كتبت : سدرة محمد
من خلال عشر حلقات فقط جاء مسلسل (أمل حياتي) كدراما مستوحاة عن قصص وشخصيات من حياتنا، وهى فكرة (يسري الفخراني)، وسيناريو وحوار أمين جمال وشريف يسري، وإخراج أحمد حسن، وتدور أحداثه من خلال قصة تبدو أقرب للواقعية، ولعل الأداء الصادق والاحترافي من جانب كل من (حنان مطاوع، وبيومي فؤاد) هو ما أضفى نوعا من المصداقية على واقعية الأحداث المستمدة من حي الجمالية الشعبي، خاصة أن العمل يتعرض لقضية اندثار مهنة الرسم على النحاس (الكفت) مع ابتلاع الصين للأسواق بمنتجات جاهزة، لكن (أمل العربي) الشخصية المحورية في الأحداث تقاوم كل ذلك وتنجح في إقامة ورشة صغيرة ثم يكبر حلمها في مشروع أكبر بشراء محلات في مسقط رأسه للبيع.
حنان مطاوع، إستطاعت في هذا المسلسل أن تعزف على أوتار المشاعر ببراعة مطلقة، حيث عبرت بصدق عن الإنسانة المغلوبة على أمرها بطريقة ناعمة مشحونة بجرعات كبيرة من الحنان والعاطفة والشجن المحبب، كما بدا لنا في أدائها الذي اتسم بتطورات مذهلة طوال مراحل حياة الشخصية التي يبدو أن لديها نوع من التماس مع شخصيتها الحقيقية على المستوى النفسي والاجتماعي، وهو ما ترجمته من صدق إحساسها عبر دموعها التي أبكت المشاهدين وتعاطفت معها الجماهير الغفيرة على مواقع التواصل الاجتماعي طوال فترة عرض المسلسل، وهو ما يؤكد صفاء موهبتها وقدرتها على التجسيد الحي لمحتلف الشخصيات والمواقف الدرامية.
المسلسل الذي أنتجه كل من (تامر مرسي وتامر مرتضى) تضمن قضايا أخرى شائكة تتعلق بالتفسخ الأسري وتمزيق صلات الرحم من جانب أقرب الناس عبر الخيانة وفشل قصص الحب التي ترتبط بمصالح شخصية تقطع أوصالها طوال الوقت، ثم تعيد اللحمة من جديد بعد مرور غالبية الشخصيات بظروف معيشية ضاغطة تضطر الإخوة إلى لم الشمل من جديد حيث يتحلقون حول (أمل) الأخت الكبرى التي تحملت المتاعب والمشاق بعد وفاة والدها كي تلملم أشلاء تلك الأسرة المكونة من 6 أخوات جميعهم تتفتح أحلامهم على صخرة الواقع المر الذي تعانيه الأخت الكبرى في سبيل ستر بيت أبيها.
هو عمل درامي اجتماعي بامتيار، حيث يعيد الأجواء الشعبية ويكشف معادن الناس والعلاقات الاجتماعية التي تربط شارع المعز بالحرف اليدوية وبازارات بيع الأنتيك والمصنوعات النحاسية، في جو تسوده المحبة والرحمة والحنين لذلك الماضي البعيد حيث كانت هنا صناعات تقليدية نمت وازدهرت وصارت من معالم الشارع الأثري الذي يقصده السياح في زيارتهم لمصر، مستمتعين بأجواء تراثية وسط مباني تنتمى للآثار الإسلامية مع بعض قطع فرعونية معروضة للبيع وسط الحلى والإكسسوار وغيرها من منتجات الحرف اليدوية التي اشتهرت بها منطقة الجمالية.
طابع الآصالة والحفاظ على القيم الانسانية كان هو العنوان الرئيسي الذي اندجت تحته الأحداث الدرامية التي تجنح نحو التراجديديا، كما بدا لنا من عقوق الأبناء للأباء، وتبدو عائلة (الحاج سعد) نموذجا صارخا حينما أودى ذلكك العقوق بحياته على كنبة مقابلة للنيل في شكل مأساوي مفارقا الحياة غاضبا على ابنه وابنته، في مشهد يدعو للتأمل والتفكير طويلا في تصرفات جيل ساهمت التكنولوجيا في صنعه بطريقة تخلو من الروح الشرقية الأصيلة، وفقدان النسق الأخلاقي الذي تربت عليه أجيال قديمة ماتزال تعاني من حالة التشبث بتلك القيم والعادات والتقاليد.
البطولة هنا لكل من (حنان مطارع، بيومي فؤاد، نور محمود، نانسي صلاح، رامي الطمباري، أحمد كشك، شاهيستا سعد،أحمد عنان، عبد الله أشرف، كيرا الصباح، محمود حمدان، رضوى الشريف، تامر مجدي، سمر علام، منى نجيب)، وغناء التتر (لينا شاماميان) من ألحان الموهوب (عمرو مصطفى)، والموسيقى التصويرية العبرة جدا عن حالات الشجن والتراجيديا في مرارتها وانكسار الشخصيات كانت لـ (محمد مدحت)، ووفضلا عن كل ذلك كان هنالك ظهور متميز لكل من (سلوى عثمان، حنان سليمان، صبري عبد المنعم، مجدي السباعي).
صحيح أن هناك أكثر من (ماستر سين) في ثنايا الحلقات العشر، لكن بدا لي اكثرهم إبداعا وأداءا تمثيليا ذلك المشهد الأخير في الحلقة الثالثة والذي جاء على النحو التالي: بعد أن تم حبس (أمل – حنان مطاوع) أربعة أيام على ذمة التحقيق على أثر اتهامها بسرقة مخزن الحاج (سعد – بيومي فؤاء) من جانب ابنه وابنته اللذين خشيا من زواج (أمل) بأبيهما والاستئثار بثروته لحسابها بمفردها، وذلك بعد أن نما لعلمهما بأنه طلبها عدة مرات لكنها كانت حائرة تفكر في رد مناسب، خاصة أن الرجل له أفضال كثيرة عليها، حيث تعمل في (تكفيت) النحاس في محله لأكثر من 15 عاما، اتسم فيها بالشهامة وحفظ الجميل لوالدها الذي علمه الصنعة وباع له المحل الأكبر في منطقة الجمالية، بعد أن ورطته زوجته الثانية (قدرية – مها عثمان) في خلفة ولدين وبنتين بخلاف (أمل وأخوها الشقيق (سيد).
ذهب الحاج سعد بعد أن خرج من غرفة العناية المركزة بعد إصابته بأزمة قلبية على أثر سماعه خبر سرقة مخزنه، وعندما أخبره ابنه وابنته بأن (أمل) هى من سرقته استنكر ذلك وهم على الفور لإنقاذها من الحبس لتأكده من براءتها.
تظهر (أمل) في غرفة نائب المأمور في مواجهة الحاج (سعد) قائلة: أنا مسرقتش ياحاج .. انته عارفني كويس.
الحاج سعد: أهو انتي مرمية الرمية دي عشان عبيطة.
أمل باستنكار: بس أنا مش عبيطة.
الحاج سعد يهز رأسه مؤكدا: عبيطة.. أنا متأكد إنك مسرقتنيش لأني عارفك كويس، وحتى لو كنت معرفكيش أنا برضه متأكد إنك مسرقتنيش .. عارفه ليه؟ .. علشان اللي سرقني مالوش في الشغلانة بتاعتنا، أنا البضاعة بتعتي عليها ختم المحل، يعني مجرد ما يجي يبيعها الحكومة حتوصلها في (مينت – دقيقة) انتي بس اللي ناسيه.
أمل : يعني انته عارف مين اللي سرق؟
الحاج سعد : اللي بلغ عنك.
أمل : أنا مش عايزة أعمل مشاكل لحد ولا عايزه حد يعملي مشاكل .. أنا طول عمري ماشيه جنب الحيط .. مش عشان أنا عبيطة زي ما انته بتقول، بس عشان من خاف سلم .. أنا لوحدي ياحاج وكل اللي حواليا ملزومين مني .. والنبي قفل على الموضوع اللي انته فاتحتيني فيه .. أنا ما انفعكش والله العظيم ما انفعك.
الحاج سعد : أنا كمان زيك احنا نشبه بعض يا أمل .. عشت طول عمري خدام للي حواليا .. عمية ماعملت حاجة بمزاجي أبدا، عشت مع مرات أب وريتني المر واخواتي نحلوا وبري، اتجوزت بنت عمي وأنا مابحبهاش عشان عمي ما يضحكش عليا وياكل ميراث أبويا.. مع ذلك عمري ما دايقتها بكلمة لغاية ما قبلت وجه كريم، برغم كل اللي كانت بتعمله فيا .. عشت طول عمري مجبر .. عمري ما عملت حاجة بمزاجي إلا طلب جوازي منك دي الحاجة الوحيدة اللي اتمنيت أعملها بمزاجي .. حتحرميني منها؟!
أمل : ربنا يحققلك مناك وأنا والله العظيم حبقى خدامة تحت رجليك بس…
هنا يتدخل الحاج سعد بعد بادرة أمل في التلويح له بالموافقة المبدئية: أنا كمان ححقق كل اللي بتمنيه .. إخواتك مسئوليتي من دلوقتي، وشغلك المحل اعتبريه بتاعك من دلوقتي إعملي فيه زي ما انتي عايزه : قلتي إيه؟
أمل : هو أنا لو موافقتش انته مش حتخرجني من هنا؟
الحاج سعد : إخص عليكي يا أمل .. بعد العمر ده كله طلعتي مش عرفاني؟ .. فاكرة يا بنت الناس انني ممكن أستغلك أو ألوي دراعك؟ .. أنا قبل ما أجيلك يا أمل عديت على وكيل النيابة قلت له كل البضاعة اللي انتوا لقيتوها دي أنا اللي مخرجها بإيدي والحاجة اللي لقوها عندك قلت له إني أنا مديهالك هدايا!!.
أمل : طيب والقضية وولادك؟
الحاج سعد : يشيلوها همه بقى .. مش همه اللي بلغوا!!
أمل : طب وحق البضاعة ياحاج؟
الحاج سعد: ما تخفيش على .. انتي عارفاني كويس ما بيباتليش جنيه بره .. أنا حاعرف إزاي أرجع حق البضاعة بس بطريقة تانية .. هاه: قلت ايه يا بنت الناس؟.
تبكي أمل واضعة النهاية للمشهد وهى عاجزة عن الرد صراحة على طلب الحاج سعد للزواج منها !!.