“أسطورة خالد يوسف”
بقلم : محمد شمروخ
السهرة ليست بالضرورة مرتبطة بالقيمة حتى لو كانت الشهرة ترتبط بحال القيمة نفسها.
فقد يشتهر الخفيف بالثقيل والغث بالسمين، لذا لا يمكن اعتماد الشهرة وحدها كسبب للقيمة الحقيقية.
ولكن عند النجومية تتهاوى كل المعايير فلا تبقى إلا الشهرة كعامل أساس للنجومية
فقد يحقق النجومية من هو أقل قيمة وقد يتوارى ولو قليلا من هو أكثر قيمة لأن النجومية عوامل أخرى قد لا تمت للمجال الذي يعمل فيه النجم إذ تتدخل أسباب أخرى لتحقيقها.
– عفوا مازال الكلام على عموميته التى قد تفضي به إلى الغموض .. فماذا تقصد بذلك
أقصد أن كثيرين من الفنانين المصريين من الحقل الفنى عامة والسينمائي خاصة قد تحققت لهم نجومية بفعل مواقف أخرى خارج مجالهم.
وبصراحة أرى المخرج (خالد يوسف) خير نموذج لهذا الذي أدعيه هنا وسأتخذه هنا على سبيل المثال لكثيرين غيره في ساحة النجومية التى اتسعت دائرتها حول شاغليها،
فهناك آلة إعلامية جبارة صنعت ما يمكن أن أسميه “أسطورة خالد يوسف” الذي ما أن شاهدت له فيلما إلا وأذهلنى كم التعسف لطرح كم من القضايا في المشاهد والحوارات تأتى في سياق سريع غاضب يصيبك بالشلل الذهنى مع مخاطبة حواسك وأحاسييك مع زعم مخاطبة عقلك حتى يبدو الفيلم مفارقا مغايرا، وهاتان المفارقة والمغايرة يسعى إليهما (خالد) حتى جاء بما لا معنى ولا قيمة له إلا الإثارة لانتزاع الجحوظ من عينى المشاهد مع شهقة تعجب ومصمصة شفاة.
في حوار أو مشهد جنسي بلا مناسبة كما حدث في كثير من أفلامه التى يتعامل معها مع قضية الجنس بمنظور فرويدي تجاوزه الزمن يظهر المجتمع كقطبع هائج لا يكف عن استحلاب اللذات الجنسية، ولا يمكن بالطبع إنكار السلوكيات الجنسية المنحرفة ولا الاهتمام الطبيعة بالجنس، لكن لا يمكن أن تجد مجتمعا إنسانيا متفرغا الجنس ولو راقب الفرويديون الطوابير الصباحية في الشوارع والميادين ومواقف السيارات والأوتوبيسات التى يشترك فيها كل من العاملين والعاملات والموظفين والموظفات والطلبة والطالبات وحتى الشغالين والشغالات، فهؤلاء يسعون في يومهم لأغراض أخرى سوى الجنس بل قد أفاجئك إذ أقرر لك بأن حتى العاملين والعاملات في مجال الليل والبغاء لهم هموهم البعيدة عن الجنس، ولكن خالد يوسف عمل على التسفيه من قضية الجنس -وياللعجب- بل وتعامل معه كعامل إثارة رخيصة و”قرف” فماذا ترى في فيلمه “حين ميسرة” سوى تقديم هذا الجانب المقرف من الجنس والشخصيات التى تناولها الفيلم.
لا أخدع نفسي برؤية وهمية لمجتمع ملائكي بل قد أكون أكثر تشاؤما من خالد يوسف ولكن التشاؤمية تصبح جريمة ضد المجتمع إذ تحولها إلى استثمار يشعر المجتمع أنه يعيش في مقلب قمامة عملاق جاء من كل كوم زبالة بعينة.
فإن كان عمل الفنان أن يواجه المجتمع بخباياه العفنة فأين دور الفنان في تلك الخلايا ويقوم بعمليات فرز فيخرج لنفسه والمجتمع ما يعادل تدويره كما يفعل عمال القمامة المحترفين الذين لولاهم لما طاق أحدنا بيته ولا شترعه ولا حيه.
لكن الزبالين المحترمين ارتضوا بدورهم في أدنى الدرج الاجتماعي راضين مرضين لا يسعون النجومية ونحن لا نكف عن سب أنفسنا بمهنتهم.
فليت خالد بك الذي يبكى على ظلم العالم للفقراء في تويتاته وهو يتمدد الآن على شاطئ الريفيرا.
وهذا مربط الفرس فتاة الإعلامية الجبارة التى أعطت خالد يوسف سكة نجم النجوم في السينما والسياسة جاءت من الأصدقاء المهتمين بقضايا الفقراء، وهم ينتجعون أفخم الشواطئ في مصر والعالم.
وكما اتخذت هنا خالد يوسف نموذجا من بين النجوم الذين صنعت نجوميتهم لأسباب غامضة كذلك أتخذ من فيلمه “حين ميسرة” نموذجاً الأفلام التى حققت شهرة لعوامل أخرى غير أنها من صميم الفن.
(فقر- جنس- دعارة- أطفال شوارع- عشوائية- إرهاب) .. خلطات يئن منها المجتمع لم يفاجئنا بها خطأ يوسف بل عانينا منها من قبله مداها وتعايش أسبابها لكن تقديمها فنيا لا يمكن أن تكون فقط في صيغ محبطة مقرفة تشعرك بأنك تعيش في سلة قمامة محكمة الغلق.
أولسنا نعيش كذلك؟!
هذا هو المقصود أن تصل إلى هذا السؤال وتقنع نفسك أنه لا فكاك من حياة صفيحة الزبالة التى إلا بتحطيم غطاءها والخروج منها، وهنا تجد نفسك قد أقررت بأنك تعيش في الزبالة وأن حياتك ماضيا وحاضرا ومستقبلا لن يخرج من هذه الحال
هنا يبدو أن الرسالة أنتجت واتأمت وملأ نسل أفكارها الأرض
هنا تحول خالد يوسف في “غالب أفلامه إلى مصلح سياسي أو اجتماعي أو حتى فيلسوف”.
هل تحقق له ذلك؟!
أي نعم لقد تحقق وتحققت بموازاته أسطورة خالد يوسف وكل نجم هناك من أحاطه بهالة نجومية تخرس الألسنة للرد عما يدعيه ويزعمه.