رواية “المخبول” أوصلت محيي إسماعيل للعالمية
* تتميز الرواية إلى جانب مضمونها الاجتماعي بالحبكة الفنية والبناء الروائي
* يعيب الرواية ظهور “محي إسماعيل” ليملى أفعالاً وأقوالاً فى تدخل غير مستحب
* لاقت الرواية اهتمامًا من شخصيات بارزة مثل العالم “أحمد زويل”
* الرواية بها جمل مأثورة أهمها “تذكرى أن الفضيله ليست فى أن تتجنبى الرذيله بل أن لا تشتهيها”، و”قوة الحب أقوى من حب القوة”!
* “المخبول” تباع عبر موقع “أمازون” العالمي بـ 350 جنيه مصري.
كتب : أحمد السماحي.
موهبته لا ينقصها الدراسة وأحلامه لا ينقصها الإصرار، وطموحه لا ينقصه الجهد، استطاع أن يفرض نفوذ إمكاناته كممثل على كل دور قدمه، ونجح فى تجسيد شخصيات مختلفة ومعقدة عبر أعماله الفنية الكثيرة في السينما والمسرح والتليفزيون، يرى أن ثقافته هى وقود ابداعه، ويؤكد أن عقله هو القادر على شحن بطاريات موهبته بالجنون الفني الذي يتمناه.
أطلقت عليه جامعة “كونكورديا” الكندية لقب “رائد السيكودراما” على مستوى العالم، ولم يأت ذلك من فراغ فقد نجح فى تجسيد “عقد البشر” عبر ٢٠ فيلما سينمائيا منها: “الأخوة الأعداء، دموع الشيطان، وراء الشمس، الغجر” وغيرها، وأسس مسرح “المائة كرسي” التجريبى بالمركز الثقافى التشيكى بالقاهرة عام ١٩٦٩.
يؤمن بأن الفن لا يكون صادقا وحقيقيا إلا إذا كان نابعا من الأحاسيس، ويؤمن أيضا أن الفن الحقيقي هو الذي يعيش بعد موت صاحبه، أفكاره مرتبة ولايجيد فن الثرثرة، ويبحث في القراءة عما يشكل له بعداً روحياً يتأسس مع موهبته الفنية.
هو الفنان والأديب المبدع خفيف الظل الذي يدهشني دائما في كل مرة نلتقي فيها “محيي إسماعيل” الذى يعدا واحدا من أشهر الفنانين الذين يتجولون بين عالمى التمثيل والكتابة، والذين صدرت لهم كتب ومؤلفات أدبية، أشهرها “المخبول، جراح النفوس، مسافر على باب الله” كما لديه حوالي أربع روايات انتهى من كتابتهم وينتظر أن يخرجوا للنور خلال الفترة القادمة.
هذا الأسبوع في باب “نجوم لكن أدباء” قررنا التوقف عند روايته الشهيرة “المخبول” التى نشرت عام 2002 ، عن دار “مكتبة مدبولي”، وأعادت الهيئة المصرية العامة للكتاب نشرها مرة ثانية عام 2011، وتقع في 202 صفحة، وتدور أحداثها في القاهرة عام 2000، ويهدى الكاتب روايته “إلى روح والده، ووالدته، وإلى البشرية جمعاء”، بعد ذلك يقدم لنا وفي تقليد مسرحي وليس روائي شخصيات روايته.
وهم “عادل شديد” المخبول اللقيط والذي لا يعرف القراءة والكتابة، “مسعد سعيد” الإنسان المكافح المتمرد على الظلم والمثقف الذي ينشد العدالة، “فرحانة” وهى إمرأة معدمة تعيش مع أولادها الثمانية الصغار ولاتجد قوت يومها، “محروس” زوج فرحانة والذي يشتغل كمبيض نحاس معدم، “دعاء” زوجة “مسعد سعيد” وهى مكافحة تعمل من أجل بيت سعيد، “فيليبو” وهو إرهابي يعمل لجهات سرية، و”حامد” مدير أعمال “عادل شديد” وهو شخص مقهور ويبحث عن حريته وهويته، “مهجص” شخص بودي جارد وحارس زنازين “عادل شديد”، “بنوره” وهى إمرأة ثرية تقع في قصة حب غريبة مع “عادل شديد”، “سفروت” طفل شديد الذكاء عاشق للكومبيوتر يقوم بمغامرة لها العجب.
أجزاء من بداية الرواية ..
كان “فيليبو” متجها لزيارة حى الحسين ضمن إحدى زياراته السياحية للقاهرة، وكان يقود عربته “الجيروكي” متجها لقهوة الفيشاوي، وقد لفت نظره هذا المتسول “عادل شديد” الذي مر من أمامه وهو يحمل قطة رومية جميلة اسمها “بربوش”، وما أن هبط “فيليبو” هذا الأجنبي، وجلس طالبا شيشة حتى فوجئ بهذا العادل شديد، يسحب أحد الجالسين على المقهى ويمطره ضربا، فتصدر له أحد شنبات الحي، وقام للدفاع عن المضروب، في الوقت الذي كان عادل أنهى عليه حتى سالت الدماء منه، خرج صاحب المقهى ليبعد عادل عن هذا المكان وليذهب بقطته لحال سبيله، ومشى عادل في لا مبالاة حتى اقترب من “فيلبو” الذي كان يلاحظه ويراقبه بشدة فماذا لاحظ فيه؟ قوة الجسد، العينين النافذتين، عدم الخوف، وملابسه القذرة، توقف عادل شديد بلكاعة أمام “فيليبو” هذا الوافد من الشمال على حي الحسين.
امتدت يد عادل لكوب الماء الذي أمام “فيليبو” وشرب الكوب على دفعة واحدة، دون استئذان، لم يرق هذا التصرف الهمجي لـ”فيليبو” فلسعه قلما على قفاه، فما كان من “عادل شديد” إلا أن انحنى وقبل حذاءه قائلا: معلهش يا خواجة كنت عطشان، رفعه “فيليبو” قال له أنا خواجة آه يا روح أمك بس باعرف عربي ثم هاجمه قائلا: أنت بتبوس جزمتى ليه؟، ببوسها.. بتشتغل إيه؟.. شحات وباعرف أسوق اشتغلت في جراش وأعرف أجرش العربية واركنها وأسوقها بس صاحب الجراش ضربني فسبته.
وليه ما بتشتغلشي؟
أصل أنا لا باعرف أقرأ ولا اكتب وكل ما روح شغله يرشوني بالمية.
وليه بيرشوك؟
بادافع عن نفسي واللي يضربني أضربه بس ولا مؤاخذة لازم الأذيه.
والقطة دى منين؟
سارقها!
إنت حرامي؟
آه حرامي!
وليه ما بتخافشي؟
وأخاف ليه ما أنا قلبي مات من يوم ما اتولدت
ساكن فين؟
في حي زينهم
أبوك بيشتغل ايه؟
ما عنديش لا أب ولا أم ولا أخ ولا أخت
معاك فلوس؟
يا ريت!
شايف العربية اللي واقفة دي (وأشار لعربته الجيروكي الأمريكية) روح نضفها ومشي العيال اللي قاعدين فيها.
شخصيات من دم ولحم
هكذا بدأت رواية “المخبول” للنجم “محيي إسماعيل” والتى رصدت الخلل السياسي والاجتماعي الموجود في مصر، وألقت الضوء على الفساد السياسي، وفي رأي أن الكتاب الجيد لا ينطوي حين تطوي صفحته الأخيرة، ولكنه يبدأ حياته فى ذهنك ووجدانك بعد القراءة، والحقيقة أن الشخصيات الرئيسية فى هذه الرواية عاشت معي كثيرا بعد القراءة!، يجوز لأنني أراها حولي في بعض الأماكن التى أرتادها، فقد استطاع “محيي إسماعيل” أن يقبض على شخصيات العمل الثلاث الرئيسية ويجسدها جيدا، وكأن معه عدسة سينمائية ترصد المشاهد، كذلك أظهرت الرواية الحس الشعبي المكبوت في العشوائيات الذي إذا جاء ما يفجره فعل الكثير!!.
كما تمتع المؤلف في هذه الرواية بموهبة لامعة في الحوار الذكي الساخر، فرغم أن الرواية كاريكاتيرية بعض الشيئ إن صح هذا التعبير، ولكن فيها أيضا كثيرا من نواحى الصدق، تتميز إلى جانب مضمونها الاجتماعي بالحبكة الفنية والبناء الروائي والشخصيات المرسومة بدقة وعناية، حيث اهتم “محيي” بمشاكل المجتمع وأنتقي نماذجه لكي يشرح من خلالها وجهة نظره فى السياسة والتغييرات الاجتماعية، وفي نفس الوقت وبحكم دراسته للفلسفة فهو يكشف عن عالم الإنسان الداخلي ويلقي الضوء على أحاسيسه وانفعالاته ونزواته وغرائزه.
شخصية المؤلف بقوة
ما يعيب الرواية هو الحضور القوي لشخص المؤلف بين الشخصيات، فمثلا يقول “مسعد سعيد” فى نهاية الرواية: الفقر فى هذا القرن لم يعد مقبولا لأن إنجازات التكنولوجيا ستحقق الوفرة للجميع، لأنهم سيعتبرون الإنسان لا رأس المال هو الأساس.
دعاء : ياريت يا مسعد يا ريت قريب دا حيحصل؟
كله بفضل ربنا بس القرن الـ 21 للأسف فينه نظريتين الصراع بينهم كبير العولمة والعالمية.
دعاء: مش فاهمة وإيه العولمة وإيه العالمية؟
العولمة يعني العالم يبقى فى قالب واحد يعنى له ثقافة واحدة، ويهدد كافة الثقافات العالمية الأخرى، إنما العالمية هى تبادل الثقافات والحضارات والاعتراف بالآخرين.
دعاء: ربنا قال إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا، يبقى العالمية أحسن من العولمة.
مسعد: أعتقد يا دعاء إن الأحسن فى العولمة والأحسن في العالمية يبقى هو الأنفع لينا، ونبعد عن اللي يتعبنا سواء في العولمة أو في العالمية.
فهنا صوت “محيي إسماعيل” هو الأعلى وكان من الأفضل للرواية أن تسير الشخصيات كما هى، ولكن بين الفقرات يظهر لنا “محيى إسماعيل” ليملى أفعالاً وأقوالاً على الرواية فى تدخل سافر، ليقول رأيه هو، وهو توجيه للشخصيات غير مستحب من الروائى، كما أن التحدث أحيانا بالعامية الخاصة بفئات معينة، هذه عامية محيي إسماعيل نفسه.
الرواية وعلى حسب قول “محي إسماعيل” نفسه لي، ولزملاء آخرين، تم ترجمتها بأكثر من لغة، ولاقت اهتمامًا من شخصيات بارزة مثل العالم (أحمد زويل) الذى أثنى عليها، وقال: إنها رواية تستحق الاهتمام.
كما أنها متواجدة على موقع “أمازون” العالمي، وتباع بـ 350 جنيه مصري، ويحصل المؤلف عن كل نسخة تباع على 2 دولار أمريكي.