الجزء الأول: صنعها رجل سيعيش إلى الأبد!
بقلم الدكتور: طارق عرابي
لا تنزعج من عدد مرات الفشل الذي يلحق بك في حياتك الشخصية أو المهنية ، ولا تشغل بالك أو تقلق بشأن طول أو قِصَر عدد السنوات التي ستعيشها في الحياة ، فقط اكتشف ماذا لديك وما الذي يمكن أن تحققه في حياتك لنفسك ولغيرك ، فمن بين المفاهيم المغلوطة عند الكثيرين قياس عمر الإنسان بعدد السنوات التي يعيشها بينما ينبغي أن يكون المقياس الحقيقي لأعمارنا بما حققناه من إنجازات ونفع لأنفسنا وعائلاتنا وأوطاننا وللناس عامةً بأي مكانٍ على وجه الأرض. وهذا هو الشيء الوحيد الذي يمكن أن يجعلك تعيش بين الناس حتى بعد رحيلك.
مات “والت ديزني” عام 1966 متأثراً بمضاعفات سرطان الرئة ، لكنه مازال يعيش في كل بيت من العالم وسيعيش إلى الأبد بما أنجزه من إبداع في المجال الفني وتحديداً في عالم الرسوم البيانية المتحركة (شخصيات وأعمال الكارتون) ، فعلى اختلاف أجناسنا وأدياننا ومستوياتنا الثقافية والاجتماعية وأياً كان موقعنا من العالم .. من منا لا يعرف “ميكي ماوس” و “دونالد داك” و”ميني ماوس” وأفلام وأصدقاء “ميكي ماوس” من الشخصيات الكارتونية الأخرى؟! ومن منا لم يسمع عن “سندريللا” Cinderella وعن “سنو وايت والأقزام السبعة” Snow White and the Seven Dwarfs وعن “أليس في بلاد العجائب” Alice in Wonderland .
أحلام “والت ديزني” لم يوقفها الفشل ولا الإفلاس ولا حتى الموت.
وُلد “والتر إلياس ديزني” (والت ديزني) Walt Disney في الخامس من ديسمبر عام 1901 بمدينة “شيكاغو” بولاية “إلينوي” الأمريكية. والده “إلياس ديزني” مزارع ورجل أعمال كندي الأصل.
انتقل “والت ديزني” مع والديه إلى مدينة “كانساس” الأمريكية في سن السابعة ، حيث قضى معظم طفولته هناك ، وخلال الحرب العالمية الأولى وعمره 16 عاماً ، زيف “والت” سنه الحقيقي حتى ينضم إلى الصليب الأحمر الأمريكي.
حصل “والت ديزني” على منحة دراسية في معهد مدينة كانساس للفنون Kansas City Art Institute والتقى هناك بزميله في الرسوم المتحركة “أوب إيوركس” الذي أسس معه شركتهما الخاصة في أوائل عشرينيات القرن الماضي ، وتمكنا من ابتكار مجموعة من الرسوم المتحركة القصيرة بعنوان Newman’s Laugh-O-Grams لصالح سلسلة “مسارح نيومان” ،، لكن سرعان ما أفلست شركتهما.
بدأ “والت ديزني” حياته المهنية كمبتكر ورسام للشخصيات الكارتونية وبدأ مشوار إنتاج أعمال “الكارتون المتحرك” ثنائي الأبعاد Animation 2D مع شريكه “أوب إيوركس” عام 1922
في عام 1923 سافر “والت” ومعه “أوب” إلى هوليوود واستقرا وأسسا كياناً جديداً هناك ، واستطاعا عمل حلقات مسلسل جديد تحت عنوان Alice Comedies يدور حول فتاة (شخصية حقيقية حية “لايف”) تسافر إلى عالم من الشخصيات الكارتونية المتحركة ، وتم إنتاج المئات من هذه الأفلام القصيرة منذ عام 1923 والتي تم توزيعها فنياً من خلال شركة السيدة “مارجريت وينكلر” وزوجها ” تشارلز مينتز” ، وقد فقدت تلك الشخصيات الكارتونية شعبيتها عام 1927 وكان على “والت” وشريكه “أوب” أن يفكرا في شيءٍ جديد .
في هذه الأثناء كان الدعم المالي لا يحصل عليه “والت” إلا من مصدرين وهما شقيقه الأكبر “روي أو ديزني” وشركة التوزيع الخاصة بالسيدة “مارجريت وينكلر” وزوجها “نشارلز مينتز” .
بدأ “والت ديزني” العمل على خلق شخصية كارتونية جديدة بعنوان “أوزوالد .. الأرنب المحظوظ” والإسم الأصلي بالإنجليزية هو Oswald the Lucky Rabbit وصنع “والت” وشريكه “أوب” سلسلة ناجحة للغاية من الأعمال الفنية لتلك الشخصية الكارتونية “الأرنب المحظوظ” الذي أصبح شخصية كارتونية شهيرة ومحبوبة لدى الجمهور الأمريكي ، ثم اكتشف “والت ديزني” عام 1928 أن السيدة “مارجريت وينكلر” وزوجها قد سرقا حقوق تلك الشخصية ، وأخذت كذلك السيدة “مارجريت” جميع رسامي الشخصيات الكارتونية من شركة “والت” ليعملوا لصالح شركتها باستثناء شريكه الرئيسي الرسام “أوب إيوركس”.
في عام 1955 أسس وافتتح “والت ديزني” أول متنزه لسلسلة “ديزني لاند” الشهيرة وذلك في جنوب ولاية كاليفورنيا وهو المكان الذي حقق بفكرته وموقعه وأجوائه الإبداعية نجاحاً كبيراً حيث اختطف عشق أطفال أمريكا الذين بدأوا يتوافدون إلى المكان مع أولياء أمورهم في رحلات إلى بيئة راقية ونظيفة وآمنة والتي يستمتعون فيها بنشاطات كثيرة من بينها مقابلة شخصية “ميكي وماوس” وبقية شخصيات “ديزني” الكارتونية الشهيرة.
لم يعش “والت ديزني” ليرى كل أحلامه التي خطط لها والتي كان من بينها إنشاء مدينة ملاهي ضخمة في مدينة “ليك بُويْنا فيستا” Lake Buena Vista بولاية فلوريدا الأمريكية تحت إسم “ديزني لاند” ، حيث وافته المنية في 15 ديسمبر من عام 1966 وعمره 65 عاماً ، لكن شقيقه الأكبر “روي أو ديزني” استمر في تنفيذ ما خطط له “والت” فأسس وبنى مدينة الملاهي في عام 1971 وغير إسمها إلى “عالم والت ديزني” Walt Disney World وذلك إعزازاً وتقديراً لما قام به أخوه الراحل ولكي يخلد إسم “والت ديزني” في أذهان العالم أجمع حتى قيام الساعة ، مدينة “عالم والت ديزني” في فلوريدا يعمل بها حالياً أكثر من 77 ألف موظف وقد وصل عدد زوارها في عام 2018 فقط من داخل أمريكا وخارجها إلى ما يزيد عن 58 مليون زائر ، وقد تم عمل نماذج أخرى من عالم ” والت ديزني” تحت مسمى “ديزني لاند” بدول أخرى حول العالم مثل فرنسا والصين واليابان والهند وإندونيسيا ومدينة دبي الإماراتية وأماكن أخرى حول العالم.
وتستمر شركة “والت ديزني” في الازدهار عاماً بعد عام حتى وقتنا هذا ، ولا تزال تنتج أفلاماً كارتونية متحركة (ثنائية وثلاثية الأبعاد) وكذلك أفلام حركة حية (لايف) ، وأصبحت الشركة إمبراطورية لا تزال تنمو وتزدهر بسبب ما قدمه وخطط له رجلٌ واحدٌ فقط هو “والت ديزني” الذي لن ينساه أحدٌ في هذا العالم. جديرٌ بالذكر أن ثروة شركة “والت ديزني” حسب القيمة السوقية الحقيقية لها في أغسطس الجاري (2020) زادت عن 231 مليار دولار.
– منذ عام 1922 وحتى نهاية عام 1927 قدم “والت ديزني” 62 فيلم قصير وكان العدد الأكبر من هذه الأفلام عن شخصية “أليس” التي ابتكرها عام 1923:
– منذ عام 1928 وحتى نهاية عام 1931 قدم “والت ديزني” 79 فيلم قصير ، أي أنه قدم في 4 سنوات عدداً أكبر مما أنتجه في الست سنوات الأولى (من 1922 إلى 1927) ، وكان العدد الأكبر من هذه الأفلام في تلك المرحلة الجديدة عن شخصية “ميكي ماوس” التي ابتكرها عام 1928:
(NB) فيلم الكارتون الكوميدي الموسيقي القصير Midnight in a Toy Shop أردت هنا لفت إنتباه جميع العاملين في المجال الفني أن هذه الفكرة التي ابتكرها “والت ديزني” عام 1930 كانت هي ولا شك مصدر إلهام كلٍ من “ميلان ترينك” والكاتبين “روبرت بن جارانت” و “توماس لينون” ليكتب الأول قصة في كتاب بعنوان Night at the Museum في 2006 ويكتب الإثنان الآخران سيناريو الفيلم ويتم إنتاج الجزء الأول من الفيلم في نفس العام (2006) والذي قام ببطولته الممثل الكوميدي “بن ستيللر” بمشاركة الفنان الرائع الراحل “روبن ويليامز” والنجم المصري العالمي “رامي مالك” ونجوم آخرون ،، حيث أن فيلم “والت ديزني” Midnight in a Toy Shop يحكي عن عنكبوت تسلل في منتصف الليل إلى متجر ألعاب Toy Shop وعندما راح يعزف على البيانو فوجيء أن كل الألعاب الجماد تتحول إلى كائنات تنبض بالحياة وترقص وتغني على عزفه .