته من أجل الزواج بها، بالرغم من تعرضه لانتقادات بسبب ذلك.
قدمت (سميرة أحمد) الإغراء في بدايتها وذلك في فيلم (غراميات امرأة)، لكنها قررت اعتزال هذا النوع من التمثيل بسبب الفيلم، بعد مشهد جمعها بسعاد حسني وقامت بضربها فيه فشعرت بأن الجمهور بدأ يكرهها بالفعل بسبب هذا المشهد فاعتزلت الإغراء، حتى وإن قالت لهم بأنه مجرد تمثيل، كما كانت سميرة أحمد ترفض القبلات وتعتبر أنها ليست ضرورية كما أنها لا تناسبها كصعيدية، وقالت في أحد حوارتها إن قبلاتها مع فريد شوقي في فيلم (صاحب الجلالة) لم تكن حقيقية ولكنها كانت إخراجية وإنها كانت تخجل وترفض المشاهد الساخنة، ولذا فهي تعتبر واحدة من الفنانات اللاتي نجحن في أسر قلوب الجمهور بسبب ملامحها الهادئة، وحرصها على تقديم أدوار السيدة صاحبة المبادئ والأخلاق.
وكانت سميرة احمد تتحرج من (التقبيل) خلال تجسيدها شخصية ما، وقالت في هذا الصدد: أخاف جدا من القبلة في السينما لأنني اكتشفت أن الجمهور في أحيان كثيرة لا يصدق أن هذا تمثيل، وقد كنت أخاف على سمعتي للغاية لأني في النهاية صعيدية ولي حدود أقف عندها، وأصرت على أن القبلة لا تصنع فيلمًا وما زلت حتى الآن لو جاء لها مشهد حب، حتى ولو بدون قبل تتردد كثيرًا وتشعر بحرج كبير، ومن ناحية أخرى ترفض سميرة أداء النجمات للمشاهد الساخنة في الأفلام، وصرحت قائلة: خلع الملابس لا يصنع نجمة، وأشعر بخجل كبير حينما أرى مشهدا عاريا في أفلام هذه الأيام، فنانات الجيل الجديد يفهمن الفن خطأ، للأسف الكثير من الفنانات الشابات يتخيلن أن الدخول لعالم الفن يجب أن يمر بغرف النوم .
حتى أنه أطلق عليها بسبب تصريحاتها تلك لقب (الدكتاتورة) واعترفت به لأنها على حد قولها: جدية في عملي وأكره عدم الالتزام والدلع، ومن يتعامل معى يلمس أنني جادة جدا، وأحب عملي بشكل كبير، فأنا ملتزمة جدًا في مواعيدي وأحترم الصغير قبل الكبير أثناء العمل، وإذا كانت هذه هى الديكتاتورية في نظر بعضهم فأهلًا بها، ومن هنا تتعامل سميرة مع الشائعات بهدوء تام، وهو ما أكدته قائلة: (ذكرت شائعة أن تشويها حدث لي في وجهي وقمت بعملية تجميل في عيني، وهذا ليس صحيحا، فقد قامت الصحيفة التي نشرت الخبر بنشر تكذيب له في نصف صفحة، ولم تزعجني كثيرا هذه الشائعة لأنني أتعامل بهدوء مع كل شيء ).
ويبدو أن (سميرة أحمد) لم تسيطر على قلوب الجمهور كممثلة فقط، وإنما كسيدة مجتمع أيضا حتى أنها في عام 2010 قررت أن تخوض تجربة جديدة من خلال ترشحها للانتخابات البرلمانية عن حزب الوفد، والذي طلب منها أعضاؤه الترشح عن دائرة (باب الشعرية) فوجدتها فرصة لخدمة البسطاء من أبناء الدائرة، خاصة وأن هذه المنطقة هى أول مكان عاشت به في القاهرة، لكنها خسرت الانتخابات للأس، ولم تحقق طكموها السياسي الي خاصمته بعد ذلك متفرغة للفن.
أسست (سميرة) شركة إنتاج سينمائي أنتجت من خلالها العديد من الأفلام الهامة في السينما المصرية، منها (البريء، والبحث عن سيد مرزوق) وربما كان دخولها الإنتاج سببا في أنه تم تكريمها في العديد من المهرجانات المحلية والعربية، منها المهرجان القومي للسينما، ومهرجان القاهرة السينمائي الدولي، ومهرجان الإسكندرية، وحصلت على عشرات الجوائز وشهادات التقدير من جمعيات ومؤسسات فنية، منها جائزة أحسن ممثلة في مصر والعالم العربي عن فيلم (الخرساء) وجائزة الكاتب مصطفى أمين في الستينيات .
وقبل رحيله بفترة قصيرة قالت (سميرة أحمد) أنها كانت تحب التمثيل مع الفنان القدير (محمود ياسمين)، بسبب الانسجام الكبير بينهما، متابعة (كنا لايقين على بعض في أعمالنا)، وكذلك النجم (حسين فهمي)، لافتة إلى أن الفنان رشدي أباظة قدمت معه نحو 5 أفلام من بينها فيلم (عالم عيال عيال)، وكذلك وحش الشاشة الفنان فريد شوقي في فيلم “صاحبة الجلالة”.
وقد أشارت (سميرة أحمد) إلى أنها لم تندم على أي دور قدمته في السينما أو التليفزيون طوال تاريخها الفني لأنها قدمت كل الشخصيات التي كانت تحلم بأدائها، موضحة أن الأحب الأعمال لقلبها الفيلم الديني (الشيماء)، قائلة (كفاية عليا إني قدمته ويتم عرضه في المناسبات الدينية)، علما بأنها لم تقدم دورا واحد على خشبة المسرح، ومع ذلك تم تكريمها في العديد من المهرجانات المحلية والعربية، ونحن بدورنا هنا في بوابة (شهريار النجوم) نتقدم لها بأصدق معاني الود والمحبة والتقدير على دورها البناء في التعبير عن هموم الشعب المصري عبر سلسلة من الأفلام والمسلسلات التلفزيونية التي قدمتها بطابع إجتماعي يهدف لتقوم سلوكيات وقضايا مهمة داخل المجتمع المصري والعربي .. متعها الله عز وجل بالصحة والعافية.