أبو صياح .. فنان الشعب
بقلم : فراس نعناع
ولد سنة 1930 بحي البزورية المنبعثة من ثناياه روائح البخور العطرة، والبهارات العابرة عبر قوافل حطّت في دمشق المعروفة بالشام، أقدم عاصمة مأهولة في تاريخ الإنسانية حتى الآن.
من دمشق إلى دمشق، سلّم الأمانة، وكان قد دفع لأكثر من ستون عاما (ثمن الحب) كتابه عن السيرة الذاتية، للصحافي (وفيق يوسف)، الذي قدم بعضاً من تفاصيل طفولته وألمه وبرده ومعاناته ونجاحاته ثمنا لحبّه “الفن”.
يا صلاة الزين، كنا نلعب بالعملة لعب، يا ولد لفلّك شال، وخدلك سيجارة وأقعود لنتفاهم، وشرم برم كعب الفنجان، هذه العناوين أعلاها بعض الأغاني الاجتماعية الناقدة التي قدّمها (رفيق سبيعي) وقد كرّسته كـ (منوجولست) استطاع أن يضع بصمته الخاصة آواخر خمسينيات وستينيات القرن المنصرم، الا أنّ عشقه لفنّ (التمثيل) وإن بدأ كملقّن من خلال فتحة (الكمبوشة)على خشبة المسرح لتلقين الممثلين التي كانت رائجة بالأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي بمسرح (الرائد) عبداللطيف فتحي.
تبلور فيما بعد عشقه للتمثيل حينما غاب أحد الممثلين عن العرض فطلب منه أن يكون بديلا عنه، استحضر شخصية شعبية بشروال وعصا وشاربين مفتولين، لتتكرّس فيما بعد تلك الشخصية النمطيّة للشاب القبضاي والزكرت والشهم ابن الحارة الشامية، إنه أبو صياح والذي شارك أبناء جيله كدريد لحام ونهاد قلعي وعبداللطيف فتحي وياسين بقوش وناجي جبر (أبوعنتر) وغيرهم في صنع المشهد البصري للدراما السورية مع افتتاح التلفزيون السوري والمصري إبّان الوحدة في أوائل ستينيات القرن الماضي.
لم يستكِن رفيق السبيعي كممثّل رغم أصباغ الشخصيّة النمطيّة (لأبو صياح) المركبة والتي ألبسها هو ماذا يحب مستلهماً شخصيته المبتكرة من خطوات ومشاهدات قبضايات حارته الدمشقية، بل خرج من عباءة ما صنع وقدم العديد من شخوص مختلفة بأداء مختلف.
ومع تطور الدراما السورية مطلع تسعينيات القرن المنصرم تطوّر حبّه من جديد وأتحفنا بأداء تمثيلي راسخ ومتقن – كأنه شيخاً للكار ـ بل كان كبير شيوخ الكار بتقديمه شخصية (طوطح) اليهودي الدمشقي بمسلسل (طالع الفضة) لابنه المخرج (سيف سبيعي) في مطلع الألفية الثانية، تفوّق التفوّق الكامل على حبّه للتمثيل، كان معلماً بجدارة بل إنه المعلم الأول بلا منازع.
أيضا قدم العديد من الأدوار في السينما الخاصّة (التجارية)، إلا أنّ حبّه بدأ ينمو أكثر فأكثر فقدّم شخصيات تلامس الأداء التمثيلي العالي المستوى مع المخرج (محمد ملص) بدور الجدّ بشريط (أحلام المدينة) السينمائي أوائل الثمانينيات وأتحفنا أيضا مع المخرج ذاته أوائل التسعينيات من القرن المنصرم بأداءه شخصية الرئيس (شكري القوتلي) بشريط (الليل) والكثير من الأفلام ثم ختم مشواره السينمائي مع المخرج باسل الخطيب سنة 2016 بشريط (سوريون).
حصل على لقب (فنان الشعب) عندما كان بزيارة فنيّة إلى إحدى جمهوريات الاتحاد السوفياتي، وحصل على وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الأولى مكرّماً من قبل رئيس الجمهورية السورية (بشار الأسد)، كما وكرمه الحزب القومي السوري الاجتماعي وهو الصديق المقرّب للحزب، كما كرّم وحصل على العديد من الجوائز والتقديرات في عدّة مناسبات أعدّت خصيصاً لتكريمه.
سحر (ميكرفون) إذاعة دمشق العريقة لم يفارق حياته بعد أن هجرها الكثيرون من الفنانين، بالعكس تماما، فلقد خصّص مساحة لها وله عبر برنامجه الأخير (حكواتي الفن) ويبدأ بجملته الشهيرة (أحبابي ونور عيوني).
أنا أودعكم اليوم بعد أن قدمت الكثير والكثير لكم، إلا أن الشيخوخة غلبتني، رغم إصراري على ألا أشيخ، كنت أتجدّد معكم وبكم، وأقدّم المزيد، لقد كُسر فخدي حاولت أن أصمد وأن أبقى واقفا، لكنه (كسر الموت)، أودعكم مرة أخرى وأتمنى لسوريا ولكم الخير، بل كل الخير، ودعنا الفنان رفيق سبيعي (أبو صياح) فنان الشعب الجمعة ٦-١-٢٠١٧.