“اسمه عبد الكريم مصطفى”!!
بقلم : محمد شمروخ
هذا الاسم ورد في جملة حوارية هامشية على لسان السندريلا وهى تجسد شخصية (زينب عبد الكريم) الطالبة الجامعية الشهيرة ب”زوزو” ابنة شارع محمد على، والتى تعمل مطربة وراقصة بفرقة العوالم لصاحبتها ومديرتها العالمة المتقاعدة (نعيمة ألماظية) أم زوزو.
وكان ذكر (زوزو) لاسم أبيها الذي مات قبل أن يراها ردا على سؤال عباس فارس بصفته والد حبيبها الواد التقيل حسين فهمي.
فقد فوجئت زينب بأن حبيبها الفتى الوسيم ينتمى لعائلة ثرية فوق تصورها عندما ذهبت معه لحضور حفل زفاف أخته في بهو القصر الذي تسكنه العائلة.
بالتأكيد لم يتوقع والد العريس أن يعرف من هو والد عروس ابنته بمجرد ذكر اسمه ولكن في الواقع هو لا يهمه الاسم إنما يهمه ما سيأتى بعد الاسم، فهذا هو الذي سيحدد مكانة زوجة ابنه بصفتها ابنة فلان الذي ستتشرف الأسرة بنسبه.
ورغم أن الجملة في الحوار عرضية ولا تكاد تلفت نظر أحد خاصة أن الفيلم أساسا فيلم استعراضي وحتى القصة الإنسانية التى تجرى بها أحداث الفيلم ليست سوى خلفية لتسويغها سينمائيا، ولكن تركيزي الشخصي في هذه التفصيلة التى قد تراها هامشية وتافهة جعلنى أضع الفيلم في كوم وهذا الحوار القصير الذي حوى الاسم المجهول في كوم تاني.
نعم فقد أدت السندريلا الحوار ببساطة عبقرية لم تجسد مأساتها وحدها بل كشفت عن زيف المجتمع الإنسانى الذى يرفض أن يعترف بقيمة أحد دون تعريف، أو كما نقول هذه الأيام ‘تايتل”.
أنت تكدب على نفسك لأنك بدون هذا التايتل بلا قيمة حتى في نظر نفسك وقد تعتبر نفسك إنساناً فاشلاً بدون (تايتلك)!.
فكل منا لابد أن يسبق أو يتلو اسمه ما يبين مكانته..
لواء.. دكتور.. مستشار .. وزير.. بيه.. باشا.. إلخ.
فإن لم يكن أبوك من علية القوم ومن ذوي الألقاب فلتنكس رأسك ولا ترفع عينيك في وجه أحد.
أما السيد عبد الكريم مصطفى فليس له أدنى قيمة ولن يعبأ سامع الاسم به حتى يتبين ما يسبقه أو يتلوه.
بالطبع لا يوجد مجتمع بلا ألقاب ولا مناصب وبصراحة ولا زيف ولا كذب!
فلماذا يكون سعي الإنسان في الحياة إذن إلا ليصير شيئا؟!
فهو بدون لقب هو لا شيء
ألا ترى أن النجاح هو أنا تصير هذا الشيء؟!
لقد عبر جان بول سارتر عن هذا المعنى بما أسماه “التشيؤ” الذي يخرج الإنسان من حقيقته فيصبح جامدا لا هوية له في نفسه إذ فقد ذاته بل يفقد أي صلة حقيقية مع وجوده الذي تجمد وصار شيئا بلا هوية حية ولا إحساس حقيقي
فكلنا يا صاحبي نكد ونشقى في الحياة وسهر الليالي في طلب العلا لنكون في النهاية هذا الشيء.
قد يبدو الكلام غامضا أو مغرقا في التجريد الاجتماعي وبعيدا عن الواقع .. صدقنى هذا ما أقصده تماما، وهو أن أجردك من واقعك المزيف لتتعرى أمام نفسك فلعلك في لحظة تراها من العبث أن تدرك فيها حقيقتك وتقدر قيمتك الحقيقية كإنسان في ذاته هو أسمى من أي لقب يقترن به اسمه، بل هو الفاعل والصانع لهذا الذي يقترن به وليس على العكس، ولكن هل تستطيع أن تزيح هذه الطبقات العفنة تحت كل هذه الإرسابات الركامية التي توالت فوق ذانك من عادات وتقاليد وقيم زائفة أنت الآن مؤمن بأنها حقيقتك.. أتمني.. لكنك أنت نفسك من سيقف حائلا دون أن تدرك هذه الحقيقة والأفضل أن تتهم العالم بالجنون.
حقا يستحيل تخيل مجتمع إنساني بلا ألقاب أو مستويات أو طبقات، ولكن من قال لك إنى أرى غير هذا.. مخادع إنا إذن.. يا سيدي أنا هنا فقط لأجعلك تشعر بما وراء نبرة الانكسار في صوت زينب عبد الكريم وهي تجيب الرجل الثري عندما سألها “وأنت بقى.. بنت مين يا شاطرة؟!”، حيث قالت ببساطة “والدي الله يرحمه كان رجل عادي جدا.. ما افتكرش إن حضرتك تعرفه”.
وبالفعل كيف يمكن أن يعرف أحد عبد الكريم مصطفى وهو رجل عادي جدا فلا هو فخامة ولا سيادة ولا سعادة ولا حضرة ولا جناب، فهذه الألقاب التى نلهث العمر وراءها تبدو وكأنها حقيقتنا التى نسعى إليها وبدونها نصير لا شيء؟.
سين سؤال: أكون زودتها شوية وعايش الدور؟!
ياراجل دا حتى الفيلم نفسه لم يهتم بعبد الكريم بتاعك ده ولو في صورة لشخص مجهول معلقة وعليها شريط أسود بالورب على جدار منزل نعيمة ألماظية ولم يأت ذكره إلى لمما، وأنه مسكين مات بحسرته يا عيني لما أجبره أهله على أن يطلق نعيمة ألماظية لأنها عالمة
يا أخي إذا كان الفيلم نفسه لم يهتم بقضية المهمشين إلا كما ذكرت كتبرير درامي خفيف – ولا أقول سخيف – تقدم من خلاله استعراضات السندريلا ووسامة حسين فهمى الذي لم يعتمد في هذا الفيلم على أي قدرات تمثيلية لديه إلا شكله الحلو، كما كتبت له إحدى طالبات الكلية في الندوة التى ختمت بأشهر سؤال في تاريخ السينما المصرية “من أنت؟!”.
ورغم السخرية الظاهرة إلا أن هذا السؤال الذي جاء في سياق عابث هرب من شحنه بالمعانى كل من مؤلف قصة الفيلم وهو المخرج حسن الإمام، وكذلك الأستاذ محمد عثمان الذي أعد القصة السينما وكمان – ياخسارة – عمنا وتاج راسنا صلاح جاهين كاتب السيناريو والحوار والأغاني التى كانت سببا في النجاح المبهر للفيلم، الذي أنتج وعرض في فترة من فترات اليأس والإحباط القومي في مصر والوطن العربي قبل حرب أكتوبر، حيث تم إنتاجه في سنة ١٩٧٢ وربما كان الناس في حاجة إلى “حلاوة وبقلاوة .. الشنجر بنجر نو”، وكذلك “زوزو النوزو كونوزو” و”يا واد يا تقيل” تخفيفا من ذكرى مرارة الهزيمة وتضجرا من انتظار طويل لمعركة للثأر لكرامة جريحة.
ترى لو ركز الفيلم على قضية سؤال “من أنت” أو لماذا تجاهل الناس أمثال عبد الكريم مصطفى، هل كان يمكن أن يكمل أسبوعا واحدا في صالات العرض السينمائي فضلا على أن يحقق النجاح منقطع النظير في مصر وخارجها؟!
ما بال أسئلتى اليوم ساذجة تافهة بلا معنى؟!
عموما لو أفلحت أن أستدرجك إلى هذا السطر الأخير فقد أفلحت في استخام السذاجة والتفاهة استخداما مثاليا فلعلك تفكر في إجابة سؤال من أنت أو لعلى كنت تلميذا لصلاح جاهين أفلح في استخدام التفاهة والسذاجة لطرح أسئلة كبرى لعلها تعثر على من يهتم بإجابتها.
صدقنى أنا لم أعبث بك هنا وإلا كان عمنا صلاح جاهين هو سيد العابثين!