عدلي كاسب .. عفريت الأداء السينمائي
بقلم : سامي فريد
هو (عدلي عبدالحميد كاسب) ابن مصر القديمة وفم الخليج تحديداً.. وهو الفنان الذي أذهلنا بقدرته على تقمص أي شخصية يلعبها مهما كانت صعوبتها، قالوا عنه إنه عفريت السينما والأداء التمثيلي، فمن يصدق أنه (المعلم عباس) الجزار شقيقته السندريلا سعاد حسني في (السفيرة عزيزة) بشراسته وجبروته.. وهو الخال خفيف الظل في (العريس يصل غدا).. وهو أبو جهل في (هجرة الرسول)!
وهو ابن عائلة ميسورة الحال، عشق التمثيل وتخرج من مدرسة الفنون والصنايع (الفنون التطبيقية الآن) وعمل مدرسا بكلية الهندسة لمدة 12 عاماً كان فيها مشرفا على النشاط الرياضي بالكلية كالسباحة والكشافة والجوالة وكمال الأجسام، وهو أيضا أحد أبطال رفع الأثقال.
ثم عمل بعد ذلك وكيلا لوزارة المعارف ومسئولا عن المسرح المدرسي ورائداً من رواد التربية المسرحية ليلتحق بعد ذلك في المعهد العالي للتمثيل عام 1949 ويتخرج من الدفعة الثانية.. وبعد تخرجه في المعهد انضم إلى فرقة المسرح الحديث عام 1950، ثم فرقة إسماعيل يس عام 1954 وبعدها انتقل إلى فرقة نجيب الريحاني ليظل بها 10 سنوات ومنها إلى السينما ليشارك في نحو 200 فيلم كان منها (أمير الانتقام لأنور) وجدي وكان مايزال طالبا في معهد التمثيل ثم توالت أدواره السينمائية خلال 30 عاما قدم خلالها مجموعة متنوعة للغاية من الأدوار امتدت وتنوعت من الباشا إلى الجزار والأب القاصي والزوج اللطيف الحنون والإنسان الطيب والعربجي والزوج المسالم والمقهور والخديوي.
كما شارك في عدد من الأعمال التليفزيونية مثل (الدوامة والمجهول والعشرة الطيبة)، وكان مسلسل عادل إمام (أحلام الفتى الطائر) هو آخر أعماله التليفزيونية.
نال (عدلي كاسب) الجائزة التقديرية من الرئيس أنور السادات، وكان في حياته رجل البيت اذي تزوج في سن التاسعة والعشرين وأنجب أربعة أبناء ذكور هم (كاسب، خريج الفنون الجميلة وممدوح، خريج التجارة وكان فنانا تشكيليا وممثلا أيضا، ثم أمينة خريجة الفنون الجميلة، وكان آخرهم إيهاب خريج الإعلام.
وكان أشد ما يؤلم (عدلي كاسب) هو دور أبو جهل الذي كرهه كرجل مسلم ومتدين لكنه كان يستطيع تقمص أي دور مهما كانت صعوبته، يقول عنه ابنه ممدوح في أحد برامج التليفزيون المصري، أنه كان يعشق التمثيل ويستطيع معايشة أي شخصية لهذا أطلقوا عليه لقب الفنان ذو الألف وجه وعفريت السينما.. أما أحب الأدوار إلى عدلي فكان دور الزوج الطيب المسالم في فيلم (لقاء في الغروب) أمام مريم فخر الدين ورشدي أباظة، فهو الدور كان هو الأقرب إلى شخصية الحقيقية.
كان يعشق بيته قليل الخروج محب لأسرته، كان من أحد أصدقائه المقربين في الوسط الفني (عبدالمنعم ابراهيم وشكري سرحان وسعيد أبو بكر وصلاح سرحان وإبراهيم سعفان)، وكان يحب حسن فايق بصفته خاصة كأستاذه وكان هو الوحيد الذي يزوره في بيته عندما أصيب حسن فايق بالشلل النصفي.
ومن عاداته يرحمه الله أنه كان يحرص على صلاة الجمعة في مسجد الأنصاري بمصر القديمة أما صلاته يوم الخميس فكانت في الحسين، وكان من عاداته السير في الشوارع ومراقبة تصرفات الناس لأنهم كانو هم الأصل الذي ياخذ منه الشخصيات التي يؤديها.
ومن أطرف نوادره في السينما هو دور الأب السكير الظالم وهويضرب ابنه جلال عيسي بينما يشرب كأسا من الخمر.. وقدموا له كوبا من الخمر رفض أن يشربه وطلب أن يضعوا في الكوب كوكاكولا فرفض المخرج لأن الكوكاكولا تصدر عنها فقاقيع ستفسدا المشهد، واقنعه المخرج بأنه كوب واحد حتى ينتهي المشهد لكن المشهد تكرر 7 مرات بسبب نسيان الفنان عزيزة حلمي لكلامها أمامه فشرب 7 أكواب من البراندي حتى سقط في البلاتوه ولم يكمل المشهد.
كان عدلي كاسب يرفض أداء أدوار الشر النمطي فللشر عنده أسبابه ومفاتيحه ودوافعه وليس الشر في رأيه في ضخامة الجسم أو خشونة الصوت.. فهو الجزار الشرس وهو التاجر المتغطرس (زقاق المدق)، وهو الأب السكير منفلت الأعصاب وهو الفنان الذي يستطيع تحسين كل أدوار الشر من أقصى يمينها إلى أقصى شمالها.
وهو أيضا الأب الطيب والزوج المحب لأسرته، والشر الطبقي عنده يختلف عن الشر المتأصل في النفوس، كما أنه كان كوميديانا إذا اقتضى الدور الذي يمثله، حدث في فيلم (طاقية الإخفاء) في دور رئيس التحرير الذي يصدق أوهام عبدالمنعم إبراهيم، وهو أيضا والد العريس المتساهل باهت الشخصية الذي تقوده زوجته في فيلم (أم العروسة)، لكنه كان ينتقل بغرابة شديدة وباتقان مؤهل في مساحة 180 درجة بين الشخصيات، فهو وكيل النيابة القوي وهو الزوج العنيد والأب الصارم وضابط الجيش الكبير المنضبط.
ثم مات عدلي كاسب عن عمر بلغ 60 عاما، مات وهو يبتسم عندما كان يستمع إلى القرآن الكريم بصوت القارئ الذي يحبه عبدالباسط عبدالصمد، مات إثر إصابته بأزمة قلبية كانت هى السبب أيضا في وفاة أشقائه الثلاثة بنفس الأزمة القلبية، وهم (طه وإحسان وعطية) .. مات بعد أن عاد من أداء بروفة أخيره مع الفنان حسن يوسف والمخرج إبراهيم الشقنقيري.
والمؤلم هو أنه بعد ربع قرن من الأداء التمثيلي الاحترافي الراق والمتميز لم ينل ما يستحقه من التكريم الذي يليق به حتى اليوم.