بقلم : محمد حبوشة
تصدر قوائم المواضيع الأكثر تداولا في مصر – في غيبة من وعينا للأسف – فيما انقسم الفنانون ورواد مواقع التواصل الاجتماعي بين منتقد ومحتفظ على تصريحاته، حول موقفه من المشاهد العاطفية في المسلسلات والأفلام، وتحولت تصريحاته إلى أزمة حادة بين فريقين من الجمهور والزملاء، الأول انتقده بقسوة، وآخردافع عن موقف المدعو (يوسف الشريف)، وذلك في أعقاب تصريحات أدلى بها لإحدى المحطات التليفزيونية، حيث قال إنه قرر عدم المشاركة في أي عمل فني به مشاهد عاطفية “خارجة”، وخاصة بعد أن نصحه والده بالابتعاد عن هذه النوعية من الأعمال، بعد لقطات “جريئة” ظهر فيها في فيلم (هى فوضى)، وأوضح الشريف أنه: (يضع شروطا في عقود أعماله حرصا على عدم تقديم مشاهد عاطفية غير لائقة)، مضيفا أن “قراره تسبب في حرمانه من أدوار كثيرة، وجعله محل سخرية من زملاء له في الوسط الفني”.
صحيح أن الذي أثار موجة السجال الواسعة تلك هى قيام أحدى الصحف المصرية بنشر عنوان أن الشريف يرفض “ملامسة النساء”، وهو أمر نفاه الشريف تماما، ورد عبر بعض وسائل الإعلام داعيا الناس إلى احترام موقفه من الأمر، وأنه لا يفرض رأيه على أحد، لكن الأمر لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، حيث قام بعض العاملين في المجال الفني بوصفه بـ “الرجعي”، من بين هؤلاء المخرج مجدي أحمد علي، الذي قال (مكنتش عايز أتكلم في الموضوع لكن استفزني الكلام عن حرية الرأي والتعبير.. تعبير إيه أنت ممثل.. جزء من عمل فنى له قواعد وأسس أهمها إنه التمثيل مش واقع وإنما حالة للتأثير في مشاهد”، وأضاف في حديثه: “الكلام كدة بقى شبه كلام المشايخ اللي قالوا إن الجواز السينمائي جواز صحيح شرعا.. وبعدين أنت ممثل خاضع لشروط العمل الفني ليس من حقك فرض شروط من خارجه إذا كان من حقك أصلا أن تتدخل في عمل من صلب مهنة المؤلف والمخرج مبدعا العمل الأصليين.. ما علاقة كل هذا بحرية الرأي”.
ومع احترامي لكافة الآراء المؤيدة، لست مع من قاموا عليه بالهجوم لأنه ببساطه عبر عن وجهة نظره القاصرة فيما قدمه أو سيقدمه من أدوار، لكني أميل إلى تجاهل مثل تلك التصريحات، فنحن على حد قول الناقد الفني طارق الشناوي، (لانذكر آخر قبلة مثلا للفنان محمد رمضان أو السقا أو أمير كرارة في أعمالهم كانت امتى وفين، حيث أن النوع ده من التحفظ الذى أعلنه يوسف الشريف مؤخرا، يمارسه بعض النجوم ولكن دون إعلان)، ولاحظنا في فيلم “الكنز” حيث كان هناك تعاطف بين محمد رمضان وروبى ولكن في مساحة معينة للتعبير عن تلك العلاقة التي جمعت بينهما، وأشار الشناوي أن هناك فنانين من الجيل السابق منهم الفنان حسين صدقى الذى قيل إنه حرق بعض أفلامه بسبب المشاهد الساخنة وكذلك الفنانة شمس البارودى.
ونتذكر – يقول الشناوي – عندما طبقت الفنانة سهير البابلى المعايير في أحد المشاهد التي جمعتها بالفنان فتحى عبدالوهاب في مسلسل “قلب حبيبة” عندما عاد من الغربة ورفضت تحضنه، وكذلك في فيلم “كامل الأوصاف” التى قامت ببطولته الفنانة حلا شيحة بالحجاب وجلوسها في المنزل مع والدتها بالحجاب على الرغم من الناحية الشرعية أنه يجوز جلوسها معها بدون حجاب في المنزل.
إذن هى تصريحات صدرت عن شخص غير مسئول هو نفسه قال في أكثر من موسم رمضاني سابق: “مش ضروري تشوفوا مسلسلي .. وصلوا أفضل)، وهذا يعني بصورة أدق أنها صدرت عن فنان متواضع الإمكانات في أدائه بل أصنفه في خانة (دون المستوى)، وسوف يبرز هنا من يعترض على ذلك فورا مؤكدا أنه يملك موهبة أهلته للقيام بأدوار البطولة في عدة مسلسلات حظيت بنسب مشاهدة لابأس بها، وهذا صحيح ظاهريا، لكن أحب أن أؤكد على حقيقة مهمة على لسان خبراء التمثيل تقول: (إن كل دور يلعبه الممثل يجب أن يضع جزء من روحه به، وإلا أصبح الدور كذبة، لاشك أن جمال الممثل / الممثلة لايلعب الدور الرئيسي بأداء الشخصيات وتأثر الناس بها، فقوة الممثل تظهر بالأدوار الصعبة التي يجسدها، وكم سيتفاعل الناس معها، وهذا ببساطة معناه أن أدوار يوسف الشريف كلها أكاذيب، لأنها لا تحمل أي جزء من روحه، كما أنه لا يتمتع بأي قدر من الوسامة الصارخة التي تفرض نفسها على الدور، فضلا عن جمود الوجه والسحنة الباردة، وفقدان حرارة التجسيد، ناهيك عن إحساس دائم بأن نشاطه الرياضي مفتعل ولا يعكس أي نوع من القوة التي تصنع الجاذبية.
ياسادة: ليس الممثل هو الذي يتصنع في دوره ويؤديه أداء آليا سطحيا زائفا خاليا من الإحساس والمشاعر الصادقة، وينعدم فيه الإيمان الحي والحياة الواقعية الطبيعية، بل هو الذي يخلق روحا إنسانية في دوره، وهو مالم يفعله على الإطلاق (الشريف) في أدائه، فقد قدم عام 2004 كان دوره السينمائي الأول من خلال فيلم “سبع ورقات كوتشينة”، ولم تبدو أية علامات على موهبته على الإطلاق وعام 2005 شارك في مسلسل “العميل 1001” الذي كان من بطولة نيللي كريم ومصطفى شعبان، كما ظهر مع هذا الثنائي في العام ذاته بفيلم “فتح عينيك”، وحاول البروز أيضاً في مسلسل “على نار هادئة” بدور الضابط هشام إلى جانب الهام شاهين وتوفيق عبد الحميد، لكنه لم يفلح.
في عام 2006 كان له ظهور في فيلم “حليم” الذي تناول السيرة الذاتية للفنان عبد الحليم حافظ، وظهر على أنه أحد معجبيه فقط، بطريقة ساذجة لاتنم عن إدراك لأبسط قواعد التمثيل الحديث، ومع ذلك أسند إليه دور البطولة في فيلم “آخر الدنيا” ، ولم ينجح رغم وجد نيللي كريم إلى جانبه، وفي العام ذاته كان في مسلسل “السندريلا” الذي تناول السيرة الذاتية للفنانة سعاد حسني، ولعب دور زوجها الثالث “علي بدرخان”، وكان بعيدا كل البعد عن شخصية بدرخان، وفي عام 2007 كان أحد أهم الشخصيات المحورية في فيلم “هى فوضى؟” فلعب دور وكيل النيابة “شريف” المعني بقضايا المجتمع، وشاركه في البطولة كل من منة شلبي وخالد صالح، ولايذكر اسمه سلبا أو إيجابا حين يتعرض أحد النقاد للفيلم من قريب أو بعيد، لكنه في رمضان 2009 كان في مسلسل “ليالي” إلى جانب زينة ونخبة من نجوم مصر ولبنان، ظل على حاله في الأداء البارد الذي يخلو من الروح، وفي يوليو العام ذاته ظهر في بطولة فيلم “العالمي” الذي ضرب بالقاضية بعد أسابيع قليلة من وجوده في دور العرض.
أما في 2010 كان ضيفاً في المسلسل الكوميدي “عايزة اتجوز” من بطولة هند صبري وسوسن بدر وغيرهم الكثير، وأيضاً حلّ ضيفاً في مسلسل “اللص والكتاب”، وفي رمضان 2011 كان في بطولة مسلسل “المواطن x”، إلى جانب كل من شيرين عادل وإياد نصار والكثير من نجوم الدراما المصرية وقد اختفى وسطهم دون تسجيل أي نوع من الحضور، تماما كما ظهر في مسلسل “نور مريم” إلى جانب الممثلة والمغنية اللبنانية نيكول سابا، وأيضا في رمضان 2012 كان في مسلسل “زي الورد” مع درة وصلاح عبد الله، وفي مسلسل “رقم مجهول” مع شيرين عادل ومحمود الجندي.
في 2013 قام بالدور الرئيسي في مسلسل “اسم مؤقت” الذي جسّد فيه خمسة شخصيات مختلفة بعد تعرض شخصيته الرئيسية لفقدان ذاكرة إثر حادث أليم، واتّسم هذا المسلسل بغموض وإثارة كبيرين، لكنهما لم يتوازيا مع أدائه الذي اتسم بالارتباك وعدم وضوح الرؤية والتداخل العشوائي بين الشخصيات دون أي نوع من الاختلاف، وتوالت بطولاته الوهمية ففي رمضان 2014 أدّى شخصية الرائد سيف عبد الرحمن في المسلسل البوليسي المصري “الصيّاد” وحاول في هذا الدور أن يبذل قدرا من الجهد في تجسيد شخصية شاب فاقد البص، لكن كانت محاولاته دون جدوى، وفي رمضان 2015 حين جسّد شخصيتين في مسلسل واحد هو “لعبة ابليس” من خلال دورين لشقيقين من الأب ذاته أحدهما رجل أعمال والآخر ساحر يحاول تحصيل ثروة والده بشتّى الطرق، ومع ذلك ظهر فاقدا أي نوع من سحر الأداء، ونفس الشيء حدث في رمضان 2016 في مسلسل “القيصر” الذي كان يدور حول شخص يمتلك قدرات غير عادية وهو تابع لإحدى الجماعات الإسلامية التكفيرية المتطرفة، والتي تتبنى عمليات إرهابية، وكان الأسوأ تمثيلا في فريق العمل كله الذي اتسم بأداء ساحر فعلا وعلىرأسهم “خالد زكي وأشرف زكي، وأحمد سعيد عبد الغني.
وعلى عكس من قالوا أنه عام 2017 حقّق نجاحاً لا يُستهان به في مسلسل “كفر دلهاب” بشخصية الدكتور سعد، إلا أنني لم أرى فيه أي روح على مستوى الأداء الذي يبدو متصنعا إلى حد كبير في وجود قصة تميل فانتازيا في ثوب من الإثارة التي تكشف خراب الخيال لدى المؤلف، وفي أغسطس 2018 عاد لفشله السابق في السينما المصرية بفيلم “بني آدم” إلى جانب كل من دينا الشربيني وأحمد رزق وغيرهم الكثيرين، ولم يحقق أي نجاح يذكر إلى أن وصل إلى مسلسل “النهاية” الذي عرض في رمضان 2020، وهو من فكرته التي حولها الكاتب المسكون بهوس الفانتازيا الأقرب إلى التخاريف عمرو سمير عاطف إلى سيناريو وحوار، وكان من إخراج ضعيف للغاية من ياسر سامي.
ولعل مسلسل “النهاية” هو مربط الفرس في تصريحات يوسف الشريف، التي أثارت الجدل، فهو وفريق العمل يرفضون رفضا قاطعا كل الانتقادات التي وجهها الجمهور قبل النقاد حول عدم وضوح الرؤية أو الهدف من خيال علمي يجنح نحو الخرافة حتى أن البعض منهم أطلق تعبير(شفنا .. بس محدش فاهم أي حاجة)، ومن ثم فشل فشلا زريعا كان يستدعى المراجعة من جانب صناعه الذين يصرون على تصريحات جوفاء بضرورة استكمال العناصر الدرامية بعمل جزء ثان له ترتيبا على نجاح وهمي يسكن خيالهم المريض وحدهم.
دعونا من كونه صاحب مبدأ من عدمه، وسواء أيده بعض زملائه أو انتقدوه فهذا لايهمنا، وتعالوا نقيمه كممثل فقط بعد كل الفرص التي منحت له دون أي نوع من الإبداع ولنحاسب من أعطاه الفرصة أصلا، لأن منظور الدور – سواء احتوى على مشاهد ساخنة أو عدمه – يأتي حسبما كتبه المؤلف الدرامي في نهاية المطاف، ومع أنه قريب إلى حد ما من منظور الفنان الممثل إلا أنهما يفترقان أحيانا، ومنظور الفنان معناه تقنية السيكولوجية في لحظة الإبداع، وفيه يجب أن يفكر الفنان في مستقبل دوره، أي أن يكون المنظور في اعتباره على الدوام، وفي توازن بين قوى الإبداع الداخلية وإمكانات التعبير الخارجية، وتلك صفات للأسف لا تتوفر في (يوسف الشريف)، وذلك قياسا على الوتيرة الإيقاعية الخارجية والداخلية عنده، فهو يخلو تماما من الإيقاع الذي يعني العلاقة الكمية والأطوال الفعلية (الحركة ، الصوت) فحركته في التمثيل تشبه حركة الريبوت، والصوت ضعيف للغاية ولا يحمل أية شحنة عاطفية أو حتى نبرات مميزة توحي بالشر الذي جعله منهجا في أدائه في كافة أدواره، ومن ثم يفتقد لكل من المنطق والترابط معا، ومعروف أن للمنطق والترابط أهمية بالغة في أي عمل إبداعي، لذلك فان منطقية الفعل والشعور وترابطهما هما عنصران هامان من عناصر الإبداع.
وفي النهاية أخاطب (يوسف الشريف) من واقع دراسته للهندسة وأقول له: ياصديقي يبدو العمل الفني في مستوى الواقع الذي يصفه أشبه بلعبة من اللعب، فلكل لعبة قواعدها التي يجب أن يلتزم بها اللاعبون، ولكل لعبة أجواؤها وإيحاءاتها، والنتيجة المرجوة فيها، أنظر إلى “ولد البستوني” في لعبة ورق واحدة، تراه يختلف عن ولد البستوني في لعبة ورق ثانية، لها قواعد ثانية، والذين على دراية بعلم الهندسة الرياضي، أمثالك يعرفون هذه الحقيقة جيّدًا، فهناك الهندسة الاقليدية التي تعلمناها في المدارس، وفي هذه الهندسة لا تلتقي المستقيمات المتوازية، ويكون مجموع زوايا المثلث 180 درجة، بينما هناك هندسات أخرى، ليس فيها مستقيمات متوازية، أو فيها مستقيمات متوازية أكثر مما نتوقع، ومجموع زوايا المثلث فيها أكثر أو أقل من 180 درجة، وكل واحدة من هذه الهندسات هى واقعية بقدر الحاجة إليها، وإلى العالم الذي تصفه، فإذا رسمنا مثلثًا على سطح كرة مثلاً، كان مجموع زواياه أكثر من 180 درجة، فهل هذا واقع أو خيال؟، إنه واقعي على سطح الكرة، لكنه ليس واقعي على سطح الطاولة!.. أرجو أن تكون الفكرة قد وصلت إلى عقلك بالمنطق الرياضي الذي تفهمه، وهو مايصعب تطبيقه على أرض الواقع الفني.