كتب : مروان محمد
ظني أن المسلسل الرمضاني (شاهد عيان)، ظلم كثيرا بسبب عرضه في موسم رمضان 2020 نظرا لأنه كان موسما مكدسا بنوعية الأكشن التي تدور بحس وطني وإنساني، حيث تدور أحداثه في إطار بوليسي رومانسي، يجسد من خلاله (حسن الرداد) دور ضابط يتورط في مشاكل تقلب حياته رأسا على عقب، ويتعرض للعديد من الأزمات التي تهدد استقرار حياته المهنية والاجتماعية، وتهدد مصر من جانب منظمات دولية تستهدف أمن البلاد والتآمر على مقدرات شعب ينعم بالحرية والديمقراطية التي دفع ثمنها باهظا في ثورة 30 يونيو 2013.
ربما يتشابه اسم (شاهد عيان)، مع آخر نرويجي الجنسية، صدر عام 2014، والذي تم اقتباسه لاحقا بعد عامين في مسلسل أمريكي حمل نفس الاسم أيضا، لكن يمتاز (شاهد عيان) المصري بحبكة درامية مميزة، وكان يستحق المتابعة عن كثب، خاصة وأن حسن الرداد غير من جلده وقدم عمل درامي أكشن، وابتعد عن الكوميديا كما رغب منه جمهوره أن يفعل ذلك، وأعتقد جازما بأن (شاهد عيان) من أفضل ما قدم حسن الرداد في الفترة الأخيرة، فالحبكة الدرامية المميزة وتصاعد الأحداث والأداء بحس وطني في كل حلقة جديدة وصولا لنهاية مثيرة كلها عناصر كتبت النجاح للمسلسل، فضلا عن المفاجآت المتوالية والتواءات الحبكة العادلة، فلا انتظار طويل هنا أو هناك، فكل حلقة تبدأ وتنتهي بلغز، لنجد الحل في الحلقة القادمة، وكلما انتهيت من حل لغز ما تجد الآخر في انتظارك، وإذا شعرت بملل في حلقة ما، تجد الحلقة التي تليها ترفع من حماسك مرة أخرى و تعيدك أمام الشاشة منتظراً الحلقة القادمة.
هذا بالإضافة إلى أن (هنا شيحة) ممثلة من الوزن الثقيل، وأصبحت رقما صعبا في معادلة الدراما المصرية مؤخرا، كما أنه معرف عنها أنها لا تشترك إلا في الأعمال الناجحة ولها نظرة جيدة ومغايرة في اختيار أدوارها، مثل مسلسلات (شارع عبد العزيز وطرف ثالث وظل الرئيس والسبع وصايا وموجة حارة)، وقد انسحبت من مسلسل (لعبة النسيان) بطولة دينا الشربيني لتنضم لمسلسل (شاهد عيان) الذي جسدت فيه شخصية مركبة ومعقدة للغاية بطريقة سلسلة تخطف الأبصار منذ أولة طلة لها، كذلك بسمة وهى نجمة تحمل مسؤلية أعمال سابقة على عاتقها، وقادمة من نجاح كبير في فيلم (بعلم الوصول).
كما لاحظت جيدا أن الاخراج مميز و الإضاءة عالية والصورة مبهرة للغاية وواضحة المعالم بعكس مسلسلات أخرى، وللأمانة قد يكون هناك بعض السلبيات، ولكن من الممكن التغاضي عنها من أجل حبكة القصة المميزة والجديدة، لنجد مثلاً أماكن التصوير المحدودة بالطبع بسبب انتشار وباء الكورونا، خاصة المشهد الأول في الحلقة الأولى، والذي ظهر فيه حسن الرداد في الأردن، ربما كان مشهدا سيئا بعض الشيئ، ولكن تخلله مشهد رومانسي جميل بين البطلين (حسن الرداد وهنا شيحة)، ثم مشهد أكشن وحركة تم تنفيذه بحرفية غطت على عيوب المشهد، كذلك الأداء الجيد من الجميع بطريقة نجح من خلالها المخرج محمد عبد الرحمن حماقي في صنع نوعا من الهارموني والانسجام إلى حد كبير بين فريق العمل.
وهنا لابد لي من الإشادة بأداء (وليد فواز) الذي جاء هادئا رومانسيا مضطربا في بعض الأحيان، لكنه عكس براعته المعهودة في أداء أدوار مختلفة في تكوينها النفسي، وقد بدا طوال الوقت أن حرفية التمثيل عنده مقننة وتتسم بالعفوية والتلقائية الخالية من أي مبالغة في الأداء، ويبدو أنه كممثل محترف أصبح يعىي جيدا أن الكاميرا ستضخم أي تعبير في الوجه مهما بدا صغيراً ،مثل جفن يرمش أو فم يرتجف انفعالا أو عيون حزينة تدمع، وتبدو الكاميرا وكأنها المجهر الذي يقوم بتكبير العينات الموضوعة أمامه عشرات المرات، فضلا عن آلة الميكروفون الذي يعد جهازا حساسا يتحسس أدنى الدرجات الصوتية (التونات) ويعمل على تضخيمها، لذا فإن (وليد فواز) راعى كل ذلك تماما، فضلا عن حساسيته العالية بأن أقل ارتفاع في الصوت لاينبغي أن يخرج عن حده الطبيعي فيصبح نشازا كما هو الحال مع الصورة.
ولقد لفت نظري أداء كل من (محمد لطفي) في التحكم الكبير في انفعالاته وتجسيد معظم المشاهد بطريقة هادئة مخيفة، خاصة أن تعبيراته بالعين شديدة القوة وجاءت بحساب شديد يؤكد نضجه الفني، وكذلك الحال مع القدير أحمد صيام في التحايل بحرفية عالية على المواقف ولي الأحداث بطريقة تحقق له مصالحه، وكأنه شيطان يبحث دوما في تفاصيل التفاصيل عن وسائل للإيقاع بفرائسه على جناح ابتسامة صفراء تكشف عن أنيابه الحادة في التهام ضحاياه، وكان لافتا جدا للانتباه كل من (أيمن عزب) في دور الطيب النفسي في هدوء ورزانة، ومحمد خميس في دور مساعد (وهيب العزاوي) بإتقان يكشف موهبته الحقيقية في أداء الشر، ونفس الأمر ينطبق على محمود عزت في دور طليق (بسمه) المدمن، والذي قدمه ببراعة تثبت جديته كممثل محترف.
أما (بسمة) فقد تألقت في إظهار الخوف والرعب والاضطراب طوال الوقت، وسجلت مشاهد رائعة في دور الأم المذعورة على أبنائها طوال الوقت، لتؤكد لنا في النهاية أن الممثل فنان مترجم، أى يترجم ألفاظ المؤلف والأفكار والمشاعر و يترجم معنى الدراما وينقل عاطفتها للمشاهدين، وذك بخلق صورة واضحة جداً كاملة التفاصيل للشخصية التى يقوم بتمثيلها باستخدام المواد التى أعطاها له المؤلف، ودائما تضع في ذهنها أنها لاتحاول فقط تصوير( تمثيل) عاطفة الشخصية، ولكن تنتج تأثيرا عاطفيا على المتفرجين، مستندة في ذلك على قاعدة أن الفنان هو الوسيلة فبعقله وخياله وخبرته وقدرته على أن يشعر ويفهم سيتمكن من فهم الشخصية، وبجسمه وصوته يجعل هذا الفهم مرئياً، لذا تراها اهتمت كثيرا بخارجيات وداخليات الدور الذى تقوم به بغض النظر عن منظر الشخصية ومشيتها وطريقة كلامها، وأيضا كيفية تفكيرها وشعورها وانفعالاتها وما تحبه وما تكرهه كما بدت طوال الأحداث.
ويبدو لي أن (يحيى أحمد) ممثل من طراز رفيع تغيب عنه أعين شركات الانتاج والمخرجين – للأسف – فهذا ممثل يتمتع أداء خرافي وثعلبية وقدرة على المراوغة غير معهودة في ممثلين كثر في مصر والعالم العربي، فقد تألق جدا في دور (أبو حماد) على مستوى الحركة والأداء بلغة جسد معبرة للغاية، الأمر الذي يؤكد لنا وعيه كممثل بأن الفعل والحركة من أهم عناصر التمثيل الدرامي، ويرتبط الفعل الدرامي بغرض معين، أو دافع مثير وحافز ينبع من إحساس داخلي صادق، ويعني هذا أن أي فعل له داخل الكادر لابد أن يكون له مايبرره تبريرا داخليا، ولابد أن يكون فعلا منطقيا ومتصلا ببعضه اتصالا معقولا وواقعيا، وهو ما أظهره (يحيى) جيدا معتمدا على مبدأ المعايشة الحقيقية القائمة على الشعور الصادق، والإحساس النابع من القلب والعاطفة والوجدان تجاه شخصية تنتمي لعالم العصابات التي تتورط دائما في جرائم إنسانية تفضي إلى نوعية من التراجيديا المأساوية.
ونأتي لمشهد الـ “ماستر سين) في المسلسل وهو يتمثل في محاولة (عمر) الذي لعب دوره (حسن الرداد) للانتقام لزوجته وابنته وأمه وأبيه وكل من وثق فيه من أصدقائه، يتسلل (عمر) إلى المنزل الذي يقيم فيه (أبو حماد) الذي جسده ببراعة (يحيى أحمد)، ويخترق الحرس الشخصي له ويصل إليه ليلقنة (علقة موت) متشفيا فيه جراء أفعاله الشريرة، وكاشفا في نفس الوقت أنه لم يفقد الذاكرة يوما كما كان يعتقد هو وأصحابه من أعضاء العصابة التي تقوم بتجارة السلاح والقيام بأعمال تخريبية لحساب تنظيم دولي يهدف إلى الإيقاع بمصر في مستنقع الخطر والإرهاب والفوضى في إطار مخطط دولي أعد سلفا لهذا الأمر مستعينين بعناصر مصرية مثل (أبو حماد، ووهيب العزازي – محمد لطفي ، وطارق المهدي – أحمد صيام)، وجاء المشهد على النحو التالي:
يظهر (عمر) في خلفية الكادر متسللا من وراء حرس (أبو حماد) ، وفي حذر شديد يقضي على عنصرين من الحرس ثم يطيح بالثالث والرابع على مرأى ومسمع من أبو حماد.
أبو حماد بعد سماعه حركة غريبة في المكان ينادي على أحد أفراد حرسه: فتحي .. انته يازفت، ثم ينظر إلى الحارسين الآخرين أمامه ويقول: الواد ده ما بيردش ليه؟ ، ثم يكمل حديثه: الصناديق دي تفتحوا عينيكوا لها كويس (يقصد الصناديق التي أعدتها العصابة لتفجير أحد المؤتمرات التي تعقد في فندق كبيرا في سبيل زعزعة الأمن المصري بحسب خطة التنظيم الدولي)، ويضيف: وتنبه على العربيات اللي حتيجي تشيلها دي تيجي في ميعادها .. الناس هناك مستنيين بالميللي.
يرد الحارس الواقف أمامه: تمام ياريس، لكنه يسمع صوت تكسير في الخارج فينظر للحارس متسائلا: فيه إيه .. العيال دي بتروح بره تعمل إيه .. فيه حفرة بره ولا ايه؟.. روح شوف العيال دي فيها إيه.
وفي مفاجأة مذهلة يدخل (عمر) ويطيح بأحد الحرس أمامه قائلا: فيه أنا يا أبو حماد.
ينتفض (أبو حماد) من مكانه على ضرب حراسه قائلا: إيه يا (عبد الرحمن)، انته اتجننت، ظنا منها أن (عمر) مازال فاقدا للذاكرة ويعمل لحسابه تحت اسم (عبد الرحمن) الذي اختاره له في المخيم الذي خطفه فيه بالأردن وعالجه وأعاده للحياة كما يعتقد.
لكن المفاجأة المدوية أن عمر لقنه (علقة موت) قبل أن يكشف عن شخصيته الحقيقية قائلا له بعد أن وصغ مسدسه في رأسه: أنا (عمر شكري) اللي وعدك ماتشوفش الشمس تاني بعينيك، وأنا عند وعدي.
ثم يضربه على كتفه مقتربا من أذنه قائلا: انت فاكر إني مكنتش حاعرف أجيبك تاني يا أبو حماد؟، ثم جلس قبالته على الكنبة قائلا: إنته عارف أنا كنت مستني اللحظة دي من أد إيه؟! .. من ساعة ما خطفتوا مراتي وحططوني في السجن، من ساعة (داليدا) اللي ماتت من غير ذنب، وأمي وبنتي اللي كنتوا عاوزني أقتلها!!!.
أبو حماد: عمر إهدى وخلينا نتفاهم.
عمر: نتفاهم، ثم يشده من قميصه صارخا في وجهه: نتفاهم على إيه؟ .. إنطق.
يرد أبو حماد بصوت مجهد : مبسوط أنتى كده.. عايز تقتلني من غير ما تعرف حاجة، ولا تعرف الحقيقة؟
عمر: أنا جايلك هنا علشان تشرح كل حاجة .. مين اللي بيدخل السلاح مصر؟، ومين اللي وراك انته وعدنان؟.
فيرد أبو حماد وهو في حالة إعياء شديد وفي حالة يرثى لها: معرفش.
يطلق عمر من مسدسه طلقة على رجل أبو حماد اليسري فيصرخ : آآآآآآه ثم ينطق أخيرا بالسر قائلا: منظمة .. منظمة دولية بتمولها دول معادية لمصر .. انته عارفها كويس، عدنان كان واجهة ليها، بينفذ الأوامر، ووهيب كان دراع عدنان اليمين قبل ما يبقى كبير المنطقة.
عمر: عايزه إيه المنظمة دي؟
أبو حماد: المنظمة دي عايزاكم دايما حاسين بالخوف، ما تحسوش بالآمان، عايزه تولع المنطقة، علشان طول ما انتوا مش حاسين بالآمان عمركم ما حتتقدموا.
عمر: انته كنت فاكر انكم تقدروا على البلد دي؟
أبو حماد: معرفش حاجة.. ماليش دعوة.
عمر: كلكوا بتقولوا كده، لكن الخاين اللي زيك عقابه أكبر من عدوه.. أنا ممكن أقتلك دلوقتي، لكن خسارة فيك الرصاصة علشان حيبقى فيها رحمة ليك .. انته لازم تدخل السجن تتعذب وتموت هناك (يسمع صوت سارينة سيارة الشرطة في الخارج) فيقول له بعد أن يضربه على رأسه ضربة قوية تفقده توازنه: سامع الرجالة جات .. الرجالة اللي بجد، وينتهي المشهد عند هذا الحد بالقبض على أبو حماد.