رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

حسن فايق .. مونولوجاته ألهبت حماس الجماهير فى ثورة 1919 (1)

لعب دورا هاما مع سعد زغلول في فى ثورته

* ألقى سعد زغلول خطبة سياسية فى مسرحه

* سلامه حجازي سبب عشقه للفن

* اقتبس ضحكته الشهيرة من أحد الباشوات

* سكن مع حسين رياض فى غرفة فوق سطح أحد البيوت

* يوسف وهبي عمل معه فى فرقته

ألقى مونولوجات هامه في ثورة 1919

كتب : أحمد السماحي

منذ أيام قليلة مرت في صمت يشبه صمت القبور الذكرى الأربعين لوفاة واحد من كبار نجوم الكوميديا فى مصر، هو النجم الجميل (أبو ضحكة جنان، حسن فايق)، فلم نرى أثر للذكرى أثر فى مئات البرامج الموجودة على الفضائيات، ولم تهتم صحيفة بنشر مواقف أو تحليل أو قراءة تحليلية لمشوار هذا الفنان الكوميدي الكبير الذي يرى كثيرين أن سر خلوده الفني يكمن فى ضحكته الطفولية، ودهشته البريئة، وقلبه الأبيض، هذه العناصر الثلاثة (الضحكة، والدهشة، والقلب الطيب)، فضلا عن موهبته الربانية جعلت منه نجما أسطوريا تحدى الزمن.

وظل فى وجدان وذاكرة الجمهور العربي، حتى الآن و بعد رحيله  بـ 40 عاما، وما يؤكد هذا الرأي أنه في فيلم (الزوجة 13 ) إخراج (فطين عبدالوهاب)، والذى قدمه عام 1962 أي عندما كان قد تجاوز الرابعة والستين، ونحن نتوقف هنا عند فيلم قدمه فى هذه السن، لأن الكثير من صناع الضحك يفقدون قدرتهم على الإضحاك عندما يتقدمون فى السن، كان هناك مشهد يجمع بين كل من (رشدي أباظة، وعبدالمنعم إبراهيم، وحسن فايق)، ومن المعروف أن لكل من الثلاثة ضحكته المميزة المحببة للجمهور، فجأة انفجر (أباظة) بدون سبب فى الضحك، وتبعه (عبدالمنعم)، ولمعت عينا فايق من الدهشة  – علام يضحكان – ثم شيئا فشيئا وعن طريق الضحك بالتأثير انطلق يضحك وعلت ضحكته وجلجلت وغلبت ضحكات شابين أصغر منه سنا بكثير، وانفجرت صالة السينما المكتظة بالجمهور بالضحك فى هيستريا، ومن هنا يبدو ما يملكه الرجل من إمكانات للكوميديا.

خرج (فايق) من عباءة أولاد البلد الجدعان من قلب الشارع المصري البسيط الطيب القادر على إضحاك (طوب الأرض)، وظل يلتقط تفاصيل الحواري والشوارع، والمشاكل الإنسانية البسيطة، ليعيد تكبيرها على المسرح أوالسينما دون أن تفتقد مصداقيتها، فهو يقدم لنا في أعماله الفنية التى يغلب على معظمها الكوميديا نماذج شديدة الإنسانية والحيوية والطيبة، نماذج نراها جميعا ونعيش معها رحلتها اليومية.

ينقش على المرآة تاريخ مهم في حياته

سبب عشقه للفن

ولد (حسن فايق محمد الخولي) يوم 7 يناير عام 1898 بمدينة الإسكندرية لأب عاشق للفن كان يعمل موظفا بالجمرك، وانتقل حب الفن من الأب إلى الابن، حيث كان (حسن) ماهرا فى طفولته فى تقليد زملائه، وتقليد حركات والده، وتقليد طريقة غناء الشيخ (سلامه حجازي)، ويتميز أيضاً بالمرح والابتسامة التى لا تفارقه، فكان بارعاً فى إلقاء النكت، ولذلك كان محبوباً من الجميع، وفى سن السابعة استيقظ من نومه على ضجه وأصوات وعساكر شرطة تبحث عن والده الذى اختفى بعد أن ضرب رئيسه الإنجليزي فى العمل بالكرسي فأسال دمه.

وفى الليل  تسلل الأب إلى منزله بعد انصراف عساكر الشرطة، وطلب من زوجته جمع كل ما يملكوه، وترك الإسكندرية كلها هو وأسرته المكونة من الزوجة وثلاثة أبناء وذهبوا جميعا إلى ضاحية (حلوان) التى تتمتع بالمناخ الصحي الجاف، وفى هذه الضاحية القاهرية التحق الطفل حسن بمدرسة (حلوان الابتدائية)، وكان الوالد فى الإجازات يصطحب ابنه معه إلى كازينو حلوان حيث يجتمع وجهاء الحي الهادئ ويأتيهم الشيخ (سلامه حجازي) مرتين كل أسبوع، ومن كازينو حلوان انتقل (حسن فايق) مع والده لمشاهدة عروض فرقة (سلامة حجازي)، حيث تعلق بالفن وبات مشدودا إلى التمثيل أكثر من أي شيئ آخر.

 وعندما نجح فى امتحان الشهادة الإبتدائية أقام له والده حفلا كبيرا، دعا إليه الأصدقاء وأهل الضاحية، وجاء بفرقة (عكاشة) لتحيي الحفل، وفى هذا الحفل وقف (حسن) يقلد الشيخ (سلامه حجازي)، ونال تقليده إعجاب فرقة (عكاشه) وطلب منه أحد أفراد الفرقة أن يزورهم فى القاهرة للعمل معهم، لكن الأب رفض امتهان ابنه لمهنة التمثيل رغم إعجابه بالشيخ سلامه وحبه لفرقة عكاشه!

روزاليوسف

التردد على مسارح القاهرة

 أثناء تجهيز (حسن) أوراقه للالتحاق بالمدرسة الثانوية توفى والده وترك له والدته وشقيقين، واضطر أن يترك الدراسة، وعمل هو وشقيقه فى محل (مينفاتورة) خاص بملابس واحتياجات السيدات لشخص ينتمي لهم بصلة قرابة اسمه (يونس الشربيني)، وأبلى (حسن) فى العمل بلاء حسنا جعل صاحب المحل يمنح الصبي مكافأة أسبوعية توازي نصف مرتبه الشهري، أتأحت له التردد على ملاهي القاهرة، ومشاهدة الفرق المسرحية.

وفى هذه الفترة عشق الفن أكثر، وفكر فى إنشاء فرقة خاصة به من هواة الفن فى ضاحية حلوان، وبالفعل كون فرقة من هواة الفن، لكن نظرا لضيق ذات اليد، وعدم وجود موارد مالية ونصوص أدبية، تم حل الفرقة، وفكر(حسن) فى ترك محل التجارة، والأسرة، والاستقرار فى قلب القاهرة ليكون بالقرب من المسارح وفنونها التى عشقها، ويعثر فى وسط البلد على محل أقمشة فى حي الغورية فيعمل به نهارا، وأثناء ذلك يتعرف على زميل له اسمه (حسين رياض) عاشق للفن ترك أسرته هو الآخر لإنها طالبته بالإلتحاق بالمدرسة الحربية، لكن حبه للتمثيل جعله يفر هاربا منهم، ويسكن (فايق وحسين رياض) فى غرفة فوق سطح بيت فى حي السيدة زينب.

يوسف وهبي

جمعية الاتحاد التمثيلي

فى عام 1912  انتشرت فى مصر ظاهرة (جمعيات هواة الفن) أبرزهم كانت فرقة (جمعية أنصار التمثيل) التى كانت تضم كلا من (محمد عبدالقدوس، ويوسف وهبي)، ففكر (حسن فيق) فى تكوين جمعية ينفث من خلالها عن موهبته هو وزملائه، فكون مع مجموعة من أصدقائه وهم (حسين رياض، عباس فارس، سليمان نيازي، حسني رحمي) جمعية بعنوان (الإتحاد التمثيلي)، وقاموا بتأجيرغرفة فى وسط القاهرة ليجرون فيها بروفاتهم، ودفع كل شخص من أفراد الفرقة مبلغا ماليا لتأجير ملابس المسرحية والمكياج، ووقع اختيارهم على مسرحية بعنوان (فران البندقية) لتكون باكورة أعمالهم واستعانوا بالفنانة المعروفة (روزا اليوسف) لتكون بطلة العرض، وقام (حسن) بإخراج المسرحية وقام بدور البطولة ولعب دور العاشق الذى تحبه (روزا اليوسف)، ونجحت المسرحية فنيا وجماهيريا، مما جعل (روزا) تعاود التجربة معهم فى مسرحية أخرى، وتشجيع هذه الفرقة والمشاركة في عروضها.

سلامه حجازي والضحكة الشهيرة

كما أغلقت الفرقة الأولى التى كونها (فايق) بسبب المال، تم حل جمعية (الإتحاد التمثيلي) أيضا بسبب (الفلوس)، حيث لاقت العروض التى  قدمت بعيدا عن (روزا اليوسف) فشلا ذريعا مما جعل الفرقة تتكبد خسائر ضخمة، وبسبب معرفته وإعجابه بالشيخ (سلامه حجازي) انضم لفرقته عام 1914، وقدم معه مسرحية بعنوان  (أنيس الجليس) التى أطلق فيها ضحكته المشهورة لأول مرة، والتى اقتبسها من أحد الباشاوات الذى جاء لمشاهدة المسرحية وجلس فى الصف الأمامي وأطلق هذه الضحكة، وكان يضحك هذه الضحكة سواء كان المشهد يستدعى الضحك أم لا، وكان الجمهور من حوله يضحك عند سماع ضحكته، فأخذها عنه، وتصبح هذه الضحكة (لازمة) – فيما بعد – فى كل أدواره سواء فى المسرح أو السينما طوال مشوار حياته، وهى (الضحكة) الطفلة النزفة من إفراط إمتلائها بالصفاء الإنساني، بصوتها المجلجل أو المزغرد وكأنها تنبئ عن حلول الانطلاق إلى الخلاء العظيم، فأصبحت ملمحا أصيلا فى شخصيته، كما أصبحت أحد الأسباب التى جذبت الجمهور إلى (جوق سلامة حجازي) وشدت إليه الانتباه.

مع رفيق المشوار الفنان ستفان روستي

فرق عزيز ورشدي وأبيض

فى عام 1916 يترك الفنان الكبير (عزيز عيد) العمل مع فرقة (عكاشة) ومعه (نجيب الريحاني) ويكونان فرقة انضمت إليها (روزا اليوسف) التى رشحت (حسن فايق) للعمل معها مع مجموعة أخرى من الهواة كان من بينهم (حسين رياض ويوسف وهبي)، ويقدمون مسرحية (خلي بالك من إميلي)، وفى هذا العرض لعب حسن دور (أودنيس) الظريف شقيق (إميلي)، أما أتعاب كل ممثل فى هذه الفرقة فكانت تقدر بالأسهم ونصيب السهم فى الليلة ستة قروش، وقد تصل فى بعض الأحيان إلى عشرة، لكن الفرقة تنقسم وينفصل (عزيز عيد) ويكون فرقته وينضم إليه (حسن فايق)، لكن لا يستمران معا سوى موسم واحد، ينضم من بعدها إلى فرقة  (عبدالرحمن رشدي) بمرتب ستة جنيهات شهريا، لكنه لا يجد نفسه فى هذه الفرقة، ويحاول أن يجرب نفسه فى أداء الأدوار التراجيدية فيلتحق بمسرح (جورج أبيض)، ويقدم معه مسرحية (هاملت) ويجسد شخصية (الممثل) فى الفرقة المسرحية التى تزور القصر، كما يقدم دور (الراعي) الذى أخذ ابن الملك الذى قتل أباه فيما بعد وتزوج أمه فى مسرحية (أوديب)، ويجسد أيضا دور المحامي المزيف فى مسرحية  (المحامي المزيف).

الزعيم سعد زغلول

دوره فى ثورة 1919

نظرا لصغر مساحة الأدوار فى الأعمال التى يقوم ببطولتها، والتى لا تشبع نهمه التمثيلي، يترك (فايق) مسرح (جورج أبيض)، وفى عام 1918 يكون فرقة تحمل اسمه ويشرك فيها معه زملاءه الهواة، منهم (حسين رياض وعباس فارس وأحمد جلال واستيفان روستي وعبداللطيف جمجوم)، وينضم إليهم (يوسف وهبي) ويقدمون مسرحية بعنوان (ملكة الجمال) قامت ببطولتها (روزا اليوسف)، وتدورفكرة المسرحية حول تأثير الخمر وكيف يذهب بعقول الناس، فيرتكبون بسببها الحماقات.

في أثناء ذلك تشتعل ثورة 1919 فيحول (حسن فايق) مسرحه إلى منبر لإثارة الحماس وإشعال نار الوطنية ويقدم إيراد الحفلات لصالح جمعية الإسعاف، وعندما يحاول الإنجليز اشعال نار الفتنة الطائفية بين عنصري الأمة، يقدم مسرحية بعنوان (محمد وحنا)، ويحضر هذه الحفلات الزعيم (سعد زغلول وعدلي يكن والأمير محمد علي)، وبعض الوزراء، وبعد الفصل الأول يقف (سعد زغلول) فى شرفة البنوار ويلقي خطبه سياسية، وعندما ينفى (سعد زغلول) يخرج هو وأعضاء فرقته بملابس التمثيل فى مظاهرة صاخبة، وفى نفس موعد المظاهرة الحاشدة التى كانت تقودها رائدة الحركة النسائية (هدى شعراوي) .

هدى شعراوي

المناضل حسن فايق

بسبب أن المسرح الجاد كان يتعثر فى ذلك الوقت أمام رواج المسرح الاستعراضي، والمسرح الغنائي يتوقف نشاط الفرقة، ويتجه (فايق) إلى إلقاء المنولوجات التى كان يقوم بتأليفها وتلحينها من دون موسيقى، وكان إعتماده فى أدائها على الإلقاء التمثيلي المنغم، وواكب نشاط الحركة الوطنية وألهب حماس الجماهير غير مكترث بأي رد فعل من جانب الإنجليز، فذهب مرة إلى الأزهر الشريف وأخذ ينشد: (مدد يا رفاعي مدد، ملك الأفاعي يا أسد، مين زينا احنا فى البلد، ناكل رصاص من غير عدد، دستور يا هوه).

وعندما قادت السيدة هدى شعراوي أول مظاهرة نسائية خرج يقول: (ده وقتك ده يومك يا بنت اليوم، قومي اصحي من نومك بزياداكي نوم، وطالبي بحقوقك تخلصي من اللوم)، وشجع هذا السيدة (صفية زغلول) على دعوته لحضور اجتماعات الحركة النسائية لإلهاب حماس عضواتها فكتب لهن قائلا: (حيوا الفتاة المصرية، صبحت تساوي الغربية، فاقت قوام فى الوطنية، وبسرعة قوام وقفت قدام).

وحينما هدأت الثورة وارتفعت الأصوات بضرورة العودة إلى العمل، قال: ( يالله بنا يا أهل الهمة، خلونا بدري نشوف اشغالنا، نخدم باخلاص وبذمة، ضروري مضمون استقلالنا)، وبعد أن أصدرت الحكومة الإنجليزية تصريح 28 فبراير الذى اعتبره الوطنيون استقلالا منقوصا عبر حسن فايق عن رأيه قائلا : (ننه ننه واسكت ننه ننه نام، يا مشجع لفكرة أهو نقبل والسلام، اصحى ياللي بتخدم اصحى وقوم قوام، دول ح يكلفتونا باين بشوية كلام).

…………………………………………………………………………………………..

في الحلقة القادمة نستكمل مسيرة صاحب الضحكة المجلجلة (حسن فايق) وجوانب خاصة في حياته ومسرحة الاجتماعي ودخوله عالم السينما !!.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.