خالد سرحان .. نغمة خاصة
بقلم : د.سامية حبيب
لم يكن دور خالد سرحان الأول على خشبة مسرح الهناجر في مسرحية (جزيرة القرع) للكاتب الموهوب عبد الفتاح البلتاجي، المرة الأولى التى اراه فيها، فقد رأيته صبيا في منزل والده أستاذي الراحل دكتور سمير سرحان، الذي أدين له بكثير من الفضل، حين زرت والدته الأديبة والصحفية القديرة نهاد جاد، عندما كنت أعد رسالتي للدكتوراة حول مسرحيات المرأة في مصر، وهى كاتبة مسرح قديرة كتبت مسرحية (عديلة) آخر ما قدمت القديرة نعيمة وصفي، وكذا المسرحية التي حققت نجاحا جماهيريا كبيرا في مسرح جلال الشرقاوي (على الرصيف).
حين اتجه خالد مع جيله من شباب المسرح الجامعي إلى مسرح الهناجر مع زملائه رامي إمام وتامر عبد المنعم وغيرهم، كان هذا الفنان الشاب يسير في مسار ليس غريبا عليه وهو من نشأ في أسرة مثقفة مؤثرة في الواقع الثقافي، لكن خالد اختار زاوية أخرى للعزف وهى التمثيل ولاشك أن المسرح كبداية يثقل موهبة الممثل وقدراته فيذهب لأي نوع درامي وهو واثق من موهبته وهذا ما فعله خالد سرحان.
فبدأ في السينما بأدوار صغيرة جميلة أمام عمالقة فن التمثيل، مشهده مع الكبيرة سناء جميل في فيلم (أضحك الصورة تطلع حلوة )، ثم مشاهده في فيلم (رسالة إلى الوالي) مع الكبير عادل إمام ، وفي فيلم (أميرالظلام)، حيث لعب دور الشاب الكفيف الذي تمارس عليه ورفاقه من نزلاء دار المكفوفين كل مظاهر الظلم والجور لذا يجدون في الوافد الجديد ملاذاً لهم.
صعد خالد مرتبة أخرى في فيلم “السفارة في العمارة” في دور الضابط الشاب الراسخ العقيدة فلا يجد خلافا بين دوره الأمني وبين حسه الوطني الذي يتوافق مع جيله من شباب المتظاهرين فيحميهم لإدراكه أن العدو واحد، والحقيقة أن أداء خالد لهذا الدور كان أداءاً جديداً على الشاشة لدور ضابط الشرطة الوطني الذي يتسم بالهدوء والرقي أبرزتها ملامح وجهه السمح ونبرات صوته المعبرة، وبذا كسبت السينما ممثل يحمل ملامح الشاب المصري الأصيل وينتظر منه الكثير.
يؤكد خالد سرحان موهبته ينتقل في أفلام قادمة إلي أدوار جديدة وهذا مايميز الممثل الأصيل، عدم ارتباطه بدور أو شخصية واحدة فشاهدناه في أفلام كوميدية خفيفة تعاون فيها مع شباب جيله مثل (حريم كريم) الذي جسد فيه دور الزوج الحمش ولكنه جنتل مان يتفهم علاقة الصداقة بين زوجته وزميل الدراسة ويساهم في حل مشاكل الصديق معها، والمريض النفسي الذي يستغله طبيبه المعالج في تنفيذ عمليات إجرامية في (عصابة الدكتور عمر).
كما حصل خالد على دور البطولة وقرر أن يغامر بفيلم يحمل اسمه وهو (الديكتاتور) عام 2009 مع النجمة مايا نصري والمخرج إيهاب لمعي، ورغم أن الفيلم كان يطرح قضية مهمة وهى توريث الحكم إلا أن الفيلم لم يحقق نجاح جماهيري كبير مما جعله يعود لأدوار البطولة المشتركة مرة أخرى، فقدم مع السقا في فيلمين هما (إبن القنصل) عام 2010 وجسد فيه دور إرهابي و(بابا) عام 2012 وجسد فيه دور رجل متشدد دينياً يريد الإنجاب، وعلى الجانب الآخر تعاون مع النجم أحمد حلمي والمخرج الكبير شريف عرفه في (إكس لارج) عام 2011 وقدم رجل الأعمال المغرور لكنه تحول قرب النهاية وساعد بطل الفيلم على إنقاص وزنه وتحقيق حلمه.
في 2015 جسد سرحان أدواراً هامة في أفلام كوميدية ذات منهج وطعم آخر مثل (كابتن مصر) للمخرج معتز التوني و(الجيل الرابع) للمخرج أحمد جلال، وبعدها التقى مع هنيدي للمرة الثانية بعد (تيتة رهيبة) في فيلم (عنتر ابن ابن ابن شداد) عام 2017، وجسداً دور أسد الرجال منافس عنترة في قبيلة بني عبس، وكان آخر ما قدمه خالد للسينما دوره (بخاتي) البلطجي في فيلم (يوم وليلة) للمخرج أيمن مكرم والذي عرض في مطلع العام الجاري وشاركه البطولة خالد النبوي ودرة.
لخالد أيضاً إسهامات لا يمكن إغفالها في الدراما التليفزيونية بدأها بمشاركته القديرين سمير سيف ووحيد حامد في تحفتهما الفنية (آوان الورد) الذين قدموها عام 2000 ، ثم قدم (العائلة والناس) مع المخرج الكبير محمد فاضل عام 2001 ومسلسل (أميرة في عابدين) عام 2002 للكاتب الكبير أسامة انور عكاشة والمخرج أحمد صقر ، وكان له حظ لقاء العملاقين نور الشريف ويحيي الفخراني في عملين من أهم أعمالها وهم (العطار والسبع بنات) عام 2002 و(سكة الهلالي) عام 2006.
عام 2010 قدم خالد سرحان دوراً من أهم أدواره في مسيرته الفنية على الإطلاق في مسلسل (قصة حب) مع جمال سليمان وبسمة ، حيث جسد دور عرفان الضابط بأمن الدولة الذي يتولى ملف الجماعات التكفيرية وفي نفس الوقت يعاني من تسلط زوجته ولديه مشاكل عديدة مع أخواته، دوراً مليئاً بالتناقضات وبه مراحل كثيرة جسدها سرحان بحرفية عالية.
وفي العام التالي جسد دوراً في مسلسل (الريان) مع المخرجة شيرين عادل وهو رجل الأعمال المتدين أمجد في شركات توظيف الأموال بالثمانينات.
وكما شارك الزعيم عادل إمام عدة أعمال سينمائية ناجحة شاركه أيضاً في أعماله التليفزيونية التي قدمها بعد الثورة، حيث اشترك معه في مسلسلان هما (صاحب السعادة)، و(مأمون وشركاه)، من تأليف يوسف معاطي وإخراج رامي إمام.
من هنا يتضح أن حظه كان أفضل في التليفزيون، حيث قدم من سيت كوم (العيادة) عدة أجزاء، وكان عملاً ناجحاً بجميع المقاييس وحظى بنسبة مشاهدة مرتفعة وقت عرضه وشاركه البطولة وقتها بسمة وإدوارد.
ومؤخراً شارك داليا البحيري بطولة واحد من أنجح المسلسلات الكوميدية الاجتماعية التي قدمت في السنين الآخيرة وهو (يوميات زوجة مفروسة أوي)، والذي قدم منه أربعة أجزاء حتى الآن من إخراج وإنتاج أحمد نور وكتابة أماني ضرغام ، حيث نجح في تجسيد شخصية الزوج اللطيف للزوجة العاملة، حيث مواقف الحياة الضاحكة والمحزنة ومشكلات الزواج المعاصر فكون مع داليا البحيري ثنائيا نجح على مدى أجزاء في لم الأسرة المصرية والعربية حول يوميات تقترب من حياتهم اليومية.
هذا العام أقدم خالد سرحان على نقله جديدة في اختيار أدواره فوجدناه في دور جديد وخطير لأي ممثل وهو دور الأخ الشرير تجاه أخته في مسلسل (خيانة عهد)، للمخرج سامح عبد العزيز، ويؤكد أداء خالد في هذا الدور موهبته التي يثق هو بها أشد الثقة حيث يقدم الشرير الهادئ الذي لايفصح عن نواياه، الشر المضمر خلف حنان الأخ، الشر الذي يصعب معرفته وتحديده، وهو بهذا يخط خطا جديدا لمثل تلك الشخصية حيث اعتدنا على الشرير الواضح، صاحب الملامح الحادة والصوت الخشن، ومثل هذا الأداء يسطح الشخصية ويحولها إلى نمط ويخلع عنها أي صفة إنسانية، لكن خالد قدم لنا الشرير الذي يعيش بيننا ولانكتشفه سوى بعد أن نرى شره ونتعذب به.
والحقيقة إن نجاح الممثل بالخروج بشخصية لمنطقة أداء جديدة غير ما اعتاد عليه الجمهور وغير ماقدم ممثلون سابقوم له، مهمة صعبة لكنها ليست مستحيلة على الممثل الموهوب.