بقلم : محمد حبوشة
رغم أن كتاب المتلاعبون بالعقول الذي صدر عام 1973 ضمن سلسلة (عالم المعرفة) للباحث الأمريكي هربرت أ. شيللر؛ قديم نسبيا إلا أن كثيرا من أفكاره ومقارباته ما تزال قيد التشغيل في وقتنا الحالي، فالكتاب يتحدث عن تقنيات التضليل وتعليب الوعي والتحكم بالرأي العام في الولايات المتحدة الأمريكية، وكيف تلعب وكالات الإعلام والاستعلام في صناعة الاهتمامات والمواقف التي تريدها أمريكا في العالم كله، ويقدم خلاصات عميقة في التأثير البالغ للدعاية وحرب المصطلحات وقدرتهما على تزييف الواقع وطمس الحقيقة.
وعلى الرغم من أن الكتاب قد واكب أهم فترة من فترات الدعاية الإعلامية في أمريكا حيث الحرب الباردة مع الاتحاد السوفيتي وتداعيات حرب فيتنام، مما أغناه بالشواهد والأدلة والمعلومات البكر، ولذلك فإن الكتاب يقدم صورة ناضجة عن أسس ومبادئ حرب المعلومات والاختراق الفكري التي كانت تديرها أمريكا إبان الحرب الباردة، والتي على مايبدو آمنت بها القنوات الإخوانية وهضمت أفكار الكتاب الأساسية وانتهجت كل المبادئ التي يحويها بين طيات صفحاته، وأضافوا لها بهارات خاصة على طريقتهم الخبيثة في بث الشائعات وتضمينها معلومات أقرب للتصديق من جانب بسطاء المصريين، فضلا عن نشاط أتباعهم من الكتائب الالكترونية التي تروج بأساليب تميل إلى النعومة التي تشتت الذهن اعتمادا على الجيل الرابع والخامس من الحرب.
هناك خمس أساطير تشكل أبعاد الفخاخ التضليلية التي تجعلنا ننظر للزيف على أنه حقيقة والعكس، بحسب هنري .أ . شيلر مؤلف كتاب (المتلاعبون بالعقول)، ولعل أكثرها احترافية هى أسطورة التعددية الإعلامية، أي حرية الإعلام التي توهم باستقلال الرأي في حين تحكم باستبداد ناعم، هنا يوضح شيللر حقيقة مهمة، إن السؤال الحقيقي لا يتمثل في ما إذا كانت وسائل الاتصال الجماهيري حرة أم لا؟، وإنما يتمثل في كيف؟ ولأي هدف؟ وعن طريق من؟ وبأي نتائج مترتبة تتم عمليات التوجيه والسيطرة التي لا محيد عنها.
من زاوية أخرى تخدم وفرة الصحف ووسائل البث التليفزيوني والإذاعي مصالح الإخوان في عمليات التضليل ببث معلومات تنشر جزء من الحقيقة مغلفة بسم قاتل من الأكاذيب، في حين يظن المواطن العادي أنها تجسد نوعا من حريته المطلقة، كما أن فورية المعلومات وكثرتها يمكن أن تتحول إلى أداة تضليلية بامتياز خاصة إذا كانت مغلفة بطابع يؤكد على المصداقية المغلوطة التي يحاولون العزف على أوتارها المقطوعة.
وهم في ذلك يهدفون إلى الانشغال التام من جانب الجمهور من البسطاء باللحظة التي يبثون فيها معلوماتهم المضللة ويعملون في ذلك على تدمر الروابط الضرورية مع الماضي، أي أنهم يبعثون على النسيان ومن ثم التخلي عن المحاسبة على الأخطاء التي يرتكبوها في هذا البلد، ولهذا فإنهم تعاقدوا مع الشركات والمؤسسات الإعلامية الكبيرة (جارديان – رويتر – واشنطن بوست نيويورك تايمز)، وغيرها من قنوات تساندهم (CNN – BBC عربي – الجزيرة) فضلا عن قنواتهم (الشرق – مكلمين العربي) وهى جميعها تسعى للوصول إلى أكبر كم من الجمهور، ثم هى ترعى الإعلانات التجارية التي تمثل شرط استمرار لا غنى عنه بالنسبة لوسائل الإعلام، ومن هنا تفرض أجندتها بطريقة ضمنية.
حاولت الآلة الإعلامية الإخوانية ممثلة في قنواتها التي تبث من (لندن وتركيا) وبدعم غير محدود من جانب (الجزيرة) اللعب على أوتار مشاعر المصريين في عز أزمة كورونا، وبثت كم هائل من الشائعات وحاولت التشكيك في أرقام وزارة الصحة، لكن وعى المصريين واطمئنانهم لكلام الرئيس السيسي الذي ظهر أكثر من مرة لافتا الانتباه إلى أن الدولة تبذل جهودا مضنية، وخصص 100 مليار جنية لمواجهة الجائحة، هذا هو ما طمأن المصريين إلى حد كبير، وكان سببا مباشر في إفشال خطط الإخوان التعبوية التي ضاعت سدى على صخرة الواقع الذي أثبت جدارة المواطن وفهمه لأبعاد تلك الحملات الإعلامية المضللة.
يشير كتاب (المتلاعبون بالعقول) إلى تركيز صانعي الدعاية في الولايات المتحدة على إشاعة المصطلحات المضللة القادرة على اختراق أسوار التمايز الثقافي والحضاري برفق ماكر، ويضرب مثالا بـ (الحفاظ على العالم الحر)، وهى كما يبدو كلمة تصنع البهجة عند سامعها، ولكنها جريمة قد تؤدي إلى قتله جوعا أو تبعيةً، يعني مصطلح (العالم الحر) سياسة انتهجتها أمريكا لكبح وإحباط التغيير الاجتماعي في الأمم الأخرى من أجل حماية فرص الاستثمار للشركات الأجنبية، وقد أنشأت الحكومةُ (وكالةَ الاستعلامات الأمريكية عام 1953 للاضطلاع بهذه المهمة.
على غرار ما يطلق عليه (العالم الحر) انتهج الإخوان صكوا مصطلح (المواطن الحر)، وعلى نفس النغمة الأمريكية التي انتهجتها واشنطن لكبح وإحباط التغيير الاجتماعي في الأمم الأخرى من أجل حماية فرص الاستثمار للشركات الأجنبية، اعتمدوا هم أيضا على أساليب شيطانية من قبيل التشكيك في الإنجازات التي تحققت على أرض الواقع وتسويقها على أنها تبتلع الموازنة العامة للدولة التي تسثمر في مشاريع قومية كبرى لاعائد لها في المستقبل المنظور، بل انهم استغلوا الأحداث الطارئة والكوارث الطبيعية على أنها من أفعال النظام، وقد جيشوا اللجان الالكترونية التي تعمل بنفس أسلوب وكالة الاستعلامات الأمريكية التي أنشأتها الحكومة الأمريكية عام 1953 للاضطلاع بهذه المهمة.
وبالفعل استخدموا التقنية الأخرى للتضليل، والتي تتمثل في تعبئة مصطلحات رائجة بمضامين تخدم المنتجين، وهنا استفادوا من تجربة التضليل الإعلامي التي انتهجتهها الحكومة الأمريكية للاستفادة من الظروف التاريخية الخاصة للتطور الغربي من أجل تكريس تعريف محدد للحرية، وعلى نفس المنوال الذي تمت فيه صياغة عبارات تتسم بالنزعة الفردية، راحوا يبثون شائعتهم المغرضة في التركيز على النزعة الفردية للنظام الحاكم في مصر، وهو ما مكنهم من أداء وظيفة مزدوجة، فهم في الظاهر يخاطبون رجال الأعمال الذين يقعون تحت طائلة القانون جراء نوع ما من الفساد، متشدقين بأنه ينبغي حماية الملكية الخاصة، ويقدمون أنفسهم بوصفهم حارسا على أموال هؤلاء الفسدة والمتهربين من دفع الضرائب.
وإضافة إلى ذلك وفي إطار حملاتها المضللة أشارت بعض القنوات الإخوانية في أكاذيبها تقارير حول (هدم مسجد في المنيا)، حيث ادعت هدم مسجد (الفتح) بالمنيا وهو خبر عارى تماما عن الصحة، لكن هدفه كما نعلم هو أن تلعب الإخوان على المشاعر الدينية حول هدم المساجد، وإطلاق افتراء حول هدم المساجد، وأيضا أكاذيبهم حول (صندوق مصر السيادى) الذي يمثل أهمية كبرى للاقتصاد الوطنى المصرى، ومحاولة التشكيك في تصرف الدولة في هذا الصندوق وكذلك الحال في قضية (التعدي على الأراضي الزراعية)، و(لمصالحة في قضايا الإسكان)، و(محطة بشتيل) لإثارة الفتنة بين أبناء الصعيد والدولة، وآخر افتراءتهم (مقتل شاب بالمنيب على يد ضابط شرطة)، في محاولة لصب البنزين على النار وصولا لحالة من البلبة والتشكيك في نوايا الحكومة بهدف ضرب مصداقيتها لدى الشعب المصري.
وأظن أنه لايغيب عن ذهن المواطن المصري محاولات الإخوان عبر خطوات خبيثة صناعة متآمر وأهبل تمثل في المقاول الهارب بطل حكاية (حرامى عامل نفسه مناضل)، فنجد أم (زوبع ومعتز مطر)، وثالثهم (محمد ناصر) صاحب الهاشتاجات الوهمية قد تحمسوا جميعا بأصواتهم العالية التي تدل على ضعف وقلة حيلة لهذا (المعتوه محمد على) في بداية الأمر، وعبر الكذب والتضليل والشائعات دخلوا في عرض مستمر وعينيهم أساسا على سبوبة التمويل (القطرى التركي)، لكن يوما تلو الآخر أثبت المقاول الهارب، وكل أنصار الجماعة الإرهابية الهاربين فى الخارج فشلهم الذريع.
وعلى الرغم من أنهم كانوا يطلقون التصريحات وعكسها، ويفبركون الصور لخدمة مؤامراتهم الخبيثة، بل ووصل الأمر لاستخدام نفس الصورة لأكثر من واقعة مختلفة فى عدد من المناطق على مستوى الجمهورية، وهو ما يؤكد أن كافة هذه التحركات تثبت فشل هؤلاء الإرهابيين الذريع وتخبطهم، فها هو المقاول الهارب قد لاقت دعواته فشلا ذريعا، وهذه ليست الواقعة الأولى له، حيث سبق هذه الدعوات أخرى مثيلة لها، وكان مصيرها نفس الفشل أيضًا، ولهذا استحق (محمد على) لقب (متآمر وأهبل)، وخاصة أنه لم ينجح في أن يقود هذا اللص حراك شعبى، لأنه ببساطة لا يعمل بوعي أوضمير بل طمعا في الحصول على مزيد من التمويلات الخارجية من قطر، ولهذا ذهب ليطرح نفسه من جديد على الممول القطرى.
الفبركة والكذب والخداع هى الطريقة التى تستخدمها قنوات الإخوان، لتمرير الشائعات والأكاذيب، حيث سعت هذه القنوات خلال الفترة الماضية للتدليس على مواقف عدد من الشخصيات العامة لإظهار معارضتهم على نحو كاذب للسياسات العامة أو لإيهامهم واستدراجهم للحديث عبر شاشاتهم، وهى في هذا تعتمد على أنصاف الحقائق، حيث تأخذ جزءًا من المعلومات الحقيقية ثم تجتزئ منها لتشويه صورة مصر أمام الإعلام الدولى، والأمر المؤكد أن سبب نشر قنوات الإخوان أكاذيبها تلك ضد مصر هو قوة مصر على المستوى الإقليمى وقوة مصر على المستوى الدولى.
ولأنه لايحيق المكر السيء إلا بأهله، فقد كشفت الأيام القليلة المضية حقيقية هذا التنظيم الإرهابي عندما تولى (إبراهيم منير) منصب المرشد العام للجماعة، حيث تحدثت قنواتهم عن مؤامرة الإرهابى (إبراهيم منير) والمقاول الهارب ضد المعزول، والتي كشف منير من خلالها عن نواياه بتصريحاته عن نهاية محمد مرسى ونظامه بعد وفاته، ولكن المقاول الهارب فضحه وعناصر الإخوان هاجمته بعنف، ولقد وجد منير نفسه إزاء حالة من التناقض الداخلى الذى ظهر إلى العلن، وتعود التفاصيل إلى تغريدة بثها (سامى كمال الدين) الإعلامى الهارب، تحدث خلالها عن تفاصيل المكالمة التى دارت بين (محمد على وإبراهيم منير) بصفته مقربا من الطرفين، وبالتزامن أكد (محمد على) فى لقاء على الجزيرة القطرية، أن إبراهيم منير قال له: “موضوع محمد مرسى مات بموته ” وطلب منه أن يعلن ذلك.
ووجد هذا الإعلان هجوما من جانب العناصر الإخوانية، ومنهم عمرو عبد الهادى أحد العناصر التابعة للإخوان الذى بادر بالهجوم على إبراهيم منير، حيث قال أن تصريحاته لمحمد على تعبر عنه وحده، مؤكدا أنه لن يتنازل عن نظام مرسى، وفى المقابل ردت عليه عناصر من الإخوان، وقالوا فى تغريدات أخرى: “إبراهيم منير لا يمثلنا ولا يستطيع ملء هذا المنصب فهو واسع عليه”.
كل هذا العبث والتناقض الإخواني يؤكد بما لايدع مجالا للشك بأنها جماعة ليست لها مبادئ ثابتة، ودائما تتبع سياسة الغاية تبرر الوسيلة وهذا الأمر تكشفه تصريحات إبراهيم منير الذى أراد أن يغازل أحلام الزعامة لدى المقاول الهارب محمد على، فقال له أن مرسى قد انتهى بالنسبة للإخوان بمجرد وفاته، ولابد أن مثل هذه التصريحات أن تسبب صدمة فى أوساط الإخوان ما دفعتهم إلى الصدام مع الدولة والخروج عليها وممارسة العنف والتخريب والإرهاب من أجل مرسى، فكيف إذن تأتى الجماعة اليوم وتقول أن مرسى ونظامه انتهى بالنسبة لهم”.
وعلى الرغم من كل تلك المحاولات الحثيثة من جانب الآلة الإعلامية الإخوانية إلا أن الشعب المصرى أصبح لديه وعى وإدراك بحقيقة ما يجرى فى مصر، ولن يتجاوب مع أى دعوات للفوضى أو التخريب تدعو لها الجماعة الإرهابية وبالأخص عندما تأتى من خلال هذا المسلك الخبيث، خاصة وأن مصر ماضية فى البناء والتعمير ومستمرة فى سلسلة إنجازاتها للتنمية، كما أننا أمام رئيس محب لبلده ومعروف عنه نزاهة اليد، ويعمل ليلا نهارا من أجل أن تكون مصر أفضل حيث يعمل جديا على بناء البلاد اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا وغيرها فى كافة المجالات.
ويبقى الأهم في كل ذلك أن الإخوان أصبحوا يتلاعبون بكروت معروفة للجميع ومعتادة، ومن ثم فقدت قنوات الجماعة المصداقية والمتابعين مع الوقت، فأصبحت بمثابة فقرة كوميدية لمن يشاهدها الآن، ولعل أبيات محمود درويش التي قالها عن (إسرائيل) تنطبق تماما على هذا الكيان الإرهابي الذي يضمر شرا لكل المصريين بينما يعيش بيننا حيث قال:
في بيتنا غريبْ
يأكل من لحمنا
يشرب من دمنا
ينام فوق أجسادنا
يدنّسُ خُطانا
يبدّلُ أسمائنا
يقتلُ مئذنةً.. ويجرحُ صليبْ.