حكايتى مع ديزنى (24) .. إعتذار
بقلم المخرج المسرحي الكبير : عصام السيد
تسارعت الأحداث فى نهاية عام 2000 بداية من وقوع الانتفاضة الفلسطينية ، و انتشار دعاوى المقاطعة لكل ماهو ينتمى للعدو الصهيونى أو حليفته الولايات المتحدة الأمريكية ، فكان قرارى بالابتعاد عن ديزنى بسبب واقعة معرضها الذى أنكرت فيه وجود ( فلسطين ) و زاد الأمر بانتشار شائعة تقول أن إيراد كل يوم سبت لمدن ديزنى للترفيه يذهب كتبرع للكيان الصهيونى ، و كانت الأحداث و المشاعر أقوى و أعنف من أن يتوقف المرء ليتحقق من الأقاويل ، و يتأكد مماهو حقيقى و يبتعد عما هو شائعات أو أقاويل مرسلة . و هذا أمر طبيعى ، ففى ظل الانفعال لابد و ان نفقد بعضا من الموضوعية و التعقل ، و خاصة أن المسألة الفلسطينية كانت قد صارت مثل المثل الشعبى : ” رضينا بالهم و الهم مش راضى بينا “، فبعد مرور عقد من الزمان على اتفاق إنشاء السلطة الفلسطينية لم يكن شيئا ذو قيمة قد تحقق على أرض الواقع ، و بما أنى من أنصار ( أن صراعنا مع العدو هو صراع وجود و ليس صراع حدود ) فقد رأيت انه لا أمل فى الحلول التى تأتى عن طريق مفاوضات مع العدو مالم نكن نملك أوراق ضغط . و كانت الانتفاضة من وجهة نظرى هى ورقة الضغط الوحيدة المتاحة .
و فضلت عن نفسى الانسحاب ، و آثرت فى ذلك الوقت ألا أعلن أسباب ابتعادى ، فلا هى – فى رأيى – تهم أحد و لن تضر و لن تفيد ، بل هى أمر شخصى يرضى ضميرى ، و لا أحب أن أسبب بإعلانها حرجا لأحد ممن تواصل عملهم مع ديزنى ، فلقد كانت المقاطعة للشركات الأمريكية بالتحديد أمر مختلف عليه ، فالبعض كان يرى أن مقاطعة توكيلات المطاعم – على سبيل المثال – يؤذى العمالة المحلية التى تعمل بها و التى أنقذتها من البطالة أكثر مما تؤذى الاقتصاد الأمريكى ، و قس على ذلك بقية الشركات . كما أننى لا أبحث عن دور بطولة و لا أنتظر إشادة أو تقدير أو صك بالوطنية من إعلان مواقفى السياسية .
فمن وجهة نظرى أن للفنان ساحة يعلن فيها مواقفه السياسية و انتمائه الفكرى و هى أعماله ، و طوال حياتى لم أحبذ فكرة أن ينتمى الفنان لحزب سياسى ، فهذا الانتماء قد يفرض عليه الصمت احيانا أو الموافقة فى أحيان أخرى على أشياء قد لا تروق له ، فالالتزام الحزبى ضرورة لكل أعضاء أى حزب . و إذا كنت اليوم أعلن عن سبب ابتعادى فلأن الأمر قد تغير بمرور سنوات متعددة ، و الانفعال بالقضية الفلسطينية قد تقلص عند كثيرين للأسف الشديد ، فلن أُتهم بمحاولة ارتداء ثوب البطولة ، كما أننى لن أسبب حرجاً للزملاء الذين استمروا وقتها فى العمل مع ديزنى ، و أننى أذكر الوقائع هنا – بعد كل تلك السنوات – ليس من باب التفاخر و إنما لمجرد استرجاع ذكريات عملى فى ذلك المجال ليس إلا ، و أن الشيئ بالشيئ يُذكر .
و الحقيقة أنه بعد انسحابى ظللت متابعاً للأعمال – سواء التى تقدمها ديزنى أو سواها – فى مجال أفلام التحريك ، فهى عشقى منذ الطفولة ، من لحظة مشاهدتها مع أسرتى على شاشة سينما مترو ، ربما كنوع من حب استعادة ذكريات الطفولة ، أو ربما إشباعاً لطفل مازال بداخلى ، و ساعدنى على متابعتها صديقى الشغوف بها ، و الذى تطور شغفه بالرسوم المتحركة الى شغف بكل ماتقدمه الشاشة الفضية حتى أنه تخصص فى الاخراج السينمائى ، و يصر حالياً على كتابة اسمه على أعماله ثلاثيا : أحمد عصام السيد .
و لا أعتقد أن مرحلة الدوبلاج أثّرت فى تكوين ولدى فحسب ، بل أعتقد أنها أثرت خبراتى الفنية و جعلتنى أهتم بتفاصيل أعتقد أننى لم أكن أهتم بها فى البداية ، يضاف الى هذا أننى أفخر بتقديم هذه الأعمال التى أسعدت ملايين الأطفال – و ربما الكبار – فى ربوع الوطن العربى ، كما أفخر بتقديم مواهب متعددة من خلال الدوبلاج ، منهم من عمل معى و هو طفل مثل ( كريم الحسينى ، و مريم الخشت ، و الأخوة خفاجة ) ، ومنهم من عمل معى فى بدايات حياته الفنية ( و أعتقد أننى ذكرتهم سابقاً ) و لكننى أحب هنا أن أتوقف عند ثلاثة أشخاص ، إثنان منهما يستحقان منى إعتذاراً شديداً .
الاعتذار الأول لشاب كان صغير السن عندما اشترك معى فى فيلم حكاية لعبة – الجزء الأول – و الذى أدى دور ( سيد ) الطفل الشرير الذى يحاول تفجير اللعب و يدعى “محمد أحمد ” – فقد كان ممثلاً رائعاً و يملك احساساً مرهفاً و يجيد الاستماع للملحوظة و لديه القدرة على تنفيذها ، و كثيرا ما كنت فى لحظات الراحة أتبادل معه الأحاديث حول دراسته و هواياته ، و الغريب أنها كانت المرة الأولى التى يمثل فيها ، و الأغرب أنه فى أحاديثه لم يُظهر أى رغبة فى أن يصبح ممثلا ، و لم أستطع أن أقول له أن موهبته واضحة و جلية ، و سيكون له مستقبل باهر فى هذه المهنة لو استمر فيها و صقلها بالخبرة و العلم ، و كيف يمكن أن تنصح إنسانا بتغيير مسار حياته و أنت لا تضمن أن يصادف النجاح المتوقع ؟ و لكنى اليوم أعتذر له ، فلربما لو كنت نصحته بامتهان التمثيل لكنا كسبنا ممثلا جيدا .
و الاعتذار الثانى للمغنى الموهوب ياسر شعبان – رحمه الله – الذى شارك بالغناء فى عدة أفلام و لكنه فى فيلم أحدب نوتردام كان يمثل شخصية المهرج الذى يروى و يشارك فى أحداث الفيلم ، و عندما تم اختياره لتقديم الدور ظننت اننى سأبذل معه مجهوداً مضاعفاً ، فالشخصية فى منتهى الصعوبة و تحتاج لتمكن تام من فن التمثيل ، و إذا به يفاجئنى فى أول يوم للتسجيل بتفوق غير عادى فى أداء الشخصية ، و عندما قلت له ذلك ، قال إنه أمضى أياما كثيرة من لحظة أن أستلم شريط الفيلم و الأوراق الخاصة بدوره فى مذاكرة الشخصية و التدرب عليها ، و عندما شكرته على اجتهاده قال لى أنه يود أن يكون شكرى له عملياً ، بالمشاركة فى أى عمل مسرحى غنائى أقوم بإخراجه ، متحدثا عن عشقه للمسرح و أمنيته أن يقف على خشبته فى عمل غنائى استعراضى يعيد أمجاد ذلك النوع المسرحى الذى اختفى أو كاد . و وعدته بأن أسعى لذلك ، و لكن للاسف الشديد كان الموت أسرع من تلبية طلبه .
و ليس هذا هو الموهوب الوحيد الذى أفتقده ، فهناك أيضا دينا صالح ، التى قامت بدور جيسى فى الجزء الثانى من حكاية لعبة ، فقد كانت قطعة مشتعلة من الحماس و الموهبة و الانضباط و للاسف اختفت هى الاخرى ، و كنت أظن أن لها مستقبلاً باهراً فى عالم التمثيل ، و لكن أحيانا تأتى الامور بعكس التوقعات .
أما الاعتذار الأخير فلصديقى العزيز سمير حبيب فقد احتمل منى الكثير ، و لم أكن أعلم أنه يعانى من تصرفاتى فى العمل الى أن حضرت له حفل عودة ظهور فرقته الغنائية ( الجيتس ) من حوالى عامين ، و إذا به يقدمنى للجمهور بأننى صديقه المخرج الذى يحبه و يحترمه و لكنى فى العمل لا اُحتمل !!!
أما ديزنى فلا أعتذر لها ، بل هى التى يجب أن تعتذر لى و لمشاهديها و لذلك أسباب عديدة.